نحن في أوغندا نبحث عنكم كمصريين، نريد أن نحيي التاريخ المشترك، لكنكم لا تأتون ولا تهتمون كثيراً
رئيس أوغندا «يوري موسيفني» 2013

كثيرون لا يعرفون عن أوغندا إلا من خلال كرة القدم، وأنها بلدٌ أفريقيٌ كثيرٌ ما يلاقي منتخب مصر منخب بلادنا لكرة القدم،لكن قليلًا من يعلم أن العلاقات الثنائية بين مصر وأوغندا عميقة وتاريخية، اتسمت في مراحل بالخضوع للسلطة المصرية وفي مراحل أخرى بالندية.

لم يكن النيل واهب الحياة عند المصريين القدماء وحسب، بل كان أيضًا ملهمًا لنشوء الدولة المركزية في مصر، فقد كانت شرعية الدولة ونظام الحكم مقرونين بقدرة هذه الدولة على تخطيط الري، والتحكم فيه والسيطرة على فيضانات النيل المميتة أو انخفاضه وما يتبع ذلك من مجاعات وأمراض. إذن حفّز هذا الجانب وجود دولة مركزية قوية في مصر منذ فجر التاريخ، وربما يفسر ذلك حتى يومنا هذا أهمية الدولة للمواطن المصري واعتماده عليها بشكل أساسي.

تميز نمط الإنتاج لأغلب الدول التي تعاقبت على مصر حتى العهد الحديث بنمط إنتاج زراعي يعتمد على الري، فقد تحتمت على تلك الدولة إدارة النشاط الزراعي وتسويقه وبيعه أيضًا، كما شكل النيل وسيلة اتصال تجارية هامة في عدة عصور بين أرض الحوض وأرض المنبع، وقد حاولت بعض الدول الفرعونية السيطرة على دول النيل جميعها كما في عهد تحتمس مثلًا.

من المُسلّمات عند اتباع مدرسة الجيوبوليتيك أنه «إذا مر نهر ما عبر أراضي أكثر من دولة، فإن الدولة الأقوى بين هذه الدول تعيش في تطلع دائم إلى ضم أقاليم الدول الأخرى بُغية التحكم في المُوَرِد المائي»[1]، وهذا ما يميز العلاقات المصرية الأوغندية، فتأتي أهميتها من أجل مياه النيل، شريان حياة المصريين.


عندما رفع العلم المصري في أوغندا

بعد توتر العلاقات بين الخديو إسماعيل والدولة العثمانية، قام الخديو بالاستعانة بضباط أمريكيين شاركوا في الحرب الأهلية هناك لتدريب الجيش المصري، وذلك لكي يفلت من التنافس الفرنسي البريطاني على مصر. أمر إسماعيل باستعادة التوسع في السودان جنوبًا، ضم مصوع – إحدى مدن إريتريا – وخاض حروبًا مع الإمبراطور الإثيوبي، حتى وصل إلى أوغندا عبر بعض الإرساليات التي كانت تسعى لاكتشاف وتحديد منابع النيل، واكتشفت بالفعل بحيرة إبراهيم باشا كرافد للنيل، والتي تعرف الآن باسم بحيرة كيوكا.

فرضت تلك الإرساليات – وبشكل سلمي – الحماية المصرية ورفع العلم المصري على مملكة أوغندا، وذلك مع توارد الأخبار بتقدم الجيش المصري المكون من 30 ألف مقاتل إلى فاشوده – إحدى مدن السودان الجنوبية – أُخفيت الوثائق التي تتعلق بالحكم المصري لأوغندا بعد الاحتلال البريطاني لمصر[2]. بدأ عهد التوسع بدافع الكشف وتأمين وادي النيل عام 1865، بضم فاشوده تحت إمرة جعفر صادق باشا، كذلك بالتعاون مع بعض القادة العسكرين مثل الزبير باشا حيث ضم أغلب مملكة دارفور[3] وساعد في إخضاع جزء كبير من السودان لحكم الخديو، بالإضافة لضم الصومال وشريط الساحل الغربي للبحر الأحمر، كان أهم فرمان أُصدِرَ بعد تلك الفتوحات الخديوية هو منع تجارة الرقيق.

تظهر الخريطة محاولة الخديو السيطرة على كل منابع النيل والتحكم فيها وظلت حتى عام 1879م
تظهر الخريطة محاولة الخديو السيطرة على كل منابع النيل والتحكم فيها وظلت حتى عام 1879م

في هذه الفترة قامت العديد من الرحلات المصرية الاستكشافية لأرض أوغندا التي ظلت تحكمها لأكثر من 14 عامًا، وأرسلت بعثات من الأزهر لنشر الإسلام، حتى تجاوز عدد المعتنقين للإسلام أكثر من ثلث السكان، وانتشر المذهب الشيعي في أوغندا إبان الإحتلال البريطاني عبر التجارة الآسيوية، ومن المهم الإطلاع أيضًا على التنافس الإيراني والإسرائيلي والإثيوبي والمصري، على أوغندا واستقطابها في المصالح المشتركة.

خريطة قديمة توضح حدود مصر من مذكرات الخديوي إسماعيل التي كتبها أثناء رحلته داخل أنحاء القطر الذي يحكمه بعد الرحلات الكشفية وفتوحاتها – عام 1878


بين الدعم والتجاهل

تراجعت العلاقات المصرية الأوغندية حتى بداية دولة يوليو، وفي إطار دعمه حركات التحرر الوطني في أفريقيا والعالم الثالث، قام جمال عبدالناصر بالسماح للمقاومة ضد الاحتلال البريطاني لأوغندا بافتتاح مكتب لها في القاهرة، تمارس من خلاله الشئون الإعلامية والدبلوماسية، وظل المجلس الوطني الأوغندي يتواصل بشكل دائم مع محمد فايق، مدير مكتب عبدالناصر للشئون الأفريقية، وذلك لتقديم دعم مباشر لحركة المقاومة، كما توجد بعثة ري مصرية في أوغندا منذ عام 1954، وحتى بعد الاستقلال عام 1962 ظل الدعم موجودًا من الدولة الناصرية، وتعاظم التوافق المصري الأوغندي بعد انقلاب ميلتون أوبوتي 1966م، وظل ذلك الوضع حتى تولى السادات.

كانت سياسة السادات متركزة على الداخل المصري منسحبًا من بعض الأدوار الأفريقية، ومع انقلاب عيدي أمين دادا عام 1972م، قام الأخير بطرد السفير الإسرائيلي، وسحب الاعتراف بإسرائيل، وتقرب إلى القاهرة واستقبل بعثات من الأزهر لتعليم المسلمين الدين، وأُنشِئ على إثر ذلك مجلس للأزهر، يتشكل من 22 عضوًا في معهد النور في مدينة ماساكا، وبعثة من الأوقاف تقوم على شئون المسلمين الدينية وهي موجودة حتى يومنا هذا، وفي ظل ممارسات دادا الإقصائية اجتاحت قوى المعارضة، بالتعاون مع الجيش التنزاني، أوغندا فأُقصي دادا من رئاسة البلاد، وتعاقب على أوغندا 6 حكام بعد الاستقلال؛ 5 منهم رحلوا بالانقلاب، والسادس يوري موسيفني ما زال في الحكم منذ عام 1986م وحتى الآن.

كان العهد الناصري يتحرك في سياسته الخارجية في إطار عروبي ثم أفريقي ثم إسلامي ثم العالم الثالث، أما في عهد السادات انكفأت القاهرة على نفسها وتسببت لنفسها في متاعب بعد مفاوضات كامب ديفيد، وذلك بمناقشة اقتراح ضخ مياه النيل إلى إسرائيل، مما استدعى عداء أفريقيًا كانت تتزعمه أوغندا وإثيوبيا.


مَن يظفر بكمبالا؟

عادت القاهرة على استحياء إلى الملف العربي مع احتلال الكويت، ثم عاودت الانتشار في محيطها الأفريقي بشكل متردد، مع تصاعد التنافس الإسرائيلي والإيراني على دول حوض النيل، ومع تململ بدأ يصعد إلى السطح من قبل دول المنبع التي تشعر بظلم جراء اتفاقات 1929 و1959م، التي تعطي الأفضلية في مياه النيل لدول المَصب (مصر والسودان) على حساب دول المنبع.

ينتشر المذهب الشيعي في العاصمة كمبالا وفي كاليرو وميوجي وبوجيري ومناطق أخرى، منافسًا لوضع الأزهر التاريخي. ومع الثورة الإيرانية 1979،تزعم الشيخ عبدالقادر مويا، المتعلم في قم على يد المرجعيات الشيعية، والذي اغتِيل في عام 2014، وشُهِدَ في فترته انتشارًا ناعمًا للمذهب الشيعي، كما وطدت إيران العلاقات مع أوغندا وأهدتها العديد من المشاريع التنموية، والمستشفيات التي تجاوز عددها 9 مستشفيات، مع بناء أكثر من 135 مسجدًا وحسينية، بالإضافة إلى مراكز تعليمية ضخمة مثل مؤسسة أهل البيت. ويشير الرئيس موسيفني إلى أن الثورة الإيرانية ألهمته في انقلابه ضد عيدي أمين في 1979.

وعلى مستوى آخر قام الرئيس موسيفني عام 1994م بإعادة الاعتراف بإسرائيل، وأبرم اتفاقية استقبال اللاجئين الأفارقة المهاجرين إلى إسرائيل، وفي عام 2000 أبرمت اسرائيل اتفاقية مع أوغندا لعمل مشروع زراعي ضخم على ضفاف النيل، بما يؤثر على حصة مصر من المياه، بالإضافة لتعاقد لاستخراج المواد المعدنية من النحاس والياقوت والذهب.

زار موسيفني إسرائيل أكثر من مرة، وكذلك أقدم نتنياهو على زيارة أوغندا عام 2016. شارك موسيفني أيضًا في حرب الصومال إلى جانب القوات الأمريكية،وأرسل قوات في حرب أفغانستان 2001، وفي حرب العراق 2003، وحصل على منح تمويلية من الولايات المتحدة، ومن إسرائيل بلغت 750 مليون دولار سنويًا، منها 170 مليونًا في القطاع العسكري، كما شاركت إسرائيل في تطوير قدرات الجيش الأوغندي وتدريبه، وصل إلى حد تدريب أكثر من 300 ضابط في القوات الجوية.

في هذه الأثناء قامت أوغندا بدعم حركات التمرد في جنوب السودان في تسعينيات القرن الماضي، يُشاع أن ذلك تم برضا وموافقة غربية وإسرائيلية، كما أُشيع في هذه الفترة عن رغبات إثيوبيا وأوغندا إقامة مشروعات تنموية على نهر النيل، مما اضطر الرئيس المصري الأسبق مبارك لإعادة التوجه نحو أفريقيا خصوصًا مع تهديد الوضع في الجنوب، فمن ناحية زيادة دولة في جنوب السودان قد يعقد المسألة على السياسة المصرية تجاه دول الحوض، ومع توتر العلاقات مع نظام البشير وقتها سعت مصر للتنافس مع العديد من الدول التي تحاول السيطرة على موقف أوغندا، مستغلاً حاجتها إلى التنمية الاقتصادية وضعف البنى التحتية التي تحتاج إلى تطوير، بالإضافة إلى رغبة مصر الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن نيابةً عن أفريقيا في ظل الحديث عن تغيير نظام الأمم المتحدة في العقد الأول من الألفية الثالثة.

فقام مبارك بإطلاق مشروع تنظيف مياه النيل من الحشائش الضارة عام 1998 في أوغندا وتنزانيا، بتكلفة بلغت 20 مليون دولار على أربع مراحل، آخرها انطلق في عام 2017 بتكلفة 2 مليون دولار، كما طرحت مصر مبادرة حوض النيل الأولى عام 1999 بتنزانيا وكانت صيغة أولية، واقترحت مصر إقامة دورة ألعاب حوض النيل لكرة القدم ولألعاب أخرى أولمبية بين الدول الـ11 لحوض النيل، ولم تدخل حيز التنفيذ إلا في 2011. وقبيل الثورة في 17 يناير/ كانون الثاني 2011 تُوجت مصر بنسخة البطولة أما منتخب أوغندا، كما تم استئناف الدورة للألعاب العام الحالي 2019.

كذلك دعمت مصر أوغندا بـ13 مليون دولار للسيطرة على تدفق النيل من بحيرة إبراهيم باشا، وذلك بسبب الفيضانات التي تسببت في خسائر بشرية واقتصادية عام 2004، كما تقدم الدولة المصرية 26 منحة للدراسة الجامعية للطلاب الأوغنديين المتميزين بالقاهرة، 16 مقعدًا منها بالأزهر. وفي عام 2007 وبعد الفيضانات التي ضربت شمال شرقي أوغندا، أرسلت القاهرة ما يقرب من طن من الأدوية، وحاويات للأرز وزيت الطعام وخيامًا للمتضررين من الفيضانات، وطورت مستشفى أتوجو غربي أوغندا بمنطقة روهوما، وفي يوليو/ تموز 2008 قام حسني مبارك بزيارة أوغندا، الزيارة الأولى لرئيس مصري للدولة، مصطحبًا معه وفدًا من الوزراء ورئيس المخابرات، توصلوا إلى تفاهمات بخصوص عدم دعم أوغندا لجنوب السودان، ليستبدل بعدها الدعم الأوغندي بآخر مصري، مقابل بداية عهد استثمارات مصرية بالبلاد كان أهمها في قطاع الزراعة والثروة الحيوانية.

ومن أهم المؤسسات التي تستثمر في أوغندا، بنك القاهرة الدولي ومصر للطيران وشركة مانتراك (المملوكة لمجموعة شركات منصور)، والمقاولون العرب، وشركة النصر للاستيراد والتصدير، وشركة الأفارقة للتنمية. سعت مصر في عهد مبارك لمنافسة الدول التي حاولت استقطاب أوغندا لصالحها، حيث كانت أوغندا في العادة حليفة لإسرائيل وهذا يظهر جليًا في تصويتها بالأمم المتحدة، وتعاونت مع إيران بشكل جلي.

انتهت تلك المحاولات بإتفاق عنتيبي بين: تنزانيا وكينيا وأوغندا و رواندا وإثيوبيا، حول مياه النيل في مايو/ أيار 2010، الاتفاق الذي ينهي الفيتو المصري على أي مشروع على مياه النيل، ويسعى لإعادة توزيع مياه النيل، بما يضر بمصالح مصر والسودان، ولم يدخل الإتفاق حيز التنفيذ إلا بعيد الثورة المصرية في مارس/آذار 2011 بموافقة بوروندي عليه، تبع ذلك موقف ضعيف ومتراجع من القاهرة نتيجة للوضع السياسي التي تمر به البلاد حتى عام 2014.


محاولات الاحتواء الضعيفة

مع قدوم السيسي وموقفه بالقبول بسد النهضة الإثيوبي، سعى إلى إعادة سياسة الاحتواء لدول المنبع، فاستطاع استقطاب الكونغو الديموقراطية باستثمارات مصرية هناك، خصوصًا مع بداية عهد جديد مطلع هذا العام بانتخاب فليكس تشيسكيدى رئيسًا للبلاد.

كذلك نفس السياسة بخصوص بوروندي وتنزانيا مما جعلهما أقرب للجانب المصري، ناهيك عن التحالف القائم مع إريتريا التي تتحالف مع مصر بسبب عداوتها لإثيوبيا، ودعمها حركات التمرد هناك والصراع الإثني في أثيوبيا بدعم المخابرات المصرية، وتقدم مصر لإريتريا السلاح والدعم العسكري، وهو نفس الدعم التي تقدمه لجنوب السودان وحكومة سالفاكير مما وتر علاقتها بالسودان البشير التي أيدت الموقف الإثيوبي، أما الآن فمصر وإثيوبيا يحاولان استقطابها بعد الانقلاب على البشير، ليتضح أنها تميل ناحية القاهرة أكثر من أديس أبابا.

أما بالنسبة لأوغندا فإن حكومة مرسي اتجهت لدفع الاستثمارات المصرية هناك حيث زار وفد اقتصادي كمبالا في مايو/ أيار 2013، ولكن دولة أوغندا أيدت تحركات الجيش في 30 يونيو/ حزيران 2013، كما قامت بدور مهم لقبول نظام السيسي أفريقيًا، وكأن بيت القرار الأفريقي تحول من الشمال الأفريقي إلى دول منبع النيل وجنوب أفريقيا، ومن بعدها حاولت القاهرة استقطاب أوغندا، فزارها السيسي مرتين، بلغت إجمالي الصادارت المصرية إلى أوغندا 70 مليون دولار، والواردات منها 1.5 مليون دولار.

ساهمت مصر في إنشاء خمسة سدود صغيرة في مقاطعة كسيسي، وذلك للسيطرة على الفيضانات استكمالًا لمشروع مبارك منذ عام 2008، وذلك على نهر نياموامبا، كما قامت شركة القلعة القابضة «المصرية السعودية الإماراتية»، بالاستحواذ على حصة 51% من شركة سكك حديد الوادي المتصدع RVR، الذي يربط بين ميناء مومبسا الكيني وكمبالا بتكلفة بلغت 150 مليون دولار. وقامت الشركة المصرية الأوغندية للأمن الغذائي بافتتاح وتشغيل مجزر اللحوم الآلي المصري في كمبالا باستثمارات تقدر بـ10.5 مليون دولار. وفي عام 2016، قدمت مصر منحة طبية إلى مستشفى ملاجو بالعاصمة كمبالا، وقامت مصر بعقد اتفاقيات لاستيراد الشاي واللحوم والسمسم في عام 2018، والأهم أنها شاركت في تدريب وتأهيل أكثر من 125 أوغنديًا في القطاع العسكري والشُرطي وهندسة الري خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

هذه العودة المصرية إلى دول الحوض ما يميزها أنها باهتة إلى حد بعيد، فبما يفيد الاستقطاب السياسي إذا كانت مصر تتنازل في القضايا الخلافية طواعيةً لتلك الدول، ملف سد النهضة مثالًا، ولكن لا يمكن إنكار أن مصر الآن تحاول احتواء 7 دول من أصل 11 من دول حوض النيل، محاولة استعادة دورها الإقليمي لحفظ توازنها وأمنها القومي المتمثل في شريان مياه النيل.

المراجع
  1. أحمد وهبان، مقدمة إلى علم العلاقات الدولية – دار الكتاب الجامعي 2015، ص107.
  2. عبدالله حسين، السودان من التاريخ القديم إلى البعثة المصرية، الجزء الأول- مؤسسة هنداوي 2013، ص155
  3. سعيد الزبير، الزبير باشا رجل السودان، ص 22.