كرة القدم تزداد تعقيدًا ومبالغة بدون شك، إلا أن أكثر ما يتربص به الجماهير هو فكرة رواتب اللاعبين. وكصناعة ضخمة تدر المليارات فلا عجب أن العنصر الأساسي في تلك الصناعة يتحصل على الملايين أيضًا، فهو جوهر العرض كما يقال.

ينتمي لاعب الكرة عادة إلى بيئة فقيرة ومستوى مادي قليل أو متوسط في أفضل الأحوال، ولأن الأموال أيضًا تمنح لاعب الكرة مقابل موهبته التي قد تنضب أو تنتهي بفعل إصابة، أو على العكس تتطور وتتعاظم بشكل لا يصدق.

هذا المزيج بين الفقر والموهبة والأموال الغزيرة التي تأتي بشكل مفاجئ أنتج الكثير من القصص التي تجيب عن سؤال إلى أين تذهب تلك الملايين التي يتحصل عليها لاعبو كرة القدم؟


مرحبًا بنمط الحياة الفخم

يعيش ميسي في مدينة كاستيلديفيلس الساحلية، والتي تبعد 12 ميلًا جنوب غرب برشلونة. لكن ميسي بعد أن أتم شراء منزله اكتشف أنه يملك جيرانًا مزعجين بعض الشيء. لذا قرر ليو أن يشتري منزل الجيران أيضًا حتى ينعم بالهدوء في منزله مع أسرته.

قصة بسيطة توضح لك نمط الحياة الفخم والمتضخم الذي يحظى به لاعبو الكرة. لا شيء غير قابل للبيع والشراء، ومع توافر الأموال بشكل كبير يكون الصرف بشكل كبير أيضًا. مجلة فورفورتو الإنجليزية تصدر بعض المقالات المكتوبة عن طريق لاعب كرة قدم لا يفصح عن اسمه، لكنه يعرف بأنه لعب في الأقسام الأربعة للدوري الإنجليزي، ولعب لمنتخب إنجلترا أيضًا. وذلك هو بعض شهادته بخصوص كيف يصرف لاعبي الكرة أموالهم.

يقوم لاعبو كرة القدم بثلاثة أشياء أساسية عندما تزداد لديهم الأموال. شراء سيارة bmw وساعة رولكس، ثم ينفق الكثير من أمواله على صديقته.

إنفاق الأموال شيء سهل للغاية. السيارات على سبيل المثال نقطة ضعف كبيرة لدى لاعبي الكرة. هناك لاعب ذهب إلى سان تروبيه في فرنسا، وهناك رأى سيارة لامبورجيني برتقالية تلمع تحت ضوء الشمس. اعتقد أن امتلاك تلك السيارة هو الشيء الأفضل على الإطلاق. عندما عاد إلى إنجلترا اشترى سيارة مماثلة. لكن ما بدا جميلًا في صيف فرنسا لم يبدُ كذلك في شتاء إنجلترا.

أنا متأكد أننا إذا ما حسبنا قيمة استهلاك السيارات لدى لاعبي كرة قدم الدوري الإنجليزي الممتاز، فالمبلغ قد يوازي الديون العامة لعدد من البلدان. لقد كنت موجودًا في أحد الأندية في الآونة الأخيرة، وكانت هناك 14 سيارة بمتوسط قيمة لكل سيارة 80 ألف جنيه إسترليني.

إحدى تلك السيارات كانت تنتمي للاعب شاب صغير، يعرف عنه أنه يستهلك 20 ألف إسترليني خلال عطلة مدتها 5 أيام يقضيها في لاس فيجاس. يسافر على متن الدرجة الأولى ويقيم في جناح خاص ويشرب قوارير شامبانيا كريستال. هذا الشاب في العشرين من عمره فقط.

هناك بعض اللاعبين الذين تحولوا لنسخ سيئة بسبب كثرة المال. لقد ذهبنا إلى ملهى، وقرر ذلك اللاعب أن يتعرف على إحدى الفتيات، لكنها كانت بصحبة صديقها الشخصي. أخبر اللاعب إدارة الملهى أن صديق الفتاة يضايق اللاعبين، فتم إخراجه دون أن تلحظ الفتاة ذلك، ثم بدأ في التعرف عليها.

انتهى حديث اللاعب الذي لا نعرف من هو تحديدًا. إلا أن القصة الأخيرة تنبهنا جيدًا لفكرة هل تستطيع الأموال أن تغير من طبيعة لاعب الكرة. هناك قصة مماثلة تؤكد ذلك يقصها بطلها الإنجليزي بيتر كراوتش في كتابه الذي يتناول سيرته الشخصية.


أنت تمتلك الأموال، يجب أن تعيش حياة عصرية

يتحدث كراوتش عن شرائه لسيارة أستون مارتن وهو في الرابعة والعشرين بعد انتقاله لنادي ليفربول. كان يقودها بنوافذ مفتوحة في أنحاء مدينة مانشستر، حيث تصدح منها موسيقى سبيد جراج. يتحدث كراوتش عن كونه لا يحب تلك السيارة من الأساس، ولا يفضل موسيقى سبيد جراج، ولكنه أصبح لاعبًا دوليًّا والقواعد القديمة لا تسري عليه.

يجب أن يكون عصريًّا ويقود الأستون مارتن، ولكنه وهو في ذروة تلك العصرية الزائفة اصطدم بما جعله يفيق. لقد توقف في إشارة ليجد بجواره اللاعب الأيرلندي المخضرم روي كين، حاول كراوتش أن يلفت انتباهه، لكنه تلقي نظرة اشمئزاز من قبل روي كين. تلك النظرة تحديدًا جعلت كراوتش يعيد التفكير في كل شيء. عرف كراوتش أنه من دون أن يشعر أصبح الشخص السيئ الذي أقسم أنه لن يكونه قبل ذلك.

فكرة مواكبة الحياة العصرية تدفع لاعب كرة القدم إلى الكثير والكثير من الإنفاق. الملابس والسيارات والمنازل وكل الرفاهيات المتاحة يجب أن تكون على قدر الأموال التي يتحصل عليها اللاعب. لكن هناك من يقع ضحية لذلك النمط الجديد من الحياة وتتقلب به الظروف، فيجد نفسه دون أموال تمامًا.


الإنفاق غير الجيد

بول جاسكوين مثال جيد للإنفاق الذي تحول إلى وبال على صاحبه. بول واحد من أمهر اللاعبين الذين أنجبتهم إنجلترا، إلا أنه كان مدمنًا للخمر بشكل فاضح. أنفق بول الملايين على الخمور والمخدرات، ثم تعرض لحالة طلاق وتحول إلى إدمان القمار أيضًا، لينتهي به الحال إلى تراكم ديون تتجاوز 400 ألف دولار.

لي هندري اللاعب الإنجليزي الذي لعب لفريق أستون فيلا لأكثر من عشر سنوات. كان هندري يعرف بالبذخ كما أن لديه الميل المعتاد للاعبي الكرة نحو امتلاك السيارات. امتلك أيضًا العديد من المنازل في أنحاء إنجلترا، وبعد أن حدث الانهيار الاقتصادي السكاني وجد الرجل نفسه رفقة أراضٍ لا قيمة لها. تقدم بطلب ليعلن إفلاسه، حيث خسر حوالي 15 مليون دولار.

لاعب آخر أعلن إفلاسه أيضًا، وهو اسم تعرفه الجماهير العربية جيدًا. النيجيري بابايارو، فبالرغم من أن اللاعب كان يتقاضى 45 ألف إسترليني أسبوعيًّا أثناء لعبه لأندية تشيلسي ونيوكاسل فإنه أعلن إفلاسه بعد صرف الملايين على السيارات والقصور المختلفة.

الغاني سولي مونتاري تعرض للكثير من السخرية بعد أن اشترى سيارة مرسيدس بسعر 900 ألف جنيه إسترليني بمواصفات لا تناسب الحياة الأوروبية على الإطلاق، حيث كانت السيارة ضخمة للغاية وتسير على 6 عجلات.

كيث جيليسبي اسم لا يعرفه الكثير، لكن هذا اللاعب كان يلقب بجورج بيست عندما اقتحم التشكيل الأساسي لفريق مانشستر يونايتد، إلا أن هذا اللاعب أنفق أكثر من 7 ملايين دولار على المقامرة، ما دفعه لانخفاض مستواه ولأزمة مالية طاحنة.

ربما كل هؤلاء كان ليتغير مصيرهم مع وجود ما يسمى بالمستشار المالي. هناك اسم آخر لعب لنادي مانشستر يونايتد، وهو الفرنسي لويس ساها. لويس ساها فطن لفكرة صرف الأموال دون تخطيط التي يصاب بها لاعبو كرة القدم، ولذا وبمجرد أن أعلن الفرنسي اعتزاله أسس شركة غرضها هو تقديم نصائح مالية للرياضيين المحترفين والمدربين والوكلاء بغرض عدم تعرضهم للإفلاس. وعلى ذكر المستشار المالي فهناك من فطن للفكرة صغيرًا وأثرت في حياته بشكل لا يصدق.


أسماء ناجحة للغاية

روبي فاولر لاعب ليفربول السابق ظهر في قائمة صنداي تايمز لأغنى ألف شخص في بريطانيا.حيث يعتبر فاولر واحدًا من أغنى لاعبي العالم لما يمتلكه من إمبراطورية عقارية ناجحة. ويرجع فاولر كل ذلك إلى امتلاكه مستشارًا ماليًّا، وهو في الثامنة عشرة.

ماثيو فلاميني يعد مثالًا مبهرًا. حيث شارك فلاميني في تأسيس شركة للكيماويات الحيوية. احتلت تلك الشركة المركز الأول في إنتاج حمض الليفولينيك، وهو بديل نفط مستدام يمكن استخدامه في المواد البلاستيكية والمذيبات والوقود وصناعة الأدوية.

كلارينس سيدورف لديه أيضًا سلسلة من المطاعم التي تمتد من ميلانو لروما لجبال الألب الفرنسية، زميله في فريق ميلان ومدربه الحالي جينارو جاتوزو أقر بأنه حقق حلم حياته بعد افتتاح مطعم ضخم للأسماك، حيث كان يحلم جاتوزو أن يصبح صياد أسماك وهو صغير.

العديد من الأسماء لمعت كثيرًا في فكرة استغلال الأموال بعد اعتزال كرة القدم. إلا أن هناك أسماء بدأت تلك الاستثمارات وهي على أرض الملعب مستغلة نجوميتها الهائلة. أحد أهم تلك الأسماء هو البرتغالي رونالدو، والذي يصدر ماركة للملابس تحمل اسمه وسلسلة فنادق أيضًا. سبقه في ذلك أيقونة ارتباط كرة القدم بالاستثمار الإنجليزي ديفيد بيكهام، كما أن بيكهام أوشك أن يمتلك ناديًّا أيضًا في ميامي بالولايات المتحدة الأمريكية.


الشغف الذي يمتد لما بعد الاعتزال

أحد أهم الاستثمارات التي تنفق فيها أموال لاعبي كرة القدم هي كرة القدم نفسها. الشغف المحيط باللعبة جعل بعض اللاعبين مثل الأسماك لا يستطيعون أن يتنفسوا خارجها أبدًا.

يمتلك دروجبا نادي فونيكس رايسينج في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان يمتلك النادي ويلعب في صفوفه أيضًا كسابقة تحدث للمرة الأولى. الجيل الذهبي لمانشستر الإنجليزي متمثل في رايان جيجز وبول سكولز ونيكي باط والأخوان نيفيل يمتلكون نادي سالفورد سيتي، والذي يلعب في الدرجات المتدنية بالدوري الإنجليزي.

السنغالي ديما بارفقة إيدين هازارد ويوهان كاباي وموسى سو كونوا أيضًا مجموعة مالكة لنادٍ اسمه توسل في سان دييجو، الجديد في الأمر أنهم مازالوا يلعبون كرة القدم بشكل احترافي.

أما أحدث الوجوه المنضمة لمالكي الأندية، فهو البرازيلي رونالدو الذي أتم امتلاك الحصة الأكبر لنادي بلد الوليد الإسباني. وإذا كان النادي الذي بصدد أن يمتلكه ديفيد بيكهام قد يطرح باسم إنتر ميامي، فلك أن تعرف أن هناك ناديًا يسمى بميامي ومملوك لأسطورة إيطاليا باولو مالديني.