لا يخفى على أحد المنصب الذي يشغله سيد عبد الحفيظ داخل أروقة النادي الأهلي، فلفظ «مدير الكرة» ليس بجديد على مسامع الجمهور المصري، فهو منصب شغله لعدة عقود أحد النجوم المعتزلين سواء في الأهلي أو في الزمالك ومعظم أندية الدوري المصري، حتى بات هناك شبه اتفاق غير معلن على ذلك بين الأندية المصرية، لكن الجدير بالتّفكُر؛ هو ماهية هذا المنصب.

ربما أول ما يتبادر إلى أذهاننا بمجرد ذِكر سيد عبدالحفيظ، حالة الاستقطاب التي تدور حوله بين عموم متتبعي الكرة في مصر، فتارة يَخرج بعض لاعبي الفريق لانتقاده، وأخرى يكون خلافه مع رئيس نادٍ آخر أو أحد نجومه محل حديث الشارع الرياضي، وما بين هذا وذاك، يظل السؤال حاضرًا، ما ماهية هذا المنصب؟ وهل يوجد عالميًا بالشكل الذي يعتنقه سيد عبد الحفيظ ومديرو الكرة في مصر؟

المنصب الذي لا يعرفه «أرسين فينجر»

مدير كرة القدم؟ لا أعرف ماذا يعني هذا؟ هل هو شخص يقف على الخط ويوجه اللاعبين؟ لست مستعدًا للحديث عن ذلك. أنا مدير الفريق، وطالما كنت مديرًا؛ سأقرر ما سيحدث، هذا كل شيء.
أرسين فينجر المدير الفني السابق لأرسنال عن منصب مدير الكرة.

في الأيام الأولى لكرة القدم الاحترافية، كان طاقم عمل أي نادٍ يتألف بشكل أساسي من المدير الفني المسؤول عن تدريب الفريق، والمدير التنفيذي الذي يتعامل مع الشؤون المالية والإدارية للنادي، وكان نجاح النادي يتوقف على مدى جودة هذه الشراكة بين الرجلين، لكن هذا كان في الماضي.

فمع تحول كرة القدم إلى صناعة هدفها الربح، لم يعد من الغريب أن نسمع ونقرأ عن المبالغ الخيالية التي تُدرها الأندية والدول من هذه الصناعة.

تُظهر هذه المبالغ الفلكية أن كرة القدم لم تعد مجرد لعبة لاثنين وعشرين رجلاً داخل الملعب، بل مليارات تمتد لتشمل الأعمال التجارية والرياضية؛ وهو ما جعل دور المدير التقليدي أو المدرب أكثر صعوبة مما كان عليه في السنوات الماضية.

هذا هو السبب في أن الأندية في جميع أنحاء أوروبا اتجهت إلى تعيين مدير كرة القدم، وهو الشخص الذي يعمل كوسيط بين الإدارة والفريق والمدير الفني، مما يسمح للمدرب واللاعبين للتركيز فقط على الأمور الفنية داخل وخارج الملعب.

ربما لا يتفق المدير الفني السابق لأرسنال «أرسين فنجر» حول ذلك، كما قرأنا في التصريح أعلاه؛ لأنه ببساطة كان آخر ما تبقى من المدرسة القديمة، التي اعتمدت لعقود على الشراكة بين المدير الفني والتنفيذي حول كل ما يتعلق بشؤون النادي.  

ورغم أن هذه السياسة قد آتت أُكلها، وجعلت أرسنال يتربع على عرش أندية أوروبا والعالم، فنيًا وتجاريًا، فإنها قد بليت، وولى زمانُها، ولم يصبح أمام أرسنال والأندية الإنجليزية خيار، إلا مواكبة العصر، والإيمان بمدى أهمية المدير الرياضي، أو مدير الكرة، لكن ذلك حدث متأخرًا، كما سنرى. لنُتابع.

أوروبا التي تضع القواعد

لم يعد غريبًا على مسامعنا أيضًا لفظ المدير الرياضي، فعلى الرغم من عدم انتشار هذا المنصب في الأندية العربية، فإنه أصبح دورًا فاعلًا في الأندية الأوروبية. فبات أمرًا عاديًا أن تُفرد نقاشات على وسائل التواصل الاجتماعي حول أهمية دور المدير الرياضي للأندية، بل وأصبحت شخصيات مثل «مونشي» في إشبيلية و«لويس أوكامبوس» في باريس سان جيرمان وغيرهما أسماء معروفة لكل متابعي الكرة في العالم. هم ليسوا مدربين أو لا عبين لامعين، فقط هم مديرون رياضيون.

إن دور مدير كرة القدم مثير للاهتمام، كونه لا يخضع لقواعد تُحدد ماهيته بشكل دقيق، فعادةً ما يشغل هذا المنصب لاعبون سابقون، لديهم فهم جيد للعبة، إضافة إلى علاقة جيدة مع الأندية واللاعبين، وشبكة علاقات في عالم كرة القدم.

لكن دور المدير الرياضي أكثر وضوحًا؛ كونه أكثر شمولية. حيث يشارك المدير الرياضي بشكل كبير في جميع جوانب العمل، بما في ذلك تعيين المدربين وإقالتهم، واستكشاف اللاعبين، ووضع الاستراتيجية الخاصة بالنادي.

كان الاتحاد السويسري سبّاقًا في إدراك أهمية المدير الرياضي لكرة القدم، حيث تم تعيين«هانسرويدي هاسلر» في عام 1995 مديرًا رياضيًا للكرة السويسرية. حصل هاسلر فعليًا على تفويض مطلق، لتطوير هوية كروية جديدة كما يراها مناسبة. عندما انتصرت سويسرا في كأس العالم تحت 17 سنة 2009، كان انتصارهم يرجع إلى حد كبير إلى إعادة هيكلة هاسلر الأساسية لكرة القدم في البلاد.

يؤكد«دان أشوورث» المدير الرياضي لنادي برايتون، وأحد أنجح المديرين الرياضيين في إنجلترا والعالم حاليًا، أنه لتحقيق النجاح، يجب أن يُمنح المديرون الرياضيون اتساعًا ومساحة للإشراف على الجانب التشغيلي الرياضي للمنظومة. فالمدير الرياضي من وجهة نظره، الرجل الذي يعرف ما يدور في الملعب مثل المدير الفني، وما يدور في قاعات الاجتماعات كرئيس النادي.

أهم ما يُميز المدير الرياضي الناجح من وجهة نظر دان، هي المهارات القيادية، التي لا يمكن اكتسابها بسهولة، فاتخاذ القرار ليس أمرًا يسيرًا، لكنه من الضروري أن يوجد شخص حاسم، قادر على فعل ذلك، مما يعني منح باقي الأشخاص القدرة على التركيز على أدوارهم.

هل يجب على المدير الرياضي أن يكون لاعبًا سابقًا؟

هناك فكرة خاطئة شائعة مفادها أنه لكي تعمل مديرًا رياضيًا في رياضة معينة، يجب أن تكون لديك معرفة خاصة بالرياضة. وفقًا لبحثي، فإن هذا ليس هو الحال، هناك العديد من الأمثلة على انتقال المديرين الرياضيين من رياضة لأخرى.
الباحث الرياضي توني فولكنر الحاصل على الماجستير في علم الإدارة الرياضية من جامعة سالفورد

يعتقد توني أن مهام المدير الرياضي تشبه مهام مدير الشركة، إنه يدعم عدم حاجة المدير الرياضي إلى معرفة رياضية محددة، فالأهم في هذا الدور من وجهة نظره، هو امتلاك مهارات وسلوكيات قيادية مشتركة بين جميع عناصر المنظومة.

هناك عدة أمثلة على ذلك خارج كرة القدم، مثل بريندان بورسيل، المدير الرياضي لمنتخب التجديف البريطاني، والذي جاء من لعبة الترياتلون ولم يكن لديه خبرة في التجديف، كما كان كريس سبايس، المدير الرياضي لمنتخب السباحة البريطاني، لاعبًا ومدربًا للهوكي قبل أن ينتقل إلى لعبتي الرجبي وكرة السلة.

إنجلترا: أن تأتي مُتأخرًا

بينما اعتمدت الأندية في جميع أنحاء أوروبا على مدير رياضي، كانت الأندية الإنجليزية مترددة في القيام بذلك، فكانت إنجلترا بالكامل تدعم وجهة نظر أرسين فينجر، التي ذكرناها في البداية.

كان مانشستر يونايتد من أفضل الأمثلة التي عانت بسبب عدم وجود مدير رياضي، وترك السلطة بأكملها في يد الإدارة، التي لا تهدف سوى للربح.

اشتكى العديد من مدربي يونايتد بما في ذلك لويس فان جال وجوزيه مورينيو من أن أيديهم كانت مقيدة من قبل مجلس الإدارة، وأن وجود مدير كرة القدم وإعادة هيكلة النادي كان شيئًا حتميًا إذا ما أراد النادي الرجوع لمصاف الكبار، وهو ما انصاعت إليه مجلس إدارة الفريق، قبيل عام واحد فقط، عندما عينوا دارين فليتشر كأول مدير فني للنادي.

 
ما كان يحدث من قبل هو أن الكرة في إنجلتر كانت تُدار داخل صوامع. كان مدير الفريق الأول يتخذ قرارات بشأن القروض لأنه لم يكن هناك أي شخص آخر حول تلك المحادثات؛ الفريق الأول كان يلعب بطريقة والأكاديمية بطريقة أخرى. وهلم جرا
مايك جيلهام مدير رياضي سابق في أندية القسم الثاني والثالث الإنجليزي

كانت كل الصلاحيات لسنوات طويلة في إنجلترا، في يد رجل واحد وهو المدير الفني، كما تحدثنا عن أرسين فينجر، فالسير أليكس فيرجسون مثال آخر على ذلك، الرجل الذي يُعتقد أنه ما زال يتحكم في النادي حتى بعد قرابة عشر سنوات من تركه مهمة تدريب الفريق، لكن وبعد سنوات عجاف، أدركت الفرق الإنجليزية حتمية حاجاتها لهذا الدور، فأصبح يوجد تقريبًا 15 مديرًا رياضيًا من أصل 20 فريقًا في للدوري الإنجليزي.

«مايكل ذورك» الذي يعرف مبادئ ناديه حقًا

بالعودة إلى مصر، نجد أن مديري الكرة في الأندية، لا يبيعون شيئًا للجماهير سوى الوهم، أحدهم يلعب دور المثالي، فقد كان نجمًا خلوقًا، لكن ماذا عن مهام مدير الكرة حقًا؟ لا يعرف عنها شيئًا، والآخر يعرف أن نغمة المبادئ ذات مفعول كبير مع جماهير فريقه، فلا مانع من إلصاقها في كل موقف، ومع كل مشكلة يكون فيها طرفًا أساسيًا.

لم يسمع هؤلاء النجوم بـ «مايكل ذورك»، الذي كان نجمًا لفريق بروسيا دورتموند، وبعد اعتزاله عام 1998، تولى منصب مدير الكرة في الفريق، ولأنه رجل يعرف حقًا مبادئ ناديه، أسهم ذورك في تطوير أكاديمية الفريق، وكان له الفضل في استكشاف سيل اللاعبين الذي غزا، ولا يزال فرق أوروبا الكبرى.

ما فعله «باولو مالديني» عندما تولى منصب مدير الكرة في ميلان كان شيئًا إعجازيًا، فإعادة الفريق المنكوب إلى عرش إيطاليا، فقط في غضون عامين شيء مبهر. وغيره من النجوم، الذين عرفوا حقًا مبادئ أنديتهم، واستغلوها في غير المتجارة بها، استغلوها في تطور فرقهم.

نهايةً، نحتاج في مصر وفي عالمنا العربي، إلى إدراك أهمية المدير الرياضي سواء للمنتخبات، أو للفرق، نحتاج إلى أشخاص يعرفون حقًا ماهية هذا الدور، تعرف كيف تخلق الفلسفة والاستراتيجية والاستمرارية للفرق والمنتخبات.