بكلمات موجزة أعلن الناطق العسكري باسم حركة المقاومة حماس، أبو عبيدة، أن القيادة الإسرائيلية تخدع شعبها بخصوص الأسرى، وأن مصير الأسرى قد يكون مثل سابقيهم. من هؤلاء السابقين ذكر الناطق أربعة أسماء، الأول رون أراد كدلالة على مصير الضياع والفقد. والثاني القتل مثل نخشون فاكسمان، والثالث النسيان والإهمال مثل شاؤول آرون وهدار جولدن. فما هي قصص تلك الأسماء؟

أبرزهم هو رون أراد، طيار إسرائيلي سقطت طائرته في لبنان عام 1986. بعد سقوط طائرته جرى اعتقاله على يد مجموعة من عناصر حركة أمل الشيعية الموالية لإيران. ومنذ تلك اللحظة وتلك المعلومة هي آخر ما يعرفه العالم عن رون. فقد اتهمت إسرائيل الحكومة الإيرانية بأنها تُبقيه في سجونها، لكن ردت إيران بنفي قاطع لهذا الاحتمال.

ارتفعت الآمال في العثور عليه حيًّا بسبب قيام القوات الإسرائيلية بانتشال الطيار الثاني الذي كان على متن الطائرة حيًّا. وبعد أسره بعام عرضت حركة أمل مبادلته بـ 200 لبناني و450 أسيرًا فلسطينيًّا، بالإضافة لـ 3 ملايين دولار. لكن انهارت تلك الصفقة بعد رفض إسرائيل.

لكن مع مرور الوقت بدأ الاعتقاد العام يتقبل فكرة أنه قد مات، أيًّا يكن سيناريو موته لكن الواقع أنه قد مات. لكن في السياق الرسمي ترفض إسرائيل حتى لحظة كتابة التقرير إعلان وفاته رسميًّا، وتعتبره بطلًا قوميًّا.

وتُجري بين الحين والآخر عمليات بحث موسعة من أجل العثور على أي أثر له، رغم أن القائد السابق لسلاح الجو الإسرائيلي أفيهو بن نون قد صرح في يوليو/ تموز عام 1999 باعتبار رون ميتًا، وأن السيناريو الأقرب أنه قد قُتل في الأسر.

لكن لم يلقَ كلامه قبولًا في الأوساط الإسرائيلية، فرصدت مؤسسة إسرائيلية تُسمى وُلد للحرية مكافأة قدرها 10 ملايين دولار أمريكي لمن يدلي بأي معلومة عنه. رغم أن حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، قد أعلن عام 2006 رسميًّا أن رون قد قُتل وفقدت جثته. لكن بعد عام واحد أكد إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، أنه تلقى ما يُعتقد أنها رسالة أُرسلت من روم منذ عام 1986.

لكن عاد الموساد الإسرائيلي عام 2016 ليؤكد مع الاستخبارات العسكرية التأكيد بأن الاحتمال الأقرب للحقيقة أن رون قد قُتل في أسره. لكن ظلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تقدم لناخبيها وعودًا بالكشف عن هذا اللغز الكبير ووضع نهاية حقيقية لمصير الطيار المختفي.

نخشون فاكسمان

أما فاكسمان فقد أسرته كتائب القسام عام 1994، من تجمع لجنود الاحتلال داخل أراضي 48. كانت كتائب القسام تنوي مبادلته بالشيخ أحمد ياسين، زعيم حركة حماس.  وشارك يحيى عياش ومحمد الضيف في ترتيب عملية الاختطاف، وكان عياش هو من لغَّم نوافذ ومداخل البيت الذي سيُقتاد له الجندي، كان منزلًا مستأجرًا من أصحابه المقيمين في الخارج.

لكن رفض الاحتلال تلك الصفقة، التي تضمنت أيضًا مطالب بالإفراج عن زعيمي حزب الله عبد الكريم عبيد، ومصطفى الديراني. وجميع معتقلي كتائب القسام، و180 أسيرًا من الفصائل الأخرى. وبالطبع الإفراج عن كل الأسيرات الفلسطينيات. المختلف في تلك الصفقة أن الضيف، الذي أعلن المطالب، أمهل إسرائيل 3 أيام فقط لتنفيذ تلك المطالب وإلا فستقتل الكتائب الجندي.

 وأمكن معرفة مكان احتجاز فاكسمان، رغم أن الكتائب قد ضللت الاستخبارات الإسرائيلية عبر الإعلان أولًا عن أسر فاكسمان من خلال الضيف، بالتالي اعتقد الجميع أن الأسير في غزة. ثم نشرت الكتائب فيديو آخر للأسير من الضفة، فارتبكت المخابرات الإسرائيلية خصوصًا مع ضيق الوقت.

لكن وصلت إسرائيل إلى جهاد يغمور، طرف الخيط في القضية. وتحت التعذيب الوحشي اعترف بمكان وجود الجندي. في بير نبالا، قضاء رام الله، في الضفة الغربية.

حاصرت القوات الإسرائيلية مكان الأسر، فقامت الخلية القسامية المسئولة عنه بقتله لضمان عدم حصول إسرائيل عليه حيًّا. وجرت عملية اقتحام ملحمية بين مقاتلي القسام وجنود الجيش الإسرائيلي. ارتقى على إثرها أفراد الخلية القسامية بعد أن قتلوا قائد الوحدة المقتحمة وجنديًّا، وأصابوا قرابة 20 جنديًّا من الفرقة.

وكان الثلاثة الذين استشهدوا من كتائب القسام هم صلاح الدين حسن جاد الله، 22 عامًا، من حي الشيخ رضوان. وحسن تيسير عبد النبي، 22 عامًا، من مدينة الخليل. وعبد الكريم بدر ياسين المسلماني، 23 عامًا، من القدس المحتلة.

شاؤول آرون وهدار جولدن

أما الاثنان الأخيران فقد أسرتهم كتائب القسام منذ قرابة عشر سنوات. جولدن تم أسره عبر كمين نصبته كتائب القسام لوحدة من الجنود الإسرائيليين تسللوا جنوب قطاع غزة. أوقعوا أفراد تلك القوة بين قتيل وجريح، واستطاعوا أسر جولدن والعودة به لمراكزهم. جولدن يتشارك النسب مع موشي يعلون، وزير في الجيش الإسرائيلي. وأعلنت الحركة عن قتله، وأنها تحتفظ بجثته.

أما شاؤول آرون فكان أسره ضمن معركة العصف المأكول التي شُنت عام 2014. استطاع مقاتلو القسام تفجير ألغام أرضية في عدة آليات إسرائيلية ما أدى لإعطابها واستطاعوا أسر آرون.  كان آرون هو أول جندي تأسره القسام بعد أسر جلعاد شاليط عام 2006. ولم تعلن إسرائيل أنها فقدت جنديًّا أو أن القسام أسرت شاؤول إلا بعد يومين كاملين من إعلان أبي عبيدة في 20 يوليو/ تموز  2014.

 لكن القسام أعلنت أسره، وأظهرت قلادة تعريف مكتوبًا عليها البيانات الخاصة به، وقال الناطق العسكري إنهم يتركون باقي القصة للاحتلال ليرويها لأبناء شعبه، فالاحتلال يعرف جيدًا لمن تلك القلادة وكيف ومتى نُزعت. لكن الحكومة الإسرائيلية أعلنت بعد عامين أن الجندي قتل برصاصة في الرأس. لكن الرأي العام الإسرائيلي يرفض تصديق أنه قُتل، بينما لم تقدم كتائب القسام أي أدلة تثبت أنه على قيد الحياة.

لم تجرِ صفقة تبادل بخصوص شاؤول وجولدن حتى لحظة كتابة التقرير بسبب المماطلة الإسرائيلية، والرغبة في كسب الوقت ربما تستطيع القوات الإسرائيلية بأي طريقة تحقيق نصر تاريخي بالوصول لرفاة  أي أسير منهما دون دفع ثمن باهظ بالدخول في صفقة تبادل مع حماس.

لكن يبدو أن كل تلك الإخفاقات عادت لتطارد الحكومة الإسرائيلية في الآونة الأخيرة. خصوصًا بعد تلويح الناطق العسكري بأسمائهم مرة أخرى، ليُزلزل ثقة الأهالي الإسرائيليين في الحكومة الإسرائيلية، ويُلمح إلى أن آخر ما تبالي به القيادة الإسرائيلية هو عودة رهائنها، سواء أحياء أو جثثًا، وأن الهدف الحقيقي هو منع المقاومة الفلسطينية من تحقيق أي نصر مادي أو معنوي مهما يكن الثمن، حتى لو كان على جثث أبنائه ومقاتلي جيش الدفاع.