رجعوا الناس للشغل فورًا.. لما شوية يموتوا أحسن ما البلد تفلس.. ولو المستشفيات مش هتستوعب.. ما نتعالجش، ومش هتبرع.. فلوسي لموظفيني.. أنا مش مسؤول عن دخل الشعب.
رجل الأعمال المصري حسين صبور

تحمّل العمّال على مستوى العالم حصة غير متناسبة من الألم الناجم عن جائحة الفيروس التاجي كورونا. في ظل تفضيل كثير من الشركات الحفاظ على السيولة النقدية لديها عبر تقليص نفقاتها التي على رأسها رواتب العاملين لديها، من أن يتحمل رأس المال نفسه عبء تلك الخسارة.

أثار ذلك تساؤلات عديدة، من جهة: هل يتشارك العمال الدخول العالية في وقت الرخاء مع أصحاب رأس المال وحملة الأسهم، ما يؤهّلهم فعلاً لأن يكونوا شركاء في الخسائر كما في الأرباح؟ وفي المقابل: هل يمكن أن تتحمل المؤسسات وحدها الخسائر في ظل تقلص نشاطها أو تجميده؟

تراجع حصة العمال من رأس المال عالميًا

منذ مطلع الثمانينيات، انخفضت حصة العمالة من الدخل في 35 دولة من الاقتصادات المتقدمة من حوالي 54% إلى 50.5% في عام 2014 رغم تزايد الأرباح بمعدلات كبيرة، حتى أن بعض تلك الاقتصادات بما في ذلك فرنسا وألمانيا كانت حصص العمال من الدخل قد وصلت فيها قبل الأزمة المالية العالمية في 2008 إلى أدنى مستوى لها في نصف قرن.

أما في الولايات المتحدة، فقد كان الانخفاض في حصة العمال من الدخل منذ مطلع الألفية ملحوظًا بشكل كبير وفق البيانات الرسمية الصادرة عن مكتب إحصاءات العمل. ففي حين بدأت حصة العمال من الدخل في الانخفاض منذ ستينيات القرن الفائت، فإن ثلاثة أرباع الانخفاض الكامل في تلك الحصة حدث في الفترة بين 2000 إلى 2016؛ من 63.3% في عام 2000 إلى 56.7% في عام 2016 – بعد انحراف هبوطي معتدل في الثمانينيات وأوائل التسعينيات، وانتعاش طفيف في أواخر التسعينيات.

كما شهدت الاقتصادات النامية أيضًا نفس الظاهرة، وإن كان بدرجة أقل. إذ تشير الدراسات المتاحة إلى انخفاض حصة العمالة من الدخل من 39% في عام 1993 إلى 37.4% في عام 2014، نظرًا لانخفاض أسعار الأسهم فيها في أوائل التسعينيات، وهو الوقت نفسه الذي شهدت فيه الاقتصادات المتقدمة والنامية انخفاضات وتراجعات متتالية ومتنوعة.

فبالرغم من النمو الاقتصادي الإيجابي على مستوى العالم، فإن ذلك لم ينعكس إيجابيًا على دخل الأسر. فوفق تقرير حديث صادر عن معهد ماكينزي العالم، فإن ثلثي الأسر في 25 اقتصادًا متقدمًا شهدت دخلًا ثابتًا أو أقل من المعتاد في الفترة بين عامي 2005 و 2014، برغم النمو الاقتصادي الكلي الإيجابيًا، الأمر الذي يرجع لعدة أسباب.

في المقابل، تميزت الحقبة الأخيرة بتزايد استئثار الشركات بالأرباح، إذ حصلت الشركات الكبيرة على نصيب الأسد منها. وبحسب معهد ماكينزي العالمي، فإن أكبر 10% من الشركات العاملة في العالم تستحوذ لنفسها على نحو 80% من الأرباح، كما تحصل الشركات التي تزيد إيراداتها عن مليار دولار نحو 60% من جميع الإيرادات العالمية.

تستمر حصة العمال من رأس المال على مستوى العالم في التراجع، الأمر الذي يعود لأسباب جوهرية، أهمها:

1. ثورة الحوسبة وما قدمته من آلات ومعدات ذكية تجعل من الإنتاج أمرًا ممكنًا بدون عمالة كثيرة. تلك الثورة تسببت في انخفاض كبير في أسعار تلك السلع الاستثمارية، وباتت ظاهرة عالمية. ومع انخفاض قيمة الآلات والمعدات، تلجأ كثير من الشركات لاستبدالها بالعمال والموظفين الذين يؤدون أعمالاً نمطية أو روتينية.

2. تلعب التجارة الدولية وحركة رأس المال الدولي دورًا كبيرًا في تراجع تلك الحصة، إذ تؤدي المنافسة المتزايدة من البلدان ذات القوى العاملة الكبيرة وغير المكلفة إلى خفض الأجور وتقليل حصة العمال من الدخل خاصة في الدول الأقل نموًا.

ومع زيادة حركة رأس المال، يحدث تقلص في القدرة التفاوضية للعمال بشكل عام. ومع تهديد الشركات بالانتقال بفروعها إلى الخارج، يتقيد نمو الأجور بالتبعية؛ خاصة في ظل انخفاض معدلات الانضمام إلى النقابات التي تضمن حقوق الموظفين أو العمال وتطالب بها.

3. تلعب الأرباح الزائدة التي تنجم عن نجاح ريادة الأعمال، والتي تتحول في صورة مدخرات للشركات، دورًا هامًا في انخفاض حصة العمالة من رأس المال. فقد أظهر باحثون أن انخفاض أسهم العمال ارتبطت بدرجة كبيرة بزيادة كبيرة وواسعة في مدخرات الشركات.

فخلال الثلاثين عامًا الماضية، زادت مدخرات الشركات من إجمالي المدخرات العالمية بنحو 20%. وفي الولايات المتحدة، بحسب خبراء الاقتصاد فإن القاعدة الضريبية للشركات التي تتكون من الأرباح الزائدة بلغ متوسطه 60% من عام 1992 إلى عام 2002، كما ارتفعت إلى 75% خلال الفترة من 2003 إلى 2013.

آثار التدفق النقدي السلبي على الشركات

يعد النقد هو الأصل المطلوب لمشاركة الشركات في النظام الاقتصادي، ومن ثم فإن أي شركة لا تستطيع البقاء على المدى الطويل مهما بلغ الاحتياطي النقدي لها بدون توليد تدفقات نقدية إيجابية جديدة.

جدير بالذكر أن بيان التدفق النقدي لكل شركة يختلف عن الكشوف المالية الأخرى لأنه بمثابة دفتر شيكات مؤسسي يسجل المعاملات النقدية للشركات (التدفقات الداخلة للشركة والخارجة منها) خلال فترة محددة، ومع ذلك لا يُظهر التدفق النقدي بالضرورة جميع نفقات الشركة لأن جميع المصروفات المستحقة للشركة لا يتم دفعها في آن واحد.

يحدث ذلك التدفق النقدي عندما تقوم شركة بتحويل أموال إلى طرف آخر بصورة مباشرة أو إلكترونية، تلك الأموال التي تدخل لحساب الشركات يتم تحويلها إلى بنود لدفع رواتب الموظفين والموردين والدائنين ولشراء الأصول والدخول في استثمارات طويلة الأجل، أو دفع النفقات القانونية وتسوية الدعوات القضائية التي قد ترفعها الشركات.

 وقد تكون أرباح الشركات سلبية رغم التدفق النقدي الإيجابي، فقد تعاني شركة تصنيع من انخفاض الطلب على منتجاتها، بما يحول دون التصنيع الإضافي. الأمر الذي قد يضطر تلك الشركة لبيع بعض معداتها بأسعار أقل بكثير مما دفعته عند شرائها، وهو ما يعني أن الشركة من الوارد جدًا أن تتخلى عن جزء من موظفيها لتخفيف عبء الرواتب.

كما أن الخسائر الناتجة عن العمليات التجارية لها تأثير معاكس للأرباح، فقد تضطر الشركات التي تواجه حصة سوقية منخفضة نظرًا لانخفاض طلب المستهلك أو التراجع في دورة الأعمال إلى الحد من الناتج التشغيلي. ذلك التخفيض قد يشمل تسريح موظفين وبيع معدات أو أصول أو حتى إغلاق المنشآت التجارية ذات الأداء الضعيف.

وقد تضطر بعض الشركات إلى اتخاذ تدابير إضافية اعتمادًا على حجم الخسائر التجارية التي تواجهها، وقياس ما إذا كانت طرق التخفيض الأولية التي اعتمدتها قد قللت من تأثير الخسائر التشغيلية أم لا.

لكن في بعض الحالات، قد تجبر الخسائر التجارية المستمرة الشركات على إعلان إفلاسها، فبينما تحاول العديد من الشركات تجنب الإفلاس من خلال بيع أعمالها إلى منافس أو تأمين إضافي لمواصلة العمليات، فإن حل الإفلاس قد يكون الخيار الأخير، وهو ما تقع فيه عادة الشركات الصغيرة أو الشركات ذات الأداء الضعيف.

ووفقًا لبحث أجراه معهد «جي بي مورجان تشيس»، فإن الشركات الصغيرة لديها ما يكفي من النقد في البنوك لمدة 27 يومًا بدون أموال إضافية. وأن كل يوم يمر لا تجلب فيه الشركات الصغيرة أموالاً تزيد عن نفقاتها، فإن ذلك يساهم في انخفاض الاحتياطات النقدية للشركات.

وبحسب الدراسة، فإن متوسط إنفاق الشركات الصغيرة يوميًا قد يصل لـ 374 دولارًا أمريكيًا فيما يجلب أرباحًا تبلغ 381 دولارًا أمريكيًا فقط، مما يجعل قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على تحمل الخسائر ضئيلة للغاية.

الأمر ينطبق على الشركات الكبرى كذلك ولكن ربما تستطيع تلك الشركات الصمود لفترة أطول، فأي شركة مهما بلغت قوتها تمتلك احتياطيًا نقديًا يختلف عن غيرها، ومع تزايد النفقات دون وجود تدفق نقدي إيجابي تحدث الخسارة الحتمية.

من يتحمل العبء في حالات الأزمات؟

ليس من المفترض أبدًا أن يتحمل العمال والموظفون، الذين لا يحظون بحصة عادلة من أرباح الشركات، عبء أو مسؤلية خسائر شركاتهم سواءً كانت تلك الخسائر ناجمة عن مشاكل مالية خاصة بالشركة أو ظروف عالمية أثرت بشكل مباشر على القدرة المالية للشركة، بينما مسؤلية ذلك العبء لابد أن تتشاركها الحكومات والشركات سويًا.

دور الحكومات في تشارك العبء

تستطيع الحكومات توجيه البنوك المركزية لاتخاذ سياسات مالية من شأنها التخفيف من عبء الأزمات المالية التي تواجهها الشركات جرّاء الأزمات المحلية أو العالمية.

كأن تقوم البنوك المركزية بخفض سعر الفائدة المستهدف على الصناديق قصيرة الأجل التي يتم إقراضها للقطاع المالي. إذ في حالة معدلات الفائدة المرتفعة تصبح تلك القروض حلاً غير فعال، خاصة وأن ذلك سيكلف القطاع المالي ميزانية أكبر لاقتراض الأموال التي يحتاجها للوفاء بالعمليات والالتزامات اليومية.

وبالتالي، فإن أسعار الفائدة قصيرة الأجل تيسر على الشركات فكرة الاقتراض دون الخوف من قيمة الفوائد المتراكمة، وهو ما يمكنها من تسديد رواتب موظفيها كأحد الحلول البديلة للإبقاء على عمالها وعدم الإضرار بهم. كذلك، فإن الأمر من شأنه أن يشجع الاستثمار الجديد باستخدام الأموال المقترضة.

إضافة إلى ذلك، بإمكان الحكومة دعم الشركات عبر زيادة الإنفاق الحكومي، تلك السياسة المالية تستهدف تحفيز الطلب الكلي وسحب الاقتصاد من دوامة الانكماش. فإذا توقف الأفراد والمواطنون عن الشراء في ظل ظروف اقتصادية صعبة كجائحة كورونا، فإنه لا يوجد أي حافز لدى الشركات للإنتاج والاستمرار في توظيف عمالها وموظفيها.

لذا بإمكان الحكومة إقراض الشركات وتحمل جزء من العجز المالي الواقع عليها، وهو ما ستستخدمه الشركات في الإنفاق على رواتب موظفيها والاستثمار وعدم إيقاف الإنتاج حتى تبدأ الأسعار في الارتفاع مرة أخرى مع عودة الطلب عند انتهاء الأزمة أو انخفاض حدتها. وهو بالفعل ما قامت به عدة دول خلال أزمة كورونا، وعلى رأسها ألمانيا التي أمّنت 550 مليار دولار كقروض من الدولة للشركات المتعسرة مع ضمانات للتخفيف من وطأة الأزمة على الشركات.

علاوة على ذلك، فإن الحكومات بإمكانها خفض الضرائب المفروضة على الشركات؛ الأمر الذي يعني مزيدًا من الدخل لحساب الشركات وموظفيها والاستفادة بالميزانية التي تضعها الشركات للضرائب. بيد أن الحكومة يجب أن لا تلجأ لخفض الضرائب على نحو كبير؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى نتائج عكسية. فقد يجبر انخفاض الإيرادات الضريبية الإجمالية الحكومات على الحد من الإنفاق ووقف عمليات الخدمات الأساسية.

دور الشركات في تحمل العبء

إنها أزمة إنسانية، وعلى الشركات أن تعامل موظفيها بطريقة تتمحور حول الإنسان.
ناتاشا لامب ، الشريك الإداري في أرجونا كابيتال، وهي مديرة مالية لديها تاريخ حافل من مبادرات الدعم بشأن المساواة في الأجور والإدارة البيئية.

مع توقف نشاط الاقتصاد المحلي والعالمي أو تباطؤه، وبينما تستعد العديد من الشركات لانخفاض حاد في الطلب على خدماتها، وتفضل تسريح العمال أو تقليص رواتب، فإن هناك شركات لا تزال تهتم بموظفيها فتسمح لهم بالعمل من خلال المنزل كوسيلة لجعل الحياة أسهل والحفاظ على أرواحهم.

فقد أثبتت أزمة كورونا أنه بإمكان الموظفين أداء أعمالهم عبر الإنترنت من المنزل، دون حاجة الموظفين للذهاب إلى مكاتبهم وتعريض أنفسهم للخطر، الأمر الذي شجعت عليه بالفعل بعض الشركات.

كشركة «أمجين» الأمريكية التي تصنع أدوية لأمراض القلب والصداع النصفي، والتي أرسلت مع بداية الأزمة الموظفين للعمل بمنازلهم ببدل 250 دولارًا مقابل المعدات التي قد يحتاجونها لتكييف العمل من خلال المنزل، وبدل 50 دولارًا شهريًا لخدمات الإنترنت والهاتف، ووعدت بمنحهم رواتبهم كاملة حتى ولو تضاءلت أعمالهم.

يعني ذلك، أن بإمكان الشركات الكبيرة التي تتمتع باحتياطي نقدي كبير أن تتحمل المسؤولية الاجتماعية، وتتشاركها سويًا مع الحكومات بالنيابة عن الموظفين باعتبارهم ليسوا شركاء في الربح كي يتم توريطهم في خسارة ليس لهم دخل بها.

كما أن على الشركات أن تعلم أن تشجيع الموظفين للحفاظ على أنفسهم وإبقائهم في منازلهم يعني المزيد من محاصرة الفيروس ومن ثم العودة في وقت أسرع للعمل. فخسارة بعض الملايين في رواتب الموظفين والحفاظ على التباعد الاجتماعي أهون بكثير من خسارة التريليونات التي تعانيها البورصات على مستوى العالم. فكلما طال أمد الأزمة نتيجة لتهاون الشركات وأصحابها خسرت البورصات أمامها المزيد من التريليونات.