قبل أن يبرم البرتغالي كريستيانو رونالدو صفقته التاريخيه للانتقال إلى النصر السعودي، كان من المرجح أن يكون من أكثر اللاعبين سهولة في الانتداب داخل الدوريات الأوروبية. لم يكن ينتظر قبل كأس العالم إلا أن يجد ناديًا ينشط في دوري أبطال أوروبا. أفادت التقارير بأنه في اللحظات الأخيرة وتحت ضغط من اقتراب انتهاء مسيرته، كان مستعدًا للتخلي عن نسبة لا يستهان بها من آخر راتب تقاضاه في مانشستر يونايتد (450 ألف إسترليني أسبوعيًا).

لكن ما حدث أن صفقة رونالدو قد تكون من بين الأكثر تكلفة على الإطلاق في التاريخ، خصوصًا أنه كان لاعبًا مجانيًا في التوقيت الذي أبرمت فيه، وبالتالي لم يتكلف النصر سوى البنود الشخصية الخاصة باللاعب، غير أن ما خفي أعظم.

هذه الصفقة يتظر أن تصل تكلفتها إلى زهاء الـ 600 مليون يورو خلال فترة تعاقد مدتها سنتان ونصف، وهذا ما يظهر على السطح حتى الآن.

200 مليون يورو كل عام، وقيم أخرى لها علاقة بالاستعداد لتمثيل السعودية في سعيها لاستضافة كأس العالم 2030، وهو ما صرح به وزير المالية السعودي محمد الجدعان في تصريحاته لشبكة «سي إن بي سي» وبنود لها علاقة بالإقامة في قصر مهيب في أرقى أماكن الرياض «المحمدية»، كل هذا ليس تمويل نادٍ سعودي واحد اسمه النصر، ويدفع لأكثر لاعبيه راتبًا لا يزيد عن 5.7 مليون يورو سنويًا.

لقد قاد هذا إلى الاستفسار الأكثر أهمية أو الاستفسار الذي يعرف الكل إجابته سلفًا، دون خوض في التفاصيل، وهو «من مول صفقة رونالدو تلك بكل هذا البذخ؟!».

من أين تأتي أموال الأندية السعودية؟

تحصل الأندية السعودية على المال من خلال وسيلة أساسية تتمثل في المخصصات الدورية التي تمنحها وزارة الرياضة وهيئتها الأساسية «الهيئة العامة للرياضة»، وتضمن حدًا أدنى من المخصصات وفق إرادة كل نادٍ ووفق ما لا يخل بالتوازن بين الأندية.

إلا أن هناك وسائل أخرى تجني بها الأندية مقابلًا ماديًا قد يبلغ في حالة الأندية الكبرى أضعاف ما تنفقه الوزارة، أولها العينيات التي تقدم من الأمراء السعوديين للأندية التي يشجعونها، وتحالفات الشركات وعقود الرعاية، وتبقى نسبة قليلة لمساهمات الأعضاء.

هنا تجد أن أندية مثل النصر والهلال والشباب والاتحاد والأهلي تستطيع تحصيل مبالغ عملاقة سنويًا وهذا ما يمكن أن نراه في رواتب وصفقات تلك الأندية.

إلا أن الإنفاق على رونالدو بهذه الأرقام خارج تمامًا عن أي معدلات سابقة. هذا جنون رقمي غير مسبوق. لذلك لابد من إجابة متماسكة على سؤال تمويل الصفقة، حتى لو كانت الإجابة معروفة.

الإعلامي السعودي الأكثر شهرة وليد الفراج ربما يكون قد ذكر «الصيغة المرضي عنها» سعوديًا على سؤال تمويل الصفقة، حين قال إن أموال صفقة رونالدو أتت من «تحالف شركة الوسائل السعودية مع نادي النصر من خلال تسويق عقد اللاعب في هذه الصفقة، من خلال عقد مجموعة رعايات وعدد من البرامج الحكومية المتعلقة بالسياحة».

شركة الوسائل

شركة الوسائل السعودية للدعاية والإعلام، والتي ظهر اسمها في أدبيات تمويل صفقة رونالدو، هي مطور إداري ولوجيستي اقتحم المجال الرياضي في السعودية بقوة خلال السنوات الأخيرة.

يرأسها محمد الخريجي إمبراطور الإعلام السعودي، وأبرز مشروعاتها في المجال الرياضي كان مشروع تطوير منشأة ملعب جامعة الملك سعود ليصبح «مرسول بارك» قلعة النصر وأحد أهم ملاعب السعودية في الوقت الحالي.

من السهل أن نعرف في منطقتنا العربية أن الشركات المستثمرة لا تكون سيدة قرارها دائمًا في ملفات من هذا النوع، وأن دخول بعض هذه الشركات في صفقات بعينها لا يكون إلا غطاءً لتمرير إنفاق أكثر سخاءً من ممول لا يريد الظهور.

بعد أن أفرغ الفراج ما أريد له أن يقوله حول تمويل الصفقة، أحرجته وزارة الرياضة السعودية التي وعدت باقي الأندية بصفقات أخرى، هذه الأمور شديدة الحساسية في السعودية، والإنفاق بهذا البذخ لا بد أن يكون قد أسال لعاب باقي الأندية.

ولأن السعوديين «لا يسترون» أبدًا على تويتر، فقد طالب أحدهم الفراج بالاعتذار لأن الوزارة وعدت الأندية بصفقات فيما يشير إلى أن تمويل صفقة رونالدو كان بيد الوزارة، ليرفض الفراج ويقول إن هناك عقود رعاية كبرى ستصل السعودية بعد وصول رونالدو، مصرًا على عدم إقحام أي جهة رسمية سعودية في ملف تمويل الصفقة.

محمد بن سلمان «نصراوي»

كان كل شيء مفهومًا بشكل ضمني، إلى أن صرح أحد المصادر من داخل النصر السعودي دون ذكر اسمه بالطبع لوكالة الأنباء الفرنسية، بأن هذه الصفقة تمت بدعم من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، وإخوته أبناء الملك سلمان بشكل كامل.

اختيار النصر بشكل خاص، كان لأن محمد بن سلمان وإخوته من مشجعي النصر، ولديهم جميعًا عضوية شرفية في النادي حتى قبل أن يصبح والدهم وليًا للعهد.

بل إن المصدر ذاته أفاد بأن أشقاء محمد بن سلمان، وعلى وجه التحديد نايف وتركي، هما من اقترحا الصفقة برمتها ودعما إتمامها باستماتة كبيرة، إلى أن أصبحت واقعًا حقيقيًا.

بوضوح قال المصدر، إن صندوق الاستثمارات السعودي، وهو أعلى الصنادق ملاءة مالية في العالم بأسره ممن اقتحموا عالم الرياضة، والمالك الرسمي لنادي نيوكاسل، الذي يرأسه ولي العهد محمد بن سلمان، هو من ضمن ضخ هذه الأموال الخاصة بصفقة رونالدو دون أي التزام على إدارة النصر.

ما لا يخفى على أحد أيضًا داخل البيت النصراوي، أن المدرب رودي جارسيا لم يكن متحمسًا للغاية لجلب رونالدو، الذي لامه علنًا على تضييع فرصة سانحة أمام الاتحاد في نصف نهائي كأس السوبر السعودي كان تسجيلها كفيلًا بقلب النتيجة.

كريستيانو رونالدو بات قائد النصر بالأمر المباشر. لقد أخل هذا بنظام اجتهد جارسيا كي يفرضه في بيت «العالمي» ودخل به الموسم الجاري بمنتهى القوة.

ولكن رئيس النادي نفسه مسلي آل معمر لا يملك كثيرًا من أمره حيال هذه الصفقة، التي ستنقل وجه المملكة عالميًا إلى آفاق غير مسبوقة، وستجعلها قبلة لعديد من اللاعبين الأفذاذ في نهاية مسيرتهم.

طموح النصر لا يقف عند رونالدو، العالمي قريب من إبرام صفقتين كبيريين في حدود الصيف المقبل تتمثلان في لوكا مودريتش ونجولو كانتي.

ما نحن مقبلون عليه هو عصر غير مسبوق من البذخ في كرة القدم، وما ظنه العالم «إفسادًا» في الماضي، لن يكون إلا «فكّة» في بحر الأموال التي ستنفقها السعودية في السنوات المقبلة.

من غير المستبعد أن يوضع على طاولة ليونيل ميسي رقم يجعله يترك ما هيأه لنفسه في الولايات المتحدة الأمريكية ويتنازل عن أحلام العودة المظفرة لبرشلونة، ويرتدي أزرق الهلال ويقارع الأهلي في كأس العالم للأندية، نحن نتحدث عن أكبر ملاءة مالية في العالم، صندوق الاستثمار السيادي السعودي، ورئيسه محمد بن سلمان، أهم رجل في الشرق الأوسط!.