شبهة ألوهية المسيح

منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، قدّم لي أحد الأصدقاء – يعمل مأذونًا – بعض الأوراق المكتوب عليها نص محاضرة عنوانها «ألوهية السيد المسيح في القرآن»، وكان عنوانًا مفاجئًا وصادمًا لي، فلما سألته عن قصة هذه الأوراق قال لي: إن عميد المعهد الأزهري الثانوي بمدينة بنها هو الذي أعطاه تلك الورقات وطلب منه أن يعطيها لأحد الباحثين المتعمقين في دراسة الديانة المسيحية؛ ليجيب عما في الأوراق من أسئلة ويرفع ما فيها من شبهات.

تلك المحاضرة يلقيها رعاة الكنيسة على الشباب الذي ترك المسيحية، غالبًا بسبب العلاقة العاطفية والرغبة في الزواج من إنسان آخر يدين بالإسلام؛ وذلك لأن الكنيسة تريد استعادة أولئك الشباب إلى حضنها، فتقول لهم إن القرآن يصادق على كلام الإنجيل فى ألوهية السيد المسيح، ومن ثم فما الداعي إلى ترك المسيحية والتحول إلى دين آخر يتضمن نفس العقيدة مع تحمل كل المتاعب الاجتماعية والمادية بسبب تغيير الديانة؟

الشيخ الأزهري الذي يعمل عميدًا لمعهد ثانوي لا يستطيع أن يجيب عن أسئلة هؤلاء الشباب المتحيرين الذين يرغبون في ترك المسيحية أو يترددون في ذلك، ولهذا طلب من صديقي ما طلب فجاء بالورقة؛ لأنه يعلم أنني سبق لي وأن أصدرت كتابًا عن حياة المسيح (عليه الصلاة والسلام).

وقمت بقراءة المحاضرة الكنسية، فتبين لي أن من كتبوها يستندون ويستشهدون ببعض كلمات القرآن الكريم ليثبتوا في أذهان مستمعيهم أن القرآن يوافق أو كما نصوا «يصادق» على عقيدة ألوهية السيد المسيح، وذلك من خلال المحاور الثلاثة الآتية، وسنقوم ببيان الحقيقة ورفع الشبهات الواردة في كل محور.

القرآن نسب إلى السيد المسيح القيام بأعمال إلهية، لا يقدر عليها إلا الله نفسه، خاصة الخلق وإحياء الموتى كما جاء في قوله واصفًا السيد المسيح.

«وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ»(آل عمران – 49)

ولن أدخل في تفسير هذه الآية الكريمة، ولن أورط أحدًا في جدال طويل ولكني سأكتفي بذكر أن النبي صالح كما ذكر القرآن قد خلق من الصخر ناقة حية، ظلت تأكل وتشرب حتى ذبحها أعتى القوم الكافرين.

«وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا» من الآية 59 الإسراء.

«وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً ۖ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (الأعراف – 73)

لقد خلق صالح (عليه الصلاة والسلام) من الصخر ناقة حية لتكون للكافرين آية تدل على أنه مرسل ومؤيد من الله سبحانه وتعالى. فهل يسول لنا القرآن المجيد – الذي نستشهد به – أن نقفز على هذه الآية لنقول إن صالحًا هو ابن الله، أو هو الله نفسه، لأنه قد قام بأعمال إلهية (الخلق والإحياء).

وكذلك قد أحيا خليل الله إبراهيم الطيور الأربعة التي قام بذبحها وتقطعيها ونثر أجزائها على جبال مكة عند الكعبة قبل أن يأمره الله ببنائها أو بالأحرى يعيد بناءها. هل يحق لنا – عقلًا – أن نصف إبراهيم بأنه ابن الله أو هو الله نفسه؛ لأنه قام بعمل إلهي وهو إحياء الموتى (الطيور المذبوحة) بمجرد دعائها؟!

إذا لجأنا إلى القرآن المجيد واستشهدنا به، أي اتخذناه دليلًا نثبت به عقائدنا، فعلينا أن نحترم كامل النص القرآني احترامًا لعقولنا، ولا نجتزئ ونقطف منه ما يوافق أهواءنا ونترك ونتغافل عما يناقضها؛ لأن هذا الانتقاء المغرض ليس من شيم العلماء الباحثين عن الحقيقة.

ولذلك نقول إن القرآن المجيد الذي نسب إلى عيسى بن مريم كل تلك الآيات، هو نفسه الذي أعلن بوضوح قاطع لكل شك أن عيسى بن مريم ليس إلا عبدًا مخلوقًا لله، وأنه سيأتي يوم القيامة فردًا ليسأل عن التكليف الذي أُمر بحمله، وأنه ليس ابنًا أو ولدًا لله، وأنكر بما لا مزيد عليه عقيدة الثالوث المقدس عند المسيحيين وأنكر قصة الصلب والفداء.

«أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» (البقرة: من الآية 85).


ما معنى كلمة الله؟

تقول المحاضرة الكنسية: إن القرآن قد وصف السيد المسيح بأنه «كلمة الله»، ولما كان من المحال أن يكون الله في أي وقت من الأوقات بلا كلمة، فالمسيح أزلي أبدي وهو بهذا الوصف الله نفسه. وهذا الاستنباط ليس فى الحقيقة إلا قفزًا على الحقائق فى الهواء، أعني في الفراغ الخالي من أي معنى حقيقى. فنلاحظ أولًا أن كتاب المحاضرة ينتزعون جملة «وكلمته ألقاها إلى مريم» من سياقها في الآية القرآنية الكريمة التي يقول نصها الكامل:

«يا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا» (النساء:171)

يتغافلون عن قول القرآن: «لا تغلوا في دينكم» الذي يعني: لا تزيدوا في عقيدتكم من عند أنفسكم ما لم يقله أو ينزله الله سبحانه وتعالى فى وحيه إلى أنبيائه، ويتغاضون عن التحذير الشديد اللهجة الوارد في قوله «ولا تقولوا ثلاثة انتهو خيرا لكم». ولا يلتفتون إلى تنزيه الله عن أن يكون له ولد «سُبْحَانَهُ أَنّى يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ».

يهملون كل ذلك ليتشبثوا بكلمة: «وكلمته» على جهل بيّن بمعنى لفظ (كلمة) الوارد كثيرًا في القرآن الكريم، والذي يدور حول الإرادة، أي الشيء الذي أصبح إظهاره غاية فمن المحال إخفاؤه، أي أنه قد أصبح «آية».

ولننظر جميعًا إلى قول القرآن الكريم «وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (التوبة: من الآية 40).

كلمة الذين كفروا: إرادة الذين كفروا أن يقتلوا محمدًا رسول الله فجعل كلمتهم (إرادتهم) السفلى، أي المنهزمة التي سقطت ولم تستطع القيام في الصراع مع كلمة (إرادة) الله، «وكلمة الله هي العليا» التي تفوز دائمًا وتنتصر على كلمة أعداء الله، (والله عزيز) لا يُغلب، (حكيم) يدير الكون بمقتضى عدله وعلمه ورحمته، والحكمة هي جماع تلك القيم الثلاث.

فهل المسيح (عليه الصلاة والسلام) هو كلمة الله التي انتصرت على كفار قريش فأنجت رسوله ومكنت له في الأرض؟!

إذن، فقول القرآن واصفًا المسيح بأنه «كلمته» يعنى (آيته) التي أنزلها على مريم وحملها القيام بأدائها عبر ولادته من رحمها، لتكون دليلًا على قدرة الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

ويغفل كتاب المحاضرة، كما غفل المفسرون المسلمون من قبل عن إن حقيقة المخلوق أنه كلمة من الله، وهو ما يعنى أنه آية نزلت من الله؛ ليكشف بها عن غيبه ويُعرّف نفسه. بهذه الحقيقة نطقت آيات القرآن الكريم لمن تدبر آياته.

«قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا» (الكهف: 109)

«وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (لقمان: 27)

(كلمات ربي) و(كلمات الله): هي مخلوقاته التي عبرت عن أسمائه وصفاته، فكشف الله بها عن غيبه وعبر بها عن نفسه. هل يمكن فهم اسم الله الخالق دون وجود مخلوق، أو اسمه الرازق دون وجود مرزوق، أو المحيي المميت دون وجود من يحيا ومن يموت؟

من المحال أيضًا أن يكون لفظ (كلمات) في هاتين الآيتين يعنى الألفاظ الواردة في رسالاته إلى أنبيائه؛ لأن هذه الألفاظ يمكن كتابتها باستعمال محبرة كبيرة أو مجرتين تحتويان على قدر كاف من الحبر.

ولذلك نجد أن القرآن الحكيم قد ميز بين كلمات الله وكتبه (رسالاته) التي أنزلها على أنبيائه، وذلك في سياق مدحه لمريم ابنة عمران وأم عيسى بقوله «وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ» (التحريم: من الآية 12)

«وصدقت بكلمات ربها»: وآمنت أن المخلوقات جميعها كلمات آلهية، تكلم بها الله بواسطة (روحه) ليكشف عن غيبه ويعرف نفسه جل جلاله.

واختص مريم ابنة عمران بهذا الفضل؛ لأنها هي وحدها الأقدر على الإيمان بأن المخلوقات في جوهرها كلمات إلهية، لأنها عاينت كيف ولد عيسى من رحمها دون أن يكون له والد من البشر، ليكون دليلًا مشهودًا في هذه الحياة الدنيا على أن المخلوقات كلمات إلهية تخرج من الغيب بقول «نحن»، وقد صرح رسول الله بحقيقة أن المخلوقات كلمات إلهية حين قال في الحديث القدسي باسم الله «عطائي كلام وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له كن فيكون».

ويغفل كتاب المحاضرة الكنسية كما غفل المفسرون المسلمون من قبل، عن أن رسول الله قد ذكر صراحة أن قصة هذه الأرض وهذه السماوات بكل ما تحمله من مخلوقات ولكل ما يقع فيها من أحداث، قد كتبت في كتاب العلم الإلهى (اللوح المحفوظ) قبل خلق هذا الكون بخمسين ألف سنة، حين خلق القلم الإلهي وأمره أن يكتب كل شيء في علم الله.

«كان الله ولا شيء غيره، وكان عرشه على الماء ثم خلق الله اللوح المحفوظ والقلم، وأول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، فقال القلم: ما اكتب؟ قال الله: علمي في خلقي إلى يوم القيامة؛ فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة وكتب مقادير الخلائق قبل أن تُخلق السماوات والأرض وما فيهن. ثم خلق الله السماوات والأرض وما فيهن، ثم استوى على عرشه».

والخلاصة حتى لا نطيل في هذا المقام الذي لا يسمح بالمزيد أن جميع الخلق كلمات إلهية، وأنهم بهذه الحقيقة يتصفون بالخلود وأنهم أزليون – كانوا قبل خلق السماوات والأرض – وأنهم أبديون أي باقون بعد زوال الكون، وفي ذلك لا يرتفع عيسى فوق سائر البشر، فهو إحدى كلمات الله سبحانه وتعالى.


من هو «روح الله»؟

تقول المحاضرة: إن القرآن وصف عيسى بأنه روح الله، وإذا كان من المحال أن يوجد الله بلا روح فإن المسيح يكون أزليًا أبديًا، فهو الله نفسه.

ونريد أن نبين هنا الحقيقة التي تغيب عن أكثر المتكلمين فى الدين قديمًا وحديثًا، وهي أن لفظ (روح الله) يعنى ويشير إلى المخلوق الأول الذي انبعث من الغيب، وكان الوسيلة التي كشفت علم الله، فهو السراج المنير الذي أضاء محتويات العلم الإلهي، والروح (سر الحياة) الذي أخرج كل شيء من الغيب ومنحه الحياة.

وقد ذكره الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم عندما خاطب الله الملائكة (سكان السماوات) ليخبرهم عن إتمامه خلق آدم واتخاذه خليفة فى الأرض فقال مذكراً النبي: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ» (الحجر: 28-29)

ونفخت فيه من روحي: ونفثت في ذلك المخلوق – الذي كان تحت التسوية (الإنضاج والإتمام والتهيئة لمقام الخلافة) – نفخة (من روحي) الذي هو الكائن الأول الذي سبق جميع الكائنات في الخروج من الغيب وجعلته وسيلة لإحياء كل شيء.

وقال أيضًا مخاطبًا النبي: «وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا» (مريم: 16-17)

يُذكر النبي بما حدث، عندما اعتزلت مريم أهلها وآوت إلى ركن بعيد يقع في جهة الشرق في بيت زوج خالتها النبي زكريا (عليه الصلاة والسلام)، وأحاطت نفسها بحجاب حتى لا يتطفل عليها أحد وهي في خلوتها التى تتبتل (تنقطع) فيها لعبادة ربها. فبعث الله سبحانه وتعالى إليها الكائن الذي وصفه لنبيه بأنه (روحنا) فتجسم ذلك الروح في هيئة رجل مكتمل الأعضاء جميل الصورة (بشرًا سويًا).

«قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا»: إذ دخلها الخوف من ذلك الرجل الذي اقتحم عليها خلوتها، دون استئذان.

«إن كنت تقيًا»: ما كنت متحليًا بالتقوى إذ تقتحم خلوة امرأة منعزلة.

«قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا»: لا تسيئ الظن بي، فإني رسول إلهك إليك، لأمنحك ولدًا ذكرًا ينمو في رحمك حتى يولد.

إذن فروح الله –بنص القرآن- هو رسول الله الذي تمثل بشرًا، وذهب إلى مريم ليكون وسيلة لخلق عيسى في رحمها. فقد قال (الروح) معرفًا نفسه على سبيل الحصر تعريفًا جامعًا مانعًا: «إنما أنا رسول ربك».

وهذا الغلام الذي سيولد من رحم مريم هو المسيح (عيسى بن مريم) الذى حصل على حياته الإنسانية بنفخة خرجت من (روح الله)، وقد نُسب جسديًا إلى مريم، فيقل في تعريفه (عيسى بن مريم) لأنها أبوه وأمه من جهة الجسد.

وفي ذلك يشبه آدم، ولذلك قال القرآن: «إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ» (آل عمران: 59)

ولن نطيل في تفسير هذه الآية الكريمة، فنقول: إن المعنى المقصود هو، أن هيئة عيسى في علم الله (كتاب علم الله وهو اللوح المحفوظ) تشبه هيئة آدم، فكل منهما كان كلمة مسطورة في (ذلك الكتاب)، وقد ركّب الله سبحانه وتعالى جسده من مادة الأرض (تراب)، ثم قال الله لذلك المخلوق (كن) فلا يملك ذلك المخلوق بعد تلقي الكلمة إلا أن يكون، ولذلك قال القرآن (فيكون)، والمعنى فيخرج من الغيب إلى الشهادة بكلمة (كن) التي هي نفخة الحياة التي يحصل عليها من (روح الله).

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.