يبلغ من العمر 57 عامًا،27 عامًا قضاها في رحلة التعليم والحصول على ماجستير الهندسة الميكانيكية وماجستير إدارة الأعمال، و30 عامًا لاحقة شغل فيها أدوارًا متنوعة داخل شركة بوينج لصناعة الطائرات.

إذن فالقائم بأعمال وزير الدفاع سابقًا، والوزير حاليًا،باتريك شاناهان لم يخدم في الجيش الأمريكي يومًا واحدًا. لكن ربما وصوله إلى مناصب متقدمة في شركة بوينج واضطلاعه بالإشراف على أنظمة الدفاع التي تُنتجها الشركة قد أتاح له تواصلًا واطلاعًا على كيفية تسيير الأمور في وزارة الدفاع الأمريكية.

لم يلق شاناهان ترحيبًا من الأمريكيين في أي مرحلة من مراحل نموه داخل أروقة وزارة الدفاع. فالاعتراضات موجودة منذ البداية في 16 مارس/ آذار 2017 حين عرض ترامب على الكونجرس الأمريكي نيته ترشيحه شاناهان نائبًا لوزير الدفاع، منصب النائب هو ثاني أكبر منصب مدني داخل وزارة الدفاع. السيناتور الراحل جون ماكين وضع اختبارًا واحدًا له، تزويد أوكرانيا بالسلاح.

كان ماكين مؤيدًا لتزويدها بالسلاح لتدافع عن نفسها ضد التدخلات الروسية المتكررة، وماكين يرى أن ترامب مؤيد لروسيا لذا أراد أن يستوضح ما إذا كان شاناهان قادرًا على مخالفة ترامب إذا اقتضت الحاجة أم لا؟ شاناهان تهرب من الإجابة، فلم يحصل على مباركة الكونجرس. ظل الصراع دائرًا حتى 18 يوليو/ تموز 2017 حيث فاز شاناهان بتصويت 92 عضوَا لصالحه و7 ضده، ليصبح بذلك نائب وزير الدفاع رقم 33 في تاريخ الولايات المتحدة.

تولية باتريك شاناهان لوزارة الدفاع أشبه بإحضار ثعبان إلى قِن الدجاج.
السيناتور الأمريكي – جون ماكين

لا يبدو الكونجرس راغبًا حقًا في وجود شاناهان، لذا فُتح تحقيق حول أخلاقياته. التحقيق دار حول ما إذا كان الرحل قد استغل منصبه الجديد للترويج لشركته السابقة أو سيقوم بتفضليها على منافسيها في التعاقد مع وزارة الدفاع. لكن التقرير المُكون من 43 صفحة، وتم بحضور ثلاثين شاهدًا، انتهوا إلى أن الرجل قد التزم بالكامل بأخلاقيات التعامل مع بوينج ومنافسيها.


طاعة عمياء لترامب

شاناهان، صاحب الوجه الخالي من التعبيرات،يرى أن تركيز البنتاجون على العمليات أو الميزانية أو الجهود العسكرية تركيزٌ خاطئ. وفي رأيه أن الصواب هو التركيز على الإنجازات وطريقة أداء أعضاء البنتاجون لوظائفهم، إذ سيؤدي ذلك التركيز في النهاية إلى مهارةٍ لا مثيل لها، على حد قوله، في تنفيذ خطط وزارة الدفاع بأقل كلفةٍ ممكنة. تلك هى عقليته التي اشتهر بها طوال 30 عامًا في بوينج، إذ عُرف باسم «السيد المُصْلح/ Mr. Fix-it»

شاناهان الذي لم يخطُ عتبة وزارة الدفاع إلا بعد وصول ترامب للحكم يراه المحللون المختصون بالأمن القومي أنه رجل أعمال فحسب، ولا فهم له فيما يتعلق بالأمور الجيوسياسية. نفس الصفات تُطلقها عليه العديد من المواقع الموثوقة المهتمة بالشئون العسكرية الأمريكية. كما تُظهر تصريحات شاناهان جانبًا آخر منه، الطاعة العمياء لترامب. في تصريحات متناثرة قال شاناهان، إن وظيفة وزارة الدفاع ليست سوى تنفيذ الاستراتيجية التي يضعها الرئيس. يخالف شاناهان بذلك كل من سبقوه في قيادة وزارة الدفاع إذ كانوا يرون الوزارة شريكةً في وضع هذه الاستراتيجية، وشريكةً في تحديد كيفية تنفيذها، ويحق لها الاعتراض والتساؤل لا مجرد التنفيذ.

اقرأ أيضًا: هل يخشى الجيش الأمريكي حكم ترامب؟

تصريحاته الأخرى تعكس قلة فهم لطبيعة عمل وزارة الدفاع أو حتى عدم وضوح لرؤيته هو لمستقبل الوزارة تحت قيادته. من تلك التصريحات قوله، إن مهمته هي زيادة قدرة البنتاجون على «الفتك والتحالف والإصلاح»، فلا هو يتبنى مبدأ الفتك كما يريد ترامب ورفاقه جون بولتون ومايك بومبيو. ولا هو يتبنى مبدأ التريث والتحالفات كسلفه جيم ماتيس الذي رأى أن احترام حلفاء الولايات المتحدة واجبٌ على الرئاسة الأمريكية. ماتيس آمن بهذه النقطة حتى أنّها كانت آخر كلمات وجهها للبنتاجون في خطابه بعد إقالة ترامب له.

طاعة شاناهان لترامب تتضح بقوة في قراره بتخصيص مليار دولار من ميزانية البنتاجون لبناء الجدار الحدودي الموعود مع المكسيك. قرار شاناهان أثار غضب الجميع، ديموقراطيين وجمهوريين، إذ يرون في الطريقة التي اقتطع بها شاناهان المليار دولار التفافًا على الدستور وسُنةً سيئةً يضع شاناهان بذرتها يمكن لأي رئيس قادمٍ أن يستغل تلك الثغرة للاحتيال على معارضة الكونجرس لقراراته. الثغرة التي اقتنصها رجل الأعمال وابن عملاق صناعة الطائرات «بوينج» هى المادة العاشرة في القانون الفيدرالي التي تنص على أنه «يجوز لوزارة الدفاع أن تبني طرقًا وحواجز وأن تنصب أجهزة إنارة لمنع تهريب المخدرات عبر الحدود».


الصين ثم الصين ثم الصين

في أول اجتماع له مع الفريق العسكري بعد توليه منصب القائم بأعمال وزير الدفاع في بدايات يناير/ كانون الثاني 2019 أكدّ شاناهان في ثلاث مناسبات متفرقة أن العدو الأول للولايات المتحدة هو الصين. إذ يراها عدوة تحاول أن تُخضع العالم لاستبداديتها. ودعا فريقه إلى عدم الانشغال بالعمليات الجارية في سوريا وأفغانستان، بل التركيز الأكبر يجب أن ينصب على الصين. لكن أول زيارة لشاناهان بعد توليه منصب وزير الدفاع رسميًا لم تكن للصين أو حولها، بل لأفغانستان. البلد الغارق في الحرب كي تستطيع الولايات المتحدة الوصول لحل سريع وحاسم مع حركة طالبان.

أما إسرائيل فلا تبدو متفائلةً بوزير الدفاع الجديد.الحديث في الصحف الإسرائيلية تواتر عن الخوف من عدم معرفة الوزير الجديد لأبعاد الصراعات في منطقة الشرق الأوسط. كما تتخوف إسرائيل من طاعته لترامب فيما يتعلق بسحب القوات الأمريكية من سوريا، إذ ترى إسرائيل ضرورة مواجهة روسيا في الأراضي السورية كي تتوقف الأولى عن إمداد حزب الله بالأسلحة. على الجانب الآخر يرى بعض الإسرائيليين أن معرفة شاناهان بالتكنولوجيا العسكرية ستمثل فرصةً ممتازةً للجانب الإسرائيلي المُتعطش لتطوير مهاراته العسكرية لينهل من خبرات رجلٍ قضى 30 عامًا في «بوينج». فريقٌ إسرائيلي ثالث لا يشعر بالتفاؤل ولا بالقلق، فهم يؤمنون أن السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل ستظل ثابتة ولن تختلف بتغيير الأشخاص.

استراتيجية شاناهان التي سماها «الإهمال الانتقائي» تُحير العديد من الدول التي تترقب موقف الولايات المتحدة من كل ما يحدث في العالم. إذ يوضح شاناهان أن الذكاء يكمن في القدرة على إهمال العديد من القضايا المشتعلة حاليًا من أجل التركيز على مستقبلٍ أقوى للولايات المتحدة.


ليس الأول

شاناهان ليس أول وزير يُعينه ترامب دون سابق خبرة مباشرة في مجاله. بل يُعتبر شاناهان متماشيًا تمامًا مع النسق الذي يتبعه ترامب في تعيين رجاله، أحضر رجل أعمال ناجحًا اقتصاديًا ودعه يتولى الأمر. الأول كان ريكس تيلرسون وزير الخارجية السابق، وخبرته الوحيدة كانت قيادة إكسون موبيل. رغم ذلك تيلرسون استطاع أن يتغلب على نقص الخبرة في أمور السياسة الخارجية، وقدّم أداءً عاقلًا بعيدًا عن تهور ترامب. لكن كان مصيره في النهاية هو الطرد والوصف بأنه غبي كالصخر.

اقرأ أيضًا: الجيش الرشيق: تجهيزات أمريكية لحروب المستقبل

أما شاناهان في على الرغم من أن تصريحاته لا تُبشر بذلك، لكن تبقى هناك احتمالية أن يُخيب الظنون المتربصة به ويُقدم أداءً هادئًا وسط الأمواج المتلاطمة التي دفع ترامب بالولايات المتحدة وسطها. مثل وعود ترامب بإخلاء كوريا الشمالية من الأسلحة النووية، وتقليص أعداد الجنود الأمريكيين في الشرق الأوسط، والصراع البارد على الحدود مع المكسيك. فوق كل هذا تبقى الأزمة المتصاعدة مع فنزويلا وإيران هي الاختبار الأكبر والأسرع لشاناهان، ترّيثٌ كما هو حال السياسة الأمريكية، أم تهورٌ سياسي وعسكري كما هو حال ترامب؟