228 عملية ومحاولة لتنفيذ عملية، هي حصيلة انتفاضة السكاكين منذ شهر أكتوبر 2015 وحتى العاشر من شهر فبراير 2016، حيث أن نصف مُنفذي العمليات كانوا شبابًا دون سن العشرين، و11% من إجمالي منفّذي العمليات كانوا نساء، و74% من العمليات نُفذت في أراضي الضفة الغربية.كان هذا جزءًا من تقرير جهاز الشاباك الذي صدر نهاية الشهر المنصرم (فبراير 2016)، الذي جاءت أرقامه لتُعلن أن انتفاضة السكاكين ما زالت تتطور وتدخل في أطوار جديدة، تُنذر بتهديدات خطيرة للأمن القومي الإسرائيلي.وربما ليس من قبيل المصادفة أن يأتي تعيين رئيس جديد لجهاز الشاباك في مثل هذه المرحلة الدقيقة. فمن هو رئيس الشاباك الجديد؟، وما هي التحديات التي تنتظره؟، وكيف سيواجهها؟.


ما هو الشاباك؟

هو جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، وأحد الأقسام الثلاثة لأجهزة الأمن الإسرائيلي العام التي تضم أيضًا: وكالة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد)، وجهاز المخابرات العسكرية (أمان). ويُعد الشاباك واحدًا من أقوى الأجهزة الأمنية على مستوى العالم، وكانت لبعض أفراده علاقات قوية بالعصابات اليهودية المسلحة التي ارتكبت العديد من المذابح قبل قيام دولة إسرائيل عام 1948، حيث أسسه ديفيد بن جوريون، عندما جمع عددًا من أفراد العصابة اليهودية المسلحة الهاجاناه، التي شنت العديد من الهجمات العنيفة ضد الفلسطينيين والبريطانيين على مدى عقد من الزمن قبل قيام «إسرائيل».

يتمتع الشاباك بقوة كبيرة في إسرائيل، حيث يسيطر بنسبة كبيرة على المناقشات التي يجريها صناع القرار السياسي هناك

ففي 30 يونيو 1948، أي بعد مضي شهر من إنشاء «الجيش الإسرائيلي»، تم حل جهاز جمع المعلومات التابع لتنظيم الهاجاناه، وتشكيل الأجهزة الاستخباراتية لإسرائيل. وتم إنشاء جهاز الشاباك في 18 فبراير 1949، وتم إضفاء صفة الرسمية عليه، وإن استمر التكتّم على وجوده حتى عام 1957. وكانت المهام التي كُلف بها الجهاز هي كالآتي:

  • مكافحة التجسس الذي تمارسه قوى خارجية.
  • مكافحة التجسس والمؤامرات السياسية.
  • المسئولية عن حماية أمن المؤسسات والمنشآت الحيوية للدولة وممثليها في الخارج.

ويتمتع الشاباك بقوة كبيرة في إسرائيل، حيث يسيطر بنسبة كبيرة على المناقشات التي يجريها صناع القرار السياسي هناك. وجدير بالذكر أن انتصار إسرائيل في حرب عام 1967، واحتلالها للأراضي الفلسطينية أعطى الجهاز سلطات واسعة جدًا في الأراضي الفلسطينية.ويعتبر هو الجهاز المسئول عن اغتيال رؤساء المنظمات الفلسطينية المسلحة، فضلاً عن عمليات التعذيب المُمنهج الذي يمارسه ضد الفلسطينيين في السجون، وتنظيم عمليات الإرهاب الإسرائيلي التي تُمارس ضد الفلسطينيين، سواء داخل الخط الأخضر أو خارجه. كما أنه يتحكم تحكمًا كاملًا بحياة مليون ونصف المليون فلسطيني من حملة الجنسية الإسرائيلية، فهو ينتهك حقوق الإنسان الأساسية مثل الحق في التعبير وإبداء الرأي، والحق في التظاهر.ويتكون الشاباك من عدة مناطق وعدة أقسام لكل منها وظيفة محددة:

  • منطقة القدس ويهودا والسامرة: وهي أكبر منطقة في جهاز الشاباك ومتخصصة بإحباط العمليات الفلسطينية المنطلقة من المناطق المذكورة.
  • المنطقة الشمالية: وهي مسئولة عن مكافحة العمليات السرية والتنظيمات السرية المعادية في المنطقة.
  • المنطقة الجنوبية: وهي ثاني أكبر منطقة في الشاباك وتقع قيادتها في مدينة عسقلان، ومسئولة ضمن أشياء كثيرة عن إحباط العمليات الفلسطينية المنطلقة من قطاع غزة.

ويضم جهاز الشاباك عدة أقسام متخصصة هي:

  • القسم العربي: وهو أكبر أقسام الشاباك وهو مسئول عن اكتشاف خلايا ومنظمات عربية معادية داخل الخط الأخضر.
  • قسم مكافحة التجسس ومنع الاختراقات: ويُعرف أيضًا باسم القسم اليهودي أو القسم غير العربي، وتراجع حجم هذا القسم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي كونه متخصصًا بمكافحة التجسس اليهودي عمومًا، وخلال الحرب الباردة خصوصًا.
  • قسم الحماية: ويضم الوحدة الرسمية لحماية الشخصيات والوفود والمطارات وطائرات الركاب والسفارات الإسرائيلية.
  • قسم التحقيقات: مسئول عن التحقيق مع المعتقلين داخل أقبية التحقيق الخاصة بالجهاز.
  • القسم التكنولوجي: مسئول عن تطوير وسائل تكنولوجية لمكافحة «الإرهاب» وجمع المعلومات.
  • الهيئة الحكومية لحماية المعلومات: تمتلك صلاحية توجيه الأوامر والتعليمات لهيئات وجهات تمتلك منظومات معلوماتية حساسة مثل مكتب رئيس الحكومة، وزارة المالية، وزارة الداخلية، بنك إسرائيل، وغيرها.

رئيس الشاباك لا يجيد العربية

وُلد «ناداف عميرام أرغمان» عام 1961 تقريبًا لعائلة إسرائيلية ذات خبرة استخباراتية وعسكرية طويلة تعود إلى ما قبل إعلان إسرائيل، فقد أصيب والده خلال حرب 1948. وأرغمان في الأصل من كيبوتس يقع في وادي بيسان لكنه يعيش بمدينة روش هايين وسط إسرائيل. وهو متزوج وأب لثلاثة أبناء، ويوصف بأنه «علماني» خلافًا للمتدينين من بعض رؤساء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. حصل أرغمان على شهادتي البكالوريوس والماجستير في العلوم السياسية من جامعة حيفا، كما نال شهادة ماجستير أخرى بدرجة ممتاز في تخصص الأمن والإستراتيجية من كلية الأمن القومي بالجامعة ذاتها.

أشرف الرئيس الجديد للشاباك على العديد من عمليات الاغتيال التي نفذها الجهاز ضد قيادات المقاومة، وكان أشهرها اغتيال أحمد الجعبري

تجند أرغمان في صفوف الجيش الإسرائيلي عام 1978، وخدم كضابط وقائد في وحدة «سييرت متكال» الخاصة، وشارك في حرب لبنان الأولى عام 1982، ثم جنده الشاباك عام 1983، فخدم وترقى حتى تولى عدة وظائف تنفيذية داخله، بما في ذلك ترؤسه لقسم العمليات فيه خلال الفترة من 2003 إلى 2007. ثم عمل بعد ذلك مندوبًا للجهاز في الولايات المتحدة أربع سنوات تولى فيها إدارة العلاقة بين الشاباك ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، ثم أصبح في 2011 نائب رئيس الجهاز مدة ثلاث سنوات. وفي سبتمبر 2014 أعاره الشاباك للجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية، ثم عاد في سبتمبر 2015 إلى منصب نائب رئيس الجهاز بطلب من رئيسه «يورام كوهن»، وظل كذلك حتى اختاره رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يوم 11 فبراير 2016 لتولي رئاسة الشاباك خلفًا لكوهن الذي تنتهي مهمته في مايو 2016.ولا شك أن خبرات أرغمان الواسعة كانت وراء تعيينه بهذا المنصب في هذا التوقيت، لا سيّما وأن إسرائيل تسعى – بحسب أوساطها الإعلامية – للعودة إلى السيطرة الاستخباراتية في الضفة الغربية والقدس، بعد اعتراف الجيش الإسرائيلي بفشله في توفير معلومات استخباراتية حول العمليات الفدائية التي ينفذها أفراد لا ينتمون لتنظيمات وفصائل فلسطينية، وكان ذلك على لسان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال «جادي أيزنكوت» أمام مؤتمر الأمن القومي في يناير الماضي 2016.ولم يشغل أرغمان وظائف ميدانية كثيرة مثل سابقيه، فلم يكن محققًا على سبيل المثال، ولا يجيد اللغة العربية، رغم أن سلفه غالبًا ما كانوا ينتمون إلى القسم العربي في الجهاز ويجيدون اللغة العربية لاستعانتهم بها في تحليل رد فعل قيادات فصائل المقاومة الفلسطينية. ولكن بحكم عمله في العمليات العسكرية، خاصة في فترتي الانتفاضة الأولى والثانية، احتك كثيرًا بالمجتمع الفلسطيني، واكتسب خبرة في التعامل معه عبر العمليات العسكرية العديدة التي أشرف عليها، كما أنه شارك بقوة في العملية العسكرية المسماة «السور الواقي» بالضفة الغربية عام 2002.وأشرف أرغمان على العديد من عمليات الاغتيال التي نفذها الجهاز ضد قيادات المقاومة، وكان أشهرها؛ وقوفه وراء اغتيال أحمد الجعبري القائد العام لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس الذي قاد مفاوضات صفقة جلعاد شاليط في نوفمبر 2011، قبل أن تغتاله إسرائيل في عام 2012.ويتمتع أرغمان بتراكم خبرات في جمع المعلومات الاستخباراتية ومجال مكافحة «الإرهاب العربي واليهودي». كما يُشاع أنه أثّر كثيرًا في طرق عمل الشاباك خاصة في مجال التكنولوجيا والقضاء الإلكتروني والعمليات العسكرية الميدانية.


ماذا ينتظر أرغمان؟

في أعقاب نكسة 1967، وتوقيع معاهدات سلام بين إسرائيل والدول العربية، بدأ الفكر الإستراتيجي الإسرائيلي يقلل من خطر الجيوش النظامية العربية، ووضع «الإرهاب العربي» على رأس قائمة أولوياته الأمنية. وبناءً على ذلك عيّنت إسرائيل في آخر 16 عامًا ثلاثة رؤساء للشاباك من «القسم العربي»، ولكن جاء أرغمان من «القسم التكنولوجي» على خلاف العرف السائد مؤخرًا، ليكون ثالث رئيس للشاباك، يأتي من خارج القسم العربي، بعد «كرمي جيلون»، الذي كان رئيس القسم اليهودي، و«عامي أيالون»، الذي جيء به من سلاح البحرية.وقد أكدت كافة التقارير الإسرائيلية أن الرئيس الجديد للشاباك جاء مُحمّلاً بالعديد من المهام، ومُكبلاً بتحديات خطيرة، باتت تهدد الأمن القومي الإسرائيلي، وكذلك المستقبل السياسي للقادة الحاليين. ويمكن رصد أبرز هذه التحديات على النحو التالي:

  1. «الإرهاب الفلسطيني»

يأتي التحدي الأبرز والأخطر لأرغمان مواجهة «الإرهاب الفلسطيني» (وهو التعبير الإسرائيلي عن أعمال المقاومة) والذي عززته انتفاضة السكاكين، حيث اتسعت فئات منفذي هذه العمليات. ينضم إليهم نوعٌ جديدٌ من الشبان، والأفراد عديمي الانتماء التنظيمي، والذين يُعَد جمع المعلومات عن نواياهم لتنفيذ العمليات شبه متعذّر. وتتوقع إسرائيل أن ترتقي الانتفاضة الحالية إلى مرحلة جديدة، من اللامركزية إلى المركزية وأخذ الشكل التنظيمي، وبالتالي تطوير الوسائل والأساليب المستخدمة في تنفيذ العمليات.

سيتعين على رئيس الشاباك الجديد، أن يسعى إلى إعادة بناء قاعدة وشبكة معلومات للاستخبارات الإسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية

وبالتالي، سيتعين على رئيس الشاباك الجديد، أن يسعى إلى إعادة بناء قاعدة وشبكة معلومات للاستخبارات الإسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية، وتوفير بيانات ومعلومات كاملة كشرط أولي لعمليات خاصة قد يعود الاحتلال وعملاء الشاباك إلى القيام بها في العمق الفلسطيني. مما يُعيد إلى الأذهان حرب الأشباح التي قادتها إسرائيل في بلدان بعيدة ووراء الحدود، ولكنها هذه المرة ستكون داخل الضفة الغربية، من دون أي اعتبار لتصنيفات أوسلو بشأن التقسيم الجغرافي لمناطق السلطة الفلسطينية، وبالتالي فإن هذه العمليات ستجعل كل هذه المناطق مفتوحة أمام النشاط الأمني والاستخباراتي الإسرائيلي، من دون التفات أو اهتمام مثلاً لكون بعض المناطق خاضعة للسيطرة الأمنية الفلسطينية كليًّا.

  1. التنسيق الأمني

في ظل تزايد العمليات التي يقوم بها رجال الأمن الفلسطينيين ضد جنود الجيش الإسرائيلي، بدا أن مستقبل التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل في خطر؛ لأن انهيار هذا التنسيق سيحبط بدرجة كبيرة جهود إسرائيل في مواجهة أعمال المقاومة الفلسطينية، وهو ما قاد الوضع في الضفة الغربية إلى التدهور والفوضى.لذا، فإن رئيس الجهاز الجديد، مُطالَب أيضًا بالحفاظ على التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وقواتها الأمنية في ظل اتساع الغضب الشعبي الفلسطيني.

  1. حرب «السايبر»

سيكون على أرغمان مواجهة تحدّي حرب «السايبر»، وتطوير القدرات الإسرائيلية على إحباط الهجمات السيبرانية، والتجسس وحماية المعلومات، ووفقًا للرؤية الإسرائيلية، فإن هناك دولاً تعمل على تخريب وسرقة المعلومات والتكنولوجيا من إسرائيل، مثل: إيران والصين وروسيا.ومع قرار الحكومة الإسرائيلية والجيش بتشكيل ذراع مستقل لحرب «السايبر»، فإن الشاباك سيكون معنيًّا بخوض صراعات مع هذا الذارع الجديد، الذي أُعلن أنه سيكون مستقلًا تمامًا عن باقي الأذرع الأمنية، وقد يشارك الجهاز في اختصاصاته.

  1. الإرهاب اليهودي

على الرغم من تأكيد الصحف الإسرائيلية نفسها، وعدد من المراقبين على عدم جدية إسرائيل في مكافحة الإرهاب اليهودي، وفي ظل الحديث عن محاولات قضائية للالتفاف بشتى الطرق والوسائل على القانون، ومنع إصدار حكم قضائي منصف على «يوسف بن دافييد» المتهم الرئيسي في عملية قتل وإحراق الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير، إلا أن التقارير الإسرائيلية تشير إلى أن الرئيس الجديد لجهاز الشاباك مطالب بمكافحة هذا النوع من الإرهاب، الذي يحتمي خلف لوبي يهودي متطرف، وذلك من أجل تحقيق مكاسب واضحة للجهاز، وترميم قدراته وتوسيع نطاق عملياته على الأصعدة كافة.

المراجع
  1. "رئيس الشاباك الجديد: محترف اغتيالات والمسئول عن قرارات القتل"، موقع صحيفة القدس العربي، 12 فبراير 2016.
  2. "اعرف عدوك: من هو جهاز الأمن الداخلي (الشاباك)"، موقع المجد.
  3. "الشاباك"، موقع الجزيرة نت (فلسطين ريمكس).
  4. عدنان أبو عامر، "حراس البواية.. رؤساء الشاباك يتحدثون"، موقع الجزيرة نت، 16 نوفمبر 2014.
  5. "أربعة أسباب كفيلة بإفشال مهمة رئيس الشاباك الإسرائيلي الجديد"، موقع TRT العربية، 12 فبراير 2016.
  6. "من هو الرئيس الجديد لجهاز الأمن العام الإسرائيلي؟"، موقع المصدر، 12 فبراير 2016.
  7. "رئيس الشاباك الجديد.. التحدي الأكبر: إنهاء الانتفاضة"، موقع المركز الفلسطيني للإعلام، 17 فبراير 2016.
  8. "من هو رئيس الشاباك الجديد الذي عينه نتنياهو؟"، موقع عرب 48، 11 فبراير 2016.
  9. "نداف أرغمان.. الرئيس الجديد للشاباك"، موقع الجزيرة نت، 14 فبراير 2016.
  10. محمود علي، "رئيس الشاباك الجديد.. مهندس قمع الانتفاضات الفلسطينية"، موقع البديل، 14 فبراير 2016.
  11. "تاريخ جهاز الأمن العام (الشاباك)"، موقع جهاز الأمن العام.
  12. "الشاباك يكشف بيانات انتفاضة السكاكين"، موقع صوت فتح الإخباري، 27 فبراير 2016.