أصبح من اللافت للنظر عند كل خطاب للرئيس المصري أن تكون كلماته محط سخرية الشباب – رواد مواقع التواصل الاجتماعي منهم بالذات -، وشيئًا فشيئًا قد يعتقد البعض أن الرجل لا يعي كثيرًا مما يقول؛ فالتناقض الذي تتمتع به خطاباته قد يدفعك لهذا التفكير كأن يقول (هانجوع؟ مانجوع، المهم نبقى كده )، فلا أحد يعلم ما هي الـ(كده) التي يقصدها السيسي إلى الآن سوى الله وحده.

ولعل آخر التناقضات في كلام السيسي هو حديثه عن ثلاجته التي لم يزرها سوى الماء على مدار 10 أعوام!، على الرغم من انتمائه لعائلة ثرية، ولأنه عزيز النفس فلم يشتكِ ولم يتذمر!

وهل يحتاج السيسي أو غيره من ضباط الجيش في مصر إلى الانتماء لعائلة ثرية كي يملأوا ثلاجاتهم بما لذ وطاب؟!

يعلم الجميع في مصر حجم الرواتب والامتيازات التي تنتظر أصغر ضابط جيش في مصر والتي قد تكفي لملء ثلاجة أسرة مكونة من 10 أفراد.

إذا كان السيسي يعلم كل تلك الحقائق التي يعلمها معارضوه ومؤيدوه أيضًا حق المعرفة، فمن هؤلاء الذين يخاطبهم السيسي وينتظر منهم تأييده المطلق؟

والحقيقة أن الرجل لا يتفوه بكلامه بسبب عدم وعيه، فهو بالتأكيد يعي الأزمات المتلاحقة التي تواجه مصر كأزمة الدولار الذي وصل إلى 18 جنيهًا مصريًا في السوق السوداء (قد تضاعف ما يقرب من 3 أضعاف قبل توليه الحكم)، وهو بالتأكيد يعي أزمة ارتفاع الأسعار ونقص الأدوية في مصر (بسبب أزمة الدولار ولأسباب أخرى قد لايتسع المجال لذكرها)، وهو بالطبع على علم بخروج أقطاب الفساد في نظام مبارك واحدًا تلو الآخر من سجونهم وعودتهم إلى عروشهم التي اعتلوها بسرقة قوت الشعب على مدار أعوام، وبعدما أشاعوا عبر وسائل إعلامهم أن هؤلاء قد سددوا ما سرقوه من تلك الأموال (مع أنهم في حقيقة الأمر لم يلقوا لنا إلا الفتات). وليس ذلك وحسب ، بل قد نزع هؤلاء كل براقع الحياء، فخرج لنا محتكر الحديد الأول في مصر بمقالة في جريدة خاصة ليطالب المصريين بالتفاؤل! وليسوق أدلة كثيرة على قدرة اقتصاد مصر على التعافي وأنها ليست أول أزمة ضاربًا كل العصافير بنفس الحجر، فهو ينظف سمعة من أخرجوه من محبسه ويعلن عودته وليفتح صفحة جديدة مع الشعب الذي لابد وأن يتقبل في هذه المرحلة تحديدًا كلام الرجل بصدر رحب. فهل يملك الغريق اختيار نوع القشة التي سيوهم نفسه أنها ستنقذه؟!

إذا كان السيسي يعلم كل تلك الحقائق التي يعلمها معارضوه ومؤيدوه أيضًا حق المعرفة، فمن هؤلاء الذين يخاطبهم السيسي وينتظر منهم تأييده المطلق؟

حقًا الرجل يخاطب جمهورًا معينًا – وإن كان في تناقص يومًا بعد يوم – لكنه يعلم أن هناك جمهورًا ثابتًا سيتفق مع كل ما يقوله حتى وإن بدا كلامه غير منطقي!. هذا الجمهور يشبه تمامًا من خرجوا في مارس 1954- بل ربما يكونون هم بشحومهم ولحومهم – لينددوا بالحرية والديموقراطية في مظاهرات ربما لم يعرف التاريخ كله مثلها، ويشبه أيضًا من خرجوا مطالبين عبد الناصر بالرجوع عن قرار التنحي بعد نكسة 67 والتي لم تعرف مصر لها مثيلًا في تاريخها الحديث!.

هذا الجمهور دائمًا ما يردد أن الأهم أننا لسنا كسوريا أو العراق.

غالبا ما يُرجع ذلك الجمهور الفضل في أننا لم نسر على خطى سوريا والعراق إلى حماية الرئيس المصري لمصر وحكمته وحنكته، ويتناسى هذا االجمهور أننا في الأصل (وقبل أن يتولى السيسي الحكم) لا نتكون من تلك التقسيمة الطائفية التي تشكل النظام السياسي لأشقائنا في سوريا والعراق والتي لها الفضل الأكبر بعد الاحتلال في ما آلت إليه الأمور في البلدين الشقيقين.

يشبه هذا الجمهور كثيرًا المجاميع الذين يتم الاستعانة بهم في المعارك الحربية في الأفلام التاريخية (الكومبارس)، فحتى إن كان عددهم يطغى على عدد أبطال الفيلم ويبدو ظاهريًا أنهم من انتصروا في المعارك وأنهم هم من يحسمون الصراع وقادرون على تغيير مسار الدفة بسبب عددهم الكبير هذا، إلا أن الحقيقة الغائبة عن هؤلاء أنهم موجودون فقط لإقناع المشاهد بوجود معركة وأنهم موكل بهم فقط القيام بالمهام الخطرة والتي يخشى المخرج أن يقوم بطله المدلل بها والتي لا يتقاضون مقابل القيام بها سوى القليل في مقابل أبطال الفيلم الحقيقيين.

قد يعتقد بعض هؤلاء بعد المشاركة في العديد من الأفلام وفي فورة من الحماس أنهم تحولوا إلى أبطال للفيلم وأنهم من يصنعون الانتصارات وهم من يحييهم الجمهور في نهاية العرض، إلا أن الحقيقة أنهم لا يقومون إلا بالدور الذي حدده لهم المخرج منذ البداية ولا يستطيعون أبدًا الخروج عن النص المكتوب وإلا فالطرد من المشهد سيكون نصيبهم، لا يستطيعون الاعتراض على إرادة ذلك المخرج لخشيتهم ورعبهم من ذلك المستقبل الذي قد لا يجدون فيه فتاتهم.

لايهتم هذا الجمهور لمستقبل أجيال ولا حتى مياه للشرب تزور ثلاجاتهم.