فاجأت الأرجنتين العالم واختارت خافيير ميلي رئيسًا لها.55.95% من الناخبين منحوا ثقتهم لخافيير في الانتخابات الرئاسية. ميلي ألقى أمام أنصاره كلمة يؤرخ بها تلك اللحظة الاستثنائية، ومؤكدًا أن بانتخابه انتهى نموذج ووُلد نموذج جديد. انتهى النموذج الطبقي، وبدأت نموذج حر سيُمكن الأرجنتين من أن تصبح قوة عالمية. وأن سياسته سوف تختلف عن كل الساسة الذين سبقوه.

لم يكن فوز ميلي متوقعًا، ولم يكن معظم المحللين يتمنون فوز ميلي كذلك. لكن لأن الظروف التي تمر بها البلاد غير مسبوقة، بالتالي أصبح مفهومًا لماذا جازف الشعب الأرجنتيني ومنح أصواته لمرشح أقصى اليمين المتطرف. فمعدل التضخم في البلاد من أعلى المعدلات في العالم، بنسبة تقارب 145%. ويقع 40% من السكان تحت خط الفقر، ويعتاشون على الإعانات الحكومية.

ميلي البالغ من العمر 53 عامًا يصف نفسه بأنه رأسمالي فوضوي. ودخل المعترك السياسي بأكمله قبل عامين فقط، وتركزت كلماته حول التخلص من الطبقات الطفيليّة لإنعاش الاقتصاد. كذلك من أبرز جمله المتكررة أنه سيشذب مخالب الدول المعادية له. لكن في رحلة البحث عن الدول التي يقصدها بالمعادية سنجد أنه لا يقصد الولايات المتحدة الأمريكية، كعادة دول أمريكا اللاتينية، كما أنه يُعلن أنه سيكون حليفًا قويًا لإسرائيل، وأنه يقتدي بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وأنه سيتبع نهجه في نقل سفارة بلاده من القدس إلى تل أبيب.

أما المقصودين بالدول المعادية فهم الشركاء الأساسسين حاليًا لبلاده، الصين والبرازيل. وقد تحدث ميلي عن أنه سيقطع العلاقات معهم لأنه لا يريد التعامل مع شيوعيين واشتراكيين. كذلك قال أن بلاده لن تشارك في تجمع دول البريكس، رغم أنها تلقت دعوة للمشاركة في يناير/ كانون الثاني 2024. وبالطبع من البديهي أن الرجل لن يريد التعامل مع روسيا، وسيقطع علاقته بها.

ميلي يشبه ترامب في الكثير من المناحي، منها مثلًا تصريحاته المثيرة الجدل حول أي شئ. فقد قال ميلي أنه تعرض لمعاملة سيئة من والديه حين كان طفلًا، وتعرض لمراهقة صعبة بسبب تنمر زملائه عليه في الثمانينات. وأنه يحب الموسيقى، وقد كان مغنيًا رئيسيًا لفرقة موسيقية في السابق.

الملفت أن معظم ظهوره الإعلامي كان للحديث عن موضوعين فقط تقريبًا، تحليل اقتصادي لأثر التضخم، والمواضيع الجنسية. ما حدى بالإعلام الغربي، والأرجنتيني أيضًا، لوصفه بأنه ترامب الأرجنتين. ولا يبدو الرجل مستاءً من ذلك الوصف، فبات يناديه به أعداؤه وأصدقاؤه.

أما عن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها الأرجنتين فقد وضع ميلي برنامجه لمعالجتها. البداية عنده بسيطة للغاية، إغلاق البنك المركزي. يريد ميلي أن يتخلص من العملة المحلية البيزو، ويعتمد الدولار كعملة رسمية للبلاد. ثم يقوم الرجل بخفض الإنفاق، والتخلص من الطبقات التي وصفها بالطفيليّة.

تلك الكلمات التي لاقت استحسان الجمهور قد لا يجيد ميلي تنفيذها. فالرجل ينتمي لحزب يملك 38 مقعدًا فحسب من أصل 273 مقعدًا في الغرفة التشريعية العليا بالبلاد. بينما يملك 8 مقاعد فحسب من بين 72 مقعدًا في مجلس الشيوخ. لذا فمن الأرجح أنه بغض النظر عن مدى تطرف سياساته، فإن الرجل سيضطر إلى الاعتدال قليلًا كي يستطيع تمرير قرارته من الجهات التشريعية في البلاد.

ميلي الداعم القوي للعملات المشفرة، بيتكوين، متزوج وليس لديه أبناء، ويعتمد في حملته الانتخابية وفي رئاسته على شقيقته كارينا، التي يعتبرها يده اليمنى. ويعتمد كذلك على المنشار الكهربائي. فقد ظهر في أحد الفعاليات وهو يلّوح من سيارته بمنشار. يشرح لاحقًا هذه الحركة بأنها ستكون طريقته في إزالة ووضع حد للطبقة السياسية الفاسدة التي أفسدت البلاد في السنوات الأخيرة. كذلك سيكون المنشار وسيلته في التعامل مع أجهزة الدولة المتعثرة، وفي مجال محاربة التضخم.

لكن غرائبه لم تنته عند ذلك الحد، بل يأتي موقفه من الأعضاء البشرية ليكشف المزيد من شخصيته. فالرجل صرّح أكثر من مره بأن جسد الإنسان ملكه، بالتالي لما لا يحق له بيع أعضائه. وأكد أن هناك الآلاف من المتبرعين ينتظرون أعضاء المتوفيين، فلما لا يتم إدخال قواعد السوق في تلك الجزئية وإتاحة الموضوع كتجارة مقننة.

كذلك يوافق ميلي على مبدأ حرية حمل السلاح، لكن المخيف أن هذا المبدأ سوف يكون في الأرجنتين. البلد التي ترتفع فيها معدلات الجريمة سنويًا. لكن هذا المنطق في الحرية يختلف حين يتعلق الأمر بالإجهاض، فخافيير من مناهضي الإجهاض.