لماذا أريد عشر سيارات فيراري أو 20 ساعة يد من الماس أو طائرتين؟ ماذا ستفعل هذه الأشياء لي وللعالم؟
ساديو ماني.

واحد من التصريحات التي انتشرت مؤخرًا ولاقت تفاعلًا كبيرًا عبر وسائل السوشيال ميديا، والذي أطلقها اللاعب السنغالي في حواره مع الموقع الغاني «nsemwoha.com».

برر ماني ذلك بالطفولة الصعبة التي قضاها هناك في قريته الفقيرة بالسنغال، ورأى أنه من الأفضل أن يساعد الناس الذي نشأ بينهم؛ فيقوم ببناء مدرسة، أو إرسال المساعدات، أو بناء المشروعات التي من شأنها المساهمة في رفع اقتصاد هؤلاء الفقراء.

الأمر الذي جعل الصحافة الأجنبية ومن قبلها الجماهير تطلق عليه اللاعب الأكثر تواضعًا في كرة القدم، رغم أنه ليس اللاعب الأفريقي الأول الذي يعمل على مساعدة بلدته، فهناك نماذج أخرى مثل: دروجبا، وإيتو، وحتى محمد صلاح حاليًا في مصر؛ ليبقى السؤال هنا: ما الدافع وراء ذلك؟ وكيف يساعد هؤلاء شعوبهم الفقيرة؟ وأخيرًا، هل يستطيع كل محترفي أوروبا السير على خطاهم في هذا الأمر؟

رد الجميل: لماذا؟

قام الباحث الغاني «إرنست يبواه أكيمبونج»، بجامعة التربية والتعليم في «وينيبا»، بدراسة نشرها في موقع «ذا كونفيرسيشن»، بعنوان: «كيف ينفق اللاعبون الأفارقة الذين يلعبون في أوروبا أموالهم»؛ لبحث آثار سلوك رد الجميل -بحسب وصف الدراسة- للاعبين الأفارقة المحترفين في أوروبا، والذين تتراوح رواتبهم ما بين 15: 100 ألف يورو أسبوعيًا في معظم الدوريات الكبرى، وباستثناء فئة قليلة يمكن أن تتقاضى أكثر من 150 ألف يورو في أندية الصف الأول.

أشارت نتائج الدراسة التي تضمنت أكثر من 30 مقابلة حية مع لاعبين سابقين وحاليين في أوروبا، في الفترة الزمنية من 2013 وحتى 2018، إلى أن هؤلاء المحترفين يحرصون على مساعدة بلدانهم، بدافع نفسي يُشعرهم بضرورة تحمل المسئولية المجتمعية تجاه تلك القرى الفقيرة.

اللاعب لا ينسى نشأته، والصعاب التي تحملها كل من حوله من أجل انتقاله إلى اللعب في الخارج، هو بشكل ما يشعر بأنه تلقى مساعدات ثمينة من هؤلاء الناس سابقًا ويجب عليه أن يردها في الوقت الحالي.

تلك المساعدات لم تنحصر فقط في شكل مساعدات مادية بشكل فردي وعشوائي، ولكن الغريب أنها تتم عادة بشكل منظم للغاية، من خلال مؤسسات تنموية في هذه البلاد، تستثمر في مشروعات اجتماعية، وصحية، واقتصادية، وفي كثير من الأحيان تتكامل مع الجهود الحكومية في كل بلد؛ حتى تضمن رفع المستوى المعيشي لهؤلاء الناس.

إيتو ودروجبا نموذجًا

بالانتقال إلى التساؤل الثاني الذي طرحناه في المقدمة وهو: كيف يساعد هؤلاء شعوبهم الفقيرة ؟ فإننا سنحاول الإجابة عليه من خلال نماذج لمؤسسات تنموية أقامها لاعبون محترفون، وما زالت تمارس نشاطها، ومشروعاتها حتى اليوم.البداية من الكاميروني «صامويل إيتو»، لاعب برشلونة وإنتر ميلان السابق، والذي خاض رحلة احترافية طويلة متنقلًا بين أعرق الأندية الأوروبية، والذي أعلن اعتزاله نهاية العام الماضي.

والذي قام في 2006 بتأسيس مؤسسة تنموية تحمل اسمه في مسقط رأسه في الكاميرون، والتي ركزت عملها في البداية على تدريب وتطوير المواهب الواعدة في كرة القدم، محاولين خلق الأحلام على حد قوله؛ وهو ما انعكس على احتراف العديد من اللاعبين الكاميرونيين في أوروبا حاليًا.

هناك بعض البلدان، ليسوا محظوظين لأنهم لا يمتلكون شخصًا مثل بابا صامويل يساعد الشباب على التمكن من تحقيق أحلامهم.
تشوكوتي كريستيان، أحد اللاعبين الذين تدعمهم المؤسسة.

إلا أن «إيتو»، يعتبر أن الهدف الأفضل الذي سجلته المؤسسة حقًا، هو تزويد أكبر مستشفى عام في مدينة دوالا -مسقط رأسه- بجناح كامل عبارة عن 48 سريرًا، للرعاية المتخصصة للأطفال؛ حيث يموت أطفال الكاميرون دون الخامسة معدل يقارب ضعف المتوسط ​​العالمي، وفقًا لبيانات البنك الدولي.

بالإضافة إلى ذلك فإن المؤسسة تعمل حاليًا على عدة محاور أخرى كالتعليم وتنمية المجتمع، بما في ذلك دور الأيتام والمنح الدراسية وبناء الطرق.

ومن الكاميرون إلى ساحل العاج، فالوضع لم يختلف كثيرًا، فلاعب تشيلسي السابق، «ديديه دروجبا»، والذي تمتع بمسيرة أوروبية حافلة أيضًا، انتقل خلالها من مارسيليا إلى تشيلسي ثم إلى تركيا ومنها إلى الدوري الأميركي، واختتم مشواره هناك قبل عامين فقط؛ أسس هو الآخر، مؤسسة تنموية تحمل اسمه هناك في موطنه لتطوير التعليم والصحة.

وبدأت تلك المؤسسة نشاطها في 2007 من ساحل العاج، وليس لخدمة هذا البلد وحده ولكن لأفريقيا كلها، ولم يكتفِ بذلك إذ قام في 2009، وفي أثناء تواجده في صفوف نادي تشيلسي الإنجليزي، بتسجيل المؤسسة ككيان منفصل هناك في إنجلترا من أجل أن يستطع جمع قدر أكبر من التبرعات من لاعبين ومشاهير مثل: اللاعب الإنجليزي ورجل الأعمال المعروف «ديفيد بيكهام»، والأميرة «بياتريس من يورك» من العائلة الملكية.

انعكست هذه الأموال على المشروعات التي نفذتها المؤسسة إيجابًا بالطبع، حيث عملت على إنشاء مركز طبي في أبيدجان، بالإضافة إلى عيادات متنقلة إلى خارج العاصمة من أجل الوصول إلى فئات المرضى الأكثر فقرًا في المناطق النائية، بالإضافة إلى افتتاح أول مدرسة في إحدى القرى الإيفوارية للتصدي لظاهرة عمالة الأطفال، ومشروع آخر لمحو الأمية الرقمية في أفريقيا.

القاعدة التي لا نراها

ما ذكرناه سلفًا بالطبع هو أمر عظيم للغاية، ولكن هذه النماذج من اللاعبين المحترفين هي شواذ القاعدة وليست القاعدة نفسها، فالجانب الآخر الذي لا نراه من الصورة يقول إن ما بين كل «دروجبا»، أو «إيتو» أو «ماني»، يوجد مئات اللاعبين الذين يعانون في أوروبا، فكأنهم انتقلوا من معاناة القارة السمراء إلى المعاناة نفسها ولكن في نظيرتها العجوز.

وهذا بداية الخيط للإجابة على التساؤل الثالث لنا هنا: هل يستطيع كل محترفي أوروبا السير على خطاهم في هذا الأمر؟ الإجابة قطعًا ستكون لا، ولكن لماذا؟ هذا ما فسره الباحث الهولندي بجامعة أمستردام «باول بيناس»، والذي نشر دراسة على موقع «ذا كونفيرسيشن»، بعنوان: «مقابل كل دروجبا ، هناك المئات من لاعبي كرة القدم في غرب إفريقيا الذين يناضلون».

حيث وجد أن هناك لاعبين محترفين من غرب القارة في درجات أدنى في بلد مثل: بولندا، متوسط ما يتقاضونه نظير لعب كرة القدم هناك حوالي 1070 دولارًا في الشهر، بينما يحصل بعض اللاعبين على أقل من الحد الأدنى للأجر الذي يتقاضاه المواطن البولندي، فيما يلعب آخرون بشكل مجاني تمامًا، ولا يتلقون سوى مكأفآت صغيرة في حالة الفوز بالمباريات.

الأمر الذي يدفع البعض إلى البحث عن عمل آخر بجانب كرة القدم، من أجل توفير متطلبات الحياة الأساسية من مأكل ومسكن وملبس، لأن حتى السكن الذي يوفره النادي لهم يفتقد إلى أساسيات الحياة الآدمية؛ وعلاوة على ذلك فإن طريق التقدم الرياضي في مسيرة أحدهم يكاد يكون مستحيلًا.

في النهاية، إذا كان لدينا أكثر من 1000 لاعب أفريقي يلعبون في 30 دوري مختلف في أوروبا، فإن نسبة إيجاد لاعب مثل هؤلاء ستتعدى الـ 95%، في حين نسبة ضئيلة فقط هي من تجد طريقها نحو الثراء الحقيقي، ومن ثم تستطيع «رد الجميل» إلى تلك البلاد الفقيرة، ولكن هل تعتبر تلك المحاولات الفردية من اللاعبين كافية لتحسين حياة المواطن الأفريقي حقًا؟