يشهد موسم الانتقالات الصيفية الحالي في مصر نشاطًا كبيرًا من قِبل معظم الأندية، التي سعت لتعزيز صفوفها، سواء بلاعبين محليين أو أجانب. كانت السمة الغالبة في الميركاتو الحالي هي نشاط عدة أندية بخلاف ناديي الأهلي والزمالك لحسم عدة صفقات محلية وأفريقية، مثل نادي أسوان والإسماعيلي والمصري.

لكن مجلس إدارة النادي الأهلي كان له توجه آخر، فبالإضافة للصفقات المحلية وجه الأهلي ناظريه صوب لاعبين أجانب من خارج القارة السمراء. تمثَّل ذلك في التعاقد مع البرازيلي «برونو سافيو»، وسعيه لحسم صفقات أخرى للاعبين من آسيا وأمريكا الجنوبية.

والسؤال الآن: لماذا قرر الأهلي أن يعبر حدود القارة السمراء في هذا الميركاتو ويذهب لأمريكا الجنوبية؟

عقد كامل من الخيبات

منذ رحيل الثنائي الأنجولي فلافيو وجلبرتو عن النادي الأهلي لم ينجح الفريق في التعاقد مع لاعبين أجانب أعطوا الفريق نفس القيمة الفنية إلا قلائل. ربما لو سألتك عن أحدهم، فلن نتردد جميعًا في ذِكر اسم التونسي علي معلول، وربما نختلف على واحد أو اثنين آخرين، مثل المغربي وليد آزارو والنيجيري «جونيور آجايي»، وفيما عدا ذلك سنتفق على إخفاق الجميع.

عانى الأهلي طوال العقد الماضي من خيبات متتالية في تعاقداته مع اللاعبين الأفارقة بوجه خاص، سواء كانوا من فرق خارج الدوري المصري، مثل «فرانسيس دو فوركي ودومينيك دا سيلفا وساليف كوليبالي وجيرالدو وأليو بادجي».

وكذا من اللاعبين الأفارقة الذين لعبوا لفرق داخل الدوري المصري، مثل «أوسو كونان» القادم من مصر المقاصة، و«جون أنطوي» هداف الدوري المصري مع نادي الإسماعيلي، و«والتر بواليا» قادمًا من نادي الجونة المصري، والقائمة تطول.

العامل المشترك بين كل هؤلاء هو الإخفاق. وقبل أن نستفسر عن سبب اتجاه الأهلي للاعبي أمريكا الجنوبية يجب أن نفهم السبب وراء ظاهرة الإخفاق في اختيار اللاعبين الأفارقة.

عملية معقدة

قبل النظر في معضلة إخفاق اختيار الأفارقة في الأهلي يجب أن نُطلعك على كيفية اختيار الأندية الأوروبية للاعبيها، وهل عملية التعاقد مع اللاعبين تحتاج لدراسة، أم تخضع للصدفة؟ وستعرف تلقائيًّا لماذا يفشل الغالبية العظمى من الأفارقة في الأهلي؟

يقول «مايك ريج »، خبير سوق الانتقالات، الذي ساعد في تطور نادي مانشستر سيتي، لموقع «Business Insider»، إن هناك عملية معقدة من عدة خطوات للتعاقد مع نجم كرة قدم. وهذه العملية قد تستغرق شهورًا – أو حتى سنوات – لتكتمل.

يعتقد ريج أن الخطوة الأولى والأهم للفرق التي تبحث عن التعاقد مع نجوم كبار هي أن يكون لديها قاعدة بيانات تُحدد بشكل دقيق نوعية اللاعبين التي يبحث عنها الفريق، وكذلك كل ما يتعلق بهم من أمور شخصية داخل وخارج الملعب، وأيضًا رسوم انتقال هؤلاء اللاعبين، وهل يستطيع الفريق التعاقد معهم أم لا.

عندما يتعلق الأمر بشخصية اللاعب مثلًا، قال ريج:

إنها ليست الشخصية في حد ذاتها، ولكن الالتزام ورباطة الجأش وكل تلك الأشياء الأخرى غير الملموسة التي تشكل عقلية الرياضي. أنا دائمًا أنظر إلى ما هو موقف اللاعب من الكرة، وكيف يكون الموقف عندما يخسر الكرة، وكيف يكون موقفه أثناء نقل الكرة من الدفاع إلى الهجوم، أو العكس.
مايك ريج

يُجادل ريج بأنه على الفرق قياس وتسجيل ماهية هذه الخصائص أثناء إنشاء ملف تعريف للاعب، يجب على الفريق البحث عن كل تفصيلة تخص اللاعب، مثل: هل متزوج أم لا؟ هل له أطفال؟ لأنك إذا أنفقت 20 أو 30 أو 50 مليون جنيه إسترليني على لاعب، يجب أن تكون لديك صورة كاملة عن الشخص الذي تُنفق عليه هذه الأموال، وهل يستحقها أم لا.

الخطوة الثانية، هي تمكين المدرب الرئيسي، يقول ريج:

يجب أن يكون للمدرب القول الأول والأخير. كنت أجلس مع المدرب وأقول: أولًا وقبل كل شيء كيف تريد أن تلعب؟ ما هي فلسفتك؟ وما هي منهجية هذا النظام؟

يأتي بعد ذلك دور فريق الكشافة في الذهاب لكل حدب وصوب للعثور على اللاعبين، ووضع قائمة أولية، ثم اختصار هذه القائمة في خمسة أسماء لكل مركز، ثم دراسة كل خيار من هذه الخيارات؛ إيجابياته وسلبياته، ووضع الأولويات.

بعد كل ذلك يتبقى سؤالان رئيسيان؛ هل يستطيع النادي تحمل قيمة الصفقة؟ ثم هل سيوقع اللاعب؟

وعلى أساس إجابة النادي على هذين السؤالين يتحدد إذا ما كانت ستتم الصفقة أم لا. إذًا ما يمكننا استنتاجه أن التوقيع مع لاعب ما ليس عملية بسيطة، ولا أمرًا يخضع للصدفة، بل هو عملية مُعقدة تحتاج لدراسة كاملة، وفريق متخصص بهذا الشأن، كما أخبرنا ريج.

لكن يظل أحد مساوئ طرق الكشف التقليدية هو صفقات اللحظات الأخيرة من أي موسم انتقالات، فعلى الرغم من كل هذه التحضيرات والخطوات التي ذكرناها، فإنها تقف عاجزة أمام ضوضاء الساعات الأخيرة من الميركاتو. وهنا يأتي دور العلم مرة أخرى متمثلًا في الداتا.

الداتا: ما لم نسمع به من قبل

مع نمو استخدام تحليل البيانات في كرة القدم أصبحت البيانات وتحليلها أحد أهم المجالات التي كان لها أكبر الأثر في التعاقد مع اللاعبين.

بالطبع أود أن أقول إنه يجب عليك عدم التوقيع مع لاعب على أساس البيانات وحدها. من ناحية أخرى، لن نقوم فقط بالتوقيع مع لاعب على أساس الفيديو أو الاستكشاف المباشر. نحتاج إلى الصورة الكاملة.
«دريس بيلاين» رئيس قسم التعاقدات في أندرلخت البلجيكي.

من الصعب اتخاذ قرارات التوقيع الصحيحة. ومع اقتراب الساعات الأخيرة من نهاية فترة الانتقالات يطالب المشجعون بأسماء كبيرة، ويشارك الصحفيون آخر القيل والقال. يعد استخدام البيانات طريقة للتغلب على هذه الضوضاء، واتخاذ قرار مناسب. 

لم تحل الداتا محل الكشاف التقليدي الذي يشاهد مباراة تلو الأخرى ويستخدم حكمه لتقدير إذا ما كان اللاعب سيكون توقيعًا جيدًا أم لا. ولكنها استكملت هذا العمل؛ فتحليل البيانات أداة مهمة للغاية لفحص مئات الآلاف من اللاعبين حول العالم. فيزيد بشكل كبير من نطاق اللاعبين الذين يمكن للنادي النظر إليهم.

من خلال تحليل البيانات يمكن للأندية اكتشاف اللاعبين في أماكن غير متوقعة، والذين سيحسنون الفريق ويتوفرون بسعر مناسب. يكون ذلك إما عن طريق فريق البيانات الخاص بالنادي، أو حتى من خلال التعاقد مع شركات تحليل بيانات خارجية.

«برينتفورد» هو أحد هذه الأندية التي استفادت من البيانات في ربح كبير في سوق الانتقالات خلال السنوات الأخيرة. باستخدام النموذج التحليلي الخاص تمكن النادي من العثور على لاعبين موهوبين في كل الدوريات الدنيا في إنجلترا والخارج في دول مثل فرنسا والدنمارك. بيع لاعبون مثل «أولي واتكينز» و«نيل موباي» بمبالغ مالية كبيرة إلى أندية الدوري الإنجليزي الممتاز بعد أن لفتوا الأنظار في برينتفورد، هذا أحد ثمار تحليل البيانات.

«ليفربول» هو الآخر لعبت البيانات دورًا مهمًّا في قدرته على العثور على اللاعبين المناسبين لأسلوب اللعب الذي يفضله يورغن كلوب. في السنوات الأخيرة كانت استراتيجية الانتقال الخاصة بهم ناجحة للغاية، حيث استقطبت أمثال محمد صلاح وفيرجيل فان ديك وأليسون الذين ساعدوا النادي على الفوز بدوري أبطال أوروبا في عام 2019 والدوري الممتاز في عام 2020. والفضل في ذلك يعود لـ«إيان جراهام»، مدير الأبحاث في قسم البيانات بالفريق.

والسؤال الآن: هل لدى الأهلي استراتيجية محددة للتوقيع مع اللاعبين، وبخاصة الأفارقة؟

الإجابة، هي لا بكل تأكيد. فعملية اختيار اللاعبين الأفارقة لا تخضع لأي منطق، بل يشوبها في معظم الأحيان لغط كبير، مثل الاعتماد على وكلاء اللاعبين، الذين لا يسعون إلا لتسويق لاعبيهم، وأخذ عمولات جراء هذه الصفقات، والنتيجة، نجح في أكثر من عشر سنوات لاعب أو اثنان لعبا في الأساس في أندية شمال أفريقيا قبل الأهلي، وأخفق البقية.

وعود دون تنفيذ

في أحد التصريحات التي نقلها موقع الأهلي أونلاين لمصدر مسئول داخل النادي الأهلي، قال:

تتجه النية لدى مسئولي شركة كرة القدم للتعاقد مع عدد من شركات أوروبية متخصصة في مجال الكشف عن اللاعبين، والتي تمتلك فرق كشافة خاصة باللاعبين الصغار، على غرار ما يحدث في الأندية الأوروبية، والتي تُسارع في ضم المواهب المميزة من داخل قارة أفريقيا. وإن إدارة الشركة تدرس إنشاء إدارة داخلية لاكتشاف اللاعبين على غرار ما يحدث في الأندية الأوروبية.

يبدو التصريح أعلاه هو بداية السير على الطريق الصحيح، وعلى الرغم من أنه تصريح غير رسمي، فإنه يُشير إلى إدراك مجلس إدارة النادي للمشكلة، لكن المقلق في الأمر أن تكون هذه التصريحات مجرد تصريحات دون تنفيذ.

كثيرًا ما سمعنا أن النادي الأهلي يسعى للتعاقد مع شركة تحليل بيانات عالمية، ويسعى لإنشاء أكاديميات في دول أفريقيا لضمان الحصول على ناشئين أفارقة ذوي جودة عالية، وغيرها من الوعود التي لا تُنفذ.

خارج حدود القارة السمراء

ربما يكون اتجاه الأهلي المعلن للتعاقد مع لاعبين من أمريكا الجنوبية وآسيا هو تحجيم المغالاة في أسعار اللاعبين الأفارقة وفي رواتبهم، فمثلًا تعاقد الأهلي مع الجنوب أفريقي بيرسي تاو في سوق الانتقالات الصيفية 2021 بحوالي 1.8 مليون يورو، وذلك بحسب ما أشارت التقارير الصحفية. وراتبه يبلغ مليونًا و100 ألف دولار في الموسم، وهناك بند في عقد اللاعب يقضي بزيادة راتبه السنوي كل عام 100 ألف دولار.

لكن يظل السؤال مطروحًا: هل يكون تحجيم المغالاة في أسعار اللاعبين الأفارقة بالتعاقد مع لاعب برازيلي يلعب في الدوري البوليفي بقيمة 1.5 مليون يورو؟ حسبما صرح رئيس نادي بوليفار.

ربما ينجح سافيو نجاحًا باهرًا مع النادي الأهلي، لكن ستظل هناك مشكلة قائمة، وهي عدم وجود استراتيجية واضحة في التعاقد مع الأجانب، سواء كانوا من داخل أفريقيا أو خارجها، فمثلًا هل درس أحد في لجنة الكرة والتعاقدات في الفريق ملاءمة سافيو لأسلوب الفريق أم لا؟ وهل سيتأقلم اللاعب مع الأجواء في مصر أم لا؟ وما إلى ذلك مما ذكرنا سالفًا.

الأكيد أنه بدون استراتيجية واضحة في التعاقد مع اللاعبين سيظل الأهلي وغيره من فرق الدوري المصري في خانة الشك في نجاح أي صفقة مهما بلغت قيمتها، وكأن الأهلي والفرق المصرية تعشق شراء السمك في الماء.