أعلنت الإدارة الأمريكية، الثلاثاء الماضي، تجميد جزء من مساعداتها العسكرية للقاهرة، وتعطيل جزء آخر قيمته 195 مليون دولار، وهي الخطوة التي جاءت في ظل علاقات دافئة دامت لأشهر بين الرئيسين المصري «عبدالفتاح السيسي» ونظيره الأمريكي «دونالد ترمب».

أعلنت واشنطن أن قرارها صدر لأن القاهرة لم تحرز تقدمًا في ملف حقوق الإنسان، وكذلك لاحتفاظها بعلاقات دافئة مع كوريا الشمالية، التي يخوض زعيمها ورئيس الولايات المتحدة حربًا كلامية حول إمكانية نشوب حرب نووية بين البلدين. نسلط الضوء في هذا التقرير على أبرز ما يمكنه تشكيل علاقات دافئة بين القاهرة وبيونج يانج، تغضب لأجلها إدارة ترمب.

يرغب وزير الخارجية الأمريكي «ريكس تليرسون»، بعدما بدأ أثره يظهر للنور إثر تغييرات جذرية طالت الفريق الرئاسي الترمبي، في عزل بيونج يانج اقتصاديًا وسياسيًا لإرغامها على الجلوس على طاولة المفاوضات، وهو التحدي الذي تبدو فيه رغبة الخارجية الأمريكية على عكس ما ذهب إليه الرئيس ترمب من التصعيد الكلامي، نذير الشؤم على العالم.

لأسباب سياسية وعسكرية يبدو خيار الحرب جنونًا من الطرفين، صحيح أن ميزان القوى لصالح الولايات المتحدة، وستكون بيونج يانج الخاسر الحتمي للحرب، لكن ثمة تضحيات عظيمة لا تجرؤ الإدارة الأمريكية على الدفع بها، كأن تخسر التعاون مع الصين بشكل تام، وتعرض شعبها للخطر النووي الكوري الشمالي.

وتتطلب رغبة تليرسون أن يكون حلفاء أمريكا أكثر التزامًا تجاه الأمر، ومنهم القاهرة. وكان الرئيس ترمب قد اتصل هاتفيًا بنظيره السيسي مطلع الشهر الفائت من داخل طائرته الرئاسية المتجهة لحضور قمة الـ 20 في هامبورج الألمانية، ليناقش معه الأزمة الخليجية وضرورة التزام القاهرة بقرارات المقاطعة التي تبناها مجلس الأمن بحق كوريا الشمالية. ما يفتح باب التساؤلات حول طبيعة العلاقات بين البلدين، وإلى أي مدى يمكنها أن تزعج الإدارة الأمريكية.

في الماضي القريب دعت مصر كوريا الشمالية لمساعدتها في حرب التحرير ضد إسرائيل 1973، وأرسلت بيونج يانج عددًا من طياريها لتدريب الطيارين العسكريين المصريين، وبعد الحرب تسلمت بيونج يانج من القاهرة صواريخ سكود، من منتصف 1976 إلى 1981م. ولاحقًا زودت كوريا الشمالية القاهرة بمساعدات تقنية وفنية لاستنساخ الصواريخ (سكود) محليًا.

اقرأ أيضًا:كيف نجنب العالم دمار الحرب النووية وسط هذا الجنون؟

بالنظر لما أوردته لجنة تابعة للأمم المتحدة قبل عامين، نجدها تشير إلى استضافة مدينة بورسعيد المصرية، القريبة من قناة السويس، لشركات شحن كورية شمالية، تعمل في مجال تهريب الأسلحة، وأن ثمة روابط عميقة بين شركة الشحن البحرية الكورية الشمالية «(the North Korean front company Ocean Maritime Management (OMM»، وبين الشركة المصرية للشحن «the Egyptian shipping firm Sunlight Agency».

ليؤكد محققو الأمم المتحدة فيما بعد (هذا العام) امتلاكهم أدلة حول تجارة كوريا الشمالية غير الشرعية في مواقع متباينة من الشرق الأوسط وأفريقيا، في مجالات الاتصالات العسكرية المشفرة، وأنظمة الصواريخ المحمولة يدويًا، وأنظمة الدفاع الجوي. أشار تقرير الأمم المتحدة كذلك إلى وصول عدد من الأسلحة المهربة عبر قناة السويس إلى إريتريا، وليبيا.

ناهيك عن استقبال بيونج يانج للرئيس المصري الأسبق، مبارك، أربع مرات بين عامي 1983 و1990. وعلى الصعيد الاقتصادي أسس المهندس المصري، نجيب ساويرس، شبكة الاتصالات الخلوية الوحيدة في بيونج يانج (كوريلينك) من خلال شركته أوراسكوم ORASCOM تيلوكوم للإعلام والتكنولوجيا.

تواجه القاهرة هذه الأيام غضبًا عارمًا من واشنطن التي تشعر بالعجز حيال كوريا الشمالية، فهي غير راغبة في خوض حرب مدمرة يتأذى منا الشعب الأمريكي وحلفاء أمريكا القريبون من شبه الجزيرة الكورية، كوريا الجنوبية واليابان، لذا فإنها حريصة على التضييق السياسي والاقتصادي على بيونج يانج من خلال أصدقائها، فيما يعرف بسياسة تجفيف المنابع.

تصدر ملف حقوق الإنسان القرار الأمريكي، لكن ترمب لم يكن يومًا حريصًا على هذا الجانب من الممارسات النظامية لحلفاء أمريكا، لذا يبدو ضجره من العلاقات المصرية ببيونج يانج الدافع الحقيقي وراء وقف المساعدات، وفي ظل التغيرات التي يشهدها فريقه الرئاسي ليس على مصر، إن كانت حريصة على استمرار أشهر العسل (المصرية-الأمريكية)، إلا أن تعلن التزامها بقرارات المقاطعة الأممية لبيونج يانج.