«من المؤلم أن يتقبل الشعب المغربي الاعتراف بدولة وهمية ممثلة لإقليم الصحراء، كما أنه من الصعب أيضًا القبول بمقارنة المملكة بكيان يفتقد لأبسط مقومات السيادة، وهذا دفع المغرب؛ تفاديًا للتجزئة والانقسام، إلى اتخاذ قرار مؤلم، يتمثل في الانسحاب من أسرته المؤسسية».

كانت هذه الكلمات جزءًا من الخطاب الذي وجهه الملك المغربي «محمد السادس» يوم 17 يوليو/تموز 2016، إلى الاتحاد الأفريقي في القمة الـ27 بالعاصمة الرواندية كيجالي، بشأن طلب المملكة رسميًا العودة إلى الاتحاد، بعد انسحابها منه سابقًا -عندما كان يسمى منظمة الوحدة الأفريقية – عام 1984 رفضًا لاعتراف المنظمة آنذاك بـ «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية»، والتي تقودها الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب «البوليساريو»، والتي أعلنت استقلالها من جانب واحد منتصف السبعينيات وحظيت باعتراف بعض الدول آنذاك.


النزاع على الصحراء

دعا الملك المغربي الراحل «الحسن الثاني» في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 1975، إلى تنظيم حشد شعبي عرف باسم «المسيرة الخضراء» للضغط على إسبانيا لمغادرة منطقة الصحراء الغربية التي كانت تحتلها، حيث كانت المنطقة خاضعة للاستعمار الإسباني، وأدت المسيرة إلى الضغط على إسبانيا وبدء التفاوض في 14 من ذات الشهر، انتهى بتوقيع «اتفاقية مدريد» التي تخلت بموجبها إسبانيا عن إقليم الصحراء وقسّم بين المغرب وموريتانيا. رفضت الجزائر وجبهة البوليساريو الاتفاق مطالبة بإقرار الحق في تقرير المصير للشعب الصحراوي، واستمرت المواجهات العسكرية منذ ذلك الوقت. كانت الصحراء الغربية حينها حافلة بالحركات السياسية المناهضة للاستعمار الإسباني، بعضها كان تابعًا أو مقربًا للمغرب وبعضها لموريتانيا، لكن التيار الأهم كان ذلك الذي يتبنى الاستقلال مطالبًا بقيام دولة صحراوية مستقلة، وعلى رأسه البوليساريو والتي تأسست عام 1973، إذ رفعت الجبهة رايات الاستقلال والكفاح المسلح، وأعلنت الحركة قيام الجمهورية الصحراوية في إبريل/نيسان 1976؛ ردًا على اتفاق المغرب وموريتانيا على تقسيم الصحراء لتبدأ المواجهات العسكرية والصراعات الدبلوماسية في مقار المنظمات الدولية والإقليمية وخاصة الاتحاد الأفريقي الذي اعترف بالجمهورية الصحراوية؛ مما أدى لانسحاب المغرب من المنظمة احتجاجًا على ذلك.

انحازت 26 دولة لجانب الانفصال عام 1984، بينما لم يتبق الآن سوى أقل من 10 دول معترفين بالجمهورية الصحراوية، فمنذ سنة 2000، سحبت 36 دولة اعترافها بهذه الدولة.


عودة رغم بقاء البوليساريو!

أوضح الملك محمد السادس في رسالته التي وجهها لقمة الاتحاد الأفريقي الـ27 أسباب خروج بلاده من منظمة الوحدة الأفريقية سابقًا ولماذا تريد العودة، وهذا يتضح في رسالته كالتالي:

  • انسحب المغرب في ظروف خاصة، من إطار مؤسساتي قارّي.
  • من المؤلم أن يتقبل الشعب المغربي الاعتراف بدولة وهمية، كما أنه من الصعب القبول بمقارنة المملكة بكيان يفتقد لأبسط مقومات السيادة، ولا يتوفر على أي تمثيلية أو وجود حقيقي، وهذا دفع المملكة، إلى اتخاذ قرار مؤلم، يتمثل في الانسحاب من أسرته المؤسسية.
  • هذا الكيان ليس عضوًا لا في منظمة الأمم المتحدة، ولا في منظمة التعاون الإسلامي، ولا في جامعة الدول العربية، ولا في أي هيئة أخرى.
  • موقف الاتحاد الأفريقي يتعارض مع تطور قضية الصحراء على مستوى الأمم المتحدة، فهناك مسار للتسوية برعاية مجلس الأمن يسعى للتوصل إلى حل سياسي دائم لهذا النزاع الإقليمي.
  • لا يمكن للمغرب أن يظل خارج أسرته المؤسسية، ولا بد له من استعادة مكانه الطبيعي والشرعي داخل الاتحاد الأفريقي، بحيث يمكنه، بفضل تحركه من الداخل، أن يساهم في جعله منظمة أكثر قوة، تعتزّ بمصداقيتها، بعد تخلصها من مخلفات الزمن البائد.

كانت هذه هي أسباب الخروج والعودة من الاتحاد وفقًا لرسالة الملك المغربي، والتي لم تشترط خروج الجمهورية الصحراوية لعودتها للاتحاد كما كان في السابق. لكن يتضح أن تنامي نشاط البوليساريو الدبلوماسي في الاتحاد الأفريقي ساهم في ضعف الموقف المغربي في العديد من المحافل الدولية، لذا آثرت المغرب العودة للاتحاد لاستمالة أعضائه؛ الأمر الذي بدأت بوادره في طلب 28 عضوًا بالاتحاد وقف مشاركة الجمهورية الصحرواية في أنشطة الاتحاد.


ردود الفعل على التحرك المغربي

تفاعلاً مع الموقف المغربي بطلب العودة للاتحاد الأفريقي، رحب أعضاء المنظمة بهذا القرار، بل وجهت 28 دولةً عضوًا يوم 18 يوليو/ تموز التماسًا للرئيس التشادي «إدريس ديبي»، رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، لتعليق مشاركة الجمهورية الصحراوية مستقبلاً في أنشطة الاتحاد وجميع أجهزته وذلك «لتمكين الاتحاد من الاضطلاع بدور بناء والإسهام إيجابًا في جهود الأمم المتحدة من أجل حلّ نهائي للنزاع الإقليمي حول الصحراء»، ومن هذه الدول الغابون وليبيا والسودان بينما لم تكن منهم تونس أو مصر.

وباعتبار أن الجزائر الداعم الرئيسي لـلبوليساريو، وفي إطار سعي دول المنطقة والقوى الدولية لحل الأزمة، اتفقت الجزائر مع المغرب على تكثيف تعاونهما الأمني بخصوص مواجهة تهديدات الإرهاب، وتبادل المعلومات حول المتطرفين من البلدين، وذلك خلال زيارة وفد مغربي للجزائر يوم 16 يوليو/تموز 2016، حيث طغت التهديدات المشتركة جراء وجود «داعش» في ليبيا، وتنظيم «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» على محادثات البلدين؛ الأمر الذي دفعهما لمناقشة سبل مواجهة هذه التهديدات المشتركة، تاركين وراء ظهورهم تاريخًا طويلًا من التوتر في العلاقات. كانت مسألة الصحراء الغربية من أهم أسبابه؛ بل إن المباحثات شملت مناقشة عودة المغرب للاتحاد الأفريقي، وهذا ما اتضح في اليوم التالي من رسالة الملك المغربي للاتحاد الأفريقي.

من الملاحظ أيضًا أن هذا التعاون الأمني جاء بسبب ضغوط غربية، خاصة من قبل الولايات المتحدة وفرنسا، على البلدين من أجل تعزيز تعاونهما في مكافحة الإرهاب والتنسيق في كشف الشبكات الإرهابية التي تستغل الثغرات في كلا البلدين للقيام بعملياتها، وكانت فرنسا من أول الدول المرحّبة باعتزام المغرب العودة للاتحاد الأفريقي، حيث اعتبرت الخارجية الفرنسية يوم 19 يوليو/تموز 2016 أن عودة المغرب إلى الاتحاد سيشكل مساهمة هامة في الاندماج المتنامي للقارة الأفريقية.


دوافع تغير الموقف المغربي

ساهمت في تغير موقف المغرب بالعودة للاتحاد الأفريقي تمهيدًا لحل قضية الصحراء عدة عوامل منها:

1ـ وفاة زعيم البوليساريو رئيس الجمهورية الصحراوية «محمد عبد العزيز» في 31 مايو/أيار 2016، وتولي «إبراهيم غالي» مكانه أمانة الجبهة ومن ثم رئاسة الجمهورية – أو الدولة الوهمية كما تسميها المغرب -، وسعت المملكة لاستغلال هذا التغير لصالحها حيث كان «عبد العزيز» المتحكم الرئيسي في الجبهة وهو ما قد يتغير مع تولي القيادة الجديدة والقبول بالحل المغربي المتمثل في منح الإقليم حكمًا ذاتيًا موسعًا تحت ظل المملكة.

2ـ تنامي خطر تنظيمات الإرهاب بالمنطقة، حيث ضعفت قدرة المغرب على ضبط حدوده نظرًا لاستنزافه في الصراع مع الجبهة وضعف التنسيق مع الجزائر؛ الأمر الذي ساهم في تنامي الإرهاب؛ مما دفع الغرب للضغط على البلدين للتنسيق الأمني وإيجاد حل لقضية الصحراء الغربية للتفرغ لمكافحة الإرهاب.

3ـ رغبة المغرب في العودة للعمق الأفريقي بعد حدوث تحولات في محيطها العربي، إذ رفضت المغرب استضافة القمة العربية الـ27 لأنها رأتها «مجرد اجتماع مناسبات»، كما أن «الظروف الموضوعية لا تتوفر لعقد قمة ناجحة». كذلك تسعى المغرب لتوسيع تعاونها الاقتصادي مع دول القارة وهذا ظل متأثرًا إلى حد ما بخلافها مع الاتحاد.

4ـ رأت المغرب أن هناك مساعيَ دولية مكثفة لحل الأزمة، لذا سعت لتعزيز موقفها، حيث سيعقد مجلس الأمن الدولي جلسة يوم 26 يوليو/تموز 2016 للاستماع إلى إحاطة الأمين العام للأمم المتحدة حول مآل المشاورات مع المغرب، وقد سبق هذا في مارس/آذار 2016 خلاف بين المنظمة والمملكة على إثر اعتبار «بان كي مون» الوجود المغربي في الصحراء احتلالًا.

5ـ تراجع دعم بعض الدول الأفريقية والعربية للجبهة التي تريد حلاً لقضية الاستقلال خوفًا من إثارتها مجددًا للنزاعات الانفصالية، وهذا يتضح مثلاً في دعم ليبيا والسودان لوقف مشاركة الجمهورية الصحراوية في أنشطة الاتحاد الأفريقي لقطع الطريق على تحركات مماثلة.

لذا يتبين أن المغرب استغل الظروف الإقليمية والدولية، وخاصة تنامي الإرهاب وتزايد مخاوف الدول الأفريقية من تنامي النزاعات الانفصالية، للعودة للاتحاد ومحاصرة البوليساريو ولتعزيز موقف المقترح المغربي، وهو الحكم الذاتي تحت سيادة المملكة، والذي دعمته دول كبرى مثل الولايات المتحدة. يوضح التغير في الموقف المغربي توجه المملكة نحو نهج دبلوماسي جديد يتخلى عن المواجهة والصدام مع المنظمات الدولية، وفي المقابل كشف هذا التحول أيضًا عن قوة الاتحاد الأفريقي كمنظمة جماعية استطاعت توفير غطاء دبلوماسي لـلبوليساريو؛ مما دفع المملكة لطلب العودة إليها والعمل من خلالها.