على المرء أن يتعلم من أخطاء الآخرين، فمن لا يتعلم من أخطاء غيره لن يتقدم إلى الأمام أبدًا.

تلك الحكمة التي تدون على كتب الأطفال حديثي التعليم وعلى أسوار المدارس الحكومية وتلقنها الأم إلى أطفالها ويرددها المئات من مدربي التنمية البشرية ويقولها الآباء إلى أولادهم كنوع من الواجب التربوي حتى وإن لم يقتضِ الموقف قولها.

لماذا إذن لا تتعلم المنتخبات العربية من أخطاء بعضها البعض؟ لماذا يضع كل الجمهور العربي أياديهم على قلوبهم بمجرد أن يقترب وقت المباراة من الدقيقة 90؟

اليوم خسر المنتخب التونسي من المنتخب الإنجليزي في الدقيقة الـ 90 تمامًا مثلما فعل المنتخب المصري أمام نظيره منتخب الأوروغواي وكررها أيضًا المنتخب المغربي أمام المنتخب الإيراني، والمفاجأة أن الثلاثة أهداف التي استقبلتها الشباك العربية من ضربات ثابتة.

فلماذا تنهار المنتخبات العربية في الدقيقة 90؟ لنتخذ مباراة إنجلترا وتونس مثالاً لأنها الأقرب إلى الأذهان.


1. الإيقاع الذي لا تتحكم فيه المنتخبات العربية

دعني أخبرك عزيزي القارئ في البداية ما هو إيقاع اللعب. بشكل مبسط فإن التحكم في سرعة المباراة و تغيير إستراتيجيتك خلال فتراتها المختلفة هو السبيل للتحكم في إيقاع اللعب. الأمر يتطلب مديرًا فنيًا ذكيًا يملك من الخبرة ما يجعله يتوقع ردود أفعال خصمه قبل أن ينفذها، كذلك القدرة على التمرير تحت الضغط العالي وعدم فقد الكرة بسهولة، وكذلك تغيير سرعة التمرير والمساحات بين لاعبي الفريق وفقًا لنتيجة المباراة.

وهكذا بدأت مباراة إنجلترا وتونس، محاولة لفرض الإيقاع وحسب. نجح الإنجليز في فرض إيقاعهم السريع للغاية مستغلين فرق السرعات بين الهجوم الإنجليزي والدفاع التونسي البطيء وهو ما أسفر عن نتائج مثالية في الخمسة عشر دقيقة الأولى والتي انتهت بإحراز هدف إنجليزي وإصابة اللاعب التونسي المتألق الوحيد وهو الحارس معز حسن وتحديد الظهير الأيسر علي معلول كنقطة ضعف أساسية للمنتخب التونسي لمستواه السيئ وقلة مساندة لاعب خط الوسط أنيس البدري له.

لم يظهر المنتخب التونسي في دفاعات خصمه الإنجليزي إلا على فترات ونتيجة لأخطاء فردية من خط الوسط والدفاع الإنجليزي والذي أهدى المنتخب التونسي هدف التعادل من ضربة جزاء نتيجة لتهور المدافع الإنجليزي كيل ووكر ليتغير الإيقاع تمامًا.

يبدأ المنتخب الإنجليزي في تذكير مشجعيه بفصوله الباردة في البطولات الكبرى بعد أن أضاع كل الفرص المتاحة للتهديف، ولأنه بالطبع لن يستطيع أن يلعب بنفس الإيقاع السريع طوال المباراة، فيبدأ في تهدئة الإيقاع وهو ما يتيح للمنتخب التونسي فرصة الظهور بشكل دفاعي أفضل في الشوط الثاني إلى أن تأتي الدقيقة 90.

ينتهي الإيقاع تمامًا للمنتخبات العربية في الدقيقة 90، فبينما يحاول المنتخب الإنجليزي إعادة الإيقاع السريع للملعب ومحاولة إحراز الهدف يشعر المنتخب التونسي أن الأمر انتهى، إنه الوقت المثالي لكي نتقهقر جميعًا إلى الخلف في الدقائق المتبقية وحتمًا سينتهي الأمر على خير، هناك شخص ما يطفئ النور في عقول لاعبينا ويعلن انتهاء الحفل قبل صافرة الحكم وما أن يستعيد اللاعبون وعيهم يجدون أن النور ما زال مضاءً بل وهناك شخص يحتفل بخسارتهم بالفعل.

إذا كنت لا تتحكم أبدًا في إيقاع اللعب فستجد نفسك في الدقيقة الأخيرة مفتقدًا لما يلزم عليك أن تفعله، أنت متعب لا تقوى على التفكير وتنتظر صافرة النهاية.


2. اللياقة البدنية

حتمًا اللياقة البدنية عامل مهم في استقبال هدف في الدقيقة الأخيرة، بل إن الكثير يعزي النتائج الحالية لهذه النسخة من المونديال للعامل البدني. فقد أظهرت المنتخبات الأوروبية تفوقًا كاسحًا خلال كأس العالم بفضل العامل البدني، فبينما يعاني لاعبو المنتخبات غير الأوروبية من انخفاض المستوى في الربع ساعة الأخيرة من المباراة نجد أن الفرق الأوروبية ظهرت بثبات بدني جيد خلال وقت المباراة بالكامل.

المنتخبات العربية حتى وإن كان الكثير من قوامها كلاعبين محترفين بأندية أوروبية إلا أن العنصر البدني للاعب الكرة يبدأ في التكوين في سن صغيرة وهو ما يجب على الاتحادات العربية أن تلتفت له من خلال الاهتمام بالعوامل البدنية لدى لاعبي الناشئين.

المنتخب الأوروبي الوحيد الذي ظهر عاجزًا عن استغلال الفوارق البدنية لصالحه هو المنتخب الألماني والذي خسر أمام نظيره المكسيكي بعد أن قدم الأخير درسًا للجميع في القدرة على الدفاع واستغلال الهجمات المرتدة وهو ما ينقلنا للسبب الثالث.


3. كيف تتخلص من توتر الدقيقة 90؟

لقد شاهد جميع متابعي كرة القدم في العالم كيف استطاع المنتخب المكسيكي أن يخرج فائزًا أمام المنتخب الألماني بعد أن قام بتنفيذ هجمات مرتدة مثالية خلال المباراة. ما فعله المنتخب المكسيكي هو تصدير التوتر للمنتخب الألماني بدلًا من أن يتعرض هو للتوتر نتيجة الضغط الألماني الدائم.

هناك دومًا لاعب سريع مستعد لمباغتة الدفاع الألماني في لحظة فأصبح الألمان هم من يشعرون بالتوتر وضرورة الاندفاع الحذر. بالطبع هناك فروق في قدرات المنتخبات العربية والمنتخب المكسيكي خاصة فرق السرعات.

في المقابل نجد أن المدرب التونسي نبيل معلول في مباراة اليوم قرر خروج اللاعب نعيم السليتي في الربع ساعة الأخيرة. السليتي هو اللاعب الوحيد من ثلاثي خط الوسط الذي كان يحاول القيام بمناوشات هجومية خلال المباراة والبديل هو اللاعب أمين بن عمر صاحب المهام الدفاعية البحتة، لقد قرر معلول أن يتقهقر طواعيةً في الربع ساعة الأخيرة ثم جاء التغيير الأخير للاعب لديه سرعات بالفعل وهو المهاجم صابر خليفة في آخر 5 دقائق في المباراة ويا للمفاجأة أتيحت فرصة خطرة لصابر خليفة بالفعل.

لماذا نصر دومًا أن نبقى في موضع الملاكم الذي يحاول أن يخفي وجهه من لكمات خصمه والاعتماد على حساب النقط بدلًا من مباغتة الضربة القاضية رغم أننا نعرف أن الأمر سينتهي عادة قبل ثانية واحدة من الجولة الأخيرة؟

وأخيرًا نرجو أن نستبدل حكمة التعلم من أخطاء الآخرين – والتي لا تجدي نفعًا كما هو واضح – لحكمة في غاية البساطة «عند اقترابك من الدقيقة 90 لا تحاول أن تتسبب في خطأ أو ركلة ركنية للفريق المنافس»، فلندونها على كتب التلاميذ ولتلقنها الأم إلى أطفالها، لعل وعسى!