نحن نثق تمامًا أن جماهير فريقنا تتفهم جيدًا المرحلة الخطرة التي يمر بها الفريق.

من المؤكد أنك سمعت أحد مسئولي الأندية المصرية يتفوه بتلك الكلمات مؤخرًا. تخيل فقط أنك قاطعت هذا الرجل عن الحديث وسألته بشكل مباشر: من هم جماهير فريقك؟

هل بعض الآلاف التي تحضر مباريات الفريق من قلب الملعب هم الممثلون المنطقيون لجماهير أم العشرات الذين يحيطون بالمسئول ويتحدثون عن الفريق تحت رايات أهل الخبرة وأهل الثقة. ولماذا لا يكون الملايين المتواجدون على وسائل السوشيال ميديا هم جماهير الفريق الحقيقيون؟

في الحقيقة، محاولة وضع نموذج ثابت للجماهير هو أمر غير ممكن على الإطلاق، لذا فمن المنطقي أن تحاول الأندية فهم كل أنواع الجماهير التي تؤثر بالضرورة في صورة الأندية سواء على الجانب الرياضي أو الجانب التسويقي.

تبقي أكثر النماذج إرباكًا للأندية هي نماذج مشجعي الإنترنت أو دعنا نسميهم المشجعين الديجيتال. هؤلاء الذين تلتصق بهم كل الموبقات في حالة الغضب مثل أنهم مجرد لجان إلكترونية تحاول هدم الفريق أو أنهم مجرد أطفال لا يعون ما يتحدثون به، أما في حالة الفوز والفرح تجد أن كل منشورات الفريق الإلكترونية تخاطب هؤلاء المشجعين وتحتفي بهم.

دعنا نحاول فض هذا الاشتباك بشكل مبسط قدر الإمكان.

تبقى الجماهير جزءًا أصيلاً من كرة القدم، لذا بالضرورة أن تنظر الأندية إلى نفسها على أنها مؤسسات تتشكل حولها مجتمعات أوسع، ومع وجود الإنترنت الذي يسمح لهؤلاء الجماهير بالتواجد ومعرفة بعضهم البعض أصبحت تلك المجتمعات الواسعة تشكل قوة حقيقية دون الالتزام بجغرافيا المكان.

في عام 2020 أجرى اتحاد الأندية الأوروبية بحثًا حول فكرة «مشجع المستقبل». من خلال استطلاع أُجري في سبع دول وجهت أسئلة إلى 14000 شخص عن اهتمامهم بكرة القدم وكيفية تفاعلهم مع اللعبة. سجل الاستطلاع أن 40٪ فقط من بين جميع المشجعين يشاهدون بانتظام كرة القدم الاحترافية في الإستاد.

لم تقلق الأندية الكبيرة من تلك النسبة ولم تنكر مشجعيها الديجيتال بل وجدتها فرصة عظيمة نحو المزيد من الاستثمارات والأموال ولذا كان المنطقي دراسة تلك الشريحة.

كيف تعرف حقيقة جماهيرك الديجيتال؟

تستلم الأندية المتطورة بيانات تأتي من مصادر كثيرة لقياس مؤشرات الرضا أو السخط من قبل مشجعي الفريق عبر الإنترنت. أهم تلك المصادر هي شركات متخصصة في هذا المجال والتي تعمل على تجميع بيانات من خلال ردود الفعل الفردية التي يقوم بها المشجعون على منشورات الأندية التي تبث عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.

من خلال تلك الشركات تعرف الأندية جيدًا الآراء التي يتقبلها معجبوها وما لا يتقبلونها وفي بعض الحالات مدى قوة تبني هذه الآراء.

أحد أهم البيانات التي تقدمها تلك الشركات هي تحليل المشاعر والتي يؤكد السيد «روجر بريوم» رئيس التسويق في شركة Hookit أن هذا التحليل يتم استخلاصه بشكل أكثر وضوحًا من التعليقات الموجودة أسفل منشورات Instagram ومن التغريدات. لأن ببساطة هذا هو المكان الذي يخبرك فيه المشجعون المتشددون بما يشعرون به.

هذه المعلومات في غاية الأهمية للأندية حيث يستخدمونها لاختيار نوع المحتوى الذي يضعونه عبر وسائل التواصل أو مساعدة رعاتهم في بث حملات إعلانية أكثر فعالية. حسنًا، تبدو الفائدة التجارية واضحة للغاية، ولكن ماذا عن الفائدة على أرض الملعب؟

أرض الملعب

المباراة عند المشجعين الديجيتال لا تنتهي أبدًا، ربما هذا الزخم هو بالضبط ما يقلق بعض الأندية، المغالاة في الفرح أو الغضب هو صفة سائدة في التشجيع منذ أن تم اختراع كرة القدم، لكن استمرارية هذا الشعور هو بالطبع مؤثر. كما أن فكرة استقبال كل الإساءات بشكل مباشر سواء إساءات عنصرية أو شخصية هي عامل خطير دون شك.

حسنًا، تبدو الطريقة المعتادة للتعامل هنا هي فصل الفريق عن تلك التعليقات بالكامل والتأكيد أن أصحابها أشخاص موتورون مأجورون لهدم استقرار الفريق، لكن هذا ليس حقيقيًا طالما أنك تأكدت أن هذا هو شعور الجماهير الحقيقي.

يكمن الحل في محاولة ترويض هذا الشعور وتحويله إلى طاقة إيجابية تبث في نفوس اللاعبين لتغيير الوضع القائم. كما أن الابتعاد عن هذا الزخم غير مفيد إطلاقًا.

ماذا لو جربت الأندية أن تشارك بشكل مباشر في مجتمعات المشجعين الديجيتال؟ مثلما قررت الأندية أن تمتلك قنوات تلفزيونية خاصة بها لبث الأخبار الحصرية للفريق، فربما يجب أن تمتلك قنوات نقاش على اليوتيوب وتطبيقات يعبر خلالها الجماهير عن آرائهم بشكل مباشر. في رسالة واضحة أن آراءهم وإن كانت قاسية فهي هامة للغاية.

يطلب نادي ويستهام تغريدات من متابعيه لدعم النادي. يتم بعد ذلك طباعة أفضل 20 تغريدة على قمصان تُستخدم في إحماء الفريق قبل المباراة. لكنهم لا يتوقفون عند هذا الحد بل يتم توقيع تلك القمصان بعد ذلك من قبل اللاعبين ثم إرسالها إلى المشجع الذي قام بالتغريد بالرسالة.

أما فريق يوفنتوس بعد أن تمكن من هزيمة بارما بسبعة أهداف في مباراة بالدوري خلال موسم 2013/14 وسط تألق لافت لكارلوس تيفيز، قرر النادي مطالبة المتابعين على تويتر بإنشاء ميمات للتعليق على المباراة، ثم نشر مقطع فيديو يظهر رد فعل تيفيز على الميمات التي تم إنشاؤها عنه.

دعنا نعود إلى أرض الواقع

حسنًا، تلك هي المرحلة الأهم من أجل فض الاشتباك. لا تمتلك مصر الآن سوى جماهير الديجيتال، ولا يمكن أن يتم تجاهل تلك الجماهير إلى الأبد أو إلصاق التهم بها على الدوام.

تحتاج الأندية الكبرى في مصر إلى قياس شعور تلك الجماهير دون التعالي عليها أبدًا. ربما إذا استطاع الأهلي تفهم جماهيره الغاضبة لحمى مدربه السابق مثلًا من ضغط وسائل الإعلام أو أنه أوجد قنوات بديلة للحديث عن مميزات الرجل ومشروعه الممتد.

ربما يتفهم الزمالك أخيرًا أن جماهيره لا تغضب من اللاعبين حيث يتم تغييرهم كل موسم بل الغضب الأساسي من الإدارة والتغيير المستمر ذاته.

لكن هذا لا يحدث أبدًا بل يتم استغلال جماهير الإنترنت في مصر بشكل واضح وممنهج. قررت الأندية خلق جمهور خاص بها، جمهور ينشر منشورات معدة سلفًا من قبل الإدارة دون وعي بأن هذا سيفسد الدليل الوحيد الذي تمتلكه الأندية الآن وهو جمهور الإنترنت.

يمكنك أن تلاحظ ذلك بسهولة، بعض الأسماء الشهيرة في عالم التشجيع الديجيتال هي من تقرر إلى أين يتجه الحديث إزاء كل قضية وهكذا مرارًا وتكرارًا حتى يفقد الحديث أهميته.

يواجه جمهور إدارات الأندية الجمهور الحقيقي في فضاء الإنترنت الفسيح لكي تنتهي الأمور إلى اللا شيء على الدوام، لا تستفيد الأندية سواء ماديًا أو فنيًا ولا يعبر الجمهور عما بداخله، ثم تكون النتيجة في الأخير هي فشل النادي وانفجار الجمهور لنعود لنقطة الصفر والتي تكون كالتالي:

إن هذا الجمهور الذي انفجر بالانتقاد والسباب هم جمهور غير واعٍ وغير مسئول، لكننا نثق تمامًا أن جماهير فريقنا تتفهم جيدًا المرحلة الخطرة التي يمر بها الفريق.