كان اليوم السابق للمباراة لا ينسى، حيث القلق والترقب يتملكان الجميع. لاعبو الأهلي يفكرون في كيفية اجتياز الدحيل القطري لمواجهة بطل أوروبا. مواجهة بايرن ميونخ حدث لا يتكرر كل يوم، ما بالك إذا كان الفوز يصل بالفريق إلى نهائي كأس العالم للأندية، سيكون تحقيق اللقب إنجازًا لم يسبق له مثيل، يعلم اللاعبون أن المهمة في غابة الصعوبة، وأن الفوارق كبيرة، لكن لمَ لا؟ قد تحدث معجزة.

أمضى اللاعبون ليلتهم في تخيل المباراة، وكل لاعب يأمل أن يكون صاحب الهدف، هدف في مباراة كهذه يضمن له مجدًا أبديًّا، وحضورًا دائمًا في الإعلام ليحكي عن كواليسه وذكرياته، وبينما يفكر اللاعبون في الاحتفالات الصاخبة التي ستصاحب الفوز، أرسل أحد اللاعبين هذه الصورة إلى مجموعة تضم اللاعبين بتطبيق واتس آب.

نظر اللاعبون للصورة، ثم سأل أحدهم عن الطريقة التي وصل بها لاعبو البايرن إلى هذه الهيئة، وقال آخر بأنهم لا بد قد تغيروا منذ التقطت الصورة، فلا شيء يبقى على حاله، لكن جاء أحد اللاعبين وقال بأنها كرة قدم وليست مصارعة، ولا يهم مقدار الكتلة العضلية في شيء.

هنا تظاهر اللاعبون بالاقتناع بكلامه ثم ذهبوا وخلدوا للنوم، لكن من دون الجميع ظل حمدي فتحي وأيمن أشرف يفكران في الصورة، وتخيل كل منهم تدخلًا ثنائيًّا مع جوريتزكا أو ليفاندوفسكي، ثم خلدا للنوم كذلك، دون أن يجيب أحد على الأسئلة أو يصحح المعلومات، ونحن هنا من أجل ذلك، دعنا نبدأ.

رب ضارة نافعة

إجابة السؤال الأول كانت بسيطة، لأن اهتمام بايرن ميونخ باللياقة والقوة البدنية ليس جديدًا، وهو من أكثر أندية أوروبا تركيزًا على هذا الجانب، وتزايد ذلك الاهتمام منذ تعيين الدكتور هولجر برويتش رئيسًا لقسم اللياقة في عام 2014، حيث بدأ يعتمد على أحدث الأساليب العلمية وتحليل البيانات في محاولة الوصول لأفضل مستوى بدني ممكن.

واستكمالًا لهذا فإن الفريق استغل فترة التوقف التي فرضها فيروس كورونا بأفضل طريقة، فبينما كان الجميع يقضي وقته في مشاهدة المسلسلات والأفلام كان دكتور برويتش وفريقه يضعون برنامجًا بدنيًّا مكثفًا يخضع له اللاعبون في منازلهم، وتسلم كل لاعب المعدات والأجهزة اللازمة للتدريب، وكانت الحصص التدريبية تتم عبر مكالمات الفيديو.

بانقطاع اللاعبين عن المباريات، كان لهذه التدريبات أثر مضاعف، حيث ساعدت هذه الجلسات التدريبية، جنبًا إلى جنب مع النوم السليم والتغذية الجيدة ومستويات التوتر المنخفضة في حدوث هذا النمو العضلي الكبير الذي شاهده الجميع مؤخرًا.

لم يكن لاعبو بايرن هم الوحيدين الذين فعلوا ذلك، لأنه طبقًا للدكتور إدوارد ليبكا فإن التدرب في مساحة ضيقة، مع قلة المجهود المبذول من شأنه أن يشجع على زيادة الكتلة العضلية، حتى لو لم يقصد اللاعب، ولذلك فإن الكثير من اللاعبين في أندية مختلفة قد عادوا من التوقف بكتل عضلية أكبر.

لماذا هذه العضلات في كرة القدم؟

ظلت إجابة هذا السؤال مثار جدل دائم في أوساط كرة القدم، حيث يقول البعض بأن كرة القدم لعبة المهارة والعقل في المقام الأول، ليست مثل الرجبي أو كرة القدم الأمريكية التي تعتمد على القوة بشكل أساسي، ورغم ذلك فإن القوة عنصر مهم للغاية في اللعبة، ومؤخرًا أصبحت تدريبات زيادة قوة العضلات جزءًا أساسيًّا من تدريبات أغلب الفرق.

حجم العضلات لا يكون هو الغرض الأساسي المطلوب من التدريبات، ولكن الأهم هو زيادة قوة العضلة ومرونتها وقدرتها على التحمل، ويأتي نمو العضلات كنتيجة جانبية لذلك.
الدكتور راجبال برار- مختص بالعلاج الطبيعي ومحلل Squawka 

تتجه كرة القدم مؤخرًا نحو البدنيات بشكل كبير، يزداد عدد المباريات ويزداد الجهد البدني الذي تتطلبه التكتيكات الجديدة، وطبقًا لأوليفييه ألين أحد المعدين البدنيين في فرنسا، فإن تقوية العضلات هي الأداة الأساسية لتجهيز اللاعب لتحمل الضغط الذي يواجهه في المباريات، وتساعده أن يؤدي جيدًا لأطول فترة ممكنة في مسيرته.

من شأن العضلات القوية أيضًا أن تساعد اللاعب في تحسين أدائه، تساعد عضلات الوركين في عملية الارتقاء، طبقًا للدكتور بول ورسفولد، رئيس قسم الميكانيكا الحيوية في المعهد الإنجليزي للرياضة، فإن هذه العضلات هي ما تمنح كورت زوما مدافع تشيلسي القدرة على القفز والارتقاء إلى ارتفاع كبير كما يفعل.

كذلك تلعب عضلات الفخذ والبطن دورًا مهمًّا في كفاءة اللاعب في التسديد، تأمل الكتلة العضلية عند روبيرتو كارلوس أو كلارنس سيدورف أو لوكاس بودولوسكي وستدرك، لماذا تمتعوا بتلك التسديدات القوية؟

تقوم عضلات ربلة الساق كذلك بدور مهم في قدرة اللاعب على الحفاظ على الكرة وحمايتها، وتشكل عضلات الجزء العلوي من الجسد العنصر الأساسي في الفوز بالصراعات الثنائية، كما تمنح عضلات الجذع والرقبة القوة اللازمة في لعب الرأسيات وتوجيهها.

بالإضافة إلى تحسين الأداء، فإن قوة العضلات تشكل عنصرًا مهمًّا للغاية في الحد من الإصابات، وطبقًا لشون آرينت، عالِم فسيولوجيا الجهد البدني، فإن العضلات القوية والأوتار المتينة تعمل على تثبيت المفاصل وتقلل مخاطر حدوث الالتواءات أو التمزقات إلى الحد الأدنى.

آرينت له عدة أبحاث في تأثير قوة العضلات على إصابات اللاعبين، أحدها تم بالشراكة مع فريق كرة القدم النسائية بجامعة راتجرز الذي أدرج فيه تمرينات متواصلة لرفع الأوزان ضمن النظام التدريبي للفريق، وكانت النتائج ممتازة؛ فبعد موسم واحد انخفضت معدلات الإصابة في الفريق بنسبة 70% مقارنةً بالسنوات السابقة.

مشكلة مزمنة

يدور الحديث في أوساط كرة القدم منذ فترة عن مدى ضرر الرأسيات على أدمغة اللاعبين، وكيف تتسبب في مضاعفات خطيرة في بعض الأحيان عند التقدم في السن، وبُذلت مجهودات كبرى من أجل التقليل من هذه الآثار، لكنها ما زالت أقل من المطلوب، وربما يكون الحل الذي لم يجربه أحد، يكمن في صالات الجيم.

وفقًا لتوماس كامينسكي، مدير برنامج تعليم التدريب الرياضي بجامعة ديلاوير، فإن الأعراض التي تحدث نتيجة ضرب الكرة بالرأس تحدث بسبب الاهتزاز الشديد لرأس اللاعب، وكثرة هذه الاهتزازات هي ما تتلف خلايا المخ، وطبقًا لعدة أبحاث أجراها الباحث نفسه فإن زيادة الكتلة العضلية في أجزاء الجسم الداعمة للعمود الفقري والرقبة يمكنها أن تخفض هذا الاهتزاز وتحد من آثاره.

ما زاد عن حده

رغم إقرار جميع المختصين بأهمية تقوية العضلات، فإن الأمر ليس مطلقًا، وإنما يخضع للعديد من العوامل حتى لا يؤثر على اللاعب بالسلب، لا يمكن أن يطلب من نيمار على سبيل المثال أن يصنع كتلة عضلية، لأن ذلك من شأنه التأثير على مرونته ورشاقته مصدر قوته الأول الذي يعتمد عليه.

كذلك لا يمكن لكل اللاعبين الخضوع لنفس التدريبات، يختلف الأمر تبعًا للوزن ونسبة الدهون والمركز في الملعب، حيث تتسبب زيادة العضلات عن الحد المطلوب في وضع حمل زائد على الجسم يزيد معدل الإصابات بدلًا من تقليلها، ولفترة طويلة كانت أصابع الاتهام تشير إلى كتلة جاريث بيل العضلية الهائلة التي بناها في مدريد باعتبارها السبب في إصاباته المتكررة.

لكن ما ينفي التهمة عن العضلات هو ما يقدمه لاعب مثل رونالدو منذ سنوات، باعتباره المثال الأبرز على هذا الأمر، وقد أثبت أنه لا تأثير سلبي لنمو عضلاته على الإصابات أو جودته كلاعب، صلاح كذلك لم يتأثر كثيرًا بعد أن زادت كتلته العضلية مؤخرًا.

بالنسبة لصلاح فإن اهتمامه بنمو عضلاته لم يفقده سرعته المعهودة، لأنه ما دامت الزيادة في الجزء العلوي يقابلها زيادة في قوة عضلات الساق فلا تتأثر سرعة اللاعب كثيرًا، ولعل قائمة أسرع لاعبي العالم تقدم إجابة وافية على ذلك، حيث يوجد فيها رونالدو وصلاح وبيل ومعهم أداما تراوري بطل كمال الأجسام الذي ضل طريقه لكرة القدم.

اللاعبون كعلامات تجارية

هل رأيت هؤلاء اللاعبين الذي يشبهون الملاكمين؟ لاعب كرة القدم لا يحتاج إلى هذا، ربما قريبًا يكون اللاعبون أشبه بلاعبي كمال الأجسام.
فينتشنزو بينكوليني، مدرب أحمال سابق عمل مع أريجو ساكي ومارتشيلو ليبي

لم نصل إلى هذا العصر بعض، لكن هذا التخوف بدأ ينتشر مؤخرًا، طبقًا لجومين سانجاري اختصاصي العلاج الطبيعي في فرنسا، فإن الأمر لا يتعلق بتقوية العضلات للأغراض التي تحدثنا عنها، وإنما غرض جديد طرأ على كرة القدم وبدأ يتحكم فيها: مواقع التواصل الاجتماعي.

مع انتشار اللاعبين مؤخرًا عبر مواقع التواصل، بدأوا يتسارعون لاجتذاب الاهتمام عبر هذه المواقع، وبالطبع فإن جسدًا مفتولًا بالعضلات سيجلب تفاعلًا أكبر من جسد عادي، وبالتالي سيجلب معلنين أكثر، لذلك بدأ اهتمام اللاعبين باكتساب مظهر جيد وعضلات بارزة تناسب عرض الأزياء يفوق اهتمامهم بتأثير ذلك على أدائهم في كرة القدم.

 من رونالدو إلى عبد الله السعيد

رغم كل ذلك، ما زالت الكرة المصرية لم تلحق بالعالم في هذا التطور، وما زالت الفرق المصرية تواجه فوارق بدنية كبيرة عند مواجهة أي فريق أوروبي أو آسيوي، وبالطبع لا تصلح شماعة الجينات لتفسير هذا الفارق، لأن لاعبين مثل صلاح وتريزيجية والنني أثبتوا تفوقهم على أقرانهم في الجانب البدني رغم امتلاك نفس الجينات.

يبدو عبد الله السعيد مثالًا واضحًا، منذ يومه الأول وهو يعاني أمام أغلب الفرق التي تتمتع بشراسة بدنية، سواء مع المنتخب أو الأهلي، والسبب واضح، اللاعب يمتلك وزنًا زائدًا في مناطق عديدة من جسده، وهو ما يثقله عن الحركة بشكل دائم، وحتى مع تقدمه في السن لم يتغير، وما زال يعتمد فقط على ذكائه الذي يمنحه بعض التفوق على لاعبي الدوري المصري.

في جانب آخر فإن رونالدو منذ وصل الثلاثين وهو يعمل على إنقاص وزنه والتخلص من بعض العضلات ليتمكن من المحافظة على سرعته ومرونته، وربما لذلك هو رونالدو.

في حقيقة الأمر فإن الأهلي تحديدًا بدأ يأخذ خطوات جدية في سبيل اتباع أحدث الأساليب العلمية، في التدريب والتغذية، لكن منذ مدة خرج قفشة في أحد التصريحات التليفزيونية ليقول إنه لا يعرف شيئًا عن الجيم، وإنما يتبع عمرو السولية ويقلده في كل شيء، ويرفع الأوزان نفسها التي يرفعها السولية، وربما هذا التصريح يؤكد أن الأهلي ما زال مفتقرًا إلى الاهتمام بهذا الجانب.

في النهاية لم يبقَ سوى سؤال وحيد لم نجب عنه، وهو كيف يواجه أيمن أشرف ليفاندوفسكي، ويواجه حمدي فتحي جوريتزكا، وهذا نفضل أن نتركه لخيالك.