أهلًا بك، سنعرض عليك معضلة وفكر فيها للحظات، هناك عقار مُنشط اخترع حديثًا لا يمكن اكتشافه بالتحاليل، تناوله يضمن لك الفوز بميدالية أولمبية ذهبية، لكنه في المقابل سيقتلك خلال 10 سنوات، ما رأيك؟ هل ستتناوله؟

ماذا إذا كانت 5 سنوات فقط؟ دعنا نخبرك أن هذا السؤال ليس جديدًا، وقد طرحه طبيب العظام روبرت جولدمان عام 1984، وسجل الإجابات وخرج بها للعالم، فيما عُرف بـ«بمعضلة جولدمان».

لم تخبرنا رأيك بعد، لكن لا مشكلة، جميع الأشخاص الذين خضعوا للسؤال قد رفضوا وغالبًا أنت تشاركهم الرفض، لكن عندما سُئل رياضيون محترفون فإن الإجابات اختلفت قليلًا، وأجاب 52% منهم بنعم، سيتناولون عقارًا يقتلهم في 5 سنوات فقط إذا كان هذا يضمن لهم ميدالية ذهبية أولمبية.

استمرت أبحاث جولدمان 15 سنة كاملة، ورأي الرياضيين لم يتغير، ورغم العديد من الانتقادات التي وجهت إلى أبحاث جولدمان في أجزاء تتعلق بالإحصاء وطريقة طرح الأسئلة، فإن هذا البحث كان صادمًا ومؤشرًا خطيرًا على عقلية الرياضيين، الذين لا يهتمون بالمستقبل ويفكرون في الحاضر فقط.

صراع مستمر

بعد جولدمان بعقود، استيقظت البشرية لتجد نفسها في مواجهة مع فيروس كورونا، صراع مستمر منذ أكثر من سنتين ولم تكتب نهايته بعد.

يشتد هذا الصراع أحيانًا ويهدأ أحيانًا، والإجراءات الاحترازية مستمرة حتى الآن، وليس هناك توقعات باختفاء قريب للفيروس.

لذلك يرى المختصون بأن اللقاح هو الفرصة الوحيدة لتخفيف حدة ذلك الصراع، وتلقيح 75% من البشر قد يكون كافيًا لخفض انتشار الفيروس لأقل حد ممكن.

اللقاحات الموجودة لا تمنع الإصابة، لكنها تساهم في تقليل الأعراض وخفض نسب الوفاة، وكذلك تقليل فرصة العدوى، ولذلك فإن الجميع يجب أن يحصل على اللقاح حتى تعود الحياة مجددًا لسابق عهدها.

بدأت الحكومات بالفعل في تلقيح أكبر عدد ممكن، وقد وصل عدد من تلقوا التلقيح حتى الآن 2.7 مليار من أصل 7.7 مليار هو عدد سكان العالم، بما يعادل نحو 35%، وما زال الجميع يعمل على زيادة النسبة.

ومن بين أبرز القطاعات التي تهتم بتطعيم أفرادها هي كرة القدم، بحكم حاجتهم الدائمة للسفر والتجمع، وبسبب المشاكل الحالية التي تحدث في فترات التوقف الدولي، والتي يضطر فيها اللاعبون للسفر لبعض الدول الموجودة في المنطقة الحمراء، والتي يلزم العائد منها العزل 10 أيام يفوته فيها أكثر من مباراة.

طبقًا لـ «ذا أثليتك» كذلك فإن قطر تنوي اتخاذ قرار بحصر الدخول إلى أراضيها خلال كأس العالم 2022 على من تلقوا اللقاح، ولذلك فإن اللقاح للاعبي كرة القدم ضرورة قصوى.

لكن على الرغم ذلك، فإن نسب التطعيم في لاعبي الدوري الإنجليزي على سبيل المثال ما زالت ضعيفة، وطبقًا لـ«تليجراف» فإن ثلث اللاعبين تقريبًا يرفضون الحصول على اللقاح، وقد صرح بعضهم بذلك علانية مثل كالوم روبنسون مهاجم ويست بروميتش ألبيون.

كيميتش لاعب وسط بايرن ميونخ كذلك، أعلن تحفظه على تلقي اللقاح في الوقت الحالي، وهو ما خلق جدالًا واسعًا، لماذا يرفض لاعبو كرة القدم تلقي اللقاح؟

لست مهددًا

اللقاح لا يقي من فيروس كورونا، وإنما يخفف الأعراض فقط، وبما أن لاعب كرة القدم صغير في السن وفي صحة جيدة، فلن تظهر عليه الأعراض.

لكن ومع ذلك، إذا أصيب بالفيروس ستخرج نتيجته إيجابية وسيغيب عن المباريات، فهو لم يستفد من اللقاح بأي شيء، وإذا أضفت أن اللقاح من الممكن أن يكون له أعراض ليوم أو يومين قد يحرمانه من مباراة، وسيضطر للخضوع له كل 6 أشهر في بعض الأنواع، فما الدافع إذن؟

الإجابة عند المختصين: أن تناول اللقاح ليس لأجل الشخص ذاته وإنما لأجل المحيطين، إذ لابد أن تحصل نسبة كافية من البشر عليه لتخف حدة الانتشار، ورفض الشخص سيضر غيره، حتى لا تظل كورونا تمثل أزمة في المستقبل.

طبقًا لأليسون رود محررة التايمز فإن الأزمة كلها تكمن في كلمة المستقبل، لاعب كرة القدم لا يهتم بالمستقبل، لا مستقبله ولا مستقبل العالم، الحاضر وتقديم أعلى مستوى في المباراة القادمة هو كل ما يشغل ذهنه، هل تذكر معضلة جولدمان التي سألناك عنها في البداية؟

الأمر ينطبق على الكثير من الأشياء غير المنشطات، اللاعب الذي يعالج بالكورتيزون لا يهتم بالأعراض المستقبلية، اللاعبون في الألعاب القتالية يعرفون الأضرار المستقبلية ولا يهتمون.

أعرف أن الملاكمة قد أورثتني هذا المرض، لكن ما قدمته خلال سنواتي فيها كان يستحق.
الملاكم محمد علي

مؤخرًا أثير الكثير من الجدل حول ضرر الرأسيات على اللاعبين، وتسببها في تعرض بعض اللاعبين السابقين للخرف، وخرجت الحملات والإعلام ليدعو المدربين واللاعبين لتقليل عدد ضربات الرأس في التدريبات، والنتيجة؟ لا شيء.

طبقًا لنونو سانتو مدرب توتنهام السابق، فإنه لا يهتم بعدد الرأسيات في التدريب، ولم يجد لاعبًا يهتم، لأنه لو فعل ذلك سينبذه الجميع.

سيصيبني الخرف خلال 30 عامًا؟ أنا لا أهتم بذلك ولا نناقش هذا الأمر بيننا كلاعبين
تشارلي أوستن، مهاجم وست بروميتش ألبيون

لذلك فرغم التطمينات، لا يحب لاعب كرة القدم أن يجازف بشيء لأجل المستقبل، لأنه لا يهتم من الأصل.

خوف مشروع 

يفترض السبب السابق أن اللقاح آمن تمامًا والمشكلة الوحيدة هي أعراضه العادية التي تستمر ليوم أو يومين، لكن إضافة إلى ذلك، فإن الأخبار عن الأعراض الشديدة المصاحبة للفيروس، وتعرض بعض الحالات للموت بعد تلقيه تثير مخاوفهم.

لا ينكر المختصون ذلك، أصيب البعض بأعراض شديدة كالجلطات وتضخم عضلة القلب، لكن الأمر يتوقف على النسب، تلقى أكثر من 2.5 مليار شخص اللقاح، فليس غريبًا أن تحدث هذه الأعراض عند عدد قليل منهم، لو أصيب واحد من كل مليون شخص لكان هناك 2500 حالة.

لكن هذه الأخبار تنتشر أكثر من غيرها، لا ينتشر خبر عن مليون شخص حصلوا على اللقاح دون مشاكل، لكن مشكلة واحدة تجوب العالم في لحظات، وقد تفعل بعض وسائل الإعلام ذلك عامدةً من أجل نشر الشائعات في دولة أخرى.

هذه الأخبار تصيب اللاعبين بالخوف المبرر بالطبع رغم تأكيدات المتخصين، وطبقًا لـ «ذا أثليتك» فإن كيميتش يخشى من الآثار طويلة المدى للقاح، ورغم التطمينات ومناشدة الكثير من المختصين له، فهو لم يقتنع بشكل كامل.

هل لاعبو كرة القدم أغبياء؟

هذه ليست المرة الأولى التي يطرح فيها هذا السؤال، لكن يكفيك أن تسمع لقاءً صحفيًا للاعب مثل ميسي يتحدث خارج كرة القدم أو في أمور عامة، ستجد كلامًا سطحيًا مكررًا مليئًا بالكليشيهات، ولا تختلف الأغلبية عنه بالطبع.

يرجع ذلك إلى انقطاع أغلب اللاعبين عن التعليم منذ سن صغيرة، كرة القدم تكون المسار الوحيد لأغلب اللاعبين خصوصًا القادمين من خلفيات اجتماعية فقيرة ومتوسطة، ولا يقرر استكمال تعليمه إلا القليلون منهم.

يجعل هذا غرف الملابس بيئة خصبة لانتشار الشائعات والأخبار المغلوطة، والكثير من الخرافات تُعامل هناك كأمور مسلمة.

طبقًا لرئيس اتحاد اللاعبين المحترفين فإن الكثير من الأخبار المغلوطة حول اللقاح منتشرة بين اللاعبين، ويقتنع بعضهم بنظريات المؤامرة التي يتداولها الناس.

أثناء موجة الفيروس الأولى، نشر لوفرين صورة ساخرة في حسابه عبر إنستجرام يشير إلى نظرية المؤامرة التي تفترض أن بيل جيتس يحاول وضع رقائق إلكترونية بداخلنا ليتحكم بنا، فابيان ديلف فعل الشي نفسه على حسابه.

يقول اللاعبون إن اللقاحات ستصيبهم بالعقم، وإن الوباء مجرد وهم.
طبيب أحد الأندية في الدوري الإنجليزي

ورغم المجهودات التي تبذل لتقديم المشورة العلمية فإن اللاعبين يتابعون مواقع التواصل ويشاهدون الكثير من المنشورات التي تروج لهذه المؤامرات فيصير إثناؤهم عن اعتناقها أمرًا شاقًا.

حتى الآن لا تنوي الاتحادات فرض الأمر بالقوة، وتستمر في توضيح الأفكار والمعلومات الصحيحة حول الأمر، وتأمل أن يزداد عدد الحاصلين على اللقاح في وقت قريب، لأن اللقاحات تظل هي الأمل الوحيد لتخفيف حدة الفيروس في الأيام القادمة.

أنت رفضت أن تتناول المنشط الذي عرضناه عليك في البداية، نهنئك على ذلك، لكن اللقاح آمن، فإن كنت لم تحصل عليه حتى الآن، فلا تتأخر واحصل عليه في أقرب وقت.