لم تقتصر شريعة الصيام على الدين الإسلامي وحسب، وإنما تعدّدت أشكال وأنواع الصيام التي يُمارسها البشر في جميع أنحاء العالم من دينٍ إلى آخر ومن مذهب إلى غيره.

فالصوم يُمثل ركيزة أساسية في المعتقدات الدينية السابقة على الديانات السماوية، فصبغوه برؤيتهم للإله، ورأوا فيه وسيلة لنيل رضاه تارة، والتواصل مع الموتى تارة أخرى، والخلاص من الذنوب وبلوغ مقاصدهم الأخروية تارة ثالثة.

البرهمية: القضاء على التناسخ

قبل 1500 سنة قبل الميلاد، تعرضت الهند إلى غزو الآريين الذين كانوا يسكنون آسيا الوسطى، فوطدوا دعائم الديانة البرهمية، ونشروا أسفار الفيدا المقدسة (أسفار المعرفة)، فغزت قلوب الهنود وعاشت فيهم، واستطاعت أن تمتص ما حولها من عقائد أو تصبغ عليها من فلسفتها.

ويذكر الدكتور علي الخطيب، في كتابه «الصيام من البداية حتى الإسلام»، أن التناسخ شكّل ركنًا أساسيًا من عقيدة البرهمي، فشعر نحوه بنوع من الألم، وفكر في مقاومته، لكي يموت موتة واحدة ولا ينتقل بعدها إلى أجساد أخرى، وفي سبيل ذلك غرق في الزهد وكان الصوم إحدى ركائزه في ذلك.

فمن خلال الزهد واعتزال الحياة يمتزج البرهمي في النهاية بـ«براهما» المعبود، ويتخلص تمامًا من التناسخ، فيتوقف عذابه وتبدأ سعادته، وضمن هذا المعتقد، يعتبر الانتحار عن طريق الموت البطيء أو السريع عملًا مشروعًا، لذا يمكن أن يُتخذ الصيام الدائم وسيلة للتخلص من الحياة عن طريق الموت البطيء، أو صيام ثلاثة أيام قبل أن يقضي المنتحر على نفسه بطريقة سريعة من عمل يديه.

واختلف كبار الكهنة البرهميين عن صغارهم في واجب الصيام، فطبقة «السيناتا» التي تمثل كبارهم تصوم يوميًا فترة تزيد قليلًا على ساعة فلكية، تبدأ بغروب الشمس وتنتهي بغياب الشفق الأحمر، يمتنعون خلالها عن الطعام والشراب.

وفيما عدا هذا الصيام الخاص بطبقة «السيناتا» يجب على الكهنة عمومًا – صغارًا وكبارًا – أن يصوموا أول الخريف والشتاء والربيع والصيف، مضافًا إلى ذلك اليوم الأول والرابع عشر من كل شهر قمري، كما يجب على البراهمة جميعًا الصيام إذا حدث كسوف للشمس، ويستمر الصيام مدة الكسوف، وخلاله يجب الكف عن الصلاة والاتصال الجنسي.

وبديهي أن يدور في نفس الفلك، ويأخذ بهذه التشريعات كل المذاهب التي تفرعت عن «الفيدا»، فاهتمت بالصيام لأنه وسيلة الزهد الوحيدة، وجعلته وسيلة الخلاص، ومن ثم تقاطر أنباء فقراء الهنود وما ينزلونه بأنفسهم من عذاب وهم يتبارون في تحطيم أرقام قياسية في الصوم، أو دفن نفوسهم صائمين تحت الأرض، وقد انتشوا غبطة وهم يرون– بعد التجربة– الأنظار المشدودة إليهم ترمقهم في إعجاب.

من أمثلة هذه العقائد المؤمنة بأصول «الفيدا» هي «اليوجية»، والتي تميزت عن البرهمية العامة بفلسفة خاصة غرضها الأصيل هو فصل العقل عن الجسد.

ويرى «الخطيب»، أن فلسفة هذه العقيدة المعنية بالخلاص من المادة انتهت بأقطابهم إلى أن يقيموا على صيام دائم، فيمتنعون نهائيًا عن الغذاء بكافة ألوانه وضروبه، تاركين الجسد يستمد قوته وحاجته من الشمس مباشرة لأنها مصدر الحياة للنبات والحيوان معًا، لذا يرى أتباع هذه العقيدة أن من قصر النظر الاعتماد على استمداد القوة من الغذاء وهو الذي يستمدها من الشمس.

وهناك أيضًا عقيدة «الجانتية»، والتي تؤمن أيضًا، كرافد من البرهمية، بتناسخ الأرواح، وتراه حلولًا للروح في أجساد عديدة متواترة بغير إرادة ولا اختيار لصاحبها، وذلك من خلال قوة خفية ينصاع لها البشر طوعًا أو كرهًا.

وصيام «الجانيين» ليس مجرد مبدأ مقرر في عبادة فحسب، بل هو عمدتها في الخلاص، وخطوتها الأولى والأخيرة نحو الموت، باعتبار أن نعيم النفس في التخلص من الحياة.

ويذكر فراس السواح في الكتاب الرابع من موسوعته «موسوعة تاريخ الأديان. الهندوسية، البوذية، التاوية، الكونفوشية، الشنتو»، أن الصوم عند الجانيين مصحوب بقواعد خاصة للتأمل الباطني الذي يؤدي إلى حالة من الغيبوبة الوجدانية تسوق في النهاية إلى انسلاخ كامل عن المحيط الخارجي، وسمو فوق حالات الوجودي المادي للمرء.

ويعتقد الجانيون أن المرء لا يستطيع الوصول إلى هذه الحالة دون سيطرة قاسية على العقل والرغبات، لأنه لا يمكن السيطرة على الأفعال، ما لم يتم ضبط العقل، بحيث يتطهر من كل أشكال الحب للدنيا أو الاعتماد عليها وعلى أدواتها الحية وغير الحية، وهذا لن يتحقق إلا بالصوم.

يحدث هذا في اليوم الأخير من سنتهم، ويصادف نهاية شهر آب / أغسطس وفق تقويمهم، إذا يمتنع الرهبان والأناس العاديون عن كل أنواع الطعام والشراب، ويسددون ديونهم، ويخصصون وقتهم لمراجعة أعمالهم السيئة، ويعلنون التوبة عنها وعن كل الساعات التي أمضوها بشكل خطأ، طالبين المغفرة والصفح عن تلك الأخطاء، وفي اليوم التالي يحتفلون بعيد رأس السنة الجديدة.

البوذية: تقشف وتهيئة النفس للتأمل

يدور محور العبادات البوذية حول التفكر والتأمل الروحي في حقيقة الوجود، وتُبنى فلسفتهم على الابتعاد عن ملاذ النفس، والرقي بالإنسان إلى مصاف الزهد والتقشف، عبر تأملات روحانية عميقة.

ورغم كفر بوذا بالصيام، لكن أتباعه من بعده اعتبروه شريعة، ومنهم طائفة «بوذا يساتو» التي اصطنعت لاهوتًا ونظامًا كنسيًا وماء مقدسًا وصيامًا في أيام محدودة.

ويذكر عبدالرازق رحيم صلال الموحي، في كتابه « العبادات في الأديان السماوية.. اليهودية والمسيحية والإسلام»، أن صيام البوذيين له جذور عميقة في الفكر الهندي، فهم يصومون صومًا طويلًا، بهدف تهيئة النفس للتأمل، ويمتنعون خلاله عن تناول الأكل والشرب عدا الحليب.

ويبدأ صيامهم، من منتصف النهار حتى فجر اليوم الثاني، ويصومون ثلاثة أيام متفرقة في السنة، أولها يوم اكتمال القمر في أيار / مايو من كل عام، وهو عيد ميلاد بوذا، وثانيهما عند اكتمال القمر أيضًا في حزيران/ يونيو، وهو أول يوم في الصيام البوذي، وآخرها عند اكتماله في تشرين الأول/ أكتوبر وهو آخر يوم في الصيام الكبير.

وبعضهم يصوم يومًا من كل شهر عند اكتمال القمر في الرابع عشر من كل شهر قمري.

المانوية: إنهاك الجسد كوسيلة للخلاص

وفي بابل، ظهرت المانوية على يد ماني بن فتق عام216 ميلاديًا، حيث ارتكزت دعوته إلى الاثنية، فجعل للكون إلهين، واحد للخير والثاني للشر، واعتقد أن إنهاك الجسد وسيلة للخلاص كمبدأ عام، من خلال تحريم اللذات والطيبات في المأكل والمشرب والجنس، ويعني هذا الإنهاك ممارسة صيام حرماني طويل يؤدي إليه.

وبحسب جيووايد نغرين في كتابه «ماني والمانوية.. دراسة لديانة الزندقة وحياة مؤسسها»، ونقله إلى العربية الدكتور سهيل زكار، وزع ماني أتباعه إلى «مجتبين» و«سماعين»، وتقيدت كل طائفة منها بطرق حياتية مختلفة تمامًا، ومن ثم تباينت المتطلبات الدينية التي أوكلت إلى كل منها، وظهر ذلك في أكثر من مظهر، منها الصوم.

ويمكن تلخيص هذه المتطلبات فيما يسمى «التواقيع الثلاثة»، والتي تضمنت الامتناع عن أي شيء يمكن أن يقوي شهوات الجسد الحسية، ومنها اللحوم، لهذا تم إعداد المانوية لكي يعيشوا على الفواكه، وكذلك تحريم أي عمل يمكن أن يضر بحياة النبات أو الحيوان، والامتناع امتناعًا تمامًا عن المعاشرة الجنسية بما في ذلك التخلي عن الزواج، فقد عدت الإثارة الجنسية شيئًا شريرًا لأنها شهوة جسدية.

ولم يتمكن سوى المجتبين من تنفيذ هذه الوصايا بسبب تزمتهم، ولأنهم أوقفوا أنفسهم على حياة موجهة نحو فداء أرواحهم فقط، فيما أُوكل إلى السماعين تولي القيام بجميع الأعمال المحظورة على المجتبين، وهي التي كان في الواقع من المتعذر اجتنباها بغية المحافظة على الحياة.

لذا عاش المانويون السماعون حياة عائلية عادية، ويبدو أنهم لم يتم تحريم حتى تناول اللحم بالنسبة لهم، ومع ذلك فقد تم التقيد بصوم يوم خاص من أيام الأسبوع وهو يوم الأحد، كما فُرض عليهم الامتناع كليًا عن العشرة الجنسية في ذلك اليوم.

أما المجتبون فكانوا يصومون يومين في الأسبوع، وهما يوما الأحد والإثنين، لأنهما اليومان المقدسان بين أيام الأسبوع، وأضيف إليهما فترات أكثر امتدادًا للصوم المستمر خاصة خلال شهر كامل قبل العيد الديني الأكبر في العام، وهو عيد الوليمة المقدسة.

الصابئة: تحريم اللحوم في الصيام

حول ضفتي الرافدين، تركز الصابئة المندائيون في الأقاليم الجنوبية من أرض العراق فيما قبل ألفي سنة قبل الميلاد، ولا يزالون يعيشون حتى الآن.

ويذكر الدكتور أحمد العدوي في كتابه «الصابئة منذ ظهور الإسلام حتى سقوط الخلافة العباسية»، أن عقائد المندائيين تدور حول وجود خالق أزلي واحد منزه، يليه مجموعة من المخلوقات النورانية (الملائكة)، لهم القدرة على أفعال الآلهة لكنهم ليسوا بآلهة، ويعتقدون أن مقر الملائكة في الكواكب السبع السيارة، ولذلك فإن تعظيمهم للنجوم يحمل تقديسًا للملائكة لا للكواكب نفسها.

ويذكر رؤوف سبهاني في كتابه «الصابئة المندائية في إيران»، أن الصوم واجب مفروض على الصابئة، وهو طقس مهم جدًا إلى درجة أنهم يعتبرون ريح الصائم مقدس.

والصوم عند المندائية كان 36 يومًا متفرقة على مدار السنة تُختتم عادة بالأعياد، ولكن مصادر أخرى قالت إنهم يصومون 30 يومًا.

أما اليوم، فانحصر الصوم عند الصابئة في الامتناع عن أكل اللحوم فقط ويحرم في أيامه ذبح الحيوان، وهذا يدل على أن الصوم ليس مغزاه الإمساك عن الطعام، بل الهدف أن يشعر الصابئي بجوع المحتاج الذي لا يستطيع الحصول على اللحوم ليسد جوعه، لذلك فالصوم عند الصابئة يخفي وراءه رسائل وتعاليم عديدة.

وتسمى الأيام التي يُحرم فيها أكل اللحوم أثناء الصيام بـ«المبطلات»، وهي 33 يومًا يبطل فيها النحر.

غير أن «العدوي» يفسر في كتابه تحريم تناول اللحوم أثناء الصيام بأن عقيدة الصابئة تنص على أنه بعد خلق العالم قام هيبل زيوا (جبرائيل) بتعليم آدم الحلال من الطعام، وهو كل نبت له بذر، وغيره يعد حرامًا، ومن ثم تحرم العقيدة المندائية أكل الفطر، وكل ما افترس من الطير، بما فيها الطيور آكلة الأسماك، فضلًا عن لحوم الطير والخيول والخنازير والكلاب والفئران والأرانب والقطط والبقر والجاموس، وبعض أنواع السمك.

الديانة المصرية القديمة: التقرب إلى الموتى

في كتابه «انتصار الحضارة.. تاريخ الشرق القديم»، يذكر جيمس هنري، أن المصريين اعتقدوا في آلهة كثيرة، لكنهم آثروا عبادة اثنين كان لهما السبق على جميع الآلهة الأخرى، أحدهما أوزوريس الذي لم يقهره الموت، والآخر هو الشمس التي تبهر البصر بضيائها في سماء مصر الصافية، عبر الإله «رع».

ويضاف إلى هذين «أنثى» سيطرت عقيدتها في النهاية على عقائد المصريين، هي «إيزيس»، التي أضحت المعبودة المحببة إليهم.

وكانت أساطير أوزوريس كافية لتكوين منزلة أثيرة له في نفوس المصريين، فاعترفوا له بنعم كثيرة، حتى طغى على «رع» واحتل مكانته وأصبح أقوى الآلهة عند المصريين.

ويرى الموحي في كتابه، أن عبادة المصريين القدماء لقرص الشمس حملت إيحاءً ومقابلة بين ضوئه وظلمة الليل، وكذلك مقابلة بين الموت والحياة، وفي هذا السياق عرف المصريون القدماء الصيام كفريضة دينية يتقربون بها من الإله وأرواح الأموات، ويعتقدون أن صيام الأحياء يرضي الموتى لحرمانهم من طعام الدنيا، وهو في نفس الوقت تضامن معهم.

وصيامهم نوعان، هما صيام الكهنة وصيام الشعب، فالأول جمع بين كونه فرضًا أو استحبابًا، فكانت له مواعيده المحددة، وقد يكون مفاجئًا. وكان يُطلب من الكهنة قبل الخدمة في المعبد صومًا لمدة سبعة أيام متتالية من غير ماء قبل أن يلتحق بالمعبد، وقد تمتد إلى اثنين وأربعين يومًا، ويبدأ صيامهم من طلوع الشمس إلى غروبها، إذ يمتنعون عن الطعام ومعاشرة النساء.

وصيام الكاهن يمر بمراحل، إذ يصوم في التكريس الأول عشرة أيام عن أكل اللحم وشراب النبيذ، وفي التكريس الثاني يصوم عشرة أيام بعد تلقيه واجباته المقدسة، أما في الثالث، فيصوم صومًا رغبة منه لا فرضًا عليه.

وخلط الكهان صيامهم بالأسرار المبهمة، معتقدين أنها تضفي القدسية عليهم، كما اعتقدوا ذلك في سائر طقوس العبادات، ففي الصلاة قصروا التراتيل فيها بالسرية والغموض ولم يسمحوا لعامة الناس بالاطلاع على شرح مضمونها، ليضمنوا بذلك لهم التبجيل والاحترام والتنعم بما سيحصلون عليه من واردات المعابد.

أما صيام الشعب، فكان أربعة أيام من كل عام تبدأ عندما يحل اليوم السابع عشر من الشهر الثالث من فصل الفيضان، المسمى «أخت»، وهو ما سمي بعد ـ«هاتور» من الشهور القبطية، وفيه تحتفي مصر بعيد حزين يقام رسميًا في «بوصير» ويشترك فيه الرجال والنساء جميعًا ليبدي الجميع مشاعرهم نحو إيزيس وزوجها الذي وقع في قبضة عدوه وأخيه «ست».

وكانت تكثر في هذا المعبد مظاهر الحزن في أعمال شاذة، فتحدث النساء جروحات بأجسادهن، ويحملن الطين على رؤوسهن، وغير ذلك.

وكان الاحتفال يشهد تضحية بثور تُفصل وتنزع أطرافه، وأطراف العجز والأكتاف، ثم يُحشى جسده بمختلف اللذائذ والطيبات، ويعد لإفطار الصائمين.

وهناك نوع آخر من يُحرم فيه أكل كل شيء من الطعام عدا الماء والخضر مدة سبعين يومًا، وكانوا أيضًا يصومون في الأعياد كوفاء للنيل، وفي موسم الحصاد.

اليونان: الوقاية من أخطار الطبيعة

تبلورت العبادات اليونانية القديمة عبر مراحل متلاحقة، مكونة خلالها جملة طقوس وشعائر تعبدية مستوحاة من خيال وأساطير تجمعت بداخلها أفكار بشرية، وإن طغت عليها المسحة الفلسفية على حساب المعتقد.

وتأثرت عبادات اليونانيين بمظاهر الطبيعة والخوف والرهبة منها، لذا كان الصوم يمثل لهم شعيرة الامتناع والحرمان عن الطعام والشراب ممزوجة بتعاليم مبهمة وضعها الكهان ليحتفظوا بها وحدهم، وفي كل ذلك كانوا يرغبونهم بأن الصوم طريق للوقاية من أخطار الطبيعة ونيل رضا الإله.

وارتبط الصيام بشعائر من وضع الكهنة، إذ أسبغوا عليها طابع الخفية وقسموها إلى أسرار صغرى، وأسرار كبرى. فالأولى، تقام في فصل الربيع من أثينا ويغمر فيها طلاب الأسرار أنفسهم بالماء، فيستحموا ويصوموا، وعند طلب الأسرار الكبرى، وهي الفترة التي تدوم أربعة أيام لمن حاز الأسرار الصغرى، يعاد عليهم الاستحمام والصيام، والذين سبقوهم في الأداء في مثل هذا الموعد من العام الماضي كانوا يؤخذون إلى بهو الاندماج حيث الاحتفال السري، وهناك يفطر المبتدئون والصائمون بأن يتناولوا عشاءً ربانيًا.

وكانت هناك بلدان تستقل بصيام خاص بها، فكانت مدينة «تورنتم» تصوم في كل عام شكرًا لله على النجاة من حصار نزل بها، فلما تخلصت منه لازمت هذا الصيام.

الديانة الرومانية القديمة: التخلص من الذنوب

كان الصيام لدى الرومان فرضًا مزيجًا من شعائر يونانية وهندية تجد في الجوع المتعمد وعذاب الجسد ملجأ للتخلص من الخطايا والذنوب، ووسيلة للصفاء الروحي والقرب من الإله المعبود، لذا كان الكاهن يمر عبر تنسكه بمراحل حرمان من الطعام تشتد تدريجيًا كلما أنهى تكريسًا متقدمًا إلى أن ينتهي ببلوغه مرحلة الكهانة الرئيسية،بحسبما يذكر الموحي.

وكان للظروف الطارئة كالتنبؤ بالغيب صيام خاص تقوم به الكاهنات لاستعدادهن أكثر من غيرهن للقيام بهذا الأمر، فيصمن ثلاثة أيام إلا من ورق الغار حيث كن يمضغنه، ثم تجلس الصائمة على مقعد عالٍ لتشتم أبخرة منتنة من موقد مشتعل يجبرها استنشاقه على الاضطراب الشديد الذي يعده الكهنة بأنه من عمل الآلهة، فتهذي بكلمات غير مفهومة يتناولها الكهنة بحرص فيؤولوها بعدة وجوه من التفسير، وقد يصيغون كلماتها شعرًا يذيعونه على طالب النبوءة الذي يدفع بالمقابل المال.