في عام 2015، وقبيل انطلاق بطولة كأس العالم لكرة القدم للسيدات في كندا، قررت 84 لاعبة في 13منتخبًا من صفوة اللاعبات عالميًا، رفع دعوى قضائية في محكمة أونتاريو لحقوق الإنسان.

حظيت تلك الدعوى وقتها بدعم رفيع المستوى، بما في ذلك من العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، ونجم دوري كرة السلة للمحترفين كوبي براينت، ولاعبي كرة القدم المحترفين من بينهم مايكل برادلي من فريق تورونتو إف سي وستيفن كالدويل.

الغريب في تلك الدعوى، أنها لم تكن من أجل الدفاع عن حقوق السيدات في الرياضة، بما في ذلك التقاضي بشكل ما مساوٍ للرجال، أو أنظمة الإعلانات، أو التعرض للمضايقات في سوق العمل الرياضي؛ بل كانت من أجل الاعتراض على اللعب في أرضية عشب صناعي بالبطولة.

وعلى الرغم من أن تلك القضية لم تستمر طويلًا؛ حيث قررت اللاعبات في يونيو/حزيران من نفس العام، التنازل عنها وإعطاء الأولوية للاستعدادات للبطولة الأكبر لسيدات كرة القدم، فإنها طرحت سؤالًا مهمًا وهو: هل يُفضل اللاعبون ملاعب العشب الطبيعي على نظيرتها الصناعية؟ ولماذا؟

كوبر كوب، لاعب كرة القدم الأمريكية يطالب بتغيير الأرضية العشبية

ما الفارق بينهما؟

قبل البدء في الإجابة عن السؤال المحوري في هذه المقالة، يجب أن نتطرق إلى الفارق بين العشب الطبيعي ونظيره الصناعي في ملاعب كرة القدم، والتي قد تبدو واضحة بشكل كبير.

العشب «النجيل» الطبيعي، يقصد به الذي يُزرع في الأرض معتمدًا على دورة نمو النبات العشبي العادي، ويحتاج للعناية به بالري والقصّ، كما أنه يتأثر بعوامل الطقس والمناخ من حرارة وأمطار وغيرها.

أما العشب الصناعي، فيُقصد به ذلك الذي يُحضر صناعيًا، دون الاعتماد على الري وأشعة الشمس، حيث يُصنع خصيصًا لمساحات محددة مثل أرضية ملعب كرة القدم، ولا يتأثر عادة بعوامل الطقس والمناخ.

الأمر الأكثر حيوية في الفارق بين العشبين بالنسبة للملاعب، هو قلة التكاليف المادية للعشب الطبيعي مقارنة بالصناعي، إلى جانب التغلب على سوء الطقس القارس مثل: تساقط الثلوج الكثيف، في دول أمريكا الشمالية وأوروبا.

ماذا يقول اللاعبون؟

في عام 2018، أجرت شبكة «ESPN» الأمريكية، استطلاعًا موسعًا، شارك فيه لاعبون من 22 فريق من أصل 23 يتنافسون في بطولة الدوري الأمريكي لكرة القدم – أكثر الدوريات استخدامًا لملاعب العشب الصناعي؛ حيث اعتذر فريق مدينة «نيويورك»، عن عدم المشاركة فيه للسنة الثانية على التوالي.

وكان سؤالٌ بعنوان: «إذا كان ملعب الفريق عشبًا صناعيًا، فهل سيؤثر ذلك على قرارك بالانضمام إلى هذا الفريق؟»، أحد المحاور الأساسية في هذا الاستطلاع، وأجاب 63% من اللاعبين بـ «نعم»، بينما كانت نسبة «لا» 36%، فيما امتنع عن الإجابة 1% فقط.

لا، طالما أنهم يتدربون في الغالب على العشب.
إجابة أحد اللاعبين في الاستطلاع.
صعب، ببساطة أنا لا أحب العشب الصناعي، فالأوقات التي لعبت فيها على ذلك النوع من الملاعب، استغرق الأمر يومًا أو يومين إضافيين للتعافي.
إجابة أحد اللاعبين في الاستطلاع.

ولم تتغير النتائج كثيرًا في استفتاء أجراه الاتحاد الوطني لرابطة لاعبي كرة القدم في أمريكا، إذ يُفضل 72% منهم، اللعب على ملاعب العشب الطبيعي، مقارنة بـ 15% على الملاعب الصناعية، و11% لم يكن لديهم أي تفضيل.

رأى الرافضون أن اللعب على الملاعب الصناعية سيؤثر سلبًا على صحتهم بعد الاعتزال، وسيقصر رحلتهم المهنية في كرة القدم، بل ويتسبب في مزيد من الألم والتعب مقارنة بالعشب الطبيعي.

ماذا يقول العلم؟

نشر معهد الطب الرياضي التابع للمستشفيات الجامعية في أمريكا، دراسة تناولت تأثير الملاعب أثناء ممارسة الرياضة على اللاعبين في المدارس الثانوية المحلية، حيث وجدت أن 58% من الإصابات أثناء النشاط الرياضي جاءت على ملاعب عشب صناعي.

وكانت معدلات الإصابة أعلى بشكل ملحوظ في كرة القدم للفتيات والفتيان، ورياضيي الرجبي، وتمركزت الإصابات في الأطراف السفلية، والعلوية، والجذع.

حدد الباحثون ما مجموعه 953 إصابة خلال المواسم الرياضية 2017-2018 ، 585 منها حدثت على العشب الصناعي و 368 على العشب الطبيعي.
أحد نتائج الدراسة.

واستندت تلك الدراسة لنتائج مراجعة علمية أخرى، نشرها المعهد أيضًا، والتي أفادت بأن لاعبي كرة القدم يعانون من خطر متزايد للإصابة بقطع في الرباط الصليبي الخلفي/الأمامي، عند اللعب على الأراضي العشبية الصناعية مقارنة بالطبيعية.

وخلصت معظم الدراسات إلى نفس النتائج تقريبًا، وإلى ارتفاع معدلات الإصابة على العشب الصناعي بالنسبة للاعبي كرة القدم في مستويات التنافس العليا، في الوقت التي جاءت نتائج عدد طفيف من الدراسات عكسية، ولكنها ممولة بالكامل من شركات إنتاج تلك الأنواع من الملاعب.

على جانب آخر، ربطت تقارير صحفية بين وفاة 6 من لاعبي البيبسول المحترفين في أمريكا بورم سرطاني، وبين مواد كيميائية سامة تدخل في مكونات العشب الصناعي يُطلق عليها اسم «PFAS».

وذكرت صحيفة «فيلادلفيا انكوايرر» المحلية أن الرياضيين الستة،لعبوا معظم حياتهم المهنية مع فريق فيلادلفيا فيليز، وهو فريق تنافس لعقود على العشب الصناعي في ملعب فيترانس.

جميع العشب الصناعي مصنوع من مركبات «PFAS» السامة ولا تزال بعض الأنواع تنتج بإطارات مُعاد تدويرها يمكن أن تحتوي على معادن ثقيلة، وبنزين، ومركبات عضوية متطايرة، ومواد مسرطنة أخرى، وقد حظرها أو اقترح حظرها عدد متزايد من البلديات والولايات الأمريكية.
صحيفة  «فيلادلفيا انكوايرر».

الحل الهجين

لم يقف القائمون على تلك الصناعة الحيوية، مكتوفي الأيدي أمام تلك الدراسات؛ إذ شرعوا على الفور في تطوير نموذج العشب الصناعي، عن طريق ابتكار نوع جديد يُطلق عليه «العشب الهجين».

ويوفر هذا النوع من العشب، مميزات الطبيعي من سهولة ومرونة للاعبي كرة القدم، وأيضًا مميزات الصناعي كحل أرخص ماديًا، ولا يحتاج لصيانات متعددة، إلى جانب عدم تأثره بالحرارة والأمطار.

يُستخدم العشب الصناعي في 45 ناديًا حول العالم على الأقل، من بينها: أرسنال، ومانشستر سيتي، ومانشستر يونايتد، وتوتنهام، ونيوكاسل يونايتد.
موقع شركة «integralspor»

وبحسب شركات إنتاج هذا النوع من العشب، فإنه يوفر ما يقرب من 3 إلى 4 مرات ساعات أكثر للعب عليه مقارنة بالطبيعي، وهو الأمر الذي دفع عددًا من الأندية في الاستثمار فيه، حيث صممت ملاعبها لممارسة رياضات مختلفة إلى جانب كرة القدم، وبالتالي تحقيق مزيد من الأرباح.

الأمر الأكثر إثارة، هو أن الدراسات العلمية التي أجريت على هذا النوع من العشب، أثبتت أنه لا يوجد اختلاف ملحوظ في أداء اللاعبين عند اللعب عليه، مقارنة باللعب على العشب الطبيعي، كما لم تلحظ أي زيادة في مخاطر الإصابات بعكس حالة الصناعي.