لا يمكنك تحديد من كان مهاجم مانشستر سيتي الرئيسي خلال الموسم الماضي. يمكنك توقع ذلك رفقة بيب جوارديولا دون الشعور بالدهشة، لكن بدا واضحًا أن السيتي يحتاج لمهاجم في ظل تراجع مستوى خيسوس وفشل انتقال هاري كين من لندن.

خلال الموسم نفسه استطاع ايرلينج هالاند أن يحرز 29 هدفًا خلال 30 مباراة بألوان الأسود والأصفر في ألمانيا. تعدى هالاند حينئذٍ فكرة تشكك الجودة والاستمرارية، أثبت الرجل أنه ليس ظاهرة موسمية أو مهاجمًا شابًّا يعتمد على متر وخمسة وتسعين سنتيمترًا في الملعب فقط، بل هو مهاجم قادر على قيادة هجوم أي فريق بشكل مثالي إلى حد كبير.

كان الارتباط منطقيًّا للغاية بين فريق كبير يحتاج لمهاجم ومهاجم كبير على وشك أن يأخذ خطوة أكبر من بروسيا في مسيرته. أضف إلى كل ذلك وجود رابط عائلي يربط اللاعب الشاب بالفريق، حيث لعب والد هالاند للسيتيزنز من قبل.

أصبح هالاند لاعبًا في السيتي قبل بداية الموسم الحالي. وكان الشعور إزاء هذا الانتقال متباينًا بشكل كبير. أكد الكثيرون أن ماكينة الأهداف ستضاعف من حصيلة كل موسم مع سيطرة السيتي المضمونة.

على الجانب الآخر أكد بعض متابعي الشاب أنه سيجد صعوبة كبيرة في نادٍ يدربه بيب. لاعب يجيد التحرك في التحولات حتمًا سيعاني إذا لعب مع فريق يعتمد على هيمنة وسط الملعب. هداف يبرز من خلال الركض في خطوط مستقيمة كيف له الاستمرار في فريق يمرر في مثلثات؟

بعد سبع مباريات فقط في الدوري الإنجليزي استطاع هالاند أن يحرز 11 هدفًا بمعدل هدف كل 53 دقيقة فقط. لكن المثير أن الجميع اعترتهم الدهشة، أصحاب فكرة صعوبة تأقلم هالاند رفقة بيب لم يصدقوا تلك السهولة في الاندماج، بل أصحاب فكرة حصيلة الأهداف الرقمية اندهشوا أن الأمر يبدو أسهل مما توقعوا بشكل واضح.

لكن الحقيقة أن هالاند أثبت أنه لاعب عظيم للدرجة التي تجعل الأمر محيرًا من فرط سهولة ما يفعل، وهذا أمر ليس سهلًا كما يبدو.

ليس مهاجم جوارديولا المفضل

لمحاولة شرح الأمر يجب إلقاء نظرة على ما قبل انضمام هالاند للسيتي. أكمل سيتي، الموسم الماضي، تمريرات متعاقبة (أكثر من 10 تمريرات) ما مجموعه 887 تسلسل تمريرات، بينما أكمل دورتموند 490 فقط. انتهى 31.1٪ من تمريرات السيتي بتسديدة، بينما أنهى دورتموند 19.2٪ من التمريرات المتعاقبة بتسديدات. على الجانب الآخر قام دورتموند بهجمات مرتدة وتحولات تعتمد على السرعة 27 مرة، بينما عدد هجمات المان سيتي بلغ 19 فقط، رغم لعب دورتموند أربع مباريات أقل في الدوري.

نتيجة لكل ذلك فمن المنطقي أن هالاند سيبقى دومًا بعيدًا عن معترك اللعب، بل ستجده دومًا بجوار كتف المدافع الأخير في صفوف المنافسين. نادرًا ما يضغط ونادرًا ما يشارك في اللعب خارج منطقة الجزاء. متوسط اللمسات الذي حققه هالاند أقل من الرقم الذي سجله سيرجيو أجويرو أو جابرييل جيسوس في أي من السنوات الثلاث الماضية، في حين أن النسبة المئوية للمساته الإجمالية المسجلة في مربع الخصم أعلى من أي شخص في مانشستر سيتي من موسم 2020-21 وحتى بداية الموسم الحالي. هذا يعني ببساطة أنه ليس مهاجمًا مناسبًا لبيب جوارديولا.

لكنه المهاجم الذي يحتاجه جوارديولا

صحيح أن بيب جوارديولا فريد من نوعه حد الجنون، لكنه حتمًا لم يقرر انتداب هالاند لإعادة بناء الشاب الأكثر نجاحًا في هذا الجيل وحسب. أهدر السيتي نقاطًا على أرضه وخارج أرضه أمام توتنهام وساوثامبتون وكريستال بالاس الموسم الماضي، وفي كل مرة كان السبب واحدًا، وهو تمركز الخصم بعمق وسد طرق السيتي نحو المرمى، مما أجبر سيتي على استحواذ بدون فائدة.

افتقر بيب وجود مهاجم يقوم بعمل اختراق ذكي أو تواجد في مكان مثالي لإنهاء الهجمة بهدف. مهاجم يستفيد من صانعي ألعاب السيتي الذين يجيدون التمرير بين الصفوف، وهذا ما قدمه هالاند في كل مباراة تقريبًا مستغلًّا سرعته التي تعتمد على خطوات واسعة واضحة تجعله دومًا أقرب للكرة والمرمي من أقرب مدافع له.

الخوف المنطقي هنا هو فكرة عدم جودة هالاند فيما يخص التواجد وربط اللعب خارج منطقة الجزاء ربما سيعطل سيطرة مانشستر سيتي المعتادة، التي تعتمد على الحيازة، لكن من قال إن هالاند سيضطر للخروج ولمس الكرة من الأساس.

لمسات قليلة وفاعلية قاتلة

أحب أن يصل اللاعبون إلى منطقة جزاء الخصم، لا أن يكونوا في منطقة الجزاء بالفعل.
بيب جوارديولا

يبرع بيب جواريولا في جعل لاعبيه خالين من المدافعين وقادرين على القيام بتمريرة أو عرضية سهلة إلى حد ما عبر منطقة الجزاء. نتيجة ذلك هو الكثير من الأهداف سهلة المظهر، لكنها مصنوعة بعناية كبيرة.

من المؤكد أنك شاهدت هذا الهدف كثيرًا، والذي يبدأ بتحرك الظهير في مناطق الخصم، ثم يمرر للاعب الوسط حيث يضطر المدافعون إلى ترك أماكنهم قليلًا والتحرك للأمام، وبمجرد أن يحدث ذلك يمرر لاعب الوسط الكرة للجناح الذي ركض في المساحة التي تركها المدافعون، والذي يمرر بدوره الكرة ليحرز المهاجم أو لاعب الوسط الذي تحرك داخل منطقة جزاء الخصم هدفًا يبدو سهلًا. هذا الهدف السهل يحتاج وعيًا تكتيكيًّا من الجميع.

لعب بيب مواسم معتمدًا على مهاجم وهمي مستفيدًا من الوعي التكتيكي الذي يمتلكه لاعبو الوسط أو هذا المهاجم الوهمي في التحرك والاستفادة من التحركات، بدلًا من الاعتماد على مهاجم يبقى داخل منطقة الجزاء منتظرًا الكرة ليودعها الشباك، بغض النظر عن تكتيك ما قبل إحرازه للهدف. كان هذا قبل ظهور هالاند.

الحقيقة أن هالاند مهاجم 9 بوعي تكتيكي كبير للغاية مع صغر سن وإمكانيات بدنية هائلة. هذا المزيج جعله مهاجمًا قادرًا على تسجيل أهداف المهاجم الصريح، بجانب أهداف تنم عن أنه قادر على رؤية اللعب وفهم التكتيك بشكل كبير، حيث يتحرك ويتواجد في المساحة المثالية لإحراز الهدف.

هذا هو السبب في أن هالاند يسجل العديد من الأهداف بلمسة واحدة. لأنه يصل للمساحات المناسبة تمامًا. كل تحركاته قبل لمسة الهدف تكون مصممة بشكل مثالي. الفارق الأساسي هنا أنه ماكينة أهداف، وليس مهاجمًا وهميًّا يفتقد حاسة التهديف أحيانًا ويعتمد على وعيه فقط. النتيجة أن ايرلينج هالاند سجل أول تسعة أهداف له في الدوري الإنجليزي الممتاز من 105 لمسات فقط. مسجلًّا هدفًا واحدًا لكل 12 لمسة. هذا أقل عدد من اللمسات لكل هدف سجله لاعب في موسم الدوري الإنجليزي الممتاز منذ 2003-2004.

لماذا يشعر البعض أن الأمر سهلًا

إذا قررت أن تراقب هالاند تشعر أنه لا يفعل الكثير. يركض نحو الكرة ثم يركض بعيدًا عن الكرة. يتجول في الملعب وينتظر.

ربما ينهي المباراة بإجمالي أقل من 25 لمسة للكرة، أقل بشكل واضح من لمسات حراس المرمى. وبعد انتهاء المباراة تواجه سؤالًا واضحًا: هل سجل هالاند؟ من المؤكد أنه فعل. حسنًا إذا لم يسجل هالاند فأنت تشعر أنك أضعت تسعين دقيقة من حياتك تراقب رجلًا يتجول في الملعب فقط.

تشعر دومًا أن هالاند هو أحد هؤلاء اللاعبين غير المهمين على الإطلاق حتى اللحظة التي يصبح فيها أهم لاعبي المباراة. حركة أكروباتية مثل هدفه ضد دورتموند في الأبطال، أو اختراق مفاجئ مثل بعض أهدافه في الدوري تجعل فريقه في المقدمة، رغم تركيز الخصم على عدم حدوث ذلك.

تلك التحركات التي تشعر أنها دون فائدة هي وعي منطقي من الرجل. تدرك بعد الهدف أن تلك الدقائق الطويلة التي قضاها في الركض بعيدًا عن بؤرة الأحداث هي سبب في الهدف. وسائل للحفاظ على الطاقة واستنفاد المدافعين. الصبر والهدوء هما رافدا الثقة الواضحة التي يتنفسها هالاند، مؤمنًا أنه سيحرز الهدف في النهاية.

هل ما زلت ترى الأمر سهلًا كما يبدو؟