في رد صريح عن الموقف الهندي التقليدي من الصراع العربي الإسرائيلي، أعلن رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، تضامنه مع تل أبيب منذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حركة حماس ضد الاحتلال في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

وغرد مودي عبر حسابه على موقع «X» (تويتر سابقًا)، قائلًا: «أشعر بصدمة عميقة من أنباء الهجمات الإرهابية في إسرائيل، أفكارنا وصلواتنا مع الضحايا الأبرياء وعائلاتهم، نتضامن مع إسرائيل في هذه الساعة الصعبة»، وأعاد وزير الخارجية الهندي جايشانكار نشر التغريدة على حسابه، ثم أجرى مودي مكالمة هاتفية مع بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، مجدداً التأكيد مرة أخرى على تضامنه مع إسرائيل، دون التطرق إلى العنف الذي مارسه الاحتلال ضد الفلسطينيين.

كان البيان وسرعته لافتين للنظر، فالتضامن الفوري مع إسرائيل بهذا الشكل يعكس نهجًا جديدًا لنيودلهي التي لم تكن لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل حتى عام 1992، وعلاوة على ذلك، فإنها ليست دولة معروفة بأنها سريعة الانحياز في الأزمات.

ويظهر هذا الموقف إلى أي مدى وصلت العلاقات الهندية الإسرائيلية، فمنذ استقلال الهند عام 1947، كانت إسرائيل متحمسة للغاية لإقامة علاقة وثيقة معها، ومع ذلك، لأكثر من أربعة عقود، رفضت الهند الاستجابة لمبادرات إسرائيل حتى مطلع التسعينيات.

تحول الموقف الرسمي

بينما اعترفت الهند بإقامة إسرائيل في عام 1950، فإنها رفضت إقامة علاقة دبلوماسية رسمية معها، وفي السنوات التالية، استمرت إدانة الهند لإسرائيل على الرغم من أن إسرائيل قدمت لها دعمًا عسكريًا في حروبها مع باكستان والصين، في حين دعمت الدول العربية باكستان.

ومع بعد بدء عملية السلام بمشاركة الفلسطينيين في مؤتمر مدريد 1991، أقامت الهند علاقات رسمية مع تل أبيب في عام 1992، وانطلقت العلاقات الدفاعية والتجارية، وسرعان ما أصبحت إسرائيل ثاني أكبر شريك دفاعي لها.

وفي عام 2003، أصبح آريئيل شارون أول رئيس وزراء إسرائيلي يزور نيودلهي حيث واجه احتجاجات كبيرة هناك، واستمرت الهند في التصويت بانتظام ضد إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

لكن بعد وصول اليمين الهندوسي المتطرف إلى السلطة بزعامة مودي عام 2014، بدأت العلاقة تأخذ منحى وديًا بشكل واضح، ففي عامي 2015 و2016، امتنعت الهند عن التصويت في الأمم المتحدة على نظر جرائم إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية بسبب جرائم الحرب التي ارتكبتها خلال أزمة غزة عام 2014.

وفي عام 2017، أصبح مودي أول رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل، وعلى الرغم من هذا التحول الواضح، فقد حاولت الهند موازنة الأمور، ففي عام 2014، حتى مع تحرك الهند نحو علاقات أفضل مع إسرائيل، قال وزير الشؤون الخارجية آنذاك، الراحل سوشما سواراج: «إننا ندعم القضية الفلسطينية بشكل كامل»، وخلال معركة سيف القدس في مايو/أيار 2021، حاولت الخارجية الهندية الموازنة، وشددت على التزامها الثابت بدعم حل الدولتين.

وقبل زيارته لإسرائيل بشهرين، استضاف مودي الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في مايو/ أيار 2017، وأعقب ذلك بدعوة عباس لزيارة الهند في عام 2018.

لذا يظل بيان مودي بشأن إسرائيل ومدى السرعة التي قدم بها الدعم لها جديرًا بالملاحظة، ويشير بجلاء إلى أن الهند أصبحت ترى أن علاقتها مع إسرائيل ليست ودية فحسب، بل وحتى حيوية لمصالحها الاستراتيجية الطويلة الأجل.

محددات الموقف الهندي

كانت الهند أول دولة غير عربية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي عهد حكم حزب المؤتمر الوطني الذي انتهى عام 2014، ظلت الهند تميل إلى جانب الحق الفلسطيني وتدعم قيام دولة فلسطينية، وكانت رئيسة الوزراء إنديرا غاندي واحدة من أبرز مؤيدي رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات.

لكن الهند اليوم واحدة من أكبر مستوردي الأسلحة الإسرائيلية، وكذلك أنظمة المراقبة المتقدمة والحساسة، وهو توجه يحظى بمباركة الولايات المتحدة التي ترى في نيودلهي حليفًا آسيويًا مهمًا لاحتواء الصين.

وتجدر الإشارة أيضًا إلى أنه في عهد حكومة إنديرا غاندي (1980–1984) لم تكن حماس موجودة، وكانت منظمة التحرير الفلسطينية ومن خلفها حركة فتح بزعامة عرفات أقل ارتباطًا بالأيديولوجية الدينية كحماس، وأكثر استعدادًا للجلوس على طاولة المفاوضات، ولها أصدقاء كثر حول العالم بخاصة في دول الشرق والجنوب، وبالتالي كان من الأسهل دعمها ضد القوة الاستعمارية الإسرائيلية، كما أن منظمة التحرير الفلسطينية نفسها اعترفت بإسرائيل لاحقًا ودخلت في عملية سلام معها تمخض عنها إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية.

لذا فإن تخلي الهند عن التوازن الدقيق الذي حافظت عليه في السابق يرجع جزئيًا إلى أن حماس تواجه الآن انتقادات من بعض الدول العربية، بل من السلطة الفلسطينية ذاتها التي لا تعترف بشرعية حماس ولا تحركاتها، وبالتالي لم تعد القضية تحظى بإجماع عربي رسمي ولا حتى فلسطيني مما فتح المجال أمام نيودلهي للتملص من التزامها السابق.

فبينما تعد دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أكبر شركاء الهند التجاريين في المنطقة العربية، وتشارك كلا الدولتين في مشروع الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا (IMEC)، إلى جانب إسرائيل والأردن، رأت نيودلهي أن بإمكانها الاستغناء عن إظهار التعاطف مع النضال الفلسطيني، دون أن تتضرر مصالحها في هذه الحالة مع الدول العربية الأخرى.

وفي الدوائر السياسية الهندية تم النظر إلى عملية طوفان الأقصى بأنها محاولة من حركة حماس لمقاومة التحولات والتطورات الجارية في المنطقة لصالح إسرائيل، وبالتالي تعطيل مشروع الممر الاقتصادي الهندي الذي تشارك به إسرائيل والسعودية والإمارات معًا، ومن المتوقع أن يساهم بشكل كبير في التجارة العالمية، لكن الحرب الآن تلقي بظلال من الشك على جدوى هذا المشروع لأنه يجعل إسرائيل منطقة غير آمنة لمرور التجارة العالمية، كما أن استمرار العنف من شأنه أيضًا أن يؤدي إلى توتر العلاقات السعودية الإسرائيلية التي لم تبدأ رسميًا بعد.

فالهند متضررة من التوتر في المنطقة العربية، وهناك أيضًا مسألة أسعار النفط التي تميل إلى الارتفاع في كل مرة يتصاعد فيها الصراع، وارتفاع أسعار النفط له تأثير سلبي على الأسعار المحلية، وهو ما لا يريده الحزب الحاكم في الهند قبل بضعة أسابيع فقط من انتخابات مجالس الولايات الرئيسية، وقبل أشهر فقط من الانتخابات العامة.

وهناك مصالح اقتصادية مباشرة تربط تل أبيب بنيودلهي؛ فهناك ما يقرب من 20 ألف هندي في إسرائيل، ولكن حتى الآن لم ترد تقارير عن إصابة أو مقتل أي منهم، ونظمت الحكومة عملية إجلاء لمواطنيها هناك، ووفقًا لتقديرات الحكومة الهندية، فإن الاستثمارات الهندية المباشرة في إسرائيل خلال الفترة من أبريل 2000 إلى مايو 2023 بلغت 383 مليون دولار. وفي السنة المالية 2022-2023، بلغت الصادرات السلعية الهندية إلى إسرائيل 7.89 مليار دولار، وبلغت الصادرات الإسرائيلية إلى الهند 2.13 مليار دولار، كما يبلغ حجم التجارة الثنائية في مجال الخدمات 1.1 مليار دولار.

ويوجد أكثر من 300 استثمار إسرائيلي في الهند يتركز بشكل رئيسي في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والزراعة والمياه، وهناك أيضًا تفضيل متزايد في الهند لدخول الشركات الإسرائيلية إلى قطاعات مثل الطاقة المتجددة، وتكنولوجيا المياه، والعقارات، إضافة إلى المجالات التقليدية مثل الزراعة والمواد الكيميائية.

وبلغ إجمالي تجارة الأحجار الكريمة والمجوهرات بين الهند وإسرائيل 2.04 مليار دولار في 2022-2023 مقابل 2.8 مليار دولار في 2021-2022، وتوظف صناعة قطع وصقل الألماس حوالي مليون شخص بشكل مباشر وغير مباشر، وستواجه هذه الصناعة عبئًا كبيرًا إذا تعطلت سلسلة التوريد.

الدوافع الأيديولوجية

يشير البعض إلى أن هناك عاملًا أيديولوجيًا مهمًا وهو الفكر اليميني الهندوسي المتطرف الذي يتبناه حزب بهاراتيا جاناتا، وحزب الليكود اليميني بزعامة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وتحالفه مع اليهود اليمينيين المتطرفين، فالطرفان لديهما أيديولوجية قومية مشتركة مناهضة للمسلمين، الأمر الذي أدى إلى التقريب بين البلدين في عهد أكثر حكومتين يمينيتين في تاريخ الطرفين.

فداخليًا لم تعد الأجواء مواتية داخل الهند لتبني قضية الشعب الفلسطيني ذي الأغلبية المسلمة في ظل أجواء الشحن الطائفي ضد الأقلية المسلمة التي يجيش الرهبان المتطرفون جماهيرهم ضدها ليلًا نهارًا حتى امتلأت الدولة بالاعتداءات اللفظية والجسدية وحتى الجنسية أحيانًا ضد أبناء هذه الأقلية.

وعلى مر السنين، قال المحتجون المسلمون ضد السلطات الهندية في إقليم كشمير المحتل مرارًا وتكرارًا إنهم استلهموا احتجاجاتهم من النضال الشعبي الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، لذلك خلال الأحداث الحالية تمت معاقبة طلاب من جامعة عليكرة الإسلامية لمجرد رفعهم شعارات مؤيدة لفلسطين، ومن الواضح أنه من المناسب لحزب بهاراتيا جاناتا اليميني المتطرف أن يخلق مناخًا معاديًا للمسلمين في الهند من خلال تصوير الصراع الأخير في غزة على أنه من صنع حماس، مع حذف سياق العنف والإرهاب الذي واجهه الفلسطينيون العاديون أيضًا على أيدي القوات الإسرائيلية على مدار الأيام أو حتى العقود الماضية.

كما ركزت حسابات هندية في مواقع التواصل على نشر الأخبار الكاذبة والتضليل لتشويه صورة المقاومة الفلسطينية؛ ففي تقرير له كشف موقع التحقق من صحة الأخبار الهندية، بوم، أن حسابات ذات ميول هندوسية يمينية تدير حملة تضليل تستهدف وتدعم الاحتلال الإسرائيلي.

وكثيرًا ما ترسم هذه اللجان الإلكترونية صورة مخادعة عن الأحداث داخل الهند فتنشر شائعات عن قتل أفراد من الأقلية المسلمة لمواطنين هندوس مثلًا بهدف التحريض ضد الأقلية.

فهناك أصوات مؤثرة من اليمين الهندي ترى أن العدو واحد وهو المسلمون، لذا يشعرون بالتعاطف مع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين الذي بدأ رسميًا عام 1948 بعد أشهر من بدء احتلال الهند لإقليم كشمير المسلم رسميًا.

وقد أثارت هجمات حماس مخاوف الحكومة الهندية بشأن احتمال استلهام فكرة استخدام طائرات من دون طيار على طول الحدود الهندية الباكستانية وبخاصة على جبهة كشمير من جانب منظمات المقاومة المسلحة، وبالتالي أولت الهند اهتمامًا بالغًا بدراسة هذه التكتيكات العسكرية خشية استخدامها ضدها بعد الزخم الهائل الذي حققته عملية طوفان الأقصى في أنحاء العالم الإسلامي.