جاء الموقف الإيراني الداعم لحملة الإبادة الجماعية التي تمارسها الصين ضد أقلية الإيجور المسلمة ليشكل تناقضًا فجًّا مع صورتها التي تروج لها كقوة مقاومة للاستكبار العالمي، وكذلك مع نصوص دستورها التي تكررت فيها عبارات الدعم و«الحماية الكاملة لمستضعفي العالم» و«الالتزامات الأخوية تجاه جميع المسلمين»، باعتبارها من ركائز سياستها الخارجية، ومن ذرائع تدخلاتها في شئون الدول الأخرى.

قدمت طهران الدعم الإعلامي والدبلوماسي لبكين، فساندت سياستها القمعية في أروقة المنظمات الدولية كمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وغيره، وكذَّب مسئولوها وقوع عمليات الإبادة الجماعية، ودافعوا عن إجراءات الحزب الشيوعي الصيني ضد الإيجور، بل مدحوها باعتبارها تمنح هذه الأقلية المسلمة حياة أفضل، وزار سفير إيران في الصين رضا كشاورز زاده، إقليم شينجيانج، وأعلن إطلاق خطة لتطوير العلاقات مع هذا الإقليم الذي يضم غالبية الإيجور، دون أن يكشف عن ملامح تلك الخطة.

الخطة الإيرانية

تنتمي أقلية الإيجور (أو الأويغور) المسلمة للعرق التركي ويعتنقون المذهب السني ويتحدثون إحدى اللغات التركية. تشن بكين حملة منظمة لإبادتهم بشكل بطيء لمحو وجودهم من إقليم شينجيانج، وتشمل الإجراءات التعقيم الإجباري والتعذيب الجماعي وحظر الممارسات الدينية على السكان، لكن اللافت أن يد البطش الصينية كانت حانية تجاه الأقليات الشيعية في إقليم شينجيانج وغيره فقد فُتِح المجال للنظام الإيراني ليمارس وصاية روحية عليها.

العديد من شباب الإيجور المعتنقين للمذهب السني الذين لم تفلح سياسات القمع في إبعادهم عن دينهم، أُرسِلوا لدراسة العلوم الشرعية في إيران لترويج رؤية دينية بديلة بينهم مرضي عنها من جانب الحزب الشيوعي ضمن مخطط الإبادة الثقافية، وقد أثار السنة في إيران هذا الموضوع بعد شكاوى المئات من الطلبة الإيجور من إجبارهم على الدراسة في جامعة المصطفى في مدينة قُم رغمًا عن إرادتهم.

جدير بالذكر أن جامعة المصطفى تتبع المرشد الأعلى، علي خامنئي، وقد تأسست بهدف دعم المذهب الشيعي في الخارج، وتشييع الشعوب والأقليات السنية حول العالم، إذ تستضيف عشرات الآلاف من الطلبة من أغلب الجنسيات، وتعد من أقوى أدوات النظام لنشر أيديولوجيته.

وكشفت نصوص مسربة العام الماضي تفاهمًا بين بكين وطهران، ينص على أن تتولى الأخيرة تأسيس مراكز ثقافية في شينجيانج، وأن تقدم جامعة المصطفى منحًا دراسية للإيجور لنشر التشيع بينهم. فبينما يعادي نظام الحزب الشيوعي وجود كل الأديان في الصين، ينتشر التبشير الشيعي بين الأقلية المسلمة بدعم إيراني صريح، وهو أمر من شأنه توفير غطاء لتحسين صورة الصين خارجيًّا والترويج لسردية أنها لا تضطهد المسلمين بل المتطرفين منهم فحسب.

استغل الإيرانيون وجود بعض الممارسات الصوفية المتوارثة في شينجيانج، فأئمة آل البيت محل تعظيم مشترك بين الشيعة والصوفية، كما أن الأضرحة لها مكانة روحية عند الطرفين، فروَّج الشيعة فكرة أن بعض أئمة آل البيت الاثني عشر مدفونون في منطقة خوتان، كالإمام زين العابدين وموسى الكاظم والجواد والحسن العسكري، وكان هذا منطلقًا لنسج وشائج عقائدية مع المنطقة. حذرت أصوات إيجورية في المهجر من أن الإقليم بدأ يشهد فعاليات دينية شيعية، مما ينذر بطمس الهوية الدينية للسكان.

من جهتها، أكدت الدكتورة نادية حلمي، أستاذة العلوم السياسية بجامعة بني سويف، أن الفراغ الذي تركه العالم العربي والإسلامي فيما يخص ملف مسلمي الإيجور في إقليم شينجيانج الصيني السني، فتح الباب واسعًا أمام تدخل الإيرانيين الذين لعبوا على تخوف بكين من عودة المجاهدين الإيجور من أفغانستان وسوريا الذين يتبنون فكرة الجهاد ويمثلون تهديدًا محتملًا لمصالح الصين في الداخل والخارج، فقدمت طهران نفسها كبديل لتهدئة تلك المخاوف من خلال مدخل أن المعتقد الشيعي لا يدعم فكرة عقيدة الجهاد بصيغتها السنية.

وأضافت الخبيرة في الشئون الصينية، في تصريح لـ «إضاءات»، أن الطرح الإيراني تمثل في تشييع المسلمين الإيجور السنة لملء الفراغ الديني ونزع فتيل عقيدة الجهاد، لافتة إلى أن خبراء الإسلام السياسي الصينيين لاحظوا عدم تورط عناصر شيعية في عمليات إرهابية مسلحة على عكس المسلمين السنة، فكان الحل هو السماح بنشر الفكر الشيعي الذي ينبذ عقيدة الجهاد باعتباره فكرًا معتدلًا غير متطرف، والحقيقة أن السبب في كل ذلك يعود إلى بطء الاستجابة العربية السنية في مقابل التغلغل الإيراني النشط لسد الفراغ الذي لم يستطع السنة ملأه.

الحزب الشيوعي يخدم الإسلام

كلا الدولتين تعدان مشروع الإبادة الثقافية للإيجور مربحًا لها، فإيران تكتسب قوة ناعمة في إقليم مساحته تقارب رقعتها الجغرافية أو تزيد، ويشكل ذلك مصلحة لبكين التي تخشى من الميول الانفصالية لسكان الإقليم، وتريد بكين وأد أحلام الإيجور تمامًا في استعادة دولة تركستان الشرقية التي احتلتها الصين عام 1949. وبرغم أن طهران ستكتسب بعض النفوذ في الإقليم، لكن بكين تعتبر أن الأمور ستكون تحت السيطرة ولن تتجاوز سقفًا معينًا.

ويلاحظ المتتبع للإعلام الإيراني الانحياز للرواية الصينية وتناول القضية من الزاوية المذهبية، إذ يُطرح الأمر ليس كقضية إنسانية بل على أن الحزب الشيوعي يتصدى للفكر الوهابي السعودي، وأنه إن لم يواجه الإيجور السنة فإن تنظيم داعش الإرهابي سينتشر في المنطقة، وبذلك فإن الصين تقدم خدمة للإسلام من وجهة نظرهم، و«تتبع أفضل سياسة للدفاع عن حقوق الإنسان» وفقًا لوصف وكالة تسنيم للأنباء المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني.