نظرًا لاستمرار صمت تيموشوك حول الوضع في أوكرانيا، وتعاونه حتى اللحظة مع نادٍ يمثل الطرف المحتل، قررت لجنة الأخلاقيات بالاتحاد الأوكراني لكرة القدم: سحب رخصة «أناتولي تيموشوك» التدريبية الصادرة عن الاتحاد الأوكراني لكرة القدم، تجريد الدولي الأوكراني من كل الألقاب التي حصل عليها داخل أوكرانيا ورفع اسمه من سجلات اللاعبين المسجلين تحت مظلة الاتحاد الأوكراني لكرة القدم.
جزء من بيان لجنة الأخلاقيات بالاتحاد الأوكراني لكرة القدم، 9 مارس/آذار 2022.

إن كُنت لا تعلم، فضّل «أناتولي تيموشوك»، اللاعب الأكثر تمثيلًا لمنتخب أوكرانيا لكرة القدم الصمت عن الاعتداء الروسي على أوكرانيا، ببساطة؛ لأنه يشغل وظيفة مساعد المدرب بنادي «زينيت سان بطرسبرغ» الروسي.

في نفس الوقت الذي قرر مواطنه «ياروسلاف راكيتسكي»، لاعب «زينيت» أيضًا العودة لأوكرانيا وإنهاء تعاقده مع النادي الروسي فورًا. بالتأكيد تستطيع الآن التفرقة بين الطيب والشرير في قصتنا، صحيح؟

الزمن الجميل

في صباح يوم ـ11 مايو/آيار من عام 2022، اغتيلت الصحفية الفلسطينية «شيرين أبو عاقلة»، أثناء تغطيتها للاعتداء الإسرائيلي على «مُخيم جنين». قامت صفحات التواصُل الاجتماعية العربية والأجنبية ولم تقعُد من فظاعة المشاهد، وسارع الجميع في إبداء تعاطفه مع الشعب الفلسطيني، ومخاطبة المجتمع الدولي الذي يغُض الطرف عن ما يحدُث في حق الشعب الفلسطيني.

وفي تكرار للمسلسل المكسيكي/المصري المُعتاد، تطرَّق بعض روّاد مواقع التواصل الاجتماعي للحديث عن الموقف السلبي لـ«محمد صلاح»، لاعب ليفربول الإنجليزي ومنتخب مصر، وبالطبع مقارنته بمواقف الدولي المصري السابق «محمد أبوتريكة» إزاء قضايا سياسية واجتماعية متعددة.

يتجاهل هذا المسلسل أمرًا مهمًا، ليس عدم اهتمام «صلاح» بالقضية الفلسطينية بالطبع، لكن مطالبته باتخاذ موقف سياسي لم يتخذه من قبل، وربما لن يتخذه في المستقبل، ذلك المستقبل الذي يرسم نجم «الريدز» ملامحه بتصدره أغلفة الصحف العالمية عن طريق مقابلات يتحدث خلالها عن تطلعه للفوز بنهائي دوري أبطال أوروبا أمام ريال مدريد الإسباني.

ربما يتعارض هذا كليًا مع الصورة الذهنية التي يرسمها المتابع العربي للاعب الكرة العالمي، الذي يمكنه بتغريدة واحدة أن يحوّل انتباه العالم بأسره نحو قضية بعينها. وكان نجوم «الزمن الجميل» خير مثال على ذلك.

في السابق، لم يكُن لاعب كرة القدم مجرّد رد فعل للأحداث من حوله، بل على العكس، كان مبادرًا. فمثلًا؛ كان من السهل استنتاج ميول «دييجو أرماندو مارادونا» السياسية عن طريق صورة له وهو يدخّن سيجار كوبي فخم مع «فيديل كاسترو»، بينما لم يفوّت «سقراط» فرصة لإظهار معاداته للنظام العسكري الدكتاتوري البرازيلي في الثمانينيات.

لكن السؤال؛ هل يعني ذلك أن هؤلاء وغيرهم قد عرّضوا حياتهم المهنية للخطر مقابل إظهار آرائهم السياسية؟ في الواقع، لا يبدو الأمر كذلك؛ لأن اللعبة التي كانت وقتئذ في طور التحُّول لأن تُصبح عابرة للقارات، جعلت البعض منهم -بشكل ما- يُقدم على تنفيذ حيل للهروب مما هو أبسط من إبداء رأي سياسي؛ وهو تعارض مصالح الرعاة.

بالتالي، وبما أننا لا نستطيع التعرُّف على عواقب إبداء لاعبي السبعينيات والثمانينيات لآرائهم السياسية بمنتهى الوضوح، يمكننا فقط الإشارة إلى أنّها -على ما يبدو- لم تكُن مؤثرة على مداخيلهم السنوية. وهذا هو مربط الفرس؛ لأن لاعب كرة القدم المُحترف -للمفاجأة- يلعب من أجل المال في المقام الأول.

ظاهرة اللاعب الصامت

دعنا ننحّ «محمد صلاح» جانبًا، بل دعنا نتجنّب الحديث عن السياسة من الأساس، لنسأل سؤالًا ربما نصل من خلاله إلى إجابة مقنعة في النهاية؛ وهو متى أصبح لاعب كرة القدم صامتًا؟

كان مجرد زوج من السراويل القصيرة، ارتديته عدة مرّات قبل اليورو، لم أكُن أعلم أنني قمت بخرق أية قواعد.
نيكلاس بندتنر، لاعب أرسنال ومنتخب الدنمارك السابق.

كان هذا رد الدولي الدنماركي السابق عند سؤاله عن احتفاله بهدفه في مجموعات «يورو 2012» ضد البرتغال، بإظهار سرواله القصير الذي حمل عبارة «Paddy Power». في الظروف الطبيعية، لم يكن أحد ليهتم بهذا الاحتفال، الذي لم يكُن مثيرًا بأي شكلٍ، كما أنّ الهدف نفسه فقد أهميته بخسارة منتخب الدنمارك. ومع ذلك، عوقب «نيكلاس» بغرامة قدرت بنحو 100 ألف يورو، وإيقاف لمباراة واحدة. فما هي القصة؟

باختصار، عوقب «بندتنر» من قبل اللجنة المنظمة للبطولة لأنّه أضّر بمصالح الرعاة الرئيسيين للبطولة، حيث إنّ «Paddy Power»، ليست مُجرّد عبارة، لكنها شركة مراهنات أيرلندية، أعدّت هذا الاحتفال مسبقًا مع اللاعب، مع ضمانات بتحمُّل عواقب احتفاله ماديًا. وهنا يجب التوقُّف للحظة، فهذه الغرامة «الضخمة» التي وُقعت على اللاعب تمنحنا مؤشرًا على مدى حرص مؤسسات كرة القدم على الجانب الاقتصادي من اللعبة.

وحتى يتضح السياق، يمكننا أن نُخبرك أنه قد تمت معاقبة الثنائي السويسري «خير الدين شاكيري» و«جرانيت تشاكا» بغرامة قدرها نحو 8 آلاف دولار أمريكي على إثر احتفال «النسر المعقوف» الذي قام به الثنائي أمام صربيا في كأس العالم 2018، والذي حمل بدوره رسالة سياسية صارخة.

هذا هو حجم تداخُل الأموال في كرة القدم الحديثة، حيث تحوَّل اللاعب إلى سلعة، أو بمعنى أوضح، «لوحة إعلانات متنقلة» بالتالي تحرص المؤسسات الرياضية على إبعاد السياسة عن كرة القدم أو الرياضة عمومًا، لا لأي غرض سوى أنها لا تبيع.

لماذا يفضّل «صلاح» الصمت؟

قبل أن نُتهَم بالمُحاباة لـ«محمد صلاح»، في الواقع نقل موقع «ذي أثليتيك» في مايو/آيار عام 2021، أن اللاعبين الذين قاموا برفع علم فلسطين مثل الفرنسي «بول بوجبا» وغيره لن تتم معاقبتهم، سواء ماديًا أو بالإيقاف.

بنفس الصدد، يخبرنا «روود كونينغ»، بروفيسور الاقتصاد بجامعة «خرونينغن» الهولندية، أنّ الإيماءات السياسية للاعبي الدوري الإنجليزي بالطبع «قد» تضُر بمصالح الدوري الذي يسعى لاقتحام أسواق جديدة، لكن في نفس الوقت، لا يُمكن قمع اللاعبين؛ لأنهم الفنانون الذين يدفع الناس مقابل رؤيتهم على أرض الملعب.

لذلك، فصمت «محمد صلاح»، أو رمادية مواقفه في السابق، ما هي إلا قرارات شخصية منه، مدفوعة ربما بتحوّله من أفضل لاعب مصري وعربي إلى نجم عالمي؛ يعيش في عصر صفقات الرعاية وحقوق الصور والعقود الاحترافية، كغيره من نجوم الصف الأول الذين لا يفضلون الخروج من فقاعاتهم الخاصة، على الرغم من درايتهم الكاملة بكُل ما يدور من حولهم.

حقيقةً، قد تكون أزمة العشاء مع الرئيس الشيشاني «قديروف» في كأس العالم 2018 في روسيا هي النقطة التي أدرك «صلاح» عندها ضرورة تغيير «هويته»، والتحوّل لعلامة تجارية عالمية.

وبتتبع تسلسل مواقف «صلاح» خارج الملعب، يتضح هذا التحوّل بسهولة، حيث يعلن ضمنيًا أغلب الوقت عن اهتمامه بحقوق الحيوان، الحفاظ على البيئة، إضافةً لتعاونه مع مؤسسات مكافحة الإدمان، وخلافه من الأدوار المجتمعية المقبولة عالميًا.

وهذا تحديدًا هو نص ما ذكره «ستيفان زيمانسكي» في كتابه «Soccernomics»؛ فالمؤسسات الرياضية العالمية تدعم أي قضية، حتى وإن كانت سياسية، بشرط أن تحصل القضية على دعم شبه جماعي عالميًا، وهذا ما يجعلها عُرضة أحيانًا لتهمة النفاق وازدواجية المعايير. نعم، يعد دعم أوكرانيا ضد الغزو الروسي نموذجًا جيدًا للقياس.

أخيرًا، لم يُعد هناك مكان للّاعب المثالي الذي يتمناه الجمهور، كل نجم عالمي يختلق بطاقة تعريفية خاصة له، لذا، ربما يتخلّى اللاعب طوعًا عن فردانيته كإنسان له آراء خاصة بكل تأكيد، ليُظهر للعالم الصورة التي تضمن قبوله لدى معظم المجتمعات، وإذا ما اعتبرنا «محمد صلاح» علامة تجارية عالمية، ربما نتفهَّم الدافع وراء صمته، حتى وإن اختلفنا معه.

في النهاية، ربما لا يمتلك «صلاح» مجموعة من المواقف الواضحة كتلك التي يمتلكها «أبوتريكة»، «مارادونا» و«سقراط»، لكنّ ربما لن يستمر في الصمت مثل «تيموشوك»، أو هكذا نعتقد.