هي ثالث زيارة يقوم بها وزير خارجية مصري إلى إسرائيل عبر التاريخ، الأولى قام بها عمرو موسى عام 1999 للمشاركة في مؤتمر دولي للسلام وأجرى عدة لقاءات ثنائية مع المسئولين الإسرائيليين، والثانية كانت عام 2007، وقام بها أحمد أبو الغيط لبحث فرص عملية السلام الفلسطينية، عقب استيلاء حماس على غزة.ولكن تحمل الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المصري سامح شكري لإسرائيل في 10 يوليو/تموز 2016 طابعًا خاصًا؛ فهي تأتي فيما يمكن أن يُسمى «العصر الذهبي» للعلاقات المصرية الإسرائيلية، والذي بدأ منذ ثلاث سنوات، منذ ظهور الرئيس عبد الفتاح السيسي على الساحة السياسية المصرية.دلالات عدة حملتها هذه الزيارة، فهي جاءت علنية، وحظيت بتغطية إعلامية كبيرة، خاصة في ضوء حديث الرئيس المصري السابق عن «السلام الدافئ» مع إسرائيل، وكأن النظام المصري يجهر بتعاونه الإقليمي وعلاقته الحميمية مع إسرائيل؛ رغبةً في إثبات أنه وسيط سياسي يمكن الثقة به.وعلى الجانب الآخر، تعمدت إسرائيل إظهار الاحتفاء الواسع بزيارة شكري، سواء عبر صحفها أو صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ناهيك عن المؤتمر الصحفي الذي عُقد في القدس وليس تل أبيب، بين شكري ونتنياهو، والصورة التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، وتُظهر شكري يتحدث بجوار تمثال «تيودور هارتزل» مؤسس الصهيونية الحديثة، وكأن إسرائيل تريد أن تقول للعالم أن “مصر باتت حليفنا الأول في المنطقة”.


السلام الزائف يخدم مصلحة الجميع

من المفترض أن تكون القضية الفلسطينية هي محور أجندة زيارة وزير الخارجية المصري لإسرائيل؛ وذلك لإتمام المساعي المصرية لتحريك ملف السلام مجددًا. ورغم ظهور عدة تقارير إسرائيلية تفيد بأن الحديث عن ملف السلام لم يكن إلا تغطية لتناول باقي القضايا المركزية التي باتت تمثل اهتمامًا مشتركًا لكلا البلدين، إلا أن الحديث عن ملف السلام لابد وأنه قد أخذ نصيبًا من هذه الزيارة.جاءت زيارة شكري بعد مرور أسبوعين على زيارته للسلطة الفلسطينية في رام الله، ويبدو أنه حاول الدفع في اتجاه استئناف عملية السلام مجددًا، إضافة إلى مناقشة الترتيبات الأمنية مع السلطة الفلسطينية، حيث أوضحت صحيفة «معاريف» أن أوساطًا سياسية إسرائيلية أعلنت موافقة مصر على مساعدة إسرائيل في استعادة الأسرى والمفقودين الإسرائيليين في قطاع غزة.

احتفاء إسرائيل بزيارة شكري، وعقد مؤتمر صحفي له في القدس، كان بمثابة رسالة للمنطقة العربية، أن مصر باتت الحليف الأهم لإسرائيل في المنطقة.

وقد كشف موقع «أن آر جي» أن الوزير المصري حاول خلال زيارته ترتيب لقاء بين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس، لكن الأخير رفض عقد اللقاء؛ لأنه لم يتلق ردودًا إيجابية على الضمانات التي طلبها من مصر.وكشفت صحيفة «ديبكا» الإسرائيلية عن أن شكري نقل رغبة الرئيس المصري لنتنياهو حول ضرورة ضم إسحاق هرتسوغ، رئيس حزب المعسكر الصهيوني، للحكومة الإسرائيلية الحالية، كوزير للخارجية؛ لما قد يمثله ذلك من مُحفّز أوّلي للفلسطينيين على استئناف عملية السلام.وما يؤكد ذلك، تلك الأخبار التي تم تداولها حول أن جدول زيارة شكري تضمن عقد لقاءين مع كل من إسحاق هرتسوج، وتسيبي ليفني؛ للضغط عليهما لدخول حكومة نتنياهو للتقدم في عملية السلام مع الفلسطينيين.ولا شك أن استئناف عملية السلام في الوقت الحالي يُمثل مصلحة مشتركة لكل من السيسي ونتنياهو وأبو مازن، فالسيسي يرى أن نجاح مسعاه في هذا الصدد، من شأنه أن يُحسّن وضعه الإقليمي والدولي، ويُضفي ثقلاً لسياسته الخارجية، ويعود مُجددًا الفاعل الأهم في القضية الفلسطينية، ناهيك عن رغبته في صناعة إنجاز تاريخي للتغطية على إخفاقاته المتتالية على المستوى المحلي.أمّا نتنياهو، فما زال يتعرض للضغوط الدولية لاستئناف عملية السلام، وهناك عدة أطراف تُلقي اللوم عليه فيما يتعلق بالجمود الذي أصابها. فربما يرغب نتنياهو في عقد سلام مع الفلسطينيين، ولكن بشروطه الخاصة. حيث أن كثرة الضغوط الدولية، والأجندة المجهولة التي قد يحملها الرئيس الأمريكي القادم للقضية الفلسطينية، جعلت من مبادرة السيسي فرصة ذهبية لابد من اغتنامها؛ لأن إسرائيل إذا رغبت في الحصول على كم كبير من التنازلات الفلسطينية، فلن يكون هذا إلا عبر الوساطة المصرية.أمّا أبو مازن، الذي خاض جولات عديدة من الحوار والمباحثات، دون أن يجني أي مكسب فلسطيني، يرغب في عقد سلام يُثبت للفلسطينيين أنه كان مُحقًا حينما عارض المقاومة الفلسطينية المسلحة، وأضاع سنوات حكمه جالسًا على الطاولات.


الملفات الخفية للزيارة

يرغب أبو مازن في عقد سلام يُثبت للفلسطينيين أنه كان مُحقًا حينما عارض المقاومة الفلسطينية المسلحة، وأضاع سنوات حكمه جالسًا على الطاولات.

«البعد السري للعلاقات الإسرائيلية المصرية»، كان هذا هو عنوان إحدى المقالات التي نُشرت على موقع «ديبكا» الإسرائيلي، لتحليل أبعاد زيارة وزير الخارجية المصري لإسرائيل.وتحدث الموقع عن ملف التسوية السلمية للقضية الفلسطينية الذي جاء كغطاء على ملفات الزيارة الأخرى، والأكثر أهمية بالنسبة للطرفين. الملف الذي تم تسليط الضوء عليه كان الملف السوري والتحول في مساراته، فبعد أن كان يُنظر للأسد على أنه مجرم حرب مطلوب للعدالة، ومن المستحيل أن يستمر على رأس السلطة في سوريا، على الأقل بالنسبة لولايات المتحدة، أصبح الآن شريكًا للمجتمع الدولي – بما في ذلك الولايات المتحدة – في الحرب على داعش.وهو التحول الذي يحتاج إلى إعادة تنسيق مواقف مصر وإسرائيل تجاه الوضع في سوريا، خاصة بعد التقارير التي ظهرت وتحدثت عن وجود قنوات تفاوض سرية مباشرة بين أردوغان والأسد حول مصالحة مرتقبة.

جاء توقيت الزيارة في أعقاب جولة نتنياهو الأفريقية، لتطمين الرأي العام المصري، بأن إسرائيل لم تعد العدو الذي يُحاكي لها المؤامرات هناك.

ثاني هذه الملفات هو احتمالية وجود مصالحة مصرية تركية مرتقبة على غرار الاتفاق الإسرائيلي التركي، فهي الخطوة الأخيرة لإتمام اصطفاف التحالف السني الإسرائيلي الذي يشمل السعودية ومصر وتركيا، ضد المحور الشيعي في المنطقة. ومن المُرجح أن تلعب إسرائيل دور وساطة سري لإتمام هذه المصالحة في أقرب وقت.أمّا الملف الثالث، فتعلق بزيارة نتنياهو التاريخية لأفريقيا، والتي أرّخت لعهدٍ جديد من النفوذ الإسرائيلي هناك، وهي الزيارة كشفت عن موجة انتقاد شعبي واسعة النطاق للنظام المصري؛ لتخاذله عن مواكبة التحركات الإسرائيلية في أفريقيا.ولا شك أن زيارة شكري، جاءت في أعقاب هذه الزيارة؛ لتطمين الرأي العام بأن إسرائيل لم تعد العدو الذي يُحاكي المؤامرات لمصر في أفريقيا.أمّا الملف الرابع والأبرز، كان تنسيق الجهود العسكرية لمكافحة الإرهاب في سيناء. وليس من قبيل الصدفة أن يتم الكشف في اليوم التالي للزيارة، 11 يوليو/تموز 2016، من قبل موقع «بلومبرج» الإخباري، على لسان مسئول إسرائيلي رفيع سابق قوله بإن إسرائيل قامت بتنفيذ غارات بواسطة طائرات بدون طيار في شبه جزيرة سيناء في السنوات الأخيرة، وأنه قد تم تنفيذ الغارات الجوية بمعرفة وموافقة مصرية.ورغم أن زيارة وزير الخارجية المصري لإسرائيل هي تطور غير مسبوق في علاقة مصر بإسرائيل، سواء بسبب التوقيت أو الملفات التي تمت مناقشتها، إلا أن التطور الأبرز ما زال قيد التشكل. فمن المتوقع أن تكون هذه الزيارة هي تمهيد لزيارة تاريخية يقوم بها السيسي لإسرائيل، أو يقوم بها نتنياهو إلى القاهرة، وربما تحمل هذه الزيارة أو تلك إعلانًا رسميًّا من قبل الطرفين على إنجاز تقدم جديد في إحدى الملفات المشتركة.