* اللي بيتجوز بدري ده يا يوسف، بيبقى عامل زي اللي بيتعشى بدري فغصب عنه بيجوع تاني نص الليل، واللي بيتجوز متأخر عامل زي اللى رجع البيت فأكل أي حاجة والسلام.
– والعمل يا بابا؟
* نام خفيف أحسن يا يوسف.
فيلم «الكيت كات» 1991- داود عبد السيد

كانت هذه الجملة هي واحدة من أكثر الجمل التي شاركها الشباب على صفحات فيسبوك خلال الفترة الماضية، مصحوبة بصورة الفنان الراحل محمود عبدالعزيز وأمامه الفنان شريف منير، وفي الخلفية الفنانة الراحلة أمينة رزق، يتبع تلك المشاركة الكثير من التفاعلات الضاحكة، والتعليقات الساخرة بين الشباب والفتيات مُبدين إعجابهم بذلك المعنى الذي حاول الراحل محمود عبدالعزيز أن يرسله عبر هذا المشهد القصير، وعلى الرغم من روعة ذلك الفيلم وصوت محمود عبدالعزيز الذي قد يتبادر إلى أذنيك بمجرد أن ترى الصورة أمامك، فإن هناك الكثير من المعاني التي يمكن أن تخرج من رحم ذلك التفاعل الساخر.

ومن بين كل هذه السخرية وتلك التدافعات التي لا تنتهي، ومعارك إعلان التفوق بين الجنسين على صفحات السوشيال ميديا، يمكن أن نبدأ بطرح التساؤلات، هل يكره الرجال المصريون نساء مصر؟ هل تكره نساء مصر رجالها؟ ألا يريد كلاهما أن يتزوج وينشئ أسرة، أم أن ثمة حلقة مفقودة في المنتصف لا يلاحظها أحد؟

تعليقات كاشفة لا بد منها

جرت العادة دائمًا إذا ما أردنا البحث في عينة إحصائية لجمع من الناس عن أمر ما في بلد معين أن يتوافر ذلك عبر منصات البحث والتدوين، فبإمكانك أن تعرف نسب الرجال الذين يرفضون الزواج في الولايات المتحدة أو نسب النساء اللاتي يرغبن في الزواج في كرواتيا وهلم جرّا.. هناك دائمًا آلية معينة ومحددة للإحصاء والأرقام، أما في مصر، فليس من المعتاد أن تستطيع استخراج إحصائية حقيقية لأسباب عنوسة النساء والرجال، ليس من المتاح أن تعرف إن كان الرجال يرفضون الزواج أم يعجزون عنه، حتى جاءت وبمحض الصدفة واحدة من المنشورات التي أحدثت صدى كبيرًا على فيسبوك وتويتر خلال الأيام الماضية على حساب الشيخ أنس السلطان والتي كانت ضمن حديثه لترغيب الشباب والفتيات في الزواج.

بدأ الأمر بمنشورات تحفيزية دعوية، حتى وصل الأمر إلى منشورات السؤال عن المواصفات وأسباب الرفض، ما الذي يجعلك ترفض فتاة ما، وما الذي يجعلكِ ترفضين رجلًا ما؟ ومن هنا بدأت الإجابات الكاشفة في التدافع تباعًا.

لنبدأ من منشور الفتيات كيف تحدثن عن معيارهن في القبول والرفض؟

ذهبت تعليقات الفتيات على المنشور من حيث المعايير التي يفضلنها إلى نسبة اتفاق تخطت 80% تقريبًا، فالغالبية ترى أنهن يبحثن عن شاب ذي خلق، غير مدخن ومتفاهم ويستطيع أن يتقبل اختلافه مع الطرف الآخر، مع أهمية القدرة على تحمل المسئولية والطموح، وقد أظهرت نسبة كبيرة وصلت حتى 50% تقريبًا اهتمامهن ببر الشاب أهله وخاصةً الأم، لأنهن رأين في ذلك معيارًا هامًا لما قد يكون طريقة التعامل على أساسه مستقبلًا.

فقد قالت ث.أ: إخصائية تخاطب، عن أسبابها للرفض: «عدم تواجد القبول بيني وبين الطرف الآخر، أما عن الصفات المفضلة: فهي القدرة على تحمل المسئولية والتوافق الفكري والشعور بالأمان والاتزان النفسي».

فيما قالت ن.ح عن الأسباب الداعية للرفض فهي عدم الالتزام في الصلاة والعجز عن تحمل المسئولية والقسوة والتقليل من الطرف الآخر – أي الفتاة- وإحباطه والرغبة في أن تبقى المرأة في البيت والتقليل من احترام الطرف الآخر وذويها.

وقالت ي.أ: إعلامية، عن المعايير التي تراها مناسبة، فهي ألا يكون من المدخنين وأن يؤمن بأن زوجته ليست نسخة من والدته، وألا يشعر بالغيرة من نجاح زوجته، وأن يكون على علم جيد بأمور دينه والقدرة على تحمل المسئولية، وأن يكون بارًا بوالدته وأخواته الفتيات.

بينما قالت ي.م: صيدلانية متزوجة إن معيار تحمل المسئولية هو الأهم دائمًا وهو ما جعلها تؤمن أنه لو عاد الزمن إلى الخلف لاختارت زوجها أيضًا، فبالنسبة لها الرجل الذي يعتمد على أهله في الاستعداد للزواج وتحمل النفقات لن يكون جديرًا بأن يتحمل مسئولية أسرة بكل أفرادها.

وقالت ب.ف: خريجة كلية الإعلام، عن معايير الرفض والقبول هي ألا يكون هناك قبول بين الطرفين، والعيوب الأخلاقية، وألا يكون الطرف الآخر قادرًا على تقديم مستوى معيشة يمكن تقبله.

وعلى كثرة التعليقات واختلافها في بعض النقاط إلا أنها طوال الوقت كانت ما تدور في الفلك نفسه مع بعض الاختلافات الجوهرية التي تميز كل شخصية عن الأخرى.

فماذا قال الرجال؟

وكما جرت الرياح في دفة النساء، اتجهت البوصلة بشكل كبير إلى معايير شبه متطابقة في تعليقات الرجال، حيث انقسمت تقريبًا ما بين 60% يتحدثون عن عدم تواجد ما يكفي من القدرة المالية المؤهلة للزواج، في حين تحدث 40% الباقون عن الخوف من تحمل المسئولية بشكل عام، ومن دخول علاقة قد يكون مصيرها الفشل، وبين هذا وذاك كان ثمة عامل مشترك يتحدث عن رفضه مبدأ الندية الذي تنتهجه بعض الفتيات ومدى أهمية فهم المرأة دورها الحقيقي بعيدًا عن النزعات النسوية.

فقد قال ز.ر: مهندس وخاطب، إن واحدة من أهم المشاكل التي تواجه اختيارات الرجال هو ندرة النساء القادرات على تفهم الرجل وعقليته واحتياجاته.

بينما قال ع.س عن أهم الموانع هي الندية والنزعات النسوية.

بينما قال أ.خ: مهندس، عن الموانع وأهمها الخوف من كثرة التجارب الفاشلة المحيطة والخشية من الوقوع في تجربة مشابهة، وعدم العثور على شخص مناسب ومتوافق بشكل كبير، وأنه في حال حدوث ذلك قد يكون هذا هو الحافز نحو التحرك على الطريق.

وأضاف س.إ: إخصائي نفسي، أن السبب الرئيسي في امتناع الكثير من الرجال عن الزواج هو اعتقادهم في أنهم كلما انتظروا زادت فرصتهم في العثور على شريك أفضل ممن يحيطون به، وانتظار البعض الوصول إلى درجة الاستقرار المادي الكامل، والاعتقاد بأنه كلما زاد الانتظار زادت درجة النضج والتي ستشكل حائطًا في طريق فشل العلاقة.

وقال ع.ف: مسئول موارد بشرية متزوج، إنه ينصح الشباب بالزواج وألا يتأخروا في ذلك متناسين التعقيدات التي يخلقها البعض جراء تجارب قديمة، والبحث عمن يراها مناسبة دون أن تكون الأفضل في كل شيء أو الأكثر جمالًا.

ردود فعل متباينة

لاقت بعضًا من تعليقات الفتيات بشأن المواصفات التي يرونها مناسبة سخرية فئة من الرجال، معلقين بأنهم يرون أن المواصفات المعلَنة محفوفة بالمثالية الشديدة، وأنها خلت من الحديث عن الأمور المادية، وأن هذا لا يتناسب مع ما يحدث في الواقع، بينما غزت تعليقات الفتيات المنشور الخاص بآراء الرجال وقد سخر بعضهم من خشية الرجال من تحمل المسئولية، أو من رغبة البعض في امرأة تترك العمل ولا تكون ندًا للطرف الآخر.

وبانتقالنا إلى الجانب التحليلي من تلك الآراء ومن مردود الأفعال بشأنها؛ فثمة أزمة لا يدركها الكثيرون، وهي أن النقاشات عبر فيسبوك في كثير من الأحيان تفقد بوصلتها في الوصول إلى حلول حقيقية وتتحول إلى صراعات لإثبات من الأقوى، ومن الأجدر ومن الأنجح، وهي معايير لا يمكن البناء عليها في مثل تلك الأمور، كما أنها تفرغ الحديث من معناه.

وأما بشأن السخرية التي أعلنها كل طرف تجاه الآخر، فبعضها حقيقي وبعضها مبالغ فيه، فحتى وإن كانت المعايير التي تعلنها الفتيات هي محور تفكيرهن، إلا أن الواقع يشهد أن المعايير نفسها ليست بالضرورة ما يحدده الآباء والأمهات، كما أن الفتيات في حالات الزواج التقليدي لا ينشأ بينهم وبين المتقدم ما يكفي لجعل الفتاة تتدخل عند الآباء للتقليل من وطأة الأعباء المعلنة.

وعلى الطرف الآخر، فإن فئة لا بأس بها من الشباب يعلنون عن خوفهم من تلك الأعباء دون التفكير في خوض التجربة من الأساس، والتفكير في أنها قد تكون مخاوف غير موجودة في حال العثور على شخص مناسب، اعتمادًا على الحديث المشاع بين الناس وعلى صفحات فيسبوك وكأنه أمر مُسلّم به.

ويرتبط ذلك أيضًا بالتعليقات التي يعتاد الكثير من المتزوجين في مصر إطلاقها بسخرية مثل «اهرب يا ولد»، أو من طرف النساء مثل «خدنا إيه من الجواز غير البهدلة من الرجالة»، والكثير من تلك التعليقات المتبادلة والتي تذهب في النهاية إلى الترهيب من التجربة بأكملها دون فهم السبب الحقيقي والنفسي الباعث لإطلاق مثل هذه الجمل في بلد يعاني بالأساس من أزمة حقيقية.

وأما عن الأزمات المتعلقة بالتعميم الذي يطلقه الطرفان، فهو دائمًا يدخل في دائرة صراعات فيسبوك الخالية من المعنى، فالحديث عن الندية أو العمل بعد الزواج أو تحمل المسئولية أو أي من العقبات التي يلقيها كل طرف على الآخر، لا يمكن إطلاقها بصورة عامة في الفضاء الإلكتروني للتعويل عليها، فهي تخضع لكل تجربة ولمدى اتفاق الطرفين وتقبل كل منهما للآخر.

اقرأ أيضًا: تفاصيل منسية في زواج ساذج

لذا وبعد الدخول في عينة عشوائية من الآراء، يمكن القول، إن أزمة الزواج في مصر تمر بنقطة غير مفهومة بعض الشيء، تحتاج إلى الإمساك بحلقة الوصل والوقوف عندها، فقد أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة الإحصاء أن 11 مليون فتاة تجاوزن سن الثلاثين دون زواج، في حين تخطى العدد من الرجال أكثر من مليوني، وهي أرقام يجب الوقوف عندها لوقت طويل، فالأزمات المالية والمخاوف المجتمعية من الطلاق إن لم تخضع في النهاية لحلول حقيقية قد تنتهي بنتائج كارثية في النهاية.

ومن هنا، يمكن الوقوف عند نقطة أن المصريين لا يكرهون الزواج ولا يرفضونه، لكنهم بحاجة إيجاد حلول حقيقية وفهم حدود التنازلات المطلوبة لنجاح العلاقات وخوض غمار التجربة والتغلب على المخاوف الوهمية.