أخي مادورو! قف منتصبًا، فنحن نقف إلى جانبك.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اتصال هاتفي مع نظيره الفنزويلي نيكولاس مادورو، بعد إعلان رئيس البرلمان وزعيم المعارضة، خوان غوايدو، نفسه رئيسًا للبلاد.

تقوم السياسة الخارجية التركية، خاصة منذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في 2016، على رفض الانقلابات تحت أي اسم. وحين يتعلق الأمر بفنزويلا، يصبح رفض الانقلاب، حتى ولو كان مدنيًّا، أمرًا أدعى. فالعلاقات بين تركيا أردوغان وفنزويلا مادورو تجاوزت مرحلة العلاقات العادية بين دولتين تفصل بينهما آلاف الكيلومترات، ووصلت إلى مرحلة الشراكة.


ماذا يحدث في فنزويلا؟

تمر فنزويلا بأزمة اقتصادية طاحنة بدأت منذ عام 2014، ومتواصلة حتى الآن، سببها انخفاض أسعار النفط، الذي يشكل المصدر الرئيسي لدخل البلاد. ووصلت الأزمة الاقتصادية حد أن السلع اختفت من المتاجر، و تجاوز التضخم مليون بالمائة خلال عام 2018، وأصبحت العملة تكال بالكيلو، وبات سعر فنجان قهوة الآن يعادل ثمن شراء منزل قبل 15 عامًا، ما أجبر آلاف المواطنين على الفرار إلى الدول المجاورة. ومن المتوقع أن تتفاقم الأزمة أكثر، فوفق تقديرات صندوق النقد الدولي سيتجاوز التضخم في فنزويلا 10 ملايين بالمائة خلال العام الجاري.

وسط هذه الأوضاع فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عام 2017 عقوبات مالية قاسية على كاراكاس، شملت حظرًا على التعاملات في الديون والأسهم التي تصدرها الحكومة الفنزويلية، ثم أتبعتها عام 2018 (بعد أيام من إعادة انتخاب مادورو) بعقوبات جديدة استهدفت قطاع النفط من أجل إيقاع أكبر ضرر بنظام مادورو، الذي تعتبره نظامًا ديكتاتوريًّا غير شرعي وفاسد.

على وقع الأزمة الاقتصادية، دخلت البلاد في أزمة سياسية حادة، فاقمها إجراء انتخابات رئاسية، في مايو/آيار الماضي، فاز بها مادورو، وسط مقاطعة المعارضة واتهامات دولية بأنها غير نزيهة ونتائجها تفتقد إلى المصداقية. وتفاقمت الأزمة السياسية خلال الشهر الجاري بعد تولي خوان غوايدو رئاسة الجمعية الوطنية (البرلمان) التي تسيطر عليها المعارضة، ثم وصلت ذروتها بإعلان غوايدو نفسه «رئيسًا بالوكالة» للبلاد إلى حين إجراء انتخابات حرة.

قوبلت الخطوة بردود فعل متباينة. أعلنت الولايات المتحدة سريعًا تأييدها لغوايدو (رد مادورو بإعلان قطع العلاقات معها) وتبعتها الأرجنتين وكولومبيا وفرنسا والبرازيل وكندا والإكوادور وباراغواي والمفوضية الأوروبية، فيما وقفت تركيا وروسيا والمكسيك وبوليفيا وإيران مع مادورو. وكانت أنقرة هي الصوت الأعلى في تأييد مادورو، إذ اعتبرت أن ما يجري محاولة للانقلاب على الديمقراطية. وداخليًّا لا تزال الأوضاع مضطربة. المظاهرات في كل مكان. فيما رفض وزير الدفاع الفنزويلي تأييد غوايدو، معتبرًا أن مادورو هو الرئيس الشرعي للبلاد وأن ما يجري محاولة انقلابية.


لماذا تدعم تركيا مادورو؟

في إطار سعيها لمد نفوذها في مناطق مختلفة من العالم أحيت تركيا علاقاتها مع عدد من دول أمريكا اللاتينية، وهي منطقة لم يكن لأنقرة فيها سوى تأثير ضئيل في الماضي. كانت فنزويلا من بين الدول التي جمعتها مع تركيا علاقة جيدة، توطدت كثيرًا خلال العام الماضي، خاصة بعدما جمعتهما العقوبات الأمريكية المفروضة على كليهما.

و يعود تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وفنزويلا إلى خمسينيات القرن الماضي، حيث كانت من أوائل بلدان أمريكا اللاتينية والكاريبي، التي تؤسس معها أنقرة علاقات دبلوماسية. ومنذ سنوات تشهد العلاقات بين البلدين تناميًا ملحوظًا، ومن ثمراتها افتتاح قنصليتين فخريتين لأنقرة في مدينتين فنزويليتين، إضافة إلى السفارة التركية في كاراكاس. وتوجد سفارة فنزويلية في العاصمة التركية أنقرة، وقنصلية عامة في مدينة إسطنبول.

يعتبر الرئيسان أردوغان ومادورو صديقين حميمين وحليفين. وكانت فنزويلا من أوائل الدول الرافضة لمحاولة الانقلاب العسكري التي وقعت في تركيا عام 2016.وأعلن الرئيسان في أكتوبر/ تشرين الأول 2017 دخول مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين سعيًا لخلق عالم مختلف «متعدد الاقطاب حيث يجد الجميع مكانًا لهم». وحضر مادورو حفل تنصيب أردوغان رئيسًا لتركيا العام الماضي. ووصف نظيره التركي بأنه «صديق فنزويلا»، و«زعيم العالم الجديد متعدد الأقطاب».

فيما زار رجب طيب أردوغان كاراكاس الشهر الماضي، وأعلن دعم مادورو، واصفًا إياه بأنه «سيمون بوليفار الحديث»، ومعتبرًا «القيود التجارية والعقوبات خديعة ولا تؤدي إلا إلى مفاقمة عدم الاستقرار»، في تلميح واضح إلى واشنطن. كما تعهد بمساعدة فنزويلا لمواجهة أزمتها الاقتصادية قائلًا: «سنُغطِّي غالبية احتياجات فنزويلا، لدينا الإمكانية» لفعل ذلك، داعيًا رجال الأعمال في بلاده إلى زيادة صادراتهم إلى فنزويلا.

وترجم الرئيسان هذا الغزل المتبادل اقتصاديًّا خلال العام الماضي. ففي الأشهر التسعة الأولى من 2018 بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وفنزويلا نحو مليار دولار. يتجاوز ذلك مجموع حجم التجارة بين البلدين خلال خمسة أعوام. وهو ما يعكس رغبة قيادة البلدين في تطوير العلاقات بشكل سريع.

وتركزت الصادرات التركية إلى كاراكاس على الزيوت النباتية والحيوانية، الشموع، الحبوب، الطحين، وبلغت قيمتها 68 مليون دولار. فيما صدَّرت فنزويلا إلى أنقرة أحجارًا كريمة وشبه كريمة، معادن ثمينة، ألماسًا، مجوهرات، عملات معدنية، ومنتجات الصلب، وبلغت قيمته حوالي 904 ملايين دولار. وقامت فنزويلا، العام الماضي، بتنقية الذهب المستخرج لديها في تركيا، عوضًا عن دول أخرى مثل سويسرا، خوفًا من احتجازه بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة عليها.

كما هو واضح فإن علاقات البلدين شخصية وليست مؤسسية، ولدى أردوغان فيها اليد العليا باعتباره «زعيم العالم الجديد متعدد الأقطاب»، كما أنها في جزء منها مرتبطة برفض محاولات فرض الإرادة الأمريكية على كلا البلدين. وبالتالي فإن الإطاحة بمادورو والإتيان برئيس جديد يحظى بدعم الولايات المتحدة وأوربا سيخل لا محالة بالعلاقات الحالية بين البلدين.

لذا، فضلًا عن السياسة الخارجية التركية الرافضة للانقلابات، فإن نجاح الانقلاب على مادورو يعني خسارة أنقرة لحليف نفطي مهم في أمريكا اللاتينية، ويعني كذلك خسارتها لاستثمارها في العلاقة بين البلدين طوال الأعوام الماضية.