ذات ليلة كنا نجلس أربعة أصدقاء سويًا في إحدى المقاهي، وطرحت عليهم سؤالًا: من هو لاعبك المفضل في لعبة التنس؟ اختلفت الإجابات فيما بينهم، حيث اختار الأول «روجر فيدرر»، فتحداه الثاني ب «رافاييل نادال» الذي سيتخطى أرقام «فيدرير»، فيما رأى الثالث أنه لا يوجد أفضل من «نوفاك ديوكوفيتش»، واعتقد أنه يستطيع الاستمرار في الملاعب فترة أطول من الثنائي.

الأمر يبدو في ظاهره أمرًا عاديًا، ولكن هل فكرت يومًا ماذا لو اعتزل الثلاثي؟ من سيمتلك زمام الأمور من بعدهم لاسيما والثلاثة في فترة الثلاثينيات من عمرهم؟

ماذا لو أخبرتك بأن بطولة مثل أستراليا المفتوحة بلغ مجموع جوائزها هذا العام 49 مليون دولار أمريكي، ويحصل الفائز بالبطولة على 4 ملايين دولار، أليست هذه الأرقام كافية كي تدفع الآلاف من لاعبي التنس لتطوير أنفسهم والمنافسة في مستويات أعلى؟

إذن لماذا لا نجد على ساحة اللعبة عالميًا أسماء خلاف تلك الأسماء الثلاثة؟

نظرية المقامرة

وفقًا دراسة نشرها موقع «The Conversation»، فإن احتمالية تحقيق شاب في الـ 18 من عمره، ويقع ضمن الـ 100 الأوائل في اللعبة منذ 1997، أرباحًا تقدر بـ 10 ملايين دولار طيلة مسيرته، لا تتعدى 0.001% إذا قرر ممارسة لعبة التنس.

لا يبدو الرقم كبيرًا إذا طرحنا منه تكاليف المنافسة التي يتحملها اللاعب، والتي قُدرت في 2013، بـ 38800 دولارًا للرجال و 40180 للسيدات، بالإضافة إلى راتب المدرب الخاص باللاعب أيضًا.

وجاءت الدراسة بالمفاجأة، حيث أفادت أن متوسط صافي ما يحصل عليه لاعب التنس من الجوائز خلال مشواره الاحترافي، هو 300 ألف دولار فقط، وعلى الرغم من تحقيق لاعب مثل فيدرير لأكثر من 65 مليون دولار وهو في الثلاثين من عمره، إلا أن هذا لم يكن القاعدة لكل اللاعبين، إذ إن 80% من لاعبي التنس لا يحققون أرباحًا تُذكر على المدى القريب في مسيرتهم مع اللعبة.

ونتيجة لذلك، كلما فقد اللاعب الفرصة لتحقيق الاحتمال الثالث، فإن رغبته في الإداستمرار في التنس تقل عن العام الأول، بحوالي 20% في حالة الصبية المراهقين، و5% في حالة الفتيات المراهقات. حتى يُفضل اللاعبون واللاعبات سلوك مسلك وظيفي آخر بديلًا عن محاولتهم المستمرة لأن يصبحوا مثل روجر فيدرر وسيرينا ويليامز مثلًا.

ما ذكرناه سلفًا هو ما يؤثر بشكل رئيسي في قرار لاعب التنس سواء بالاستمرار في مسيرته أم لا، حيث يجد نفسه أمام مقامرة من  ثلاثة احتمالات: إما ألا يحصل على أي شيء، مطلقًا بنسبة 50%، أو يحصل على عوائد مادية صغيرة بنسبة 49%، أو الحصول على عوائد مادية كبيرة للغاية مثلما حدث مع فيدرر في سن الثلاثين وهذا الاحتمال لا يتعدى 1% وفقًا للدراسة.

الجوائز المالية لكل لاعب تنس في العام الواحد وفقًا لتصنيفه في الإتحاد الدولي للعبة/ المصدر: theconversation
الجوائز المالية لكل لاعب تنس في العام الواحد وفقًا لتصنيفه في الإتحاد الدولي للعبة/ المصدر: theconversation

لأن القليل يكفي

لو افترضنا أن اللاعب لم يفقد فرصة تحقيق عوائد مالية كبيرة، بل ومع مرور الوقت أصبح يحصد عددًا من الألقاب المتوسطة والكبيرة، فإن ذلك أيضًا لا يشجعه على مواصلة مسيرته الناجحة حتى النهاية. دعنا نشرح مثالين، أحدهما لرجل والآخر لامرأة، حتى تصير الأمور أكثر وضوحًا.

لاعب مثل السويسري «ستانيسلاس فافرينكا»، المصنف الثالث عالميًا في 2014، حقق خلال مسيرته الاحترافية 16 لقبًا فرديًا، ولقبين على مستوى الزوجي، بما يعادل أكثر من 34 مليون دولار، ومع ذلك لم يحقق أي لقب منذ عام 2017، وأصبح خارج قائمة الـ 10 الأوائل منذ عام 2018، حيث يحتل المرتبة الـ 17 حاليًا.

رسم بياني يوضح تاريخ ستانا وارنكا في التصنيف الدولي للاعبي التنس على مدار مسيرته/ المصدر: coretennis.net
رسم بياني يوضح تاريخ ستانا وارنكا في التصنيف الدولي للاعبي التنس على مدار مسيرته/ المصدر: coretennis.net

على الجانب الآخر من اللعبة، وتحديدًا في منافسات السيدات، الدنماركية «كارولين فوزنياكي»، والمصنفة الأولى عالميًا سابقًا، والتي أعلنت اعتزالها اللعبة مطلع العام الجاري، حصدت طوال مسيرتها الاحترافية 30 لقبًا، من بينهم لقب وحيد في أستراليا المفتوحة، بما يعادل أكثر من 35 مليون دولار، ومع ذلك قررت أن تنهي تلك المسيرة وهي في الـ 29 فقط!

الأمر يمكن تشبيهه بما يحدث في كرة القدم هذه الأيام، متى آخر مرة شاهدت لاعبًا مثل بول بوجبا في الملعب؟ ماذا عن ألكسيس سانشيز؟ هل ما زال جاريث بيل في ملاعب الجولف؟ هل انتهى نيمار من حفلاته؟ وغيرهم وغيرهم من الأسماء، الذين وصلوا لمستوى يؤهلهم لمنافسة قطبي اللعبة «ميسي»، و«رونالدو»، ولكنهم في النهاية فضلوا حياة الموظفين الذين يتكاسلون في أداء عملهم، ومع ذلك يذهبون نهاية الشهر إلى موظف الحسابات من أجل استلام راتبهم الذي طالما حلموا به كثيرًا.

التنس: أين؟ وإلى أين ؟

إجابة الجزء الأول من السؤال، وهو: التنس أين؟ كانت عند «توني نادال»، مدير أكاديمية نادال بمدينة مايوركا الإسبانية، الذي فسر سبب استمرار الثلاثي الكبار في المنافسة حتى الآن.

يرى نادال أن اللاعبين الشباب غير جيدين بالشكل الكافي؛ وعلل ذلك بأن اللاعب ومدربه ينشغلان الآن بأمور أخرى ثانوية، غير التدريب والتطور. فعلى سبيل المثال: عندما يخسر اللاعب مباراة، لا يذهب مع مدربه من أجل تصحيح الأخطاء التي وقع بها في المباراة، ولكنه يذهب إلى طبيبه النفسي.

حيث يرى أن تعقيد الأمور من جانب اللاعبين ومدربيهم هو سبب ما وصلنا إليه في لعبة التنس، وأن الطريق الوحيد للمنافسة في المستويات الأعلى في اللعبة هو التدريب والتحسين الدائم، ولكن في هذه الآونة أصبح اهتمام اللاعب بخبير التغذية، والحسابات الإلكترونية، وغيرها من الأمور التي لم تكن موجودة في اللعبة من قبل على حد وصفه.

بالانتقال إلى الجزء الثاني من السؤال، لعبة التنس إلى أين؟ فبالطبع لا نستطيع الجزم بشيء محدد في المستقبل، ولكن إجابة لاعب الجولف الأيرلندي «جرايم ماكدويل» يمكن أن تجعلنا نتوقع ماذا سيحدث بعد اعتزال الثلاثي الكبار؟ عندما سُئل عقب فوزه على الأسطورة الأمريكية «تايجر وودز»: ماذا تتوقع بشأن مستقبل اللعبة عقب اعتزال اللاعب الأمريكي؟

حيث توقع أننا لن نرى لاعبًا واحدًا يسيطر على اللعبة لمدة عشر سنوات مرة أخرى، لأن اللاعبين مثل: «وودز»، عندما يصلون لهذا المستوى من الهيمنة والاستمرارية، هو أمر أشبه بالوصول إلى قمة جبل إفرست، وبالتالي يصعب على باقي اللاعبين معرفة ما يجب فعله في هذه القمة، إلا لو استطاعوا الوصول إليها.

خلاصة القول، إن لعبة التنس مثلها مثل باقي الرياضات من حولنا تتحكم فيها عوامل أخرى غير البحث عن البطولات، وتحطيم الأرقام، وبالتالي إمتاع الجماهير، فهناك من يبحث عن المال حتى أنه يكتفي بما حققه نظير الحصول على هذا الغرض، وهناك من يفقد الأمل مبكرًا في تحقيقه، ويتحول إلى وظيفة أخرى أكثر ثراءً، وهناك من يظل يحاول، ويعمل من أجل الوصول إلى قمة جبل إفرست، عندها يفوز بالمجد والمال معًا، ويحقق المتعة المطلوبة للجماهير أيضًا.