قبل ثلاث سنوات فقط احتفل اللاعب الإنجليزي «ديلي آلي» عقب إحرازه هدف رفقة فريق توتنهام، بالإشارة للجميع بالصمت ثم تمدد فوق العشب آخذًا وضعية النوم. لم يقدر أحد حينئذ أن عناصر هذا الاحتفال ستكون أفضل معبر عن حياة ديلي خلال الثلاث سنوات التالية.

تحدث آلي مؤخرًا عن حياته كطفل، التي كانت مليئة بالإساءات، ثم تحدث عن إدمانه الأقراص المنومة وعن خضوعه لبرنامج تأهيلي مدته ستة أسابيع للتخلص من هذا الإدمان، والأهم أنه نوه أن إدمان الحبوب المنومة أمر منتشر في عالم كرة القدم.

هناك تاريخ طويل يربط لاعبي كرة القدم والإدمان لأسباب عدة. مشاهد تاريخية غلفها دومًا الندم والحسرة والدموع. لكن وعلى العكس تمامًا تبدو فكرة إدمان الحبوب المنومة شيئًا مثيرًا للتعاطف أكثر من اللوم أو النصح. لماذا؟ لشرح ذلك يجب الإجابة على سؤال: لماذا يدمن لاعبو كرة القدم الحبوب المنومة؟

لأن وتيرة التوتر تزداد من دون توقف

يحتاج اللاعب بشكل أساسي إلى النوم والتغذية الجيدة من أجل التعافي بعد مباريات مليئة بالمجهود البدني والضغط النفسي. تهتم الأندية بفكرة التعافي البدني بالتدريبات المتنوعة وأحدث الطرق التكنولوجية بينما يتم إهمال الجانب النفسي.

بخلاف التوتر الذي يعيشه لاعب كرة القدم، والمتعلق بفكرة المنافسة التي لا تنتهي، هناك توتر إضافي يعيشه اللاعبون في عصر تطبيقات التواصل الاجتماعي. فاللاعب أصبح متصلًا على الدوام بجماهير فريقه.

يشمل هذا الاتصال ردود الفعل العنيفة بعد مباراة سيئة أو هدف عكسي. يحاول اللاعب تجاهل الأمر، لكن التعليقات لا تتوقف، فيصاب بأرق يبدو منطقيًا للغاية. لكن في مجال كرة القدم لا رفاهية للإصابة بالأرق؛ ففي اليوم التالي يحمل تدريبات وتعليمات وضغطًا نفسيًا جديدًا.

هنا يصف طبيب الفريق للاعب قرص منوم؛ لعلاج هذا الأرق الطارئ. لا يتوقف الأمر هنا إطلاقًا، بل يعتاد اللاعب على الحبوب المنومة ويتجاهل نصيحة الأطباء بعدم جواز تناول الحبوب دون إشراف طبي حتى يقع في فخ إدمان الحبوب المنومة.

هذا ليس السبب الوحيد بالطبع، فالسبب الآخر يتعلق بمدى شراسة اللعبة نفسها كصناعة، هدفها الأساسي ألا يتوقف العرض أبدًا.

كرة القدم التي لا تتوقف

تهدف كرة القدم ألا يتوقف العرض أبدًا، طالما هناك مال يتدفق في جيوب عناصر اللعبة. يمكنك ملاحظة ذلك من خلال تضخم رزنامة مباريات كرة القدم للحد الذي لا يوجد سوى أسابيع قليلة خلال العام لا تقام فيها مباريات كرة قدم.

تسبب هذا في تغير مواعيد مباريات كرة القدم، حيث زادت عدد المباريات المسائية مقارنة بما كان عليه قبل 10 سنوات بنسبة 30 في المائة. كما أشارت مصادر قريبة من لاعبي الدوري الإنجليزي الممتاز إلى أن كثيرين يستخدمونها لمحاربة السفر الليلي بعد المباريات الأوروبية والدولية التي تنطوي على الطيران لمسافات طويلة وأحيانًا إلى مناطق بعيدة من العالم.

تخيل أحد اللاعبين يمثل منتخب بلاده في مباراة دولية في اليابان، الأربعاء، وهو يدرك أن عليه العودة للعب مباراة مع ناديه الأوروبي، صباح السبت. هذا اللاعب يواجه سباقًا مع الزمن ليكون جاهزًا بقدر الإمكان. لذا قرص منوم قد يساعده للنوم إجبارًا وتفادي فكرة اختلاف التوقيت تلك.

مدى خطورة الأمر

تبرز خطورة الحبوب المنومة الأول أن في كل مرة يتناول اللاعب حبة منومة ويحصل على ليلة هادئة، يظهر تأثير ذلك في اليوم التالي على الفور. تتعاظم في عينيه قيمة النوم الهادئ.

انخفاض مستوى اللاعب ربما يجعله أكثر قلقًا، ليبدأ في تناول حبة أخرى من أجل ليلة ثانية هادئة من دون قلق. ومع الوقت لا يستطيع اللاعب الاستغناء عنها بسهولة؛ لأن التوقف عن تناولها يجعل اللاعبين أكثر قلقًا وهذا يعني أنهم لا يستطيعون النوم، وهكذا يتناولون ثلاث أو أربع حبات في الأسبوع. وبعد وقت قصير للغاية لن يتمكنوا من العيش من دون تلك الحبوب.

وما دام اللاعبون في مرمى إدمان تلك الحبوب فمن المنطقي أن نتعرف على الآثار الجانبية الشائعة للحبوب المنومة، التي تتلخص في جفاف الفم والنعاس أثناء النهار. كما تشمل الآثار الجانبية الخطيرة فقدان الذاكرة والهلوسة والسلوك الوهمي والاكتئاب.

على الرغم من الأدلة العلمية المحدودة على فوائدها قبل وبعد مباريات كرة القدم، أكد عديد من الأطباء أن الحبوب المنومة لا فائدة منها على الإطلاق رغم ازدياد شعبيتها.

أدوار واضحة ومسؤوليات منسية

تنص القاعدة على أنه طالما لم يتحدث أحد، فالأمر لا يستدعي القلق، وهذه القاعدة ربما تكون لها اليد العليا في ازدياد شعبية الحبوب المنومة. ولذا يبرز أول الحلول في إقامة حملات توعوية حول مخاطر تناول الحبوب المنومة والتشجيع على التحدث عن الأمر حتى لا يتفاقم. كما أن تفهم الضرر الناتج عنها ووضعها ضمن قائمة الإدمان المعروفة مثل المخدرات والكحول والقمار قد ينبه اللاعبين الشباب بمدى خطورة الأمر.

يعتقد السيد«بلوم»، وهو أول معالج نفسي يعمل في نادٍ إنجليزي أن على أندية كرة القدم التأكد أن النتائج التي يرجوها إلى أرض الملعب لن تتحقق إلا بالاهتمام بعقليات اللاعبين خارج اللاعبين، ولذا فهو يعتقد أن المسؤولية تقع على عاتق الأندية بشكل مباشر بخصوص تقديم دعم نفسي أفضل للاعبين.

حسنًا يبدو الدعم النفسي مهمًا كما أوضح السيد بلوم، لكن ماذا عن تهدئة وتيرة المباريات التي لا تنتهي والتي حذر منها كبار المدربين وعلى رأسهم بيب جوارديولا. لماذا تستمر كرة القدم في التعامل مع اللاعبين على أنهم ماكينات لا تتوقف وإلا فسد العرض.

لا يمكننا الجزم بأن الأمر منتشر في مصر من عدمه رغم أنه من المؤكد أننا لسنا بمعزل عن العالم. لكن وبعيدًا عن فكرة إدمان الحبوب المنومة يمكننا الاستفادة من هذا المشهد في إدراك أهمية التعامل النفسي مع اللاعبين من خلال مختصين والتوقف عن الصراخ في وجوههم وتعاظم نبرة القلق التي تسيطر على مشهد الكرة بالكامل في مصر، والأمر هنا لا يخص اللاعبين فقط بل والمسئولين والجماهير أيضًا.