كم مرة باع فريقك المفضل أحد لاعبيه الشباب، ثم تُفاجأ بعد ذلك بتألق غير عادي لهذا اللاعب بشكل يشعرك -ومن قبلك إدارة الفريق- بالندم الشديد حيال خطوة بيعه من الأساس؟

وماذا لو اتبعنا ذلك بسؤال أشد قسوة بعض الشيء: كم مرة باع فريقك المفضل أحد لاعبيه، ثم عاد مرة أخرى ليتصارع من أجل شرائه بملايين الدولارات بعد تألقه خلال فترة رحيله عن الفريق؟

بالطبع ستختلف إجابات كل منا حسب فريقه المفضل، ولكن لنتخيل سويًا أن فريقًا مثل تشيلسي ما زال يضم بين صفوفه محمد صلاح، وروميو لوكاكو، وكيفين دي بروين بمستواهم الحالي، هل ستكون مثلًا نتيجة مباراة الذهاب أمام بايرن ميونخ ثلاثية نظيفة في لندن؟ الأمر يبدو غير منطقي تمامًا، وحتى ولو تركنا احتمالية للخسارة لأن هذه طبيعة اللعبة التي نشاهدها عمومًا.

بالنظر إلى الثلاثي السابق، فإن كلاً منهم أصبح قادرًا على قيادة فرق في مستوى لا يقل عن تشيلسي، ولكن ما حدث من انفجار في تحول مسيرة اللاعبين الثلاثة، يقودنا إلى تساؤل أهم: لماذا انفجر هؤلاء اللاعبون في ذلك السن تحديدًا؟ وهل الأمر مجرد صدفة، أم هي قاعدة عامة في حياة لاعبي كرة القدم؟

الانتقالات الناجحة للاعبي كرة القدم بين الأندية
 

الدوريات الكبرى

وفقًا لدراسة نشرها سيفي دندر، أستاذ الاقتصاد الزائر بجامعة رادفورد، بعنوان «متى يصل لاعبو كرة القدم إلى ذروتهم ؟»، فإن متوسط الأعمار التي يصل فيها لاعبو كرة القدم لذروة تألقهم هي ما بين 25 – 27 عامًا عمومًا، فيما تختلف الأعمار بشكل طفيف حسب اختلاف مركز اللعب في الملعب.

فمثلًا السن المثالي لتألق المهاجم هو 25 عامًا، أما السن المثالي للمدافع هو 27 عامًا، ويتراوح السن المثالي لخط الوسط بين الرقمين السابقين، في حين لم تتطرق الدراسة لمركز حراسة المرمى.

أعمار ومعدل أداء اللاعبين
 

واعتمد دندر في دراسته المنشورة في مجلة «Sports Analytical»، على إحصائيات من موقع «Who Scored» و«Opta» بالإضافة إلى بيانات من الدوريات الأربع الكبرى بما فيها الدوري الإنجليزي الممتاز، في الفترة من خريف 2010 إلى ربيع 2015، والتي تعد أول دراسة منهجية شاملة تربط بين أعمار اللاعبين ومعدل أدائهم في الملعب، وتناقش هذا الجانب من كرة القدم.

أهمية تلك الدراسة لا تكمن فقط في جذب اهتمام المشجعين والمدربين ومحللي الأداء؛ بل أنها يمكن أن تؤثر على القرارات الاقتصادية لإدارات الأندية والمديرين التنفيذيين، فهي تنظم لهم نوعية اللاعبين التي تتماشى مع قدرتهم الاقتصادية من جهة، وعمر اللاعب الذي يرتبط بأدائهم في الملعب من جهة أخرى، والتي يتحدد على أساسها سعر اللاعب ومدة التعاقد وغيرها من تلك الأمور.

دوري أبطال أوروبا

في يناير/كانون الثاني من العام الماضي، نشر 4 أساتذة من فرنسا وإيطاليا، دراسة جديدة حول اختلاف معدلات أعمار اللاعبين ومقارنتها بالقيمة السوقية لهم في بطولة دوري أبطال أوروبا خلال الثلاثة عقود الأخيرة، وتحديدًا في الفترة من موسم «1992- 1993» وحتى موسم «2017-2018»، واعتمدت على عمر اللاعب، وعدد المواسم التي قضاها مع الفريق، وكذلك أداء الفريق ككل خلال تلك المواسم بالإضافة إلى عدد البطولات التي حصل عليها.

المدهش أن نتائج تلك الدراسة لم تختلف كثيرًا عن دراسة دندر، حيث لوحظ ارتفاع متوسط عمر اللاعبين في البطولة من 24.9 إلى 26.5 سنة، كما أن ذروة التألق للاعبين التي شملتهم الدراسة في الفئة العمرية من 26 إلى 30 عامًا، وبالطبع هي الفترة التي تشهد أعلى قيمة سوقية لهم في سوق الانتقالات.

يمكننا أن نستنتج من تلك النتائج حرص أقوى فرق أوروبا، والتي تشارك في البطولة الأبرز لكرة القدم للأندية في العالم، على التعاقد مع اللاعبين التي تتخطى أعمارهم الـ 25، وهو ما يعكس التحول الكبير التي يشهده اللاعبون في هذه المرحلة العمرية من مسيرتهم في كرة القدم، وبالتالي ارتفاع قيمتهم الفنية والسوقية على حد السواء.

اختلاف معدلات أعمار اللاعبين على مدار مواسم دوري أبطال أوروبا
 

كأس العالم

بالعودة إلى نهائيات كأس العالم في روسيا 2018، سنجد أن معدل أعمار المنتخبات المشاركة في تلك النسخة يتراوح بين 25.9 إلى 29.6 عامًا، فمثلًا المنتخب الفرنسي المتوج بلقب البطولة يمتلك معدل أعمار هو ثاني أقل معدل بعد المنتخب النيجيري بـ 26 عامًا فقط، في حين امتلك المنتخب الكوستاريكي المعدل الأعلى في البطولة.

أما المربع الذهبي للبطولة والذي شهد تواجد 4 منتخبات أوروبية هم: كرواتيا، وبلجيكا، وإنجلترا إلى جانب فرنسا، فجاء معدل أعمار تلك المنتخبات على الترتيب هو 27.9، 27.6، 26 عامًا على الترتيب، أي أنها في نفس الفئة العمرية التي ذكرتها دراسة دوري الأبطال، وتقريبًا مساوية لنتائج دراسة دندر.

وعلى مدار تاريخ البطولة، فإن متوسط أعمار المنتخبات الفائزة بكأس العالم هو 27.5، حيث كان المنتخب الأرجنتيني هو صاحب أقل معدل أعمار بـ 25.7 عامًا، عندما فاز بنسخة عام 1978، فيما كان المنتخب البرازيلي هو صاحب أكبر معدل أعمار بــ 30.7 عامًا، عندما فاز بنسخة عام 1962.

صدفة أم قاعدة؟

كل ما ذكرناه سلفًا من دراسات وأرقام، يؤكد أن الفئة العمرية للاعبي كرة القدم بعد الخامسة والعشرين، تعد الفئة الأكثر تأثيرًا في اللعبة، فهي التي تمثل منتخبات بلادها في بطولات مثل كأس العالم، وتمثل كبرى الأندية الأوروبية في دوري أبطال أوروبا إلى جانب تألقها اللافت في الدوريات الأربع الكبرى.

لكن في النهاية تلك النتائج لا تنفي من هم خارج تلك المرحلة العمرية، فلاعب مثل جيمي فاردي، لاعب ليستر سيتي الإنجليزي، لم يعرف طريق التألق سوى في الثلاثين من عمره، عندما حصل رفقة فريقه ليستر سيتي على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز في أول موسم للفريق عقب الصعود من التشامبيونشيب.

على العكس تمامًا بالنسبة للاعب مثل الفرنسي كليان مبابي، الذي ضرب باب التألق اللافت مبكرًا، حيث حصل على لقب كأس العالم رفقة منتخب بلاده، بالإضافة إلى 5 ألقاب محلية أخرى بالدوري الفرنسي، بالإضافة لعدد كبير من الجوائز الفردية مثل: هداف الدوري الفرنسي، وأفضل لاعب في فرنسا، وكذلك ترشيحه للقائمة المختصرة لأفضل لاعب في العالم.

بالعودة للسؤال الذي طرحناه في مقدمة التقرير، هل انفجار اللاعبين بعد الخامسة والعشرين من عمرهم من قبيل الصدفة أم أنها قاعدة عامة؟ فإجابة هذا السؤال لخصها المدرب الإنجليزي فرانك لامبارد، حين رد على سؤال آخر حول فشل محمد صلاح في تشيلسي، قائلًا: «أعتقد أن صلاح انضم إلى تشيلسي في وقت خطأ».

وعلى العكس فحاجز الخامسة والعشرين في مسيرة اللاعب، هو التوقيت الأنسب كي يقرر في أي مستوى يريد أن يكون عليه فيما تبقى له من سنوات في الملاعب، يكون أكثر دراية بما يتوجب عليه فعله سواء داخل أو خارج الملعب.

فهناك من يتخذ قراره بكسب المال كهدف رئيسي، وهناك من يريد أن يصبح لاعبًا من لاعبي الصف الأول في أوروبا، وهناك نوع ثالث يكتفي بما قدمه أو لم يقدمه وتجبره الظروف مثل الإصابات على الاعتزال مبكرًا.