أصدرت الأوامر للقوات الجوية باستهداف السفن والقوارب التركية داخل المياه الإقليمية وللقوات البرية باستهداف كافة الأهداف الاستراتيجية التركية. تعتبر الشركات والمقرات التركية وكافة المشروعات التي تؤول للدولة التركية أهدافًا مشروعة للقوات المسلحة. ويتم إيقاف جميع الرحلات من وإلى تركيا والقبض على أي تركي داخل الأراضي الليبية.
أحمد المسماري، المتحدث باسم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر
كلفة الهجمات أو المواقف العدوانية ضد تركيا في ليبيا، ستكون باهظة جدًا وسيتم الرد عليها بأشد ما يمكن.
خلوصي أكار، وزير الدفاع التركي

مُنيت قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المعروفة باسم «قوات شرق ليبيا» و«الجيش الوطني الليبي»، بهزيمة ثقيلة في معارك العاصمة الليبية طرابلس، بعدما سيطرت قوات حكومة الوفاق، المعترف بها دوليًا، على مدينة غريان التي يتخذها حفتر غرفة عمليات رئيسية لحملته العسكرية على طرابلس.

عقب الهزيمة، أعلن اللواء المتقاعد الحرب على تركيا التي تدعم حكومة الوفاق سياسيًا وعسكريًا، واتهمها بالتدخل في معركة غريان، وتعهد باستهداف جميع مصالحها في ليبيا والقبض على أي تركي داخل الأراضي الليبية. وبالفعل ألقت قواته القبض على 6 أتراك، لكن لم تمر 24 ساعة حتى أطلق سراحهم بعد تهديدات تركية غاضبة.


انطلاق حملة طرابلس

أطلق خليفة حفتر، في مطلع أبريل/ نيسان الماضي، حملة عسكرية ضخمة بهدف السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس و«تحريرها من الميليشيات الإرهابية»، في إشارة إلى القوات التابعة لحكومة الوفاق التي يقودها فايز السراج.

نجح حفتر في إرباك حكومة الوفاق بحملته المباغتة التي تزامنت مع زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إلى طرابلس للإعداد لمؤتمر مصالحة وطنية. وسيطرت قواته سريعًا على عدة مدن حيوية في محيط العاصمة أبرزها صبراتة (70 كلم غرب طرابلس) وصرمان (60 كلم غرب طرابلس)وغريان ( 90 كلم جنوب غرب طرابلس)، واتخذ من الأخيرة رأس حربة في حملته على العاصمة، إذ تنطلق منها إمدادات السلاح والذخيرة والرجال والغذاء والوقود نحو خطوط القتال.

انتقدت تركيا حملة حفتر على طرابلس، معتبرة أن «التصعيد الخطير للأوضاع في ليبيا يثير قلقًا بالغًا. ومثل هذه المحاولات لا تؤذي السكان المدنيين وتزيد من زعزعة الاستقرار في البلاد فحسب وإنما كذلك تعرقل العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة». وأكدت في الوقت ذاته على أن سفارتها في طرابلس وقنصليتها في مصراتة ستواصلان عملهما.

الموقف التركي جاء متماهيًا مع سياسة أنقرة في ليبيا والقائمة على دعم حكومة طرابلس في مواجهة خليفة حفتر المدعوم من أعدائها الإقليميين؛ مصر والإمارات والسعودية.

على أي حال، لم توقف انتقادات تركيا ولا غيرها من الدول حملة حفتر على طرابلس، وتواصلت المعارك التي أسفرت في بدايتها عن تقدم ملفت لـ«قوات شرق ليبيا»، لكن سرعان ما استعادت حكومة الوفاق توازنها بعد وصول تعزيزات عسكرية من مدينتي مصراتة (200كم شرق طرابلس) والزنتان (170 كم جنوب غربي طرابلس) المواليتين لها.

طرابلس، حفتر، الحملة العسكرية
مناطق السيطرة في طرابلس في أعقاب إطلاق حفتر حملته العسكرية

الأسلحة التركية تحفظ التوازن

خلال شهر من بدء الحرب، دارت معارك حامية الوطيس بين الطرفين، استخدمت فيها الطائرات الحربية والأسلحة الثقيلة،دون أن يسفر ذلك عن غلبة واضحة لأحد الطرفين؛ لم يحقق حفتر نصرًا سريعًا كما كان يأمل لكنه لم يتقهقر أيضًا. المعطيات على الأرض كانت تتبدل بين عشية وضحاها، وبدا أن المعارك ستتحول إلى حرب استنزاف طويلة.

طرابلس، مناطق السيطرة
مناطق السيطرة في طرابلس يوم 1 مايو/ أيار 2019

بالتزامن مع المعارك الدائرة على الأرض، كانت حكومة الوفاق تسعى إلى تعزيز موقفها في الحرب عبر شراء أسلحة نوعية. فبعد أسبوعين من بداية الحرب،زار رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري أنقرة. وبعدها بأيام، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده «ستسخر كل إمكانياتها لمنع المؤامرة على الشعب الليبي»، في إشارة إلى دخول تركيا بشكل رسمي ساحة الحرب الدائرة في ليبيا.

وفي مطلع مايو/ أيار الماضي،كشف الناطق باسم حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، مهند يونس، أن طرابلس فعّلت اتفاقيات قديمة مع أنقرة حول التعاون العسكري بينهما، دون أن يوضح ما يعنيه هذا القرار، لكن بحلول منتصف مايو/ أيار، وضحت الرؤية بإعلان خالد المشري أن قواته حصلت على طائرات مسيرة لأول مرة وبدأت نشرها على طول خطوط الجبهة، لمواجهة التأثير المدمر لمقاتلات حفتر، دون أن يذكر اسم الدولة التي باعتهم الطائرات. رغم ذلك، الأمر لا يحتاج إلى كثير من التخمين.

بعد ذلك بأيام،حصلت قوات موالية لحكومة الوفاق الوطني على نحو العشرات من ناقلات الجند المدرعة من طراز بي. إم. سي كيربي، تركية الصنع، إلى جانب عدد غير معروف من الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات وبنادق قنص ورشاشات، وصلت عن طريق ميناء طرابلس، على متن سفينة شحن قادمة من تركيا وتحمل علم مولدوفيا.

هذه ليست المرة الأولى التي تصل فيها أسلحة تركية إلى ليبيا، ففي عام 2015،ضبطت السلطات اليونانية سفينة تنقل أسلحة من ميناء إسكندرونة التركي إلى ميناء مصراتة الليبي. وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ضبطت سلطات الجمارك في ميناء الخمس القريب من طرابلس، حاويتين قادمتين من تركيا تحملان كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر، وتعهدت الحكومة التركية بالتحقيق في الحادث. وفي فبراير/ شباط الماضي، ضبطت سلطات ميناء الخمس شحنة مدرعات قتالية قادمة من تركيا.

وردًا على وصول أسلحة تركية إلى طرابلس، أعلنت قوات حفتر البحرية النفير العام وفرض حظر بحري تام على كامل الموانئ الواقعة غرب البلاد، محذرةً بأنها «ستضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه الاقتراب من الموانئ بالمنطقة الغربية وخاصة دولة الإخوان، تركيا».

تطبيقا لقرار القائد العام بقطع الامدادات عن المليشيات في المنطقة الغربية قرر رئيس اركان القوات البحرية في الجيش الليبي…

Gepostet von ‎شعبة الاعلام الحربي للقيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية‎ am Sonntag, 19. Mai 2019

لم تُحدث الأسلحة التركية تغيرًا في أوضاع المعارك على الأرض، لكنها مكنت قوات الوفاق من الصمود أمام الأسلحة الحديثة التي تمتلكها قوات حفتر والتي تشمل طائرات مسيرةوصواريخ جو أرض صينية حديثة وصواريخ أمريكية لمواجهة الدبابات، حصلت عليهم من دولة الإمارات، و أسلحة أخرى اشترتها من روسيا. وتواصلت معارك الكر والفر بين الطرفين طوال شهري مايو/ أيار ويونيو/ حزيران دون أن يحدث تغير مهم سوى في أواخر الشهر الماضي.

طرابلس، مناطق السيطرة
مناطق السيطرة في طرابلس يوم 10 يونيو/ حزيران 2019

سقوط غريان

وقع التغير الكبير في 27 يونيو/ حزيران الماضي، عندما أعلنت قوات حكومة الوفاق السيطرة على مدينة غريان مركز العمليات الرئيسي لقوات حفتر لقيادة الحملة العسكرية على طرابلس. وتعد غريان أهم المدن التي سيطر عليها حفتر خلال حملته على طرابلس، إذ تقع في مفتتح سلسلة الجبل الغربي العاصمة الإدارية لمناطق الجبل، وطريق الاتصال بين الغرب والجنوب الليبي عبر مدينة مزدة. كما أنها من جهة أخرى تشرف على الطرقات المؤدية إلى العاصمة طرابلس وطوقها، وصولًا إلى العزيزية وترهونة، وحتى إلى مصراته عبر مدينة بني وليد.

غنائم بركان الغضب من مليشيات حفتر المهزومة في غريان

حصري | جانب من غنائم قوات بركان الغضب في غريان بعد دحرها لمليشيات حفتر #غريان_تنتصر #العدوان_على_طرابلس #قناة_فبراير_الفضائية #طرابلس #ليبيا

Gepostet von ‎قناة فبراير‎ am Donnerstag, 27. Juni 2019

أرجع قادة قوات حفتر السبب في خسارة غريان إلى تعرضهم للخيانة من «خلايا نائمة حاولت زعزعة الأمن وأمّنت تقدّم المجموعات الإرهابية». كما اتهم أحمد المسماري، المتحدث باسم قوات حفتر، تركيا وقطر بالتدخل بشكل مباشر في معركة طرابلس، مشيرًا إلى أن «ليبيا تتعرض لغزو تركي». وقال، إن أنقرة وفرت غطاءً جويًا لقوات حكومة الوفاق بطائرات مسيرة خلال اقتحامها مدينة غريان.

مناطق السيطرة في محيط طرابلس بعد سقوط غريان في يد قوات الوفاق

وبناء عليه أعلنت القيادة العامة للقوات التابعة لحفتر أنها: «أصدرت الأوامر للقوات الجوية باستهداف السفن والقوارب داخل المياه الإقليمية وللقوات البرية باستهداف كافة الأهداف الاستراتيجية التركية»، واعتبرت «الشركات والمقرات التركية وكافة المشروعات التي تؤول للدولة التركية أهدافًا مشروعة للقوات المسلحة (قوات حفتر)، وإيقاف جميع الرحلات من وإلى تركيا والقبض على أي تركي داخل الأراضي الليبية»، وتبع ذلك إلقاء القبض على 6 أتراك كانوا متواجدين في ليبيا، وإغلاق مطاعم تركية في عدة مدن شرقي ليبيا.

رد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، على تهديدات حفتر بقوله «ن كلفة الهجمات أو المواقف العدوانية ضد تركيا في ليبيا، ستكون باهظة جدًا وسيتم الرد عليها بأشد ما يمكن». وقالت الخارجية التركية إن «احتجاز 6 من مواطنينا على يد الميليشيات غير القانونية التابعة لحفتر في ليبيا هو عمل من أعمال قطاع الطرق والقراصنة. ننتظر الإفراج عن مواطنينا فورًا وإلا ستصبح عناصر حفتر هدفًا مشروعًا».

اضطر حفتر إلى الإفراج عن الأتراك الستة، خلال 24 ساعة من احتجازهم، حتى لا يعطي مبررًا لتركيا للقيام بهجمات مباشرة ضد قواته،وأعلنت أنقرة أن مواطنيها صاروا أحرارًا وقرروا مواصلة عملهم في ليبيا.


هل حسمت تركيا معركة غريان فعلًا؟

ليبيا، طرابلس، مناطق السيطرة
كما ذكرنا أعلاه، دعمت تركيا حكومة الوفاق الليبية عسكريًا وقدمت لها أسلحة متنوعة، لكن هل كان هذا الدعم حاسمًا في معركة هامة كمعركة غريان؟

وصلت أسلحة أنقرة إلى حكومة طرابلس في منتصف مايو/ أيار الماضي، لكن رغم ذلك لم تنجح قوات الوفاق في هزيمة حفتر، أو تكبيده خسائر كبيرة تجبره على التراجع عن حملته، واستمرت معارك الكر والفر بين الطرفين في ذات نقاط التماس تقريبًا طوال شهري مايو/ أيار ويونيو/ حزيران، حتى حصلت المفاجأة وسقطت غريان بين عشية وضحاها دون مقاومة كبيرة، فهل يعقل أن تفعل الأسلحة التركية في يوم معركة غريان ما لم تفعله طوال نحو شهر ونصف على كافة محاور القتال؟

إذًا كيف سقطت غريان؟ لم يخل أي تصريح من قادة قوات حفتر من وصف ما حدث في غريان بـ«الخيانة» من قبل أهلها، حتى أن العملية الجوية التي أعلن عنها، عقب الهزيمة في غريان، سميت بـ«عاقبة الغدر».

كانت غريان إحدى أبرز المدن في غرب البلاد التي شاركت في عملية فجر ليبيا عام 2014، وشاركت في كل العمليات المناهضة لقوات حفتر سياسيًا وعسكريًا. رغم ذلك دخلها حفتر، في أوائل أبريل/ نيسان الماضي، سلميًا من دون إطلاق رصاصة واحدة، بعد أن سلم قائد أبرز ميليشياتها عادل دعاب أسلحته ومعداته لحفتر وانضم إلى الحملة على طرابلس. لكن يبدو أن أفرد الميليشيات الموجودة في غريان لم يتنازلوا عن أفكارهم ومواقفهم من «قوات شرق ليبيا»، وتعاونوا مع قوات حكومة الوفاق للانقلاب على جيش حفتر الموجود في غريان، وهو ما يبرر السهولة التي دخلت بها قوات الوفاق إلى المدينة، أما الحرب الكلامية التي أعلنها حفتر على تركيا، فيبدو أنها جاءت لصرف الانتباه عن الهزيمة الكبيرة التي مني بها بخسارة غريان.