هل ترى أننا نبالغ إذا قارننا أحمد فتوح وجوردي ألبا ظهير برشلونة الأساسي؟ إذا كان فارق مستوى المنافسة هو ما يمنعك من عقد مقارنة كهذه، فإن بطولة أمم إفريقيا الجارية جعلت الأمر ممكنًا، ولعب فتوح أمام أفضل لاعبي الدوريات الأوروبية وأثبت جودته بشكل واضح أمامهم.

لسنا وحدنا من عقد مقارنة كهذه، ماريو جونيور محلل نادي مالاجا ووست هام السابق فعل الشيء نفسه في تحليله عبر «Total football analysis»، وعَقَد مقارنة بين محمد عبد المنعم وكوليبالي مدافع نابولي وأحد أفضل مدافعي العالم.

تظهر أرقام البطولة أن عبد المنعم يتفوق على كوليبالي في عدد التدخلات والاعتراضات، وكذلك يفوز بصراعات هوائية بنسبة أكبر، يدخل الثنائي (3.48 صراع لكل 90 دقيقة)، يفوز عبد المنعم بنسبة 79.17% منها مقابل 66.7% فقط لكوليبالي، في حين يتفوق الأخير في بناء اللعب والتمرير بفارق بسيط.

لا يجعل هذا عبد المنعم مدافعًا بقيمة كوليبالي بالطبع، وما زال ينقصه الكثير ليتحسن، لكنه يؤكد أن جودة عبد المنعم تستحق النظر، مع الوضع في الاعتبار أنه واجه سيباستيان هالر، ويوسف النصيري وفينسنت أبو بكر، اثنان منهم من أفضل مهاجمي أوروبا مؤخرًا.

لكن إذا كانت موهبة فتوح وعبد المنعم ظاهرة إلى هذا الحد، لماذا ما زال فتوح في الزمالك وعبد المنعم في الأهلي؟ ولماذا لم يصل أحدهما لبرشلونة حتى الآن؟ ولماذا لا تمتلك مصر عددًا كافيًا من المحترفين مقارنة بمواهبها؟

تاريخ ضعيف

خرج الكثير من اللاعبين المصريين إلى أوروبا عبر الأجيال، لكنها لم تمتلك أبدًا حضورًا مكثفًا أو ظهورًا لافتًا، وفي آخر أجيالها وأفضلها ربما، خرج لاعبون مثل ميدو وحسام غالي ومحمد شوقي وإبراهيم سعيد وعمرو زكي ومتعب وأحمد فتحي وجدو، وتفاوتت مسيرة كل منهم عن الآخر.

لكن الصفة المشتركة التي عرفها العالم عنا في هذه الرحلات هي الاستهتار وعدم الاحترافية، عمرو زكي وتهربه من ويجان، حسام غالي وإلقاء تيشيرت توتنهام، متعب وعدم التزامه بتعاقده مع بريستول سيتي، وغيرها من التصرفات غير المسئولة.

ترك هذا انطباعًا سيئًا عند الأوروبيين عن اللاعبين المصريين، لم تنجح تجارب متوسطة مثل أحمد المحمدي في تغييره، وهو ما جعلهم يتشككون في شخصية أي لاعب مصري قبل التعاقد معه.

وكان الانطباع السيئ متبادلًا كذلك، خرجت الأجيال الأصغر لترى تجربة الاحتراف حلمًا صعبًا غير ممكن التحقيق، وفشل فيه الأغلب، فاكتفى أغلبهم باللعب للقطبين كحلم ممكن.

جاء محمد صلاح ليغير كل ذلك بالطبع، غيّر صورة اللاعبين المصريين بالخارج ووجه أنظارهم نحو مصر من جديد ليبحثوا عن صلاح القادم، وكذلك ألهم اللاعبين المصريين بأن الأمر ممكن والنجاح ليس مستحيلًا.

ساهم ذلك في موجة احترافية كبيرة، شملت تريزيجيه وكهربا ورامي ربيعة وصالح جمعة ورمضان صبحي، لكن بقيت مشاكل أخرى عرقلت هذه الموجة التي كان من المفترض أن تستمر.

ملوك القارة

بلا شك، فإن مصر هي الدولة الأكثر سيطرة على الكرة في أفريقيا، على مستوى الأندية والمنتخبات، وربما كان ذلك رائعًا لكنه كان جزءًا من المشكلة في الوقت نفسه.

أولًا لأن الأندية تدفع رواتب عالية، عالية لدرجة أنها تفوق أندية الوسط في أوروبا، يقترب راتب رمضان صبحي الحالي من ضعف ما يتقاضاه بوكايو ساكا وسميث رو نجوم أرسنال ويقارب نجوم كأنسو فاتي وبيدري وأراوخو من برشلونة وأعلى من لاعبين كتريزيجيه وسعيد بن رحمة، الثنائي العربي الذي يلعب في أغنى دوري في العالم، وبالطبع يفوق مستواهم رمضان صبحي.

بيراميدز ليس الوحيد الذي يفعل ذلك، ابحث عن عقود لاعبين مثل يوسف أوباما وعواد من الزمالك أو حسين الشحات وكهربا من الأهلي ستجد أرقامًا أكبر بكثير من أغلب أندية أوروبا، فلذلك يكون مفهومًا ألا يفكر لاعبوهم في الاحتراف، بل ويعود البعض من أوروبا لينضم إليهم.

والسبب الثاني أن هذه الأندية تضمن للاعب شعبية ووضعًا اجتماعيًا لا تقدمه له أندية أوروبا، حين يظهر لاعب مع أحد الفريقين، ويظهر بشكل جيد لموسم واحد فقط تتكفل الجماهير بتمجيده والمبالغة في تقييمه، ويبدأ هو في الإحساس بقيمته كنجم يهتم به الجميع.

هنا تحدث الصدمة حين يخرج للاحتراف، لا أحد هناك يقدره وليس نجمًا، ولكن لاعب بين آخرين لا يكاد أحد يعرف اسمه، ويكتشف أنه مطالب بأن يبدأ طريقًا جديدًا ليصنع نجوميته بنفسه.

وطريقه هنا ليس سهلًا، في 2017 قام الدكتور «ريكارد برونا» مدير الطاقم الطبي ببرشلونة سابقًا بدراسة اعتمد فيها على لاعبين من 5 قارات مختلفة يلعبون في دوريات مختلفة، ليبحث أثر الانتقال إلى بلد جديدة على لاعب كرة القدم.

وتنوعت المشاكل بين الطقس والتوقيت واللغة والأكل، والحنين إلى الوطن، الأخيرة تحديدًا كانت شكوى متكررة، وطبقًا للدراسة فإن الأمر ليس مجرد مشكلة بسيطة يتخطاها الجميع، بل يمتد أثرها لأداء اللاعب وتركيزه وقدرة عضلاته على الاستشفاء.

يلزم اللاعب الكثير من العمل والصبر ليتجاوز أثر هذه المشاكل، ويكون اللاعب أكثر قدرة على ذلك إذا امتلك الإصرار والرغبة في النجاح، أو علم أنه ليس أمامه خيار آخر آمن، كحالة لاعبي دول غرب أفريقيا الذي يخرجون إلى أوروبا بطرق مختلفة وأغلبهم لا يملك ثمن تذكرة العودة من الأصل.

 هذه الفترة الصعبة لم يتحملها الكثير من اللاعبين المصريين، فعادوا أدراجهم إلى أحضان الأهلي والزمالك.

لن نقبل

نحن هنا نتحدث حين يخرج اللاعب، لكن من قال إنه سيخرج من الأصل؟ حين يقرر اللاعب المصري الاحتراف ويصله عرض مناسب، فإن أمامه رحلة طويلة من أجل إقناع ناديه بالموافقة، رفض الأهلي عدة عروض لتريزيجيه قبل أن يتركه لأندرلخت، وكذلك فعل الزمالك مع مصطفى محمد.

لماذا ترفض الأندية؟ لعدة أسباب أولها أن المسئولين لا يفهمون الكثير في كرة القدم، ويراهنون على بقاء اللاعب ربما يجلب سعرًا أفضل، وهو ما لا يحدث أبدًا، والثانية أنهم يهابون الجمهور الذي يرفض رحيل اللاعبين ويفضل بقاءهم ليجلبوا كأس مصر وينتزعوا كأس السوبر من بين براثن طلائع الجيش.

طبقًا لـ «شون إينغل» محرر الجارديان فإن الجمهور الحالي لم يعد مجرد جمهور يتابع اللعبة، بل صار الحاكم الأول فيها، وبلغت درجة متابعته للعبة حدًا جنونيًا يمنع باقي عناصر اللعبة من القيام بدورهم، وأكثر من يخشى الجمهور هي الإدارة والتي ترضخ في كل مرة لرغباته وتبقي اللاعب قهرًا لعام أو اثنين.

لذلك فإن خروج صلاح من المقاولين دون أن يدعمه أي من الجمهورين، لم يكن مشكلة نجح بالرغم عنها، بل ربما سببًا من أسباب نجاحه.

أكبر مما يجب

لنتوقف لحظة، حاول تذكر اللاعبين الذين حققوا أي نجاح في أوروبا في العقدين الأخيرين، ميدو وحسام غالي وزيدان وصلاح والنني وكوكا، ما المشترك بينهم؟

المشترك أنهم جميعًا خرجوا في سن صغيرة، كان ميدو في ال 17، كوكا وصلاح والنني وزيدان في ال20.

 وأهمية ذلك أنهم يدخلون في النظام الأوروبي ويتكيفون عليه في سن مبكر، نظام مختلف من التدريب والتغذية وفهم كرة القدم، وهو ما يجعلهم مؤهلين لمنافسة أقرانهم في أقرب وقت، ويكون أمامهم الفرصة للتكيف والتعلم ثم التألق بعد ذلك.

استغرق صلاح 6 سنوات في أوروبا قبل أن ينفجر مع ليفربول، لكن خروجه المبكر سمح له بأن يكون ما زال في ال27 من عمره وأمامه سنوات في القمة بعد أن وصل إلى ذروته.

طبقًا لـ «توم ووريفل» عالم البيانات بنادي لايبزيج، فإن اللاعبين عادة ما يصلون لقمة مستواهم في عمر 25-27 باختلاف مراكزهم، وكلما اهتم اللاعب بأمور التدريب والتغذية، استمر في هذه القمة لمدة أطول قبل أن يبدأ في الانحدار.

هذا ما يجعل الأندية تغير سياستها في استقدام اللاعبين، طبقًا لعمر شودري مدير قسم التقنية بمؤسسة «21st Club»، فإن سياسة التعاقدات في أندية أوروبا قد تغيرت بالفعل في السنوات الأخيرة، والتضخم في أسعار المراهقين تحت 21 سنة الآن يزيد بنسبة 50% على الأقل عن أقرانهم الناضجين في سن 26 و27 سنة.

تكشف لك نظرة سريعة للصفقات القياسية بين «1988-2008» أن أغلبها كان يبلغ 26 عامًا أو أكثر عند انتقاله، خالف 5 لاعبين فقط القاعدة، لكن اليوم تضم قائمة أغلى 50 لاعبًا في التاريخ 14 لاعبًا فقط تجاوز سنّهم الـ 25 لحظة انتقالهم.

لنطبق ذلك على لاعب مثل مصطفى محمد، والذي خرج من مصر عند سن ال24، خرج وهو ما زال مفتقدًا للكثير من الأساسيات التقنية، سيستغرق وقتًا حتى يتعلمها وحتى يتقبل النظام هناك، لو استغرق المدة نفسها التي استغرقها صلاح سيجد نفسه في ال30 حيث تبدأ مسيرته في الأفول.

هذا ما يمنح دول أفريقيا والمغرب العربي عددًا أكبر من المحترفين، أن لاعبيهم يخرجون في نحو الـ16 أو الـ 17، فتكون أمامهم فرصة للتكيف على الأجواء وكأنهم ولدوا في أوروبا، لكن هنا تضيع الفترة الذهبية للاعب التي يحتاجها للتكيف وهو ينتقل بين الأندية التي تنافس الهبوط معارًا.

ماذا بعد؟

اجتمعت هذه الأسباب لتحرم مئات المواهب المصرية من اللعب في أوروبا، وربما لم يحقق أغلبهم نجاحًا في مصر، لكنه كان موهبة بالفعل، كانت احتمالات نجاحها ستكون أكبر بكثير لو خرجت إلى أوروبا في سن صغير.

مواهب مثل محمد إبراهيم ورامي ربيعة ومسعد عوض وأحمد رفعت وحمدي فتحي وأيمن أِشرف وأحمد رمضان بيكهام وأسامة جلال وعمرو السولية.

الأخير تحديدًا كان مثالًا على المواهب المهدرة، لاعب وسط قوي وسريع ومسدد جيد ويجيد اللعب ارتكاز وارتكاز مساند وصانع ألعاب أحيانًا، وظهرت موهبته في سن صغيرة، وتلقى عروضًا عديدة بالفعل.

أحدها كان من ريال بيتيس وقضى فترة معايشة معهم انتهت برغبتهم في الحصول على خدماته، لكن لمشاكل تخص الرياضة المصرية وقرار إدارة الإسماعيلي، استمر اللاعب في مصر، ولم يتطور في أي شيء تقريبًا منذ صعد من الناشئين، وأكمل مسيرته في الأهلي.

ولم ينقص عمرو خلال مسيرته سوى بعض الأخطاء في الرقابة والتغطية والوعي التكتيكي كان من السهل أن يتعلمها لو استكمل رحلته في إسبانيا، لكن ذلك لم يحدث.

ماذا عن فتوح وعبد المنعم؟ لا نعلم ماذا سيحدث، لكن الثنائي ما زال يمتلك الفرصة ليحارب في الخروج نحو أوروبا ويبدؤوا موجة جديدة من المحترفين المصريين، وربما قريبًا جدًا نرى الثنائي في تشكيلة الكلاسيكو الأساسية.