بدأ الأمر حينما كان يجلس جوناثون ويلسون الصحفي بجريدة الجارديان البريطانية في أحد مقاهي مدينة لشبونة ليشاهد مباراة إنجلترا وسويسرا في كأس الأمم الأوروبية عام 2004. انتهت المباراة بفوز المنتخب الإنجليزي بثلاثة أهداف دون مقابل، لكن الأداء لم يكن مقنعًا لصحفيين كُثُر، من جنسيات مختلفة، كانوا قد تجمعوا معًا لمشاهدة المباراة.

اختلف الصحفيون حول مدى صحة قرار إريكسون باللعب بطريقة 4-4-2 بشكلها المُسطح أم أنه كان عليه لعبها بشكلها الأكثر عمقًا بجعل رباعي الوسط يتمحورون إلى شكل هندسي كالمعين أو كما يطلق عليه طريقة الـ«Diamond».

ظل جوناثون يستمع لآراء زملائه بعناية حتى سمع أحدهم يقول: «التكتيك وطريقة اللعب لا يستحقان الكتابة عنهما. نحن نتحدث عن مجموعة اللاعبين أنفسهم فلا يهم كيف يقفون أو يتحركون». رأي استفز ويلسون إلى الحد الذي جعله ينهر زميله ويضربه بإصبعه واصفًا إياه بأنه ضمن فئة من الناس لم تُخلق لمثلهم كرة القدم. ومن هذا اليوم قرر أن يصدر عملًا تأريخيًا لتطور التكتيك عبر العصور أكثر منه كتاب لإثارة الجدل والبيع في الأسواق، فكان رائعته الهرم المقلوب.


النشأة والانتقال والتطوير

بدأ جوناثان كتابه في فصله الأول «بين النشأة الهرم» بالحديث عن نشأة كرة القدم الحديثة، وأكّد أنها بريطانية المنشأ في العصور الوسطى وكانت تُسمى بلعبة الغوغاء. ثم شرع بعد ذلك إلى الإشارة إلى تطور التكتيك وكيف كانت كرة القدم تقوم بالأساس على المراوغة والمراوغة فقط. فلم تكن فكرة التمرير المستمر بين اللاعبين مطروحة آنذاك حتى عام 1872 والذي لُعبت فيه أول مباراة دولية بخطة واضحة بين منتخبي اسكتلندا وإنجلترا. حيث لجأ المنتخب البريطاني لطريقة 1-2-7 بينما لعب نظيره بطريقة 2-2-6 وانتهت بالتعادل السلبي.

ثم يأتي الفصل الثاني «عن رقصتي الفالس والتانجو» ليتحدث عن انتقال كرة القدم الحديثة من بريطانيا إلى خارجها بشكل عام، وإلى أمريكا اللاتينية بشكل خاص منذ عام 1890 تقريبًا عن طريق التجار والبريطانيين الذين كانوا يعيشون في بيونس أيرس وريودي جانيرو.

انتقل بعد ذلك جوناثان إلى الفصل الثالث «الظهير الثالث» الذي تحدث فيه عن نشأة قانون التسلل لأول مرة والثورة التي أعقبته بسبب انخفاض معدلات التهديف بشكل عنيف، وكذلك اختراع فكرة الظهير الثالث أو طريقة 2-3-5 أو طريقة «دابليو إم» عن طريق المدرب الإنجليزي هربرت تشابمان.

نحن الآن في الفصل الرابع «الفاشية دمرت المقاهي»، والذي تحدث خلاله جوناثان عن نشوء فكرة دوري المحترفين في وسط أوروبا وتجمع الفرق والتي ذكر العديد منها بتفاصيلها ونقاشاتهم حول تطور التكتيك، وكذلك الجماهير في مقاهي فيينا وبودابست وبراغ.


متى حدث الانفجار؟

تحدث الفصل الخامس «فوضى منظمة» عن انتقال كرة القدم الحديثة إلى الاتحاد السوفيتي آنذاك وكيف تأثرت المدن بدرجات مختلفة باللعبة هناك وكيف كان لهذا التأثر عامل كبير في اختيار تكتيك كل فريق.

أما في الفصل السادس «صلات بالمجر» تكلم الصحفي الشاب عن زلزال عام 1953 بعد خسارة المنتخب الإنجليزي أمام المجر 6-3 . كانت المرة الأولى التي تُهان فيها مهد كرة القدم بهذا الشكل. كان حدثًا غريبًا على العالم آنذاك وإنذارًا بأن بركان كرة القدم قد انفجر بنفس القوة في دولة مجاورة. على إنجلترا مواجهة تكتيك المنافسين لا تصدير التكتيكات إليهم.

«استغلال المهرجان» كان هذا هو العنوان الذي اختاره ويلسون للفصل السابع، والذي تحدث فيه عن التطور التكتيكي الرهيب الذي تمتعت به البرازيل بالتوازي مع بريطانيا. بلاد السامبا لم تنتظر استيراد الخطط من القارة العجوز بل اخترعت خططًا تناسب النمط الجمالي للكرة هناك مثل 4-2-4 ورفضت نمط «دابليو إم» لما فيه من ملل ورقابة لصيقة لم تناسب بلاد المتعة.


مواجهة الأمر الواقع

تناول الفصلان الثامن «واقعية الإنجليز 1» والتاسع «ميلاد جديد» حالة السكون التي ركنت إليها الكرة الإنجليزية حتى عام 1960. حيث يبدأ الفصل الثامن بتصريح مدرب برشلونة هيلينو هيريرا الذي سخر من جمود الكرة الإنجليزية وعدم مواكبتها للتطور بعد أن هزم ولفرهامبتون بطل إنجلترا في هذا الوقت بنتيجة 9/2. فكيف لمن صدروا إليك الكرة الحديثة منذ سنوات قليلة أن يتم اتهامهم بمثل هذا الاتهام؟

تصريح هز الصحافة الإنجليزية حينها، وبنى عليه ويلسون الفصلان موضحًا جهود وتغييرات الفرق الإنجليزية التكتيكية في محاولة التخلص من طريقة 2-3-5 أو الـ«دابليو إم» وأبرز لاعبي ومدربي هذه الحقبة.


الجزأ الأشهر

يُعتبر النصف الأخير من كتاب الهرم المقلوب هو الجزأ الأشهر منه بسبب وجود بعد الفصول التي شرحت أجزاء شائكة بوضوح تام وبأسلوب شيق وتصريحات لأصحاب هذه الأفكار. لكي نفهم بشكل أوضح دعنا نتناول بعض الأمثلة.

في الفصل العاشر «طريقة كاتيناتشو» يتحدث ويلسون عن تلك الفلسفة سيئة السمعة، وعن مخترعها السويسري كارل رابان والذي يقول إنه لجأ لها لأن المواطنين في سويسرا ليسوا لاعبين كرة قدم بالفطرة. ثم شرح كيف انتقلت هذه الفلسفة إلى إيطاليا مع بعض التعديلات.

وفي الفصل الثاني عشر، يتحدث جوناثان عن أحد أشهر مصطلحات كرة القدم في عصرنا الحالي «الكرة الشاملة». يظهر ويلسون إعجابه الشديد بالفكرة ووصفها أنها لم تقل حيوية ومتعة عن توصل نيوتن ولايبنتس لنظرية التفاضل والتكامل كل على حدة. ثم شرع المحلل الإنجليزي في شرح كافة تكتيكات هذه الطريقة، وكيف كانت تغطي مساحات أرض الملعب في أي وقت من المباراة بشكل أمثل من وجهة نظره.

نأتي بعد ذلك للفصل الرابع «خذني إلى القمر»، وهو أكثر أجزاء الكتاب بحثًا وتفاعلًا على محرك البحث الشهير جوجل. يصف جوناثان في هذا الفصل منتخب البرازيل الفائز بمونديال 1970، وكيف أن منتخب البرازيل قام بإعدادات بدنية هائلة لمجاراة منافسيه الأوروبيين فخاض تدريبًا في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، كما حضروا إلى المكسيك في وقت مبكر للغاية ولجؤوا إلى نظم علمية لأول مرة في الطعام وارتداء الملابس فكانت طفرة حينئذ في إعدادات المنتخبات للبطولات المجمعة.

أما الفصل الأخير من الكتاب «العالم يتغير» ارتبط به الجمهور بشدة لأنه يصف حقبة كرة القدم من يورو 2000 وحتى كأس الأمم الأفريقية عام 2008 فشعر القارئ وكأنه أكثر أجزاء هذا الكتاب استيعابًا لأنه بالفعل عاصر هذه الحقبة ويشعر بكل ماهو مكتوب في هذا الفصل ويتذكره بوضوح.