صنفته فوربس في 2012 كأغنى رجلٍ أسمر في العالم، وقدرت ثروته حينها بنحو 13 مليار دولار أمريكي. نظرًا لاستثماراته الضخمة التي تمتد من أفريقيا إلى آسيا إلى أوروبا، وقدمه الراسخة في بلده الأم إثيوبيا، حيث يلعب دور الداعم الرئيسي لنظام آبي أحمد. يصعب تخيل أن هذا الرجل قد قضى ما يناهز العام محتجزًا في مكانٍ مجهول، حتى إن البعض قد تكهن بأنه تعرض لمصيرٍ مماثل للصحافي السعودي جمال خاشقجي.

مساء الأحد، السابع والعشرين من يناير/ كانون الثاني، أعلنت هيئة الإذاعة الإثيوبية بشكلٍ مفاجئ إطلاق سراح «محمد حسين العمودي»، رجل الأعمال السعودي الإثيوبي، دون إيضاح مكان احتجازه أو التهم الموجهة إليه، أو أي معلوماتٍ أخرى. قابل ذلك الإعلان صمت من وسائل الإعلام والجهات الرسمية السعودية، ما أثار تساؤلات حول أسباب طول مدة الاحتجاز، وحقيقة مزاعم تعرضه للتعذيب على يد رجال ولي العهد محمد بن سلمان.

دارت التكهنات أيضًا حول حجم التسوية المالية التي دفعها العمودي مقابل حريته. وفي حين لا تتوافر أي تصريحات رسمية من الحكومتين السعودية والإثيوبية، تُظهر صفحة العمودي على موقع مجلة فوربس انخفاضًا حادًا في تقدير ثروته من 8.1 مليار دولار إلى 1.1 مليار دولارٍ فقط، اعتبارًا من 30 يناير/ كانون الثاني؛ أي أكثر من 80% من حجم ثروته بعد إطلاق سراحه!

محمد حسين العمودي، فوربس، إثيوبيا
صفحة العمودي على فوربس صباح اليوم قبل أن يتم تغييرها قبل ساعة

علاقات واسعة وثروة متضخمة

وُلِد العمودي في منتصف الأربعينيات، لأبٍ حضرمي يمني وأمٍ إثيوبية، هاجر في مراهقته إلى السعودية ليعمل مع أقاربه. وقد بدأ العمودي بأعمال البناء والمقاولات، ثم توسعت أعماله سريعًا، إذ تُدير شركات منظمة محمد الدولية للتنمية والبحوث (المعروفة بمجموعة ميدروك MIDROC) التي أسسها العمودي في الثمانينيات، شركاتٍ عديدة في مجالات النفط والصناعات الدوائية والأثاث في منطقة الشرق الأوسط. وكان من أوائل الصفقات التي حصلت عليها مجموعة ميدروك إنشاء مرافق لتخزين النفط السعودي تحت سطح الأرض.

هذه الصفقات الضخمة في قطاعاتٍ إستراتيجية حساسة للمملكة مكنتها علاقات العمودي القوية بأشخاص ذوي نفوذٍ واسع داخل المملكة. أبرز هؤلاء وزير الدفاع السعودي وولي العهد الراحل، سلطان بن عبد العزيز، الذي توفي في عام 2011. ويُزعم أن العاهل السعودي الراحل، الملك عبد الله بن عبد العزيز، قد دعم مبادرة أطلقها العمودي لزراعة الأرز في إثيوبيا وتزويد المملكة الفقيرة إلى الأراضي الخصبة بالمحاصيل الزراعية التي تحتاجها، عبر شركة النجمة السعودية للتنمية الزراعية.

استغل العمودي نجاحه داخل السعودية في التوسع باستثماراته في الغرب. في منتصف السبعينيات، بدأ العمودي استثماراته في السويد، ويمتلك حاليًا شركة بريم Preem، أكبر شركات تكرير النفط السويدية، إلى جانب استثماراتٍ أخرى في قطاعي النفط والعقارات. وقد كرمه ملك السويد بوسام النجمة الشمالية، تقديرًا لنجاحاته الاقتصادية وإنفاقه الضخم على الأعمال الخيرية. إضافةً إلى ذلك، تربط العمودي صلاتٌ قوية بمؤسسة كلينتون، إذ تبرع لها بملايين الدولارات على مدار الأعوام، وعرض وفقًا لتسريبات ويكيليكس توفير طائرة خاصة للرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في زيارته إلى إثيوبيا.

وفي منتصف التسعينيات، تحول اهتمام العمودي إلى بلده الأم،إثيوبيا، إذ هيمَنت شركات العمودي على القطاع الخاص، وألقى باستثماراته في قطاعات الفنادق والتعدين والزراعة والصناعة، أثناء تحول الاقتصاد الإثيوبي من الماركسية إلى اقتصاد السوق الحرة. تمكن العمودي عبر شركاته من الاستحواذ على أفضل الشركات الحكومية الإثيوبية المعروضة للبيع ضمن عمليات الخصخصة.

في 2018، وذهبت التقديرات إلى أن العمودي هو ثاني أكبر مشغل للعمالة الإثيوبية، بعد القطاع العام، ويمتلك ما يصل إلى 77 شركة تقدر قيمتها بنحو أربعة مليارات دولار.


حملة التطهير تطال العمودي

هذه المسيرة الحافلة لثاني أغنى رجلٍ عربي ارتطمت بحائطٍ مفاجئ، حين أقدمت السلطات السعودية بإيعازٍ من ولي العهد محمد بن سلمان على احتجاز العمودي ضمن العشرات من رجال الأعمال والأمراء السعوديين في فندق ريتز كارلتون بالرياض، نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2017. رفضت النيابة العامة السعودية التصريح بالتهم الموجهة ضد أي شخصٍ بعينه، ومن بينهم العمودي، غير أنها قالت إن الحملة تستهدف الفساد، واسترداد أصول تحصّل عليها المحتجزون بوسائل غير مشروعة.

بحلول فبراير/ شباط من العام الماضي، وافق أغلب المحتجزين تحت ضغوطاتٍ من العائلة الحاكمة وولي العهد على تسوياتٍ مالية تسقط بموجبها التهم (الغامضة) الموجهة إليهم، ويُطلق سراحهم. وأُطلِق بعدها سراح الكثيرين، من بينهم ابن عم العمودي، لكن العمودي لم يكن من بين من غادروا سجن ابن سلمان الذهبي، بل نُقِل مع عددٍ من رجال الأعمال الآخرين إلى مكان احتجازٍ غير معلوم. ومن المحتمل أن يكون السبب هو رفضهم التسوية المالية مع السلطات حينها، والتي قبِل بها آخرون من بينهم الوليد بن طلال، والتي تزعم النيابة العامة أن إجماليها قد تجاوز 100 مليار دولار، في صورة أموالٍ سائلة وعقاراتٍ وأصول أخرى مختلفة.

أثار احتجاز العمودي اضطرابًا واسعًا في أروقة أديس أبابا، ليس فقط لأن العمودي من كِبار المستثمرين في إثيوبيا، بل لأنه من أبرز المؤيدين للجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية، وهي التحالف الحاكم في إثيوبيا، حاليًا تحت قيادة رئيس الوزراء آبي أحمد. تدخل العمودي ليوفر تمويلاتٍ لمشروعات البنية التحتية وبناء المستشفيات في إثيوبيا، وتخفيف وطأة الأزمات الاقتصادية على اقتصادها النامي، ما أسهم في الحفاظ على شرعية النظام.

وقد مارس النظام الإثيوبي ضغطًا على آل سعود من أجل إطلاق سراح العمودي، وفقًا لأحمد، الذي أكَّد في مايو/ أيار أن الحكومة السعودية قد وافقت على إطلاق سراح العمودي، وعاد في أغسطس/ آب ليؤكد أن الحكومة الإثيوبية تتابع أحوال العمودي وتضغط من أجل إطلاق سراحه، لكن الحكومة السعودية لم ترد رسميًا على تصريحات الحكومة الإثيوبية.

اختفاء العمودي وعدم القدرة على الاستدلال على مكان احتجازه أدى إلى تكهنات بتعرضه للتعذيب والقتل على أيدي المحققين السعوديين. وقد تضاعفت هذه المخاوف بعد قضية اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في تركيا ومقتله، ما أثار غضبة عالمية واسعة على سياسات ولي العهد محمد بن سلمن. غير أن وكالة بلومبرغ أكدت في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي أن العمودي ما زال على قيد الحياة، ومن المحتمل أن يواجه تهمًا بالفساد المالي. وقد أدى عدم وضوح موقف العمودي بموقع مجلة فوربس إلى إزالة اسمه من مؤشر المليارديرات في 2018.

اقرأ أيضًا: السعودية تكتفي بهذا القدر من الحزم والعزم


إطلاق سراحٍ مفاجئ

إعلان إطلاق سراح العمودي قبل أيامٍ جاء بصورة مفاجئة، من الجانب الإثيوبي وليس السعودي. ومنذ ذلك الحين، لم تخرج أية تصريحاتٍ سعودية رسمية تؤكد الخبر أو تنفيه. ويرجح بعض المحللين أن موجة إفراج السلطات السعودية عن رجالِ الأعمال المحتجزين، وأبرزهم العمودي، مؤخرًا تأتي مدفوعةً بالتدقيق في سجلات حقوق الإنسان في المملكة، بعد مقتل خاشقجي.

وفي ظل هذه الضبابية يصعب التأكد من ملامح الصفقة (إن كانت هناك صفقة من الأصل) بين العمودي وآل سعود، التي أُطلِق سراحه بموجبها. وقد أكد متحدث باسم مكتب أسرة العمودي لرويترز يوم الثلاثاء أن ملكية الشركات التابعة له لم يطرأ عليها أي تغيير. لكن هناك ما يُشير إلى خِلاف ذلك.

إذ حدَّث موقع مجلة فوربس بتاريخ 30 يناير/ كانون الثاني تقديره لثروة العمودي على صفحته، ليخفضه إلى 1.1 مليار دولار أميركي. غير أن الموقع بعد ساعات حذف التحديث، مكتفيًا بالإشارة إلى أن ثروة العمودي كانت 8.1 مليار دولار في 2017، والتنويه إلى تعذر التواصل مع شركات العمودي أو أسرته عقب أنباء إطلاق سراحه!

وإن كانت التقديرات التي تراجعت عنها فوربس تحمل قدرًا من الحقيقة، وليست ناجمة عن خطأ بشري، ربما تكون الحكومة السعودية قد أجبرت العمودي على التنازل عن 7 مليارات دولارٍ من أصوله، في تسويةٍ بالغة الضخامة مقابل إطلاق سراح الشيخ الإثيوبي. وصحيفة وول ستريت جورنال، عن مصدر سعودي مجهول، قالت إن العمودي قد دفع أموالاً طائلة مقابل حريته.