الأمل هو الشعور الوحيد الأقوى من الخوف.

أب يتمتع بسلطة يتحدث عنها الجميع في مصر، بالرغم من غموض مصدرها. يحاول بشتى الطرق أن ينقل ولو جزءًا من هذه السلطة إلى ابنه الأكبر، ولكنه يفشل مرة تلو الأخرى. يسيطر عليه شعور بالخوف لا يُظهره لأحد. الخوف من ضياع شيء يراه ملكًا خاصًا به ولم يستطع يومًا أن يراه غير ذلك.

يقرر هذا الأب ذات ليلة أن يشاهد فيلمًا كمحاولة من ضمن مئات المحاولات للتخلص من هذا الخوف الذي يسيطر عليه كل ليلة في هذا التوقيت، بعد انتهاء البرامج الرياضية في كافة القنوات والتي لا يكف عن متابعتها يوميًا.

بعد التنقل بين عدة قنوات يجد إحداها تذيع فيلم «The hunger games» فيجذبه مشهد ما ويقرر استكمال مشاهدته. بعد عدة دقائق، يسمع جملة يقولها الرئيس سنو لأحد مساعديه لإطفاء شرارة الثورة ضده قبل أن تشتعل؛ الأمل هو الشعور الوحيد الأقوى من الخوف. جملة لم تمر على مسمع هذا الأب مرور الكرام؛ فهو يعاني من هذا الخوف ولا يفوت نصيحة للتخلص منه إلا وكان يتأملها ويحاول تطبيقها بحذافيرها.

بعد تفكير لم يدم طويلًا بدأ يسأل نفسه: ومن أين يمكن أن يأتي هذا «الأمل»؟ لقد بذلت كل المحاولات لإعداده ليتصدر المشهد من بعدي وفي كل مرة يثبت بوضوح أنه أقل بكثير من ذلك. لم تعد هناك فرصة لهذا «الأمل» إلا من خلال أخيه الأصغر. حسنًا، دعنا نجرب لعلها تكون المحاولة الناجحة.

هذه باختصار حكاية مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك المصري مع أبنائه أحمد وأمير. وكي تتضح الصورة بشكل أكبر عزيزي القارئ، دعنا نستعرض خلال الفقرات القادمة بعض المشاهد التي تفسر لك سبب ابتعاد أحمد نسبيًا عن المشهد الرياضي بشكل أو بآخر وبزوغ نجم أمير مرتضى منصور.


احتراق كارت أحمد مرتضى منصور

أنا جاي هنا ومعايا حصانة، وأقول إللي أنا عايزه ومحدش يقدر يمنعني غير ربنا ورئيس الجلسة؛ لأنه أكبر مني سنًا ومكانة. أنا شخصيًا لو عايز يضربني يضربني.

جملة قالها النائب أحمد مرتضى منصور منذ عامين في قلب البرلمان المصري، ثم جلس بعدها على مقعده وهو يحاول أن يلتقط أنفاسه بصعوبة. يخبرك هذا المشهد بالكثير والكثير عن الابن الأكبر للمستشار. ابن يحاول جاهدًا أن يكون مرتضى منصور، لكنه حين يفعل ذلك يظهر بمظهر كوميدي غريب.

صحيح وأن مرتضى منصور تخرج منه أحيانًا بعض الجمل التي لا تقل سذاجة عن ابنه ولكن في مجمل المشهد تجده يجيد توظيف الصراخ وإبراز قوته بشكل أو بآخر، فيخاف منه قطاع كبير من اللاعبين والإعلاميين. لكن حينما حاول أحمد فعل ذلك أثار موجة كبيرة من السخرية على صفحات التواصل الاجتماعي.

لم تكن هذه المرة الأولى لمرتضى الصغير في الظهور بشكل عصبي وكوميدي في الوقت ذاته، فقد ظهر قبل انتخابات البرلمان في فيديو مع أنصاره وهو يتوعد مجهولين في حالة فوزه في الانتخابات وتمتعه بالحصانة، كما سب في هذا المقطع النخبة المصرية واصفًا إياهم بالحرامية مشبوهي السمعة!


محاولة تلو الأخرى

حاول مرتضى منصور كثيرًا دمج ابنه الأكبر في مجال العمل العام، ففاز بعضوية مجلس الإدارة في الدورة قبل الأخيرة وكان العضو الأبرز خلال هذا المجلس.

لم يكن مرتضى يفوت فرصة طيلة سنوات هذا المجلس إلا ويبرز خلالها دور «الأستاذ» أحمد مرتضى منصور داخل النادي. صفقات النادي والتفاوض مع المدربين ورعاية الفرق والقطاعات المختلفة بميت عقبة، كل هذا لم يتم إلا بتدخل السيد أحمد مرتضى منصور. لكن ذلك لم يخلق الصورة التي أرادها مرتضى لابنه لافتقاره الشديد للذكاء والكاريزما. كذلك بسبب اشتعال العداوة في هذه الآونة بين مرتضى والوايت نايتس مما أفقده ظهيرًا جماهيريًا كبيرًا.

دخل بعدها أحمد انتخابات البرلمان المصري عام 2016، لكن فرحة أبيه بدخوله المجلس لم تدم سوى شهرين فقط بعد حكم القضاء المصري ببطلان عضويته وفوز منافسه عمرو الشوبكي في دائرة الدقي والعجوز، حيث ثبت لدى القضاء وجود مخالفات تتعلق بالرشاوى وإخفاء بعض الأصوات أثناء الانتخابات. محاولة فاشلة ثانية لمرتضى مع ابنه!

لكن فشل المحاولة الثالثة هي التي كانت كالقشة التي قصمت ظهر البعير. لماذا؟ لأنها كانت على ملعب مرتضى منصور ووسط جماهيره. انتخابات الجمعية العمومية في نادي الزمالك. اكتسح هاني العتال أحمد مرتضى منصور على مقعد نائب رئيس مجلس الإدارة ليجن جنون مرتضى. فهذه هي الجمعية العمومية التي طالما راهن عليها وعلى ثقته التامة في توجيهها كما يشاء. كيف انتخبوا عدوي اللدود على حساب ابني بهذا الفارق الضخم من الأصوات؟

بكل تأكيد علم منصور بعد هذه النتيجة في قرارة نفسه أن ابنه الأكبر ليس الورقة الرابحة في هذا التوقيت. بالطبع لن يقول مرتضى ذلك، فلا يمكن أن يعترف بفشل ابنه، لكنه يعرف ذلك بداخله تمام المعرفة. لجأ مرتضى إلى ورقته الثانية، أمير مرتضى منصور؛ بمعنى آخر: الأمل للتغلب على الخوف.


الساحر أمير مرتضى منصور

مع قدوم السويسري كريستيان جروس لقيادة نادي الزمالك في يوليو/تموز السابق تم الإعلان أيضًا عن تعيين أمير مرتضى منصور مشرفًا على الفريق الأول لكرة القدم. يُعد هذا هو الظهور الرسمي الأول للابن الأصغر لمرتضى منصور داخل النادي.

قبل ذلك اليوم كان أمير صندوقًا أسود لجماهير القلعة البيضاء. هم دائمًا يسمعون الاسم كشخص لا يظهر إلا في أوقات الأزمات ثم يختفي مرة أخرى. شيكابالا في الساحل الشمالي ولا يريد نزول التدريبات؟ حسنًا، سيجلس معه أمير مرتضى منصور ليحل الأزمة. تريدون مدربًا أجنبيًا في أي بقعة من بقاع القارة العجوز؟ سيحجز أمير تذاكر الطيران فورًا للسفر والتفاوض معه رفقة أخيه أو رفقة إسماعيل يوسف أو أي شخص آخر من مجلس الإدارة.

ظل الأمر هكذا حتى قرر مرتضى إقحام أمير بشكل رسمي مع جروس.أمير الذي صرح قبل ذلك أن هناك خمسة مدربين سابقين للزمالك طالبوه بالعمل معهم في جهازهم من بينهم ميدو وفيريرا وهو الذي رفض، فلماذا وافق الآن؟ يبدو أن الأمر أصبح مُلحًا الآن، بعد احتراق الكارت الأول لمرتضى لمد فترة سيطرة العائلة على مجلس إدارة النادي مستقبلًا.

ومنذ ذلك اليوم وقطاع كبير من الجماهير والإعلام يتحدثون عن الهدوء والاستقرار الذي أضافه أمير إلى غرفة ملابس الزمالك وذكائه في التعامل مع الإعلام وحرب التصريحات. بل إن الأمر وصل بالبعض إلى نسب التقدم الكبير للفريق في جدول الدوري الممتاز إلى المشرف على الكرة بالفريق متناسين أي فنيات أو التزام خطط أضافها جروس للفريق.


فروق بسيطة، لكنها حاسمة

بالطبع مرتضى سعيد حتى الآن بما حققته خطته البديلة، لدرجة أنه لم يعلق على أداء الجهاز الفني في الستة أشهر الأخيرة إلا مرة واحدة عقب الخروج من البطولة العربية أمام الاتحاد السكندري، ما عدا ذلك كان مجرد انفعالات من المدرجات. هو يريد الهدوء للفريق الآن أكثر من أي وقت مضى. مرتضى يشعر بالسعادة حينما يتحدث الناس عن دور ابنه في استقرار الفريق، وكأن هذا الاستقرار كان يضربه شخص غيره طوال السنوات الماضية.

هو يقول لجماهير الزمالك:

ألم تريدوا نسخة هادئة متزنة كحازم إمام؟ ها أنا أقدم لكم نسخة مشابهة، لكن من عائلة مرتضى منصور.

أما عن أمير نفسه فهو شخص غامض تجاه الإعلام بشكل كبير. فكما ارتبط اسمه بحل أزمات اللاعبين والتفاوض مع المدربين، ارتبط اسمه أيضًا بقضايا هيروين والزواج من راقصة مغمورة وضربها. لكن تلك الأخبار لم نجد عليها دليلًا واحدًا، فتظل مجرد أخبار تحتمل الصدق والكذب، موضع خلاف لم يتم حسمه بعد.

لكن الشيء الذي لا خلاف عليه أنه يتمتع بذكاء وهدوء كبيرين عن أخيه الأكبر، يتبع فلسفة مختلفة عن فلسفة أحمد ومرتضى. فكما وصفه أحمد مرتضى في لقائه مع خالد الغندور:

أمير أكثر عمقًا وهدوءًا مني ومن والدي. هو دائم الخلاف في وجهات النظر مع والدي.

حتى هذا التصريح يخبرك بالفرق في طريقة التفكير بين الأخوين. فهذا التصريح لا يمكن أن يخرج من أمير، والذي يكون حريصًا كل الحرص على إظهار الخضوع التام للمستشار مرتضى منصور كما يصفه دائمًا أمام وسائل الإعلام.

كذلك عند سؤال الأخوين بشكل منفصل عن المنافسة مع النادي الأهلي هذا الموسم أجاب الأخ الأصغر بإجابة حاسمة توافق هوى أغلب مشجعي النادي الأبيض،حيث قال إنه لا يرى الأهلي منافسًا لهم هذا الموسم، فقط بيراميدز هو من يمتلك القوة الكافية لذلك في استفزاز واضح للجماهير الحمراء وخطب ود أكثر وضوحًا لجماهير الزمالك من الشباب.

أما أحمد مرتضى فكانت إجابته أنه لا يفضل منافسة الأهلي لأنها عادة ما تكون صعبة للغاية على فريقه، أما فريق بيراميدز فستكون منافسته مقدورًا عليها! إجابة بعيدة كل البُعد عما أراد أن يسمعه الجمهور الأبيض بالطبع.

نحن الآن أمام تجربة جديدة لمرتضى منصور لتوطيد جذور عائلته داخل جدران النادي، لكنها هذه المرة تجربة هادئة نوعًا ما وتتميز بفكر مختلف عما سبقوه. السؤال الآن: هل سيتستمر الغموض والهالة التي وضعها الجميع حول أمير مرتضى منصور؟ وهل سيكون بنفس البريق مستقبلًا حينما يحتك بشكل أكبر بالإعلام وتصبح تفاصيل حياته أكثر وضوحًا للناس؟

الأهم من كل ذلك، هل سيقبل جمهور الزمالك أي شيء من رائحة مرتضى منصور مستقبلًا، أم أن أمير «الأكثر عمقًا وهدوءًا» سيتبع إستراتيجية مختلفة مع جماهير الزمالك الحقيقية، ولن يركن إلى الجمعية العمومية فقط لأنه تعلم من درس أبيه؟