المكان: مدينة سان دوني بالضاحية الشمالية بباريس، تحديدًا ستاد دوفرانس
الزمان: 16 يوليو/تموز عام 2016
الحدث: نهائي بطولة الأمم الأوروبية بين منتخبي فرنسا والبرتغال

تبدأ المباراة ساخنة للغاية، لكن كريستيانو رونالدو يُصاب في العشر الدقائق الأولى بعد تدخل عنيف من ديمتري باييه. في أغلب الظن أنك تتذكر مشهد بكاء كريستيانو وهو ساقط على أرض الملعب وإحدى الفراشات بالقرب من وجهه وكأنها تواسيه.

يخرج كريستيانو لكنه يعود إلى الخط بجانب المدرب فرناندو سانتوس يوجه التعليمات ويصرخ في زملائه لنيل اللقب، الذي عادوا به بالفعل بفضل تسديدة إيدير في الوقت الإضافي للمباراة.

في المدرجات، يجلس مواطن من كوريا الشمالية نجح منذ أيام في الخروج من بلده تجاه القارة العجوز، يسمع مشجعين بجواره يتحدثون عن اللقب القاري الأول لكريستيانو مع منتخب البرتغال. يتعجب الكوري من ذلك الحديث ويسأل نفسه: «كيف لقب قاري أول وقد فاز كريستيانو بكأس العالم 2010 بجنوب إفريقيا!».

يمسك بهاتفه ويلقي نظرة سريعة على صفحات الوكالات الرياضية على مواقع التواصل الاجتماعي، ليُفاجأ بالتعبير ذاته: «اللقب القاري الأول لكريستيانو رونالدو مع منتخب البرتغال». يشعر الكوري بشيء من الريبة والغرابة ويقول في قرارة نفسه: «يبدو أن هناك شيئًا ما غير مفهوم!».

اقطعوا البث

في كأس العالم 2010 أوقعت القرعة منتخب كوريا الشمالية مع منتخبات البرتغال والبرازيل وكوت ديفوار. انتهت المباراة الأولى لمنتخب كوريا الشمالية بالخسارة أمام البرازيل بفارق هدف وحيد وبأداء جيد جدًّا أمام أحد أقوى المرشحين للبطولة. لم تكن المباراة مذاعة بشكل مباشر في كوريا الشمالية.

نظرًا للأداء المبشر للفريق في مباراته الأولى قررت الحكومة الكورية إذاعة مباراتهم الثانية أمام منتخب البرتغال في بث مباشر للمرة الأولى في جميع أنحاء البلاد. تجمعت الجماهير الكورية أمام الشاشات لمشاهدة منتخب بلادهم والتفاخر به. لكن المفاجأة حدثت، وقست عليهم البرتغال للغاية بسبعة أهداف دون مقابل.

انقطع البث المباشر للمباراة -والأول في تاريخ البلاد- في كافة أنحاء كوريا الشمالية بعد الهدف الرابع الذي أحرزه تياجو مينديز في الدقيقة 60 من المباراة. وبعد المباراة نشر الإعلام الحكومي في البلاد أن المباراة انتهت بهزيمة منتخب كوريا الشمالية بأربعة أهداف فقط وليس سبعة!

إن كان هذا الأمر قد أثار استغرابك، فانتظر قليلًا؛ لأن الأغرب لمَّا يأتِ بعد!

زيارة ألفارو لايتيه

خلال زيارتي لبيونج يانج وجدت تقديرًا خاصًّا لكريستيانو رونالدو. قلت لهم هل هذا بسبب هزيمتنا لكم بسبعة أهداف؟ قالوا لا، فقد هزمتمونا بأربعة أهداف فقط. لكن مع تشعب الحديث وجدت أنهم يعتقدون أنهم هُزموا من أبطال العالم في تلك النسخة بقيادة كريستيانو رونالدو.
مضيف الطيران البرتغالي ألفاروا لايتيه لصحيفة ماركا الإسبانية.

في أبريل/نيسان من عام 2017 زار مضيف الطيران البرتغالي «ألفارو لايتيه» والذي يعمل في شركة الطيران البرتغالية «TAP Portugal» عاصمة كوريا الشمالية بيونج يانج، إحدى أكثر العواصم انعزالًا عن العالم.

فاجأ ألفارو العالم بتصريحاته لصحيفة ماركا الإسبانية أن الناس في بيونج يانج يؤمنون أنهم هُزموا بأربعة أهداف فقط من منتخب البرتغال في مونديال 2010، وأن منتخب البرتغال هم أبطال تلك النسخة المونديالية وليس منتخب إسبانيا! هم لم يشاهدوا هدف إنييستا التاريخي على ملعب جوهانسبرج في الدقيقة 116. عندما حدثهم ألفارو عن ذلك الهدف لم يفهموه.

ما تفكر به الآن صحيح، فلم تُبث باقي مباريات المونديال في كوريا الشمالية، وفي نهاية النسخة نشر الإعلام الكوري أخبار فوز منتخب البرتغال بلقب كأس العالم. فزعيم كوريا الشمالية قرر أنهم لم يُهزموا إلا بأربعة أهداف وليس سبعة. ومن هزمهم ليس منتخبًا عاديًّا خرج من الأدوار الإقصائية. لا، من هزمهم هو بطل العالم نفسه؛ لذا فالأمر الآن مقبول!

فصل جديد من فصول تغييب الوعي التي تمارسها الحكومة الكورية على شعبها، لكن هذه المرة كانت بشكل أكثر هزلية. وإن كان الأمر يبدو كوميديًّا بعض الشيء، دعني أخبرك أن هناك نصفًا آخر للحكاية غير كوميدي بالمرة.

اذهبوا إلى حقول الفحم

بعد عودة المنتخب الكوري الشمالي من جنوب إفريقيا، تم استدعاؤهم حكوميًّا فيما يشبه المحاكمة من وزير الرياضة الكوري الشمالي أمام 400 موظف وعلى شاشات التلفزيون الحكومي الكوري. بعدها نشرت شبكة راديو «Free Asia» أنباء عن إرسال المدير الفني للفريق «كيم يونج هون» للعمل في أحد حقول الفحم في كوريا الشمالية لمدة زمنية محددة، وإقالته من حزب العمال الكوري الشمالي.

كذلك انتشرت أنباء أخرى غير مؤكدة على حد وصف صحيفة التليجراف عن إرسال بعض اللاعبين للعمل في أعمال البناء الشاقة كنوع من العقاب.

قديمًا كان الرياضيون الكوريون الذي يؤدون بشكل سيئ في المحافل الدولية يُرسلون إلى السجن، لذا إن حدث ذلك فهو ليس بالأمر الكبير.
أحد المسئولين الحكوميين في كوريا الشمالية لصحيفة تشوسن إلبو الكورية الجنوبية.

كان آخر الأنباء التي نُشرت عن الأمر هو استفسار جوزيف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم حينها عن مصير هؤلاء اللاعبين ومدربهم وإعلان قلقه إزاء الأنباء التي انتشرت عن معاقبتهم.

انتهي الأمر ولم يعرف العالم المصير الحقيقي لهؤلاء اللاعبين ومدربهم، تمامًا كما لم يعرف شعبهم المصير الحقيقي لكأس العالم عام 2010 في جنوب إفريقيا!