لم يكن أحد يصدق ما يجري على أرض الملعب، فاللاعب لم يكن جاهزًا للمشاركة، لكنه تعافى بسرعة البرق. تحولت قدمه اليسرى إلى متحف لعرض اللاصقات الطبية، ومع ذلك ظل يركض دون توقف. 10 كليومترات تقريبًا من الركض، تخللها كثير من الالتحامات والعرقلة أمام مهاجمي المرشح الأول للقب. حتى انهار في الدقيقة 109 من عمر اللقاء، تاركًا الملعب والدموع تملأ عينيه، ليذهب فريقه إلى ضربات الحظ الترجيحية ليعاندهم الحظ، وتذهب جهود سوبر مان سدى.

كان هذا عنوان صحيفة الدايلي ميل البريطانية بعد المباراة، وكان بطل هذه القصة هو لاعب منتخب تشيلي «جاري ميديل» في مباراتهم ضد البرازيل في كأس العالم 2014. كان «ميديل» تجسيدًا لتلك الحالة التي خلقها منتخب تشيلي لسنوات، وجعلتنا نقع في غرامه. تلك الروح، الحماس، التضحية وكأن بلادهم استدعتهم للحرب، لا لمباراة كرة قدم. الأمر الذي أصبح نادرًا هذه الأيام، بالتوازي مع اجتياح الملل لكل البطولات الدولية. ليظل ذلك السؤال بلا إجابة. هل لم يعد التمثيل الدولي أولوية لدى اللاعبين؟ ولماذا لم يعد يقدم أحد نسخة مشابهة لتلك مع ناديه؟


بودولسكي: البساطة لا تناسب النجوم

نعلم جميعًا أن مدربي المنتخبات لا يقضون كثيرًا من الوقت رفقة لاعبيهم، لذلك لا تجد مكانًا للتكتيكات المعقدة والمهاجم الوهمي وخلافه. لذا يمكننا أن نصف المباريات الدولية بالبساطة وعدم التعقيد. وقد تكون هذه البساطة هي كلمة السر.

على سبيل المثال، أحرز لاعب ليفربول السابق «بيتر كراوتش» 22 هدفًا مع منتخب الأسود الثلاثة، وهو ما يعادل مجموع ما أحرزه الرباعي: إيان رايت، ليسلي فيرديناند، روبي فاولر، أندي كول. مع العلم أن هذا الرباعي مجتمعًا أحرز ما يزيد عن الـ 600 هدف في البريميرليج. في تقرير لشبكة ESPN عقب اعتزال اللاعب «لوكاس بودولسكي» اللعب الدولي، حاول المحلل «مايكل كوكس» أن يفك ذلك اللغز مستشهدًا بكراوتش وآخرين.

استشهد مايكل بثنائي الحقبة الذهبية للمنتخب الألماني: لوكاس بودولسكي وميروسلاف كلوزه، بالإضافة إلى خوسيه ألتيدور مهاجم منتخب أمريكا، باولو جيريرو مهاجم منتخب بيرو. يجتمع الخماسي على أنهم أصحاب مسيرة عادية مع أنديتهم، بل إن البعض الآخر يصنفها بالمسيرة السيئة. ومع ذلك تألقوا جميعًا على المستوى الدولي. فالتكتيكات غير المعقدة واللعب النمطي ذو الإيقاع البطيء كان مناسبًا لهم، خاصة مع ميل الخماسي إلى الأسلوب الكلاسيكي وعدم تمتعهم بتكنيك مميز.

عكس اللاعبين أصحاب التكنيك المميز والذين يبدو أنهم لا يجدون أنفسهم إلا في المنظومة السريعة، والجمل الهجومية الأكثر تعقيدًا. واستدل التقرير بنسخة كريستيانو رونالدو وميسي مع أنديتهم مقارنة بالمنتخب. ومع ذلك هل يمكننا تجاوز تلك الأزمة التكتيكية بتحفيز اللاعبين بمزيد من الأموال نظير تمثيل منتخباتهم؟


الحافز المادي أم الولاء؟

يحاول الاتحاد الدولي لكرة القدم جاهدًا خلق مزيد من الحوافز لدى المنتخبات والأندية من أجل رفع مستوى المنافسات الدولية. فيتم مكافأة النادي بمبلغ مالي نظير مشاركة لاعبيه في كأس العالم، والذي يتم تحديده وفقًا لعدد اللاعبين وعدد المباريات التي خاضها اللاعب حتى إقصاء منتخب بلاده. بجانب برنامج حماية اللاعبين الذي أطلقه الفيفا في عام 2012، لتعويض النادي بمبلغ مالي نظير إصابة اللاعب مع المنتخب.

تلك كانت محاولة جيدة لتخفيف التوتر بين النادي والمنتخب. أما على صعيد المنتخبات، فالمشاركة بكأس العالم تضمن لاتحادات الدول مبلغًا ماليًّا، والفوز بكأس العالم الماضي ضمن للاتحاد الفرنسي مبلغًا يصل إلى 38 مليون دولار. وعليه فإن الاتحادات أصبحت ترصد مرتبات للاعبيها مقابل مشاركتهم مع المنتخب.

أعلن كيليان مبابي نجم المنتخب الفرنسي تبرعه بذلك المبلغ المقدر بـ 17 ألف جنيه إسترليني في المباراة الواحدة لصالح الأعمال الخيرية، وسبقه لاعبو المنتخب الإنجليزي الذين يسيرون على هذا النهج منذ عام 2007، حيث تذهب الأموال لصالح مؤسسة لاعبي كرة القدم الخيرية بإنجلترا. لكن كم تقدر هذه الأموال؟ وهل تضاهي ما يتقاضاه اللاعبون من أنديتهم؟

قامت صحيفة الـ BBC البريطانية بمحاولة تقدير ما يتقاضاه لاعب المنتخب الإنجليزي استنادًا إلى مبلغ الـ 5 ملايين جنيه إسترليني الذي أعلنت المؤسسة الحصول عليها منذ 2007. على مدى 122 مباراة دولية من ذلك الوقت، تحصل اللاعبون على 41 ألف جنيه إسترليني للمباراة الواحدة. أي أن اللاعب الواحد يحصل على أقل من 2000 جنيه إسترليني للمباراة. الرقم يظل بعيدًا تمامًا عن متوسط الرواتب الأسبوعية للاعبي البريميرليج، والذي تجاوز الـ 50 ألف جنيه إسترليني.

لذلك محاولة خلق الحافز المادي لتشجيع اللاعبين على بذل مزيد من الجهد مع بلادهم ستبوء بالفشل في نهاية المطاف، وسيظل اللاعبون متهمين بتقسيم ولائهم بين النادي والمنتخب حتى إشعار آخر.


الجودة ليست أولوية

على مستوى المدربين، لا تجد مدربًا من الصف الأول يتجه لتدريب المنتخبات إلا مع اقتراب مسيرته من النهاية، وكأنهم يعتبرونها وظيفة نهاية الخدمة. وعلى مستوى الفيفا والاتحادات القارية، فالانتشار أولًا والجودة لا تهم. كأس العالم في طريقه للزيادة من 32 منتخبًا إلى 48، وسبقته بطولة اليورو التي ازداد عدد مشاركيها من 16 إلى 24. سيسمح ذلك بالطبع لمشاركة عدد أكبر من المنتخبات الأقل مستوى.

حتى المباريات الودية في أوروبا أصبحت تُلعب في شكل بطولة مستحدثة تسمى دوري الأمم الأوروبية مع وضع بعض الحوافز التنافسية والمادية. وفي أفريقيا، كانت تقام كأس الأمم حتى وقت قريب في منتصف الموسم، وكان اللاعبون مطالبين بترك أنديتهم الأوروبية في وسط المنافسات وعدم خذلان بلادهم في نفس الوقت. شبَّه «جوردان تايلور» رئيس رابطة الاعبين المحترفين بإنجلترا قد شبه موقف اللاعبين بمحاولة السير على زجاج مكسور، من أجل إرضاء مشجعي المنتخب والنادي معًا.

الكل يسعى للتوسع ونشر اللعبة لإرضاء أكبر عدد ممكن من أعضاء جميعته العمومية، دون النظر للموسم الشاق الذي يخوضه اللاعبون رفقة أنديتهم. وبما أن التوسع الدولي بات موازيًا لضغط منافسات الأندية، فلا يمكن لأحد أن يضمن للجمهور جودة ما سيشاهد.

ولعل ما شاهدناه في كأس العالم واليورو السابقين يوحي بأننا على الطريق نحو مزيد من المستويات المتواضعة. وبالطبع لن يعير أحد اهتمامًا لعدم تألق بعض النجوم في البطولات الدولية، لأنهم قد لا يعتبرونها أزمة بالأساس. وما بين اتهامات الولاء والتخاذل، سيظل جمهور الكرة منتظرًا تحول ميسي ورونالدو إلى كلوزه وبودولسكي.