في يوم الثلاثاء الموافق 15 من مارس عام 2016م، نشرت صحيفة «التايمز» البريطانية تقريرًا أعده الكاتب «روجر بويز»، يرصد فيه لقاء «بوتين» مع قادته العسكريين في الكرملين، وكان من أهم نتائج هذا اللقاء إعلان انسحاب القوات الروسية من المعادلة السورية والتي باتت أسوأ معادلة قد حدثت في العصر الحديث؛ إذ تعتبر الحرب في سوريا هي أسوأ حرب قد نشبت في القرن الحادي والعشرين. وقد أكد بوتين على أن أهداف بلاده العسكرية في سوريا قد تحققت، وقال إن القوات السورية، وبدعم من الطيران الروسي، كانت قادرة على تحقيق تقدم مهم في الحرب ضد الإرهاب الدولي. ثم أكد على أهمية مشاركة بلاده في عملية السلام في سوريا والتي تقودها الولايات الأمريكية المتحدة. فهل كان قراره حقًا من أجل عملية السلام أم كان خوفًا من تورطه في حرب طويلة المدى في سوريا؟!.


كيف برّرت روسيا انسحابها من المعادلة في سوريا؟

ارتكبت الطائرات الروسية في يوم 17 من أكتوبر 2015م مجزرة بحمص راح ضحيتها 48 فردًا من عائلة واحدة.

كيف رأى العالم الغربي قرار الانسحاب الروسي من سوريا؟

وفي هذا السياق لقد كانت التكهنات بعد التدخل الروسي في سوريا قد قادتنا لتوقع أن الهدف الرئيسي لـ«بوتين» من التدخل في سوريا هو تعزيز موقع «الأسد» أمام المعارضة السورية التي قد التهمت عرش الأسد، إلا أن تحول «بوتين» المفاجئ من قائد عسكري إلى صانع سلام، قاد إلى سلسلة من التكهنات في الغرب؛ أولها: أن «بوتين» قرر التخلي عن «الأسد»، فمن خلال سحب قواته العسكرية من سوريا، بمثابة الضوء الأخضر لدعم روسيا لتشكيل حكومة انتقالية في سوريا، وهو ما سيقود إلى التخلص من العقبة الكبيرة لنجاح المحادثات، وثانيها: كان «بوتين» يعاني من مشكلات مع «الأسد»، وهو ما يرجّح احتمالية عثور روسيا على نسخة أخرى مختلفة له من المؤسسة العسكرية السورية قد تكون بديلًا أفضل من بشار الأسد، وذات صلة وثيقة مع المخابرات الروسية. خاصًة وأن الحرب في سوريا أظهرت روسيا مرارًا وتكرارًا أن لديها تأثيرًا محدودًا جدًّا على نظام بشار الأسد، الذي أثبت تهوره، والذي غالبًا ما صاعد من حدة القتال حتى في اللحظات الهادئة؛ الأمر الذي يدل على خلل الناحية الإستراتيجية لدى بشار ونظامه؛ وبالتالي يتعين على بوتين بذل المزيد من الجهد لإجبار الأسد على قبول السلام، إذا ما أرادت موسكو تجميد الوضع الراهن في سوريا.وبالنظر للخيارين نجد أن الانسحاب الروسي هو انسحاب تكتيكي إلى حد ما، فقد أعلن الكرملين أنه سيحتفظ بحضور له في سوريا، من أجل مراقبة الهدنة، مشيرًا إلى أن روسيا ستبقي وجودها العسكري في قاعدة طرطوس البحرية والقاعدة الجوية في حميميم قرب اللاذقية، التي يعمل بها 48 مقاتلة روسية. وكانت روسيا قد نقلت منذ بداية الحملة حوالي 2400 جندي روسي لهذه القاعدة الجوية.


لماذا انسحبت روسيا أساسًا من المعركة في سوريا؟

لقد رأى المحلل السياسي «يفيغيني مينشنكو» قرار انسحاب روسيا من سوريا وهي متقدمة، البديل الأمثل لروسيا من التورط في الحرب، ويضيف: «أكبر خطر للعملية في سوريا هو الانجرار في حرب طويلة، وهذا لم يحدث».

وقد استغلت روسيا وقف إطلاق النار الذي شهدته سوريا مؤخرًا، وبينما كانت هناك تأكيدات بحدوث انتهاكات، قد تجعل من وقف إطلاق النار هشًّا للغاية؛ الأمر الذي يعجل من انهياره في أي لحظة، وبالرغم من كل هذه التكهنات بدأت للتو محادثات السلام مرة أخرى، والتي تبدو ولأول مرة قابلة للاستمرار، أو على الأقل ليس محكومًا عليها بالفشل المؤكد. كما أن وقف إطلاق النار قد أنقذ العديد من الأرواح، وسمح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي كان من الصعب الوصول إليها من قبل، الأمر الذي جعل مفاوضات السلام تبدو أكثر واقعية.الأمر الذي جعل ذلك الوقت مناسبًا بالنسبة لموسكو للتراجع خطوة إلى الوراء؛ فقد حققت روسيا بالفعل أهدافها المباشرة، المتمثلة في بقائها المحور الرئيسي لعملية السلام في سوريا، وكذلك تثبيت قدميها في قواعدها العسكرية في سوريا، والخروج من عزلتها عن العالم الغربي إلى ساحات التفاوض والنقاش مرًة أخرى. لذلك فلا حاجة للانخراط في القتال أكثر من ذلك، حيث يمثل الوضع الراهن مصدرًا للتفاؤل لبوتين بما يدفعه إلى قبوله واستخدامه كأساس للمفاوضات.


هل كان للمملكة العربية السعودية الفضل في الانسحاب الروسي من سوريا؟

لقد لعب النفط لعبته في إدارة الأزمة في سوريا، فالملك السعودي سلمان يخطط لزيارة موسكو، وهي زيارة ترتبط بوقف القصف الروسي في سوريا. ويحتاج بوتين إلى اتفاق مع السعودية حول أسعار النفط، في ضوء انخفاض أسعاره في السوق العالمي. وقد كان ذلك واضحًا في تصريحات لافروف وزير الخارجية الروسي حين امتدح دور السعودية في مفاوضات السلام، حيث قال:

نحن نقدر ما بذله الشركاء السعوديون لكي تعدل الفصائل السورية المعارضة عما أبدته من مواقف سياسية وعسكرية في يناير الماضي، ويبدو اليوم أنها مصممة على الانضمام إلى العملية السياسية السورية انطلاقًا من ضرورة البحث عن حلول وسط والتوصل إلى اتفاق سلمي حقيقي.

جون كيري في روسيا!

لقد صرح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الثلاثاء الموافق 15 من مارس 2016م، بأنه سيلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع المقبل؛ لبحث الأزمة السورية بعد إعلان موسكو سحب قواتها جزئيًّا من سوريا. وقال كيري: «سأتوجه إلى موسكو الأسبوع المقبل للقاء الرئيس بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف لمناقشة كيف يمكن أن نحرك العملية السياسية بشكل فعال ونحاول الاستفادة من هذه اللحظة». وفي موسكو، أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا لوكالة الأنباء الروسية (إنترفاكس) أن وزارة الخارجية تستعد لزيارة محتملة لكيري إلى موسكو.وقد يكون هذا التقارب الروسي الأمريكي تأكيدًا على ما نشرته صحيفة «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية، في عددها الصادر الأحد الموافق 13 من مارس 2016م، حين قالت، إن الظروف والشروط التي يعقد فيها «مؤتمر جنيف 3» لحل الصراع في سوريا تخدم بشكل كبير المصالح الإستراتيجية لإسرائيل، لأنها تضمن تدخل القوى العظمى في الشأن السوري ضمن تفاهمات عامة تقلص من فرص تحول سوريا إلى مصدر للمخاطر على إسرائيل، خاصة وبعد تراجع الرئيس الأمريكي باراك أوباما نهائيًا عن المطالبة بتخلي الأسد عن المنصب، بحجة أن تخليه عن المنصب يعني صعود الحركات الجهادية التي تعدّها إرهابية.وفي مقابل هذا قالت مصادر في مكتب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الثلاثاء الموافق 15 من مارس 2016م، إنه أجرى محادثة عبر الهاتف مع العاهل السعودي الملك سلمان، شدّدا على أنه لا يمكن أن يكون هناك حل للصراع السوري في وجود رئيس النظام السوري بشار الأسد في السلطة. واتفقا على ضرورة العمل من أجل وقف الضربات على المدنيين، ورفع الحصارات المفروضة. وقالا إن الهجمات من النظام السوري تزيد الوضع الإنساني سوءًا في المنطقة. وتحدث الزعيمان كذلك، عن الهجمات التي يشنها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي على بلدة أعزاز في شمال سوريا على مقربة من الحدود التركية، والقصف الذي يرد به الجيش التركي عليها. ويبقى السؤال هنا: إلى أي نقطة سوف تصل جينيف؟!.

المراجع
  1. 10 Maps That Explain Russia's Strategy
  2. Why Moscow Holds the Cards in Syria It’s time to drop pretenses of U.S. forces or safe zones and persuade the rebels to accept Russia’s terms. Otherwise a new slaughter will start in Aleppo. By Julien Barnes-Dacy and Jeremy Shapiro February 23, 2016 Read more: http://www.politico.com/magazine/story/2016/02/aleppos-syria-moscow-213671#ixzz43OHohkhy Follow us: @politico on Twitter | Politico on Facebook
  3. The bleeding isn’t over for the energy sector, despite the Saudi Arabia-Russia oil deal
  4. Syria, Russia and the West A game-changer in Latakia? Russia’s intervention on the side of Bashar Assad just might increase the chances for peace—but only if Vladimir Putin gets tougher with his ally
  5. Analysis: How Russia Is Aiming for Syria Checkmate
  6. We are witnessing 'the most significant new Russian military foothold in the Middle East in decades'