«محمود تريزيجيه» في إنتر ميلان، أو ربما ينجح لاتسيو في خطفه، لكن إذا تدخل ليفربول ستختلف النتيجة بالتأكيد، لعله يناسب أتليتكو مدريد أكثر، ويشاع أيضًا أن «زين الدين زيدان» يضعه ضمن أولوياته. من المرجح أنك قد سمعت كل تلك العبارات السابقة من قبل، سواء من إعلامي في قناة، أو من زميلك في العمل، أو حتى من شاب لا تعرفه على إحدى المقاهي المصرية.يمر الخبر على مسامعك، فتفرح وتتفاءل، لأنك مثل الجميع تحب تريزيجيه وتأمل في رؤيته في أفضل أندية العالم، لكنك تتفاجأ بسوق الانتقالات ينتهي دون أن ينتقل لاعبنا المصري من ناديه التركي لأي من تلك الأندية. يبدأ الموسم الجديد، وينجح محمود حسن في دخول تشكيلة أفضل لاعبي الدوري، فتنهال كل تلك الأخبار مجددًا ولكن بلا نتيجة، وكأنها دورة لا تتوقف عن التكرار. الأمر محبط، خصوصًا عندما يتعلق بلاعب مثل تريزيجيه لا يدخر جهدًا، لا يتمرد على مدربه، ولا يشغله شيء عن كرة القدم. فلماذا لا ينجح في العبور نحو أندية الصف الأول وتظل كل تلك الأخبار في نطاق الشائعات فقط؟ نحاول في هذا المقال الإجابة على هذا التساؤل من الناحيتين الفنية والإدارية.


بعيون جوناثان ويلسون

دعني في البداية أخبرك عن مقال سابق للكاتب المرموق «جوناثان ويلسون»، نشره عام 2010 بعنوان «أجنحة في المكان الخاطئ»، ويشرح فيه انتشار ظاهرة الجناح العكسي في كل أندية الصف الأول. هذه الظاهرة ليست جديدة، لكنها لم تنتشر أبدًا بمثل تلك الدرجة من قبل، حتى لا تكاد تخلو تشكيلة فريق من لاعب يؤدي هذا الدور. والجناح العكسي هو لاعب يشارك عادة ضمن خط هجوم ثلاثي، ويلعب في الناحية المقابلة لقدمه الأقوى. فإذا كانت قدمه التي يعتمد عليها بصورة أساسية هي اليسرى فإنه يتمركز يمينًا، كميسي مع برشلونة أو روبين مع بايرن ميونخ، وإذا كانت قدمه اليمنى فإنه يتمركز يسارًا كهازارد مع تشيلسي أو ساديو ماني مع ليفربول. وتتعدد مهام الجناح العكسي بحسب إمكانياته وأسلوب لعب الفريق، فربما توكل إليه مهام صناعة اللعب وخلق الفرص للمهاجمين، وربما توكل إليه مهام تهديد مرمى الخصوم وإطلاق التسديدات، وربما توكل إليه المهمتان معًا. المشترك بينهم جميعًا هو الانطلاق من الطرف نحو عمق الملعب، وبالتالي مواجهة المرمى وقت الاستحواذ على الكرة بالقدم القوية. وهذا الدور يختلف تمامًا عن دور الجناح التقليدي، فالأخير ينطلق بامتداد طرف الملعب بهدف توزيع العرضيات على المهاجمين، ثم يعود لتقديم المساندة الدفاعية للظهير. ويتميز في الغالب هذا اللاعب بالقوة البدنية والسرعة، أكثر مما يتميز بتسجيل الأهداف أو صناعة الفرص من العمق، وقد ارتبط هذا المركز بتشكيل 4/4/2 الذي لم تعد تعتمده الأغلبية الكاسحة من الفرق الكبيرة. ويرى ويلسون أن دور الجناح التقليدي تراجع لصالح العكسي لعدة أسباب: أهمها هو سعي المدربين خلف طرق أكثر فاعلية من إرسال العرضيات، والرغبة في تنويع أدوات تهديد المرمى بين المهاجم والجناح بدلًا من حصرها في المهاجم فقط، فبمجرد توغل الجناح العكسي نحو العمق يستطيع إرباك خطوط الدفاع، ويفرغ مساحة لزملائه قبل أن يتخذ القرار الأفضل سواء بالتمرير أو التسديد مباشرة. لحظة واحدة، ما دخل كل ذلك بتريزيجيه؟ سأخبرك حالًا.


من هو تريزيجيه؟

يشارك تريزيجيه رفقة ناديه قاسم باشا ومنتخب مصر كجناح عكسي من الجهة اليسرى، ويتميز محمود بعدة أمور: أولًا بالتأكيد السرعة والقدرة على التحول من الحالة الدفاعية للهجومية أثناء المرتدات، هذا الإضافة للمراوغات الناجحة، إذ يلجأ تريزيجيه كثيرًا لتجاوز المدافعين مستغلًا مهارته، وقد امتلك خلال الموسم نسبة لا بأس بها تصل لـ50% من دقة المراوغات، كما يعود لتقديم المساندة الدفاعية ويصارع على الكرات الثنائية، حتى أنه يحظى بمعدل جيد فيما يخص العرقلات الناجحة بواقع عرقلة/المباراة. في المقابل يعاني محمود في بعض النواحي الهامة جدًا لمركزه كما سبق وذكرنا، فبالرغم من تسجيله تسعة أهداف هذا الموسم إلا أنه لا يمتلك دقة تسديد مرتفعة على المرمى، بل بالكاد تصل دقة تسديداته لـ35% فقط. طبعًا أنت لا تحتاج لمتابعة الدوري التركي لتتأكد من تلك النقطة، فخلال مباريات مصر بكأس الأمم الأفريقية فشل تريزيجيه أكثر من مرة في إنهاء الهجمات بصورة سليمة، وحصل على نسبة لا تتخطى 48%.

هذه النقطة مهمة للغاية لأي مدرب يتولى مسئولية فريق كبير، حاول مثلًا إيجاد اسم لجناح عكسي يلعب في أحد أندية الصف الأول بصفة أساسية ويمتلك دقة تسديد سيئة، في الغالب لن تجد، ويمكنك أن تقارن نسبة محمود تريزيجيه بتلك الخاصة بمحمد صلاح أو ساديو ماني أو رحيم ستيرلينج لتدرك الفارق.الأمر الآخر الجدير بالذكر هو خسارة الاستحواذ، حيث يفقد لاعب الأهلي السابق الكرة في كثير من الأحيان بسبب احتفاظه بها مع عدم معرفته كيف يتصرف. تريزيجيه لاعب مبادر، يطلب الكرة من زملائه ويحاول الانطلاق، لكنه لا يفكر في الخطوة التالية، وبالتالي تكون قراراته متأخرة. مع قاسم باشا، يخسر محمود الكرة أكثر من ثلاث مرات بالإضافة لاستخلاصها منه أكثر من مرتين بالمباراة الواحدة، وهذا ليس معدلًا كارثيًا لو سجله في الدوري الإنجليزي أو الفرنسي المشهورين بالالتحامات القوية، المشكلة أنه يسجله بالدوري التركي، وهو ما قد يجعل بعض المدربين غير متحمسين له.


المأزق

لكي ينتقل لاعب من نادٍ لآخر فهو بحاجة لوكيل أعمال، وهذا الوكيل يعتمد على شبكة علاقاته مع إدارات الأندية ليقوم بتسويق اللاعب. وكلما امتلك الوكيل علاقات جيدة وخبرة في التفاوض، كلما كان بإمكانه مساعدة اللاعب على الانتقال للجهة التي يريد. وفي الأعوام القليلة السابقة، شهدنا كيف تضخم دور وكلاء اللاعبين حتى تمكنوا من حسم صفقات متعثرة.هذه المقدمة معروفة لكل متابع لكرة القدم، لكنها مهمة للغاية في تفسير كيف تدار مسيرة تريزيجيه. يقول موقع transfermarkt إن وكيل اللاعب المصري هو شركة DW sports management، طالعنا موقع الشركة الرسمي لنتأكد، فوجدنا اسم محمود ضمن قائمة عملائها فعلًا، لكن بعض الحقائق الأخرى حول الشركة كانت صادمة.تتولى الشركة أمور 23 لاعبًا، ولا يوجد بينهم اسم واحد من نجوم الصف الأول أو الثاني، بل إن تريزيجيه نفسه يعد أحد أهم عملاء الشركة رفقة النيجيري «أحمد موسى» والمغربي «يونس بلهندة»، الأول يلعب لصالح نادي النصر السعودي، والثاني في جالاتاسراي التركي، وكلا اللاعبين لا يمتلك مسيرة احترافية كبيرة. أما بقية اللاعبين الآخرين فهم إما لاعبون أتراك أو أفارقة في مطلع العشرينيات، وجميعهم لم ينجحوا بعد في ترك بصمة كبيرة تجعل فريقًا كبيرًا يتعاقد معه. في الواقع لا تمتلك أصلًا الشركة سابق علاقة مع أندية بحجم ريال مدريد أو ليفربول، بل إن أكبر الأندية التي تعاملت معها الشركة على الإطلاق هي إيفرتون وستوك سيتي كما بوردو الفرنسي الذي نجا من الهبوط بصعوبة الموسم الماضي.

اسم تريزيجيه يظهر ضمن عملاء شركة «DW sports management»

دلائل لا تبشر أن الشركة يمكن أن تساهم في نقلة كبيرة بمسيرة تريزيجيه بسهولة، وهنا ينبغي أن يطرح السؤال: هل لا يدرك محمود مستوى وكفاءة الشركة التي تدير أموره؟ بصراحة يصعب الإجابة بنعم، لأن تريزيجيه لم يعد ناشئًا، بل إنه سيكمل عامه الخامس والعشرين بعد 3 أشهر، ومن البديهي أن يكون على دراية كافية بمن هو وكيله. تدفعنا هذه الإجابة لسؤال آخر: هل محمود راضٍ عن أداء الشركة ولا يجد مشكلة في البقاء بتركيا؟

في البحث عن مدرب

منتخب مصر, كأس الأمم الإفريقية, تريزيجيه, الدوري التركي, يونس بلهندة
منتخب مصر, كأس الأمم الإفريقية, تريزيجيه, الدوري التركي, يونس بلهندة
لا أريد أن ينتابك التشاؤم بشأن مستقبل تريزيجيه، لذلك كما استعرضنا أوجه القصور في أدائه الفني وكشفنا النقاب عن كفاءة وخبرة وكيله، سنحاول في حدود معرفتنا الإشارة لأفضل ما يمكن أن يقوم به حاليًا لأجل مسيرة احترافية أفضل.أولًا وقبل أي شيء آخر، ينبغي على محمود أن يرحل عن الدوري التركي برمته قبل بداية الموسم الجديد، فقد أثبت جدارة، وقدم أفضل مواسمه على الإطلاق، ولم يعد هناك أي تحدٍ جديد ينتظره في قاسم باشا، كما أن عليه رفض أي عروض يقدمها له وكيله من أندية القمة في تركيا سواء كان جالاتاسراي أو بشكتاش، ببساطة لأنه لا يملك رفاهية إهدار المزيد من السنوات.من الضروري أن يحدد تريزيجيه أولوياته مع الوكيل، ويعرف ماذا يخطط لمسيرته خلال السنوات القادمة. إن كان فعلًا يريد خوض تجربة أكثر قوة واحترافية من تركيا، فعليه أن يخبره ذلك بشكل مباشر، ومن ثم يقرر إذا كان الوكيل سيساعده في تحقيق ذلك فيستمر معه أو يفسخ عقده ويبحث عن وكيل آخر أكثر كفاءة. ثانيًا، أولوية الوقت بالنسبة لمحمود هي البحث عن مدرب. هو لاعب موهوب ويمتلك إمكانيات جيدة، وشخص تشهد له مسيرته بالالتزام، لكنه بحاجة شديدة لمدرب له تاريخ مع تطوير اللاعبين، فيعمل على رفع كفاءة لمسته الأخيرة وتحسين فاعلية قراراته، وهذه المواصفات تنطبق على كثير من مدربي الدوري الإيطالي والفرنسي. هناك سيجد مناخًا تنافسيًا واحترافيًا أفضل، وفرصة للمشاركة بدوري الأبطال والظهور أمام أندية ومدربين من مختلف الدوريات. لو صحت التقارير التي نشرت عن اهتمام نادي ليون بالتعاقد مع تريزيجيه، فهذه فرصة أكثر من رائعة.ليس ضروريًا أن ينتقل تريزيجيه إلى ريال مدريد أو برشلونة لتنجح مسيرته، كل ما عليه فقط هو التركيز على معالجة مشاكله وتوكيل شركة لديها شبكة علاقات جيدة تمنحه فرصة العمل مع مدرب متميز، ومن ثم يبدأ محمود في مراكمة الخبرة ويثبت أحقيته في اللعب بأحد الدوريات الخمسة الكبرى.