منذ ثلاثة أعوام، كان أحد لاعبي برشلونة السابقين موجودًا في الأستديو التحليلي يحاول أن يفسر لهم بعضًا مما شاهدوه من سحر في تلك الحقبة. أخذ ينظر إلى جهاز التابلت أمامه، ثم يوقف اللعبة ويشير إلى اللاعبين واحدًا تلو الآخر، ويشرح لماذا هذا هنا وهذا هناك، ولماذا لم يتحرك أنيستا لطلب الكرة، ولماذا تمركز ميسي على الخط الجانبي، كان الوصف بسيطًا، وجذابًا، ويبدو على صاحبه أنه يدرك أدق التفاصيل.

ثم أشار لخطأ قد ارتكبه بنفسه في إحدى المباريات، عندما خالف الخطة وأحرز هدفًا، فعاقبه المدرب بإجلاسه على مقاعد البدلاء. فتعلم أن احترام خطة المدرب إجباري وليس اختياريًّا.انتشر هذا الفيديو، وأصبح مرجعًا للعديد من المتابعين لفهم أسلوب لعب برشلونة رفقة جوارديولا. ولأن تيري هنري هو من كان يقوم بالشرح، فكان الانتشار أكبر.

إذا أضفنا كاريزما اللاعب تيري هنري إلى أسلوبه الرائع في الوصف والتحليل، فستشعر للوهلة الأولى أن هنري المدرب سوف ينجح بكل تأكيد. لكن ما حدث أن اللاعب الفرنسي أضاف اسمه إلى قائمة طويلة من النجوم السابقين الذين فشلوا في عالم التدريب، وقائمة أقل طولًا من هؤلاء الذين لم يدركوا الفارق بين الملعب وبين الاستوديو التحليلي.


فشل أم الظروف؟

قرر هنري الانتقال سريعًا إلى مقاعد الصف الأول، وتولي مهمة تدريب موناكو الفرنسي بعد أن كان مساعدًا للمدرب الإسباني روبيرتو مارتينيز في منتخب بلجيكا. تلك القفزة الهائلة جعلت هنري أمام فوهة المدفع، وما زاد الطين بلة هو مستوى موناكو المتراجع. تخلى هنري عن ذكائه المعتاد كلاعب، وقرر قيادة فريق باع منذ عامين: كيليان مبابي، تيمو باكايوكو، بيرناردو سيلفا، وبنجامين ميندي. وفي العام الذي يليه باع: جواو موتينيو، فابينيو، وتوماس ليمار.

حاول من ظنناه تلميذًا لجوارديولا تجربة كل طرق اللعب. لعب بأربعة في خط الدفاع ثم ثلاثة، ثم الانتقال من 4-3-2-1 إلى 4-2-3-1 ثم 4-3-3 في محاولة لإيجاد النظام المناسب. لا يمكننا تصنيف ما حدث، هل كانت تلك محاولات للتكيف مع وضع الفريق والإصابات التي ضربته أم أنها خطوات منطقية لمدرب لم يكوِّن فلسفته بعد ومازال يبحث عن نفسه؟

في النهاية، تحول هنري إلى جاري نيفيل جديد، وذكَّرنا بالتجربة المأساوية للاعب مانشستر يونايتد السابق مع فالنسيا الإسباني. قد تكون ظروف التجربة صعبة، لكن هنالك تفسيرات أخرى يجب أن نضعها في الاعتبار.


خطيئة القيادة

تحدث تقرير نشرته «Harvard Business Publishing» التابعة لجامعة هارفارد عن الأخطاء التي تقع فيها معظم الشركات في اختيارها للمديرين. تعتمد هذه الشركات على معايير خاطئة في اختيار مرشحيها للمناصب القيادية، فتميل إلى التركيز على أداء مهام معينة، دون التحقق من باقي الخصائص السلوكية للفرد. وبالتالي يتم إهمال تلك المهارات الناعمة «Soft Skills» التي يجب توافرها في القائد – كالقدرة على الإلهام – وترقية الموظف بسبب كفاءته في أداء وظيفته فقط.

بالمثل ترتكب إدارات الأندية نفس الخطأ بتعيين اللاعبين النجوم في منصب المدير الفني بسبب موهبتهم كمؤدِّين بدلًا من إمكاناتهم كمديرين؛ آملين أن السحر سوف ينتشر بطريقة أو بأخرى، لكن هذا نادرًا ما يحدث؛ لأن الأداء الجيد في الملعب لا يعني بالضرورة القدرة على إدارة مجموعة من اللاعبين والموظفين، والتصرف في ميزانية النادي، ودراسة الخصوم، ووضع خطط يومية للتدريب وإلى آخره من المهام والضغوط.

على صعيد الشركات، قدمت المؤسسة التابعة لهارفارد أسلوبًا متطورًا لجعل التقييم أكثر شمولية،يضمن مراجعة كل المهارات والصفات. أما على صعيد كرة القدم فما زال الأمر غريبًا وعشوائيًّا بشكل كبير، فالإدارات لا تقتنع إلا عندما تشهد الفشل بنفسها!


العلم لا يُوَرَّث

الجلوس في الاستوديوهات من أجل التحليل والنقد كما فعل جاري نيفيل، تيري هنري، وأحمد حسن – على سبيل المثال – كان مجرد إطلاق أحكام على المنتج النهائي الذي نراه جميعًا في الملعب. فأداء الفريق هو نتاج مجهود الطاقم الفني والإداري واللاعبين، يتخلله بعض الأخطاء الوارد حدوثها، وكونك تستطيع الحكم على المنتج لا يعني قدرتك على إنتاج مثله، بل إنك قد تفشل في تعليم اللاعبين ما كنت تبرع في القيام به.

حاولت «سيان بيلوك» أستاذة علم النفس بجامعة شيكاغو أن تكتشف تلك الفجوة. ففي إحدى المرات طلبت من لاعب جولف أن يصف الضربة التي سددها لتوه، فأجابها بأنه لا يستطيع ذلك لأنه لا يفكر أثناء ضرب الكرة. عندما تؤدي بانسيابية، يخرج أداؤك بعيدًا عن عقلك الواعي، وبالتالي لا تملك ذكريات جيدة عنه، فيصعب عليك وصفه، وبالتالي يصعب عليك تعليمه لغيرك.

تجربة محمود الخطيب مع منتخب مصر، مارادونا مع الأرجنتين، ماجيك جونسون أسطورة لوس أنجلوس ليكرز في دورة كرة السلة الأمريكي للمحترفين، والقائمة تطول ختامًا بتييري هنري، جميعهم كانوا من عظماء اللعبة، والجميع توقع أن ينقلوا جزءًا من سحرهم إلى لاعبيهم، لكن ما حدث كان العكس تمامًا.

ترى أيضًا لاعبة هوكي الجليد الكندية «ثيريز بريسون» أن أفضل لاعبي الهوكي لا يصبحون بالضرورة مدربين جيدين. الحاصلة على الميدالية الذهبية في أولمبياد 2002 بمدينة سالت لايك سيتي الأمريكي تقول:

لذلك تفضل «ثيريز» أن تحصل للاعبيها الشباب في مراكز التدريب التي تقودها على مدرب تربية بدنية خبير بدلًا من لاعب موهوب سابق.


أهلًا بكم في أم الدنيا

اللاعبون الكبار يعرفون بالضبط ما يجب أن تفعله، لكنهم لا يجيدون التواصل لشرحه. تعليم المهارات الخاصة بالتزحلق يتعلق بقدرتك على التواصل، والذي تستطيع أن تفعله معتمدًا على خبرتك كمدرب وليس خبرتك كلاعب.

أعلم عزيزي القارئ أنك تفكر الآن في ملك ريال مدريد المتوج بثلاثية دوري الأبطال في نسخته الأوروبية، فالقواعد السابقة تم ضربها بعرض الحائط على يد زين الدين زيدان على سبيل المثال. وإذا أطلنا البحث فسنجد غيره من الأسماء، لكن تظل القاعدة العلمية القائمة على الدراسة هي الأساس، وما عداها هو الاستثناء، ولكن بما أننا في مصر فعلينا أن نضربها نحن أيضًا.

فمعظم اللاعبين السابقين في مصر اتجهوا للتدريب، لأن الأمر في مصر يستلزم فقط حصولك على الدورة الأساسية للتدريب من نقابة المهن الرياضية أو الاتحاد المصري لكرة القدم.

وإن كنت لاعبًا دوليًّا سابقًا فقد تتجاوزها وتنتقل مباشرة للحصول على رخصة التدريب C. في الدورة الأساسية، يتم دراسة أجزاء الجسم، وحركتها، ونُظم الطاقة، ومواد أخرى تتعلق بالإصابات والتغذية، ولأنك لاعب دولي فأنت تعلم كل هذا بالتأكيد. أما كل ما يتعلق بالقيادة والقدرة على التواصل، وتعليم النشء قيم الرياضة هي أمور جانبية لا يتم الالتفات إليها.

وإن كانوا في أوروبا يمنحون بعض النجوم فرصة تدريبية لا يستحقونها، فنحن هنا نمنحهم جميعًا تلك الفرص، لأننا لم ندرك بعض الفوارق بين اللعب والتدريب.