في واحدة من المشاهد الأيقونية الساخرة التي اعتادت كرة القدم المصرية على تقديمها، قرر «شوقي غريب» المدير الفني لمنتخب مصر الأوليمبي استدعاء 5 حراس مرمى في قائمته الأولية استعدادًا لأولمبياد طوكيو 2021. وللأسف لا توجد معلومات كافية لمعرفة إن كان هذا رقمًا قياسيًا أم لا، لكن «غريب» قرر الدفاع عن فعلته الغريبة بحجة قوية.

إذ فاجأ منتقديه بسؤالهم عن السبب وراء التركيز على عدد حراس المرمى، رغم أنه ضم 4 لاعبين في مركز الظهير الأيمن ومثلهم في مركز الظهير الأيسر، و5 مهاجمين، وفي النهاية سيختار اثنين في كل مركز، ثم عزا الأمر للمصالح والخلافات الشخصية كعادة أي انتقاد.

ولتكتمل سخرية المشهد قرر أحد أولياء الأمور إبداء رأيه في استدعاء ابنه عندما اعترض الإعلامي «أحمد شوبير» بخجل على استدعاء نجله «مصطفى»، لنكتفي جميعًا بالإيماءة برؤوسنا وكأننا نصدق جميع الأطراف، إيماءة ناحية شوقي ومثلها ناحية شوبير، لكن فور انتهاء لحظة الدهشة المصطنعة تلك، سنبدأ البحث معًا عما هو أكثر من الكوميديا وراء ذلك المشهد.

الذكاء الخارق

سنبدأ أولاً بالبحث وراء السبب الحقيقي لاستدعاء 5 حراس مرمى، من بينهم «مصطفى شوبير»، الحارس الثالث للنادي الأهلي. حيث يمتلك المنتخب الأوليمبي 3 حراس ينشطون بصفة أساسية في الدوري المصري الممتاز؛ «محمود جاد» مع نادي إنبي، و«عمر رضوان» رفقة نادي أسوان (ناشئ سابق بالأهلي)، و«محمد صبحي» مع الاتحاد السكندري.

وبالنظر إلى ما يقدمه الثلاثي، فإن استدعاءهم يبدو كافيًا، ومن غير المنطق استدعاء «عمر صلاح» الجالس على دكة بدلاء سموحة أو «مصطفى شوبير» الذي يجلس على دكة بدلاء الأهلي في حالات الطوارئ، وانتظار أن يأتي أحدهما بالجديد في التدريبات، ليزيح أحد الثلاثي السالف ذكره. لذا قد يكون الأمر متعلقًا بشوقي غريب، وبذكائه الذي يحاول دائمًا إخفاءه.

إن كانت هنالك احتمالية لاستمرار شوقي غريب في منصبه بعد الأولمبياد، فمن الطبيعي أن يضع مقعد حسام البدري هدفًا له، وهو مدرك تمامًا أن الحسابات هنا ليست فنية فقط. وهنا يحاول «شوقي» أن يحافظ على علاقته بجميع الأطراف، ما بين أحمد شوبير، وهاني أبو ريدة أو أحد رجالاته كأحمد مجاهد (رئيس اللجنة الثلاثية المكلفة بإدارة اتحاد الكرة).

أما إذا كان مساعد حسن شحاتة السابق لا يريد الاستمرار، فإنه قد استخدم نظرية الإلهاء الشهيرة «انظر إلى العصفورة» كي يلهينا باستدعاء نجل شوبير وننسى عدم استدعائه للمحترف المصري في الملاعب الألمانية «عمر مرموش». وفقًا لتصريح سابق لـ«شوقي غريب» فإن قلة مشاركة «عمر» مع نادي فولفسبورج كانت سببًا في عدم استدعائه، وأوضح أن مجرد تواجده في ألمانيا لا يمنحه الأفضلية على حساب لاعبي الدوري المصري.

لذا، قرر مرموش الرحيل معارًا في يناير إلى نادي سانت باولي في دوري الدرجة الثانية بألمانيا، وحتى نهاية شهر مارس 2021، أحرز 5 أهداف وصنع اثنين في 13 مباراة، وسط إشادات من كل حدب وصوب، أبرزها من مدربه «تيمو شولتز».

لكن هنا في مصر سنحرص على تجاهل كل ذلك، حتى نتفاجأ بامتلاك «عمر» لجنسية أخرى (والداه يحملان الجنسية الكندية) وضياعه من بين أيدينا، لصالح مواهب الدوري المصري المتميزة.

مجرد مجاملة

بالنظر للطريقة التي تناول بها الإعلام قائمة المنتخب الأوليمبي، فإن ذكاء «شوقي غريب» قد نجح بإلهائهم، ومنحهم موضوعًا ساخنًا لإثارته عوضًا عن التناول الموضوعي للاختيارات. لكن ومع الأسف، قرر «غريب» بنفسه أن يفسد علينا ذلك الاستنتاج بتصريحه التالي.

كنت أقول للاعبين انضموا لأي نادٍ حتى لو درجة ثانية وشاركوا ومكانكم سيكون موجودًا وانظروا لعمار حمدي (لاعب الأهلي المعار للاتحاد السكندري).
شوقي غريب لبرنامج «بي أون تايم»
شوقي غريب طالبني بالخروج معارًا حتى أشارك وتكون لي فرصة في الانضمام.
محمد صبحي (المعار من الزمالك للاتحاد السكندري) عبر أون تايم سبورتس 2

بالضبط، نفس إيماءة الرأس التي قمنا بها في المقدمة، لأنه وعلى ما يبدو أن «شوقي غريب» طلب من جميع اللاعبين الطلب نفسه باستثناء «مصطفى شوبير». وهنا، لا يجب علينا لومه بقدر ما علينا شكره، لأنه ساهم مرة أخرى بلفت نظرنا إلى ملف «أبناء العاملين».

ذلك المصطلح الذي نراه في معظم الوظائف، وتعمل به بعض المؤسسات علانية، إلا أن جمهور كرة القدم قد ظن خطأً أن الرياضة التي تعتمد على الموهبة قد تساهم في منع ذلك، وأن أبناء العاملين الذي سيصلون لأعلى مستوى سيكونون على شاكلة حازم إمام.

مشهد هزلي

لكن مع رؤية «شريف إكرامي» من قبل، ومجاملة «شوقي غريب» الآن لـ«مصطفى شوبير»، فإن ذلك أصبح بمثابة التنبيه للعاملين للقيام بمزيد من الضغط من أجل أبنائهم، مستغلين العطب الواضح في نظام الناشئين بكرة القدم المصرية.

لكن لكي نرى أحد المشاهد المعبرة عن ذلك الضغط، كان علينا انتظار خلاف داخلي يجبر أحد الأطراف على البوح بالتفاصيل في أثناء صدمته من خروج ابنه -ولو مؤقتًا- من جنة أبناء العاملين، ونحن نقصد هنا الخلاف الذي حدث بين خالد بيبو (مدير قطاع الناشئين بالأهلي)، والثنائي «محمد عمارة» و«هشام حنفي»، عقب رحيل نجليهما عن القلعة الحمراء.

المعلومة الأولى التي خرجنا بها من ذلك الخلاف، هي أن اسم خالد بيبو هو «خالد علي الأمين»، وكان الفضل لهشام حنفي في معرفة ذلك بعد إصراره على رفض إطلاق اسم بيبو على أحد غير محمود الخطيب.

أما المعلومة الثانية فهي القائمة الطويلة لأبناء العاملين الآتين: علي ماهر (3 أبناء)، محمد يوسف، طارق سليمان، سيد معوض، عماد النحاس، شوبير، محمد عمارة، ياسر ريان، سامي قمصان، سيد عبد الحفيظ، خالد بيبو.

ولم يكتفِ «هشام حنفي» بذلك، بل إنه دعم تلك القائمة بقصة عن نجل عماد النحاس، الذي يلعب ضمن مواليد 2006، والذي كان على وشك الرحيل عن الأهلي بموجب تقرير فني، إلا أن النحاس تدخل وتواصل مع حنفي وأخبره أن نجله لاعب جيد ويستحق فرصة أخرى، ليصبر عليه النادي شهرين آخرين، تطور خلالهما فنيًا وبدنيًا (أصبح في نفس طول والده وفقًا للقصة)، وتم توظيفه في مركز آخر، ليصبح لاعبًا أساسيًا.

حق غير مشروع

عبر قصة نجل عماد النحاس، أفصح «حنفي» عما يريد قوله من البداية وهو: «إن كان مستوى هؤلاء اللاعبين 50%، يجب الصبر عليهم لمدة أطول لأنهم أبناء لاعبين كبار»، ثم استدرك قائلاً: «الصبر عليهم وليس إشراكهم بالتشكيل الأساسي».

ومع هذا الإقرار بمنح أبناء العاملين ذلك الحق بناءً على تاريخ الآباء وليس موهبة الأبناء، تزداد عبثية المشهد، أو يمكن القول إنه كان هكذا دائمًا، ثم ظهرت مجاملة «شوقي غريب» لتؤكد أن الضغط والعلاقات قد تصل بأبنائهم بعيدًا، لكن يؤسفنا إخبارهم أن ما يفعلونه ليس صحيحًا لأكثر من سبب، ليس من بينها السبب الأخلاقي البديهي.

بحسب تقرير لشبكة الإذاعة البريطانية، تصل نسبة 0.5% فقط من الناشئين دون ال 9 سنوات إلى الفريق الأول في الأندية الكبيرة. ووفقًا للكاتب «مايكل كالفين» في كتابه «No Hunger In Paradise: The Players. The Journey. The Dream» ينجح 180 ناشئًا فقط من أصل 1.5 مليون في الوصول للعب بالبريميرليج بنسبة (0.012%) .

وبالقياس، سنجد أن مصر ليست أفضل حالاً وفقًا لما نراه في الدوري المصري، بالإضافة إلى السماح لحاملي الدورة الأساسية للتدريب (أقل الدورات الرياضية) بتدريب الناشئين. وبسبب تلك النسبة الضئيلة، سيزيد صراع أبناء العاملين خلف الكواليس، ومعه سيزيد إهدار المواهب لأن الصبر مكفول لفئة دون غيرها.

أما السبب الآخر، فهو تحميل هؤلاء اللاعبين الصغار ما لا طاقة لهم به بسبب الدعم الأهوج من آبائهم. فالدعم المطلوب لا يجب أن يخرج عن إطار محدد، حتى يُمنح اللاعب الوقت الكافي للتطور بعيدًا عن الضغط النفسي، ولا تلتصق تهمة الواسطة به طيلة مشواره.

في الأخير، نحن لا نطلب من أحدهم تقليد نجل الراحل «يوهان كرويف»، الذي كان يفضل كتابة اسم «جوردي» بدلاً من «كرويف» هربًا من إرث أبيه، لكن ما نطلبه من الآباء هو تقديم الدعم الحقيقي مما تعلموه داخل ملعب كرة القدم، لا أن يتحول الأمر إلى صراع في العلاقات، لأن ذلك الصراع قد يطيح بنجلك إن كان موهوبًا حقًا.