تنويه: ربما يفتقر هذا المقال للموضوعية قليلاً، سوف تجد فتاة تتقافز بالداخل فرحاً، حاول أن تتحملها قليلاً وأنت تقرأ المقال، ربما تقتنع بوجهة نظرها رغم كل شيء.

أمس، أطلقت الشبكة الترفيهية الأشهر على الإطلاق – بين منصات الإنترنت – «نتفلكس» الإعلان الترويجي الأول لمسلسل ما وراء الطبيعة، والذي من المقرر عرضه في الخامس من نوفمبر القادم، والمأخوذ عن سلسلة روايات تحمل نفس الاسم للكاتب الراحل الدكتور أحمد خالد توفيق، انغمست وسائل التواصل الاجتماعي تماماً في الاحتفاء بالبرومو، جمهور أحمد خالد توفيق لا يمكنك أن تصفه بالقليل، جمهور كبير ومتحمس ويحب أبيه الراحل بصدق حقيقي، ولذلك فقد غرقت حوائط الفيس بوك بالأماني وبالبوسترات التشويقية التي يتصدرها أحمد أمين الذي سوف يلعب الشخصية الرئيسية في المسلسل، الكثير من المشاعر المختلطة والدموع، وانتظار يبدو طويلاً حتى يأتي اليوم المنتظر.

وسط كل هذا الاحتفاء تجد أصواتاً تتنحنح وتعدل نظارتها وتقول لك بهدوء أن المسلسل لن يكون على مستوى التوقعات، وتنصح هذا الجمهور المتحمس أن يتعقل، ويبدأ هذا الصوت في سرد أسبابه وهو يبتسم بانتصار. ولذلك أكتب هذا المقال اليوم، لأوضح لهذه الأصوات، لماذا ننتظر – نحن أبناء أحمد خالد توفيق – المسلسل بلهفة شديدة، وكأن الخامس من نوفمبر بعيداً جداً.

أسطورة الغرباء

كان أحمد خالد توفيق مولعاً بالسينما، كانت شغفه وحلمه وملاذه، أنا لا أستنتج أي شيء، كان هذا هو كلامه، دوماً ما تحدث في لقاءاته مع جمهوره في ندواته أو حفلات توقيعه عن السينما، هذا الحلم البراق الذي أنقذه صغيراً من براثن الواقع، وفتح مداركه شاباً في مجتمع مغلق إلى حد ما، وحلم به كاتباً يتمنى لو جاء اليوم الموعود الذي يجد فيه أعماله على الشاشة.

سلسلة ما وراء الطبيعة بالتحديد كانت مشروعاً مؤجلاً لعدد لا نهائي من السنوات، صرح الدكتور أحمد خالد توفيق بذلك أكثر من مرة، بأن السلسلة مشروع سينمائي ودرامي لم يكتمل أبداً، للدرجة التي جعلته كثيراً يتناقش مع جمهوره أي من الممثلين يصلح لتجسيد رفعت إسماعيل على الشاشة، كان يتمنى أن يراه وكان مؤمناً بأنه يستحق، ولكن الفرصة لم تواتيه أبداً.

كان أحياناً يعزو ذلك لكونه عاش طوال عمره في طنطا ولم يختلط أبداً بالمجتمع اللامع المنمق للأدباء والكتاب والسينمائيين في القاهرة، لم يتحمل أن يكون جزءاً من كل هذا الصخب، ولذلك كان يقول دوماً أن السينما والدراما تحتاج أكثر من أن يكون لديه محتوى جيد يستحق التجسيد على الشاشة، وهو لن يمتلك أبداً سوى هذا المحتوى الجيد، أما الباقي فليس من تخصصه، والوقت لم يحن بعد لتحدث المعجزة التي تجعل هذا الغريب الخجول القاطن بالأقاليم الذي لا يسعى للفرصة ولا يجتهد سوى في إنتاج محتوى يحترم قارئه أن يكون جزءاً من عالم السينما والدراما، رغم أنه يرغب بذلك بشدة.

أسطورة طفل آخر

في عام 2008 جلست في ظلام السينما أشاهد فيلم «زي النهاردة»، كنت فتاة ساذجة لا تعرف عن السينما سوى أنها أفلام، ولا تعرف عن المخرج سوى أنه الشخص الذي يصرخ «أكشن»، في الربع الأخير من الفيلم وجدت صديقة البطلة تطلب منها أن تقابل شخصاً يفهم في الخوارقيات، يقول البعض عنه نصاباً ويقول آخرون أنه يفهم في هذا الأمور، أتذكر أنني ابتسمت، ثم أخبرتها صديقتها أن هذا الشخص اسمه «رفعت إسماعيل» فتدلى فكي ببلاهة شديدة، وسألت صديقتي «هي البت دي قالت رفعت إسماعيل فعلاً؟».

يومها عرفت أن المخرج اسمه عمرو سلامة، وأحببته فوراً دون قيد أو شرط، واقتنعت أنه يوسف شاهين القادم، وأنه سوف يغير تاريخ السينما، وربما يحصل على الأوسكار يوماً ما، كل هذا لمجرد أنه زج باسم صديقي وبطلي المفضل الذي لم أظن أن أحداً يعرفه غيري في فيلمه الذي طالما يعرض في السينمات فهو فيلم رائع.

كبرت وتفتح عقلي شيئاً فشيئاً، عرفت عن السينما أنها أكثر من مجرد أفلام مسلية، وأن المخرج يقوم بما هو أهم من الصراخ بكلمة أكشن، بالتدريج وبمساعدة الإنترنت عرفت أن عمرو سلامة طفل آخر من أطفال أحمد خالد توفيق المخلصين، أنه يعرف من هو رفعت إسماعيل وأنه هو الآخر يدين بالفضل للرجل الذي علمني كل شيء تقريباً، وأنه رغم أنه كبر وأصبح مخرجاً معروفاً وأحد علامات جيله، إلا أنه ما زال متعلقاً بالسلسلة التي شاركت في تشكيل وعيه، كما شاركت في تشكيل وعيي ووعي جيل كامل، قرأت تصريحات كثيرة لعمرو سلامة يتحدث فيها عن مشروع ما وراء الطبيعة، وتحدث دكتور أحمد خالد توفيق عن ذلك أكثر من مرة، وعن المشروع المرتقب مع عمرو سلامة، ثم «كت» صرخ المخرج فجأة، ورحل الدكتور أحمد خالد توفيق.

أسطورة تختلف

فجأة يعلن عمرو سلامة عن مشروعه مع نتفلكس، وفجأة نعرف أن البطل لن يكون سوى أحمد أمين الذي بزغ نجمه مؤخراً والذي شعرنا جميعاً تقريباً أننا نحبه ونقدر ما يقدمه رغم أنه لم يكن جان، ولم يسبح مع التيار، ولكنه فرض نفسه رغم أنه مختلف تماماً عن كل ما يقدم على الساحة، فجأة تبدو الأمور كلها في نصابها الصحيح أخيراً!

لكل هذا وأكثر نحن ننتظر مسلسل ما وراء الطبيعة، لأن هذا هو حلم الرجل الذي أخذ بأيدينا ودفعنا نحو العالم برفق، الرجل الذي علمنا نصف ما نعرفه وأشار لنا نحو الطريق الذي يجب أن نقطعه لنعرف النصف الآخر، الرجل الذي لم يكذب علينا أبداً وكان أميناً معنا للنهاية، رغم وعورة الطريق الذي مررنا به في السنوات الأخيرة، الرجل الوحيد الذي لم يخنا.

الحديث عن ضرورة التعقل والنظر بموضوعية للمسلسل من قبل أن يعرض حتى، ضرب من الجنون لجيل ينتصر أخيراً، نعم نحن ننتظر المسلسل لأنه انتصار لنا، إثبات عملي أنه يمكن لك أن تكون صادقاً وأميناً ولست نجمًا ولا تملك سوى موهبتك وقلبك ومع ذلك تتحقق أحلامك، صحيح أن الرجل رحل، ولكن الحلم تحقق رغم كل شيء، لم يتحقق فقط، بل تحقق بأفضل الطرق الممكنة، السلسلة تحولت لعمل سوف يعرض على أكبر منصة ترفيهية على الإنترنت وسوف يكون متاحاً أمام العالم كله، كيف – حاول أن تقنعني – يمكننا ألا نتقافز فرحاً؟

نحن ننتظر مسلسل ما وراء الطبيعة لأننا عشنا عمراً كاملاً وحدنا تماماً، هذا الجيل الذي رباه أحمد خالد توفيق يعرف أنه مختلف، وأنه من الصعب أن يفهمه الآخرون، نحن نمسك بأيدي بعضنا البعض في العاصفة، وحيدون نتحدث بلغة لا يفهمها غيرنا، نلقي دعابات معقدة، ونحب رجلاً عجوزاً مصاب بضيق الشرايين التاجية، نعم كبرنا ووجدنا طريقنا في الحياة، وفي الغالب نجح معظمنا في أن يكون مميزاً فيما يفعله، ولكن ما زال هناك شعور المراهق التعس الذي لم يفهمه أحد في الماضي، هذا المراهق التعس فجأة يصبح نجماً على شبكة نتفلكس، أي سعادة!

أرجوكم دعونا نفرح بهذا الانتصار، كفوا قليلاً عن لعب دور غراب البين، المسلسل لن يكون قطعة من الكمال، وليس مطلوباً منه أن يكون، ولكننا نأمل أن يكون مسلسلاً جيداً، نعرف أن عمرو سلامة وأحمد أمين لن يخذلا أباهما الراحل، سوف نحتفل حتى يحدث ذلك، فقط دعونا نفعل.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.