سارعت وزارة الدفاع التايوانية، الخميس، لتحذير الولايات المتحدة، من أن تسع طائرات عسكرية صينية، دخلت منطقة الدفاع الجوي للبلاد، في نفس اليوم الذي غزت فيه روسيا أوكرانيا، وهي أزمة تراقبها في تايبيه عن كثب، باعتبار أن ضعف رد الفعل الغربي عليها قد يشجع الصين على تكرارها في الجزيرة التي تقول الصين إنها جزء من أراضيها.

ليست المرة الأولى: لكن أوكرانيا مخيفة

قالت الوزارة إن المهمة الأخيرة شملت ثماني مقاتلات صينية من طراز J-16 وطائرة استطلاع Y-8، حلقت فوق منطقة تقع شمال شرق جزر براتاس التي تسيطر عليها تايوان في الطرف العلوي لبحر الصين الجنوبي.

وقالت الوزارة إنه تم إرسال مقاتلات تايوانية لتحذير الطائرات الصينية وتم نشر صواريخ دفاع جوي «لمراقبة الأنشطة»، وذلك باستخدام الصياغة القياسية للطريقة التي تصف بها تايوان ردها.

الجزيرة شكت مرارًا من أن القوات الجوية الصينية أجرت طلعات منتظمة مماثلة على مدار العامين الماضيين، رغم أن هذه الطائرات لا تقترب أبدًا من تايوان نفسها.

وفي هذه المرة، كان عدد الطائرات المشاركة أقل كثيرًا من التوغل واسع النطاق الذي شاركت فيه 39 طائرة صينية في 23 يناير الماضي.

لكن تايوان كانت أكثر خوفًا هذه المرة؛ بينما تراقب الأزمة الأوكرانية بحذر، متوقعة أن الصين قد تحاول استغلال انشغال الغرب بالأزمة مع روسيا للتحرك في محاولة لاجتياح الجزيرة. لذلك، رفعت الحكومة التايوانية مستوى التأهب، رغم أن تايبيه لم تبلغ عن أي تحركات غير عادية من قبل القوات الصينية.

سنقاوم للنهاية

عاشت تايوان تحت تهديد العمل العسكري من قبل الصين منذ أن هرب الحزب الوطني الصيني «الكومينتانغ» الذي كان يحكم الجزيرة سابقًا، بعد الهزيمة في الحرب الأهلية الصينية في عام 1949. وفي حين ظل الصراع إلى حد كبير في حالة من الجمود منذ ذلك الحين -مع استمرار بكين في المطالبة بتايوان كمقاطعة- تعني حملة التحديث العسكري العدوانية من قبل الصين أنها قد تكون قادرة على مهاجمة تايوان في وقت مبكر من عام 2027، وفقًا لوزارة الدفاع الأمريكية.

لكن تايوان ترى أن الصين قد تحاول اجتياح الجزيرة في أي لحظة إذا احتاجت إلى توحيد مواطنيها ضد عدو مشترك في مواجهة مشكلاتها الداخلية، مستشهدًا بما يعتبره «النظرية الكلاسيكية حول الدول الاستبدادية» التي تحب تحويل الانتباه المحلي عن طريق بدء الصراع الخارجي، محذرًا من أنه إذا حدث شيء ما في الصين، مثل التباطؤ الاقتصادي، أو البطالة، أو الكوارث الكبرى، أو أشياء من هذا القبيل، فقد يكون هذا هو الوقت الذي نحتاج إلى مراقبته بعناية فائقة.

ومع استمرار تايوان في مواجهة تهديد عسكري من الصين، قال وزير الخارجية جوزيف وو، هذا الأسبوع، إن الحكومة التايوانية تواصل التركيز على قدرتها «الدفاعية غير المتكافئة»، بما في ذلك عبر المساعدة الأمريكية، لجعلها هدفًا غير جذاب للصين، على الرغم من قوتها العسكرية المحدودة.

وقال وو، في ندوة عبر الإنترنت، استضافها معهد ماكين للقيادة الدولية في جامعة ولاية أريزونا، إن الإستراتيجية الحالية لتايوان هي التأكد من أن «الصين ستتفهم أنها ستدفع ثمنًا باهظًا إذا بدأت الصراع ضد تايوان».

وفي حديثه مع وزير الدفاع الأمريكي السابق مارك إسبر، دعا وو إلى استمرار دعم الولايات المتحدة لتايوان من خلال مبيعات الأسلحة، والتبادلات العسكرية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتدريبات حرية الملاحة في مضيق تايوان.

وقال وو: «نريد أن يتمكن الناس هنا في تايوان من الدفاع عن أنفسهم إذا كانت الصين ستشن حربًا ضد بلادنا».

وعود أمريكية

في نظرة عامة على إستراتيجية المحيطين الهندي والهادئ من 12 صفحة صدرت في وقت سابق من هذا الشهر، تعهدت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بتخصيص المزيد من الموارد الدبلوماسية والأمنية للمنطقة.

وقالت إنه فيما يتعلق بنقطة الاشتعال المحتملة للغاية لتايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي، والتي تدعي بكين أنها تابعة لها، ستعمل واشنطن مع شركاء داخل المنطقة وخارجها للحفاظ على السلام والاستقرار في المضيق الذي يفصل الجزيرة عن الصين.

لكن الصين لم تتخلى أبدًا عن استخدام القوة في محاولة لإعادة تايوان تحت سيطرتها، وتدين بشكل روتيني مبيعات الأسلحة الأمريكية أو غيرها من عروض الدعم من واشنطن.

متحدثًا في بكين في وقت سابق يوم الخميس عندما سئل عن الإستراتيجية الأمريكية الجديدة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية تان كيفي أن تايوان «قضية جوهرية» للصين ولن تتسامح مع أي تدخل أجنبي.

وقال تان «نحث الجانب الأمريكي على الاعتراف بالحساسية العالية لقضية تايوان، ووقف التدخل في الشئون الداخلية للصين، والتوقف عن اللعب بالنار بشأن قضية تايوان».

تشابهات تايوان وأوكرانيا

قبل يوم واحد فقط من بدء القوات الروسية ضربة الصباح الباكر على أوكرانيا، بدا أن حلفاءهم في بكين ينأون بأنفسهم عنها. أحجم المسؤولون الصينيون عن دعم العدوان الروسي، لكنهم رفضوا ربطه بما يجري في تايوان، معتبرين أن  «الوضع الجيوسياسي المشحون للصين» منفصل عما يجري على حدود روسيا.

المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ، قالت للصحفيين في بكين يوم الأربعاء إن «تايوان ليست أوكرانيا». أضافت: «لطالما كانت تايوان جزءًا لا يتجزأ من الصين. هذه حقيقة قانونية وتاريخية لا جدال فيها».

وبينما أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق من هذا الشهر أن روسيا تدعم «مبدأ الصين الواحدة» لبكين ووقفت معارضة لتايوان مستقلة، إلا أنه حاول تجاوز الإجابة عن أسئلة بشأن احتمالات الصراع – حتى عندما كانت بلاده تستعد لشن هجوم على أوكرانيا.

وقال بوتين للصحفيين في موسكو في أكتوبر: «أعتقد أن الصين ليست بحاجة إلى استخدام القوة»، مقللاً من خطر الغزو العسكري الصيني لتايوان واقترح أن المصالح المشتركة ستلحم الجزيرة والبر الرئيسي للصين معًا.

مع ذلك، هناك مفهوم واحد يوحد روسيا بشأن أوكرانيا والصين في تايوان: فكرة أن التاريخ والجغرافيا هما المعيار الأهم في تقرير المصير، فبينما يشكك بوتين في قيام الدولة الأوكرانية منذ عام 2008 على الأقل، عندما أخبر الرئيس جورج دبليو بوش أنها ليست دولة حقيقية، يتخذ المسؤولون الصينيون موقفًا مشابهًا مع تايوان، ويصفونها ببساطة بأنها «مقاطعة متمردة» ويعتبرون أن «إعادة توحيدها» مع البر الرئيسي أمر لا مفر منه.

نظام عالمي جديد؟

إستراتيجية الولايات المتحدة كانت تستهدف التصدي لما تعتبره محاولة الصين لإنشاء مجال نفوذ إقليمي؛ إذ قالت إدارة بايدن إنها ستركز على كل ركن من أركان المنطقة من جنوب آسيا إلى جزر المحيط الهادئ لتعزيز موقفها والتزامها على المدى الطويل، «في مواجهة جمهورية الصين الشعبية، التي تجمع بين قوتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية في سعيها إلى مد مجال نفوذها في المحيطين الهندي والهادئ، وترسيخ نظام عالمي جديد تكون فيها بكين القوة الأكثر نفوذًا في العالم».

صدور تلك الوثيقة كان في خضم الحرب الدبلوماسية مع موسكو، قبل أن يقرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدء حرب في أوكرانيا. لكنه أتى بعد أسبوع من إعلان الصين وروسيا الأسبوع الماضي عن «شراكة إستراتيجية بلا حدود»، وهو ما اعتبره مراقبون التعهد الأكثر تفصيلًا وحزمًا للعمل معًا -وضد الولايات المتحدة- لبناء نظام دولي جديد قائم على تفسيراتهما الخاصة لحقوق الإنسان والديمقراطية.