تعداد سكان إيران يصل 80 مليونًا. الدولة يحكمها التشريع الشيعي كل جانب من جوانب الحياة تقريبًا، ويديرها نائب الولي الفقيه علي خامنئي. وهنا تكمن مشكلة السنة في إيران. إذ يشكلون أكبر أقلية دينية في البلاد، حيث يصل عددهم إلى 15 مليونًا وفق أدنى التقديرات، بينما ترفعهم تقديرات أخرى إلى ربع السكان. محرومون سياسيًا واقتصاديًا، ويتعرضون للاضطهاد حتى مقارنة بالأقليات الأخرى.

ومع تصاعد التوترات بين الخصمين الإقليميين، السعودية وإيران، في لبنان وسوريا والعراق واليمن، يدفع سنة إيران الثمن، بين السعودية التي تقدم نفسها كحامية للإسلام السني في العالم، وإيران التي نصبت نفسها بنفسها ممثلًا شرعيًا ووحيدًا للإسلام الشيعي، بدرجة تدفعهم لإنكار انتمائهم المذهبي، كي لا يدفعوا الثمن.

أكبر أقلية بلا حقوق

يتركز سنة إيران في المناطق الحدودية من بلوشستان في الجنوب الشرقي، إلى كردستان في الشمال الغربي، إلى الخليج العربي في الجنوب.

أغلبية السنة ينحدرون من العرقيات الكردية والبلوشية والتركمانية، لكن ما يقرب من مليون سني ينتمون للعرق الفارسي يعيشون في مقاطعات هرمزجان الجنوبية وفارس وفي شمال خراسان. وكإخوانهم السنة من عرقيات أخرى، يعانون نفس التمييز، المؤسس بعمق في دستور إيران وقواعدها، بداية من المادتين 107 و115 من الدستور، اللتين تحصران مناصب المرشد الأعلى وأعضاء مجلس الخبراء ورئيس الجمهورية بين الشيعة الإثني عشرية، وصولًا إلى حرمان الأقليات العرقية من استخدام لغاتهم في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام. وحتى المادة 12 التي تمنحهم حرية العبادة، يتجاهلها النظام باستمرار.

وعلى عكس المسيحيين (عددهم في إيران كلها لا يتجاوز 350 ألفًا) واليهود (عددهم في إيران بالكامل لا يتخطى 50 ألفًا) الذين سمحت لهم السلطات ببناء كنائس ومعابد تخضع لإدارة مؤسساتهم الدينية، رفضت إيران السماح لأكثر من مليون سني يسكنون العاصمة طهران ببناء مسجد على مر سنوات، رغم المطالبات المستمرة من الزعماء السنة بالحصول على تصريح بناء.

للتخفيف من الأزمة، وافقت طهران على بناء مصليات للسنة، لكنها رفضت بشكل قاطع بناء مسجد. الفارق أن المصلى بلا إمام، ولا إدارة، ولا ميزانية، ولا ملحقات للتعليم الديني. هو ببساطة مجرد مساحة للصلاة. لكن، حتى هذه المصليات تتعرض لهجمات متكررة بسبب مزاعم «الترويج لبعض الأفكار المتطرفة».

كان البديل الوحيد المتاح أمام السنة هو إنشاء مدارس خاصة. لكن الحكومة احتجت بأن هذه المدارس تنشر ما تعتبره «التبشير الوهابي السلفي»، فأنشأت مجلسًا في عام 2008 للتحكم بشكل كامل في المدارس الخاصة التابعة للسنة، التي كفلت إدارتها لممثلين عن المرشد الأعلى شخصيًا.

ساحة الجريمة والتمرد

يؤخذ خطر التطرف المتشدد بين السنة في إيران على محمل الجد. لكن الاتهامات تلاحق طهران بأن جهودها لوقف انتشار الوهابية في المناطق ذات الأغلبية السنية الحنفية تسير في الاتجاه الخطأ؛ إذ يستمر الفقر والتمييز والنظرة إلى سنة إيران باعتبارهم طابورًا خامسًا، سياسات إيران المتمحورة حول الشيعة، والبارانويا المدفوعة بالأمن، تضاعف المصاعب الاقتصادية للسنة الإيرانيين، وتغذي شعورهم بالغربة.

هذه السياسات التمييزية ستجدها في كل أنحاء المناطق ذات الأغلبية السنية. لكن الوضع يزداد سوءًا في مناطق بعينها، في إحدى قرى مقاطعة سيستان وبلوشستان، يعترف نائب الرئيس السابق، شاهيندخت مولاوردي، بأن القرية «باتت بلا رجال تقريبًا، بعدما أعدموا جميعًا بتهم تشمل تجارة المخدرات».

سيستان وبلوشستان هي إحدى أكبر مقاطعات إيران. تقع في جنوب شرقي البلاد، بتعداد سكاني يصل إلى 2.5 مليون نسمة، أغلبهم من البلوش السنة. وكأن الانقسامات العرقية والطائفية لم تكن كافية، فزاد من نصيب فقر المقاطعة أنها إحدى أكثر المناطق جفافًا في إيران، بخلاف امتناع الحكومة عن الاستثمار في تطوير المنطقة التي تعاني من معدل بطالة يتجاوز 50%، ليلجأ كثيرون إلى الجريمة واللصوصية والتهريب لكسب الدخل، فتصبح حدودها الطويلة التي يبلغ طولها 680 ميلًا مع باكستان وأفغانستان طريقًا لتهريب البضائع والمخدرات.

ومثل المناطق الحدودية الإيرانية الأخرى ذات الأغلبية المسلمة السنية، فإن سيستان وبلوشستان تحولت إلى قاعدة للجماعات المتمردة المسلحة، من بينها جند الله وجيش العدل، اللتان نفذتا على مر السنين عددًا من الهجمات ضد الجيش الإيراني والحرس الثوري والمدنيين، لترد السلطات الإيرانية بمزيد من العنف عبر إعدامات جماعية تطال مدنيين وزعماء دينيين سنة يدينون الهجمات ويحاربون اللجوء للعنف.

كما تراقب الحكومة الإيرانية عن كثب الوضع في كردستان، وهي محافظة أخرى ذات أغلبية سنية في شمال شرق البلاد. وزارة الداخلية الإيرانية نشرت تقريرًا عن أنشطة مزعومة من المتعاطفين مع داعش في المناطق الكردية. يشير التقرير إلى أنشطة الجماعات السلفية في كردستان العراق ويؤكد أن «النظر في الروابط العرقية والدينية بين كردستان العراق وإيران، تشكل هذه الأنشطة تهديدًا محتملاً للأمن الداخلي لإيران».

كما ذكر تقرير لوزارة الداخلية أنه في جميع المناطق الكردية الإيرانية، يمكن رؤية «أنشطة غير منظمة» للحركة السلفية، من مدينة أورمية إلى باوه.

التمرد المسلح

من وقت لآخر، تبلغ حكومة إيران عن رصد نشاطات مسلحة في المناطق السنية، عبر عدة تنظيمات تشمل أنصار الإسلام، والإمارة الإسلامية الكردستانية، وكتائب قائد في كردستان، وجيش الصحابة.

لكن أخطر التنظيمات تبقى جماعة جند الله، التي أعلنت مسؤوليتها عن عدة هجمات مميتة في مقاطعة سيستان بلوشستان جنوب شرقي إيران.

تأسس التنظيم عام 2002 وبدأ حملته المسلحة عام 2005. وقالت محكمة إيرانية، إنها مسؤولة عن مقتل ما لا يقل عن 154 من أفراد الأمن والمدنيين.

يعتقد أن عدد أفراد الجماعة يقل عن ألف مقاتل مسلحين بالمتفجرات والأسلحة الصغيرة. وقال عبد المالك ريجي، زعيم جند الله المقتول، في مقابلة عام 2007، إن مجموعته كانت تقاتل من أجل حقوق البلوش، وتواجه ما سماه «إبادة جماعية» في إيران، لكنه نفى أنها تروج لأي أجندة طائفية انفصالية أو متطرفة؛ إذ تعهد بمحاربة الحكومة الشيعية في إيران ما لم تتحسن الظروف الاقتصادية في المحافظة.

وزعمت إيران أن لجند الله صلات بتنظيم القاعدة.

ومن جند الله، تفرع جيش العدل، الذي نفذ عدة عمليات عسكرية ضد القوات الإيرانية منذ عام 2012، حين انشق عن الحركة الأم بعد إعدام ريجي.

يصف جيش العدل نفسه بأنه حركة «سياسية عسكرية» لـ«أهل السنة في إيران»، بهدف تحرير الشعب البلوش من هيمنة الحكومة الإيرانية. زعيم المجموعة، عبد الرحيمي ملا زاده المقيم في سيستان بلوشستان (المعروف أيضًا باسم صلاح الدين فاروجي) ينتمي لبلدة راسك الحدودية الجنوبية الشرقية في محافظة سرباز الفقيرة التي تربط سكانها المحليين علاقات ثقافية وثيقة بمنطقة بلوشستان الباكستانية.

وتصر الحركة على أنها جماعة سرية تركز على مهاجمة القواعد العسكرية وتتجنب إيذاء المدنيين عمدًا من أجل دعم حرب عادلة ضد النظام «الصفوي» في إيران.

فيما يتعلق بالتنظيم، يبدو أن جيش العدل مجموعة متماسكة بإحكام من مقاتلي البلوش السنة الذين قد يكون لديهم دعم في المناطق الريفية والحضرية في المنطقة الحدودية الإيرانية والباكستانية. وتتمركز المجموعة في ثلاثة معسكرات عسكرية قرب الحدود. أما من الناحية العملياتية، فتنخرط المجموعة في أنشطة مثل استخدام المتفجرات ضد حرس الحدود الإيراني وعمليات أخذ الرهائن وهجمات الاغتيال ضد كبار المسؤولين الحكوميين في المحافظة.

الأجانب المتورطون

عادة ما تلقي إيران اللوم في الاضطرابات في المحافظة على قوى أجنبية، لا سيما الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية وباكستان.

وتزعم إيران بشكل روتيني أن السعودية تقود صعود السلفية في البلاد. وتشتبه في أن المدارس الدينية السنية التي أقيمت في المحافظات الحدودية تنشر في الواقع التعاليم الوهابية «مناهضة للشيعة».

وقال بيان للمحكمة عقب إعدام ريجي إن جند الله «مرتبطة بأعضاء في أجهزة استخبارات أجنبية، بما في ذلك أعضاء من المخابرات الأمريكية والنظام الصهيوني تحت غطاء الناتو».

وبعد إلقاء القبض عليه، قال ريجي للتلفزيون الرسمي، إن السلطات الإيرانية احتجزته وهو في طريقه إلى لقاء مع «شخص أمريكي رفيع المستوى» في قيرغيزستان لتسهيل تسليم معدات عسكرية. لكن المسؤولين الأمريكيين وصفوا المزاعم بأنها دعاية إيرانية لا أساس لها من الصحة.