بشكل مباغت، جرى الهجوم على أهم منشأتين نفطيتين في المملكة العربية السعودية أهم مصدر للنفط في العالم، وبالطبع المتهم الأول كان الجمهورية الإسلامية الإيرانية، سواء نفذت العملية مباشرة (كما تزعم الولايات المتحدة)، أو عن طريق جماعات وسيطة كجماعة الحوثى في اليمن.

منذ دخول التحالف العربى بقيادة المملكة العربية السعودية للحرب في اليمن، ومحاربة الحوثيين، اعتاد الجميع على أخبار الهجمات الحوثية على الرياض من حين لآخر، لكن هذه المرة كان الأمر مختلفًا وخطيرًا.

بجانب أهمية المنشآت التى تعرضت لهجوم بطائرات من دون طيار، انتشرت بعض الشائعات عن أن مصدر الهجوم تلك المرة العراق وليس اليمن، بالرغم من إعلان الحوثيين مسئوليتهم عن الهجوم. وأثار مسئول مخابراتي عراقي لم يفصح عن اسمه، المزيد من الشكوك بعد تصريح لـ«ميدل ايست آي» البريطاني، يؤكد فيه أن الضربات التي تم شنها ضد المنشآت النفطية السعودية، مصدرها الأراضي العراقية، بواسطة طائرات إيرانية.

برر المسؤول العراقي الأمر على أنه ردًا على الهجمات التى استهدفت قواعد ومخازن الأسلحة التابعة للحشد الشعبي في العراق، التي زعم أنها كانت ممولة من جانب المملكة العربية السعودية.

الجدير بالذكر أن المواقع العسكرية التابعة للفصائل الموالية لإيران في الحشد الشعبي قد تعرضت لعدة هجمات خلال الشهريين الماضيين، واتهم فيها قادة الحشد إسرائيل بمساعدة الولايات المتحدة، ولم تنفِ إسرائيل التهمة صراحة.

زيارة مقتدى الصدر المفاجئة لإيران

بالعودة بالأحداث قليلًا إلى الوراء، فقبل الهجوم على أرامكو السعودية، تفاجأ العراقيون بانتشار صور تضم رجل الدين الشيعي، والسياسي البارز مقتدى الصدر تجمعه بالمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، وقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليمانى، في مجلس إحياء ذكرى مقتل الحسين بن علي، الإمام الثالث لدى المسلمين الشيعة.

أثارت الزيارة عدة تساؤلات مهمة، خاصة وأن الصدر كان قد انقلب على إيران منذ فترة طويلة، وتبنى خطابًا قوميًا شرسًا، رافضًا أي تدخل إيراني في العراق، وداعيًا إلى ضرورة انفتاح البلاد على الدول العربية.

 قبل أن يترك العراق ويغادر إلى الجمهورية الإيرانية، كان الصدر يخوض معركة جديدة ضد الحشد الشعبي، لكن تلك المرة هدد الحكومة العراقية بسحب الدعم، فالصدر يرأس أكبر كتلة في البرلمان العراقي وهي كتلة «سائرون».

الحشد يعلن عن سلاح جو تابع له

كان السبب وراء غضب مقتدى الصدر، وربما هو الهدف الأول من زيارته إلى إيران، إعلان الحشد الشعبي عن إنشاء وحدة سلاح جوي للدفاع عن قواعده العسكرية من أي هجمات إسرائيلية. اعتبر الصدر أن هذا الأمر بداية نهاية الحكومة العراقية، وإعلان صريح لفوضى سياسية وانتهاك للقوانين.

فى 4 سبتمبر/ أيلول أعلن أبومهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي عن بدء إنشاء وحدة سلاح جوي تابعة للحشد، تسبب هذا الأمر في انتقادات عديدة من قبل السياسيين وعوام العراقيين للحكومة العراقية التي لم تستطع حتى الآن السيطرة على الحشد.

بعد تلك الموجة الغاضبة اضطر رئيس الحشد الشعبي فالح الفياض إلى نفي الأمر برمته، بالرغم من تناول وسائل الإعلام العراقية خبر زيارة المهندس إلى طهران لطلب إمداد الحشد بطائرات من دون طيار.

بعد الهجوم على أرامكو، وتصريح مسئول المخابرات العراقية، لا بد وأن ثمة شكوكًا حول مصداقية إلغاء الحشد الشعبي فكرة إنشاء سلاح جوي، خاصة بعد أن توقع بعض المحللين العسكريين في إيران، أن طهران تنوي في كل الأحوال أن تمد الحشد بأنظمة دفاع جوي.

رئيس الوزراء العراقي بين فكي الرحى

سارع عادل عبد المهدي رئيس الوزراء العراقي إلى نفي أمر استخدام الأراضي العراقية لضرب المنشآت النفطية السعودية، وفي 15 سبتمبر/ أيلول أصدر بيانًا أكد فيه على التزام العراق الدستوري بمنع استخدام أراضيه للعدوان على جيرانه وأصدقائه.

ولا يخفى على أحد داخل العراق، القلق الذي ينتاب المسئولين العراقيين خاصة عادل عبدالمهدي، من عواقب تلك الهجمات وشائعات تورط العراق، حتى وإن ثبت العكس. فالحكومة العراقية لا تزال هشة، وتعاني من العديد من المشكلات الداخلية، وما زال العراق يتعافى من آثار الخراب الذي أحدث تنظيم الدولة الإسلامية، ناهيك عن تدخلات قادة الحشد الشعبي في الأمور السياسية، ومحاولتهم السيطرة على رئيس الوزراء.

الخوف من الانجرار إلى الصراع

عندما قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مايو/ آيار الماضي سحب بلاده من الصفقة النووية مع إيران، وتطورت الأمور بتشديده العقوبات الاقتصادية عليها، ازداد التوتر بين البلدين، وحدثت سلسلة من الحوادث خاصة في مياه الخليج.

شعر العراق بأن تلك الأمور نذير حرب بين طهران وواشنطن، وبدأ القلق من سقوط العراق مرة أخرى في صراع لن يعود سوى بالخراب عليها.

فبغداد من المفترض أنها حليف قوي لكلٍ من الولايات المتحدة وإيران، بداية الخوف كانت بعد فرض العقوبات الأمريكية على طهران، العراق يستورد الكهرباء والغاز من الجارة الايرانية، وطلبت الحكومة العراقية من الإدارة الأمريكية إعطاءها إعفاء لمواصلة شراء الطاقة من إيران. وبالرغم من وجود بدائل أمام العراق لاستيراد الطاقة من الكويت أو السعودية على سبيل المثال، لكن الحكومة في بغداد أصرت على مواصلة الشراء من طهران، خوفًا من الانتقام الإيراني.

وظهرت عقبة أخرى أمام بغداد، ألا وهي الحشد الشعبي، الذي يضم عددًا من الفصائل المسلحة الموالية لإيران تمامًا، وخوف الحكومة من تورط تلك الفصائل في الهجوم على الأصول والقوات الأمريكية الموجودة في العراق خاصةً بعد أن حذر ترامب أكثر من مرة من محاولة انتقام طهران وتصعيد الصراع عن طريق مهاجمة القوات الأمريكية في العراق من خلال تلك الفصائل التابعة للحشد الشعبي.

ازدادت وتيرة الخوف بعد أن صرح ترامب في لقاء تلفزيوني بأنه سيُبقي على القوات الأمريكية في العراق «لمشاهدة ومراقبة إيران»، وجاءه الرد الإيراني من قبل المرشد الأعلى بدعوته للقادة العراقيين بضرورة طرد القوات الأمريكية في أسرع وقت.

فى منتصف العام الجاري حدثت العديد من المناوشات التي تمثلت فى إطلاق صاروخي بالقرب من السفارة الأمريكية في بغداد، وبعدها حدثت الهجمات المجهولة على مواقع الحشد الشعبي، والتي نسبها قادته إلى إسرائيل والولايات المتحدة. وبالرغم من كل ذلك حاولت الحكومة في بغداد بالكاد الحفاظ على الحياد، وعدم الانزلاق إلى الصراع، وتحويل العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات بين واشنطن وطهران.

وأكد الرئيس العراقي برهم صالح أكثر من مرة، أن العراق لا يمكن أن يكون أداة لمحاربة أي طرف من الأطراف، لكن في حقيقة الأمر، تمتلك إيران قوة سياسية وعسكرية كبيرة على الأراضي العراقية. فعلى سبيل المثال منذ بداية الصراع الإيراني الأمريكي، أعلن فالح الخزعلي أحد نواب كتلة فتح في البرلمان العراقي والمحسوبة على الحشد الشعبي وتحديدًا الفصائل الموالية لإيران، أنه في حال قيام الولايات المتحدة بشن أي هجوم على الأراضي الايرانية، فإن جميع العراقيين سيتوحدون ضد الولايات المتحدة.

وليس هناك أي شك من أن الأحزاب السياسية والجماعات العسكرية التابعة للحشد الشعبي والتي تربطها صلات قوية بطهران اختارت الجانب الإيراني من البداية، خاصة بعد الهجوم الأخير على السعودية، والحديث عن تورط العراق في الأمر، لم تنفِ الفصائل المؤيدة لإيران تورطها في الهجوم، بالرغم من محاولات الحكومة المستميتة لنفي صلة العراق بأي شكل من الأشكال، وحتى نفي إيران نفسها لتورطها في الهجوم.

الجميع داخل العراق الآن في انتظار قرار ترامب بالتعامل والرد على الهجوم على السعودية، وهو ما يعني انتظار أي صراع ستتورط فيه بغداد.

تورط العراق ليس في مصلحة إيران!

ضمن أهداف زيارة مقتدى الصدر لإيران، كان محاولة إقناع القيادة الإيرانية بضرورة كبح جماح الحشد الشعبي من أجل عدم زعزعة الاستقرار في العراق، وهذا ما يجب على طهران العمل عليه أيضًا، فاستقرار العراق يحمي المصالح الإيرانية.

من الناحية الاقتصادية، تعتبر طهران العراق وسيلة للتهرب من العقوبات الأمريكية، فالحرس الثوري لديه العديد من المشاريع في بغداد، ولجأ رجال الأعمال الإيرانيون للاستثمار في العراق لتفادي العقوبات.

ومن الناحية الأمنية، وقوع العراق في أي صراع من الممكن أن يؤدي إلى عودة داعش والإرهاب مرة أخرى، وهو ما يجب أن تخشاه إيران خاصة في الوقت الحالي.