ضعف الكاريزما والصمت المعتاد لـ «ميسي» خادعان. على الرغم من أن برشلونة لن يعترف بذلك، فإن «ليونيل» يتمتع بحق النقد غير المنطوق على معظم انتقالات اللاعبين، أو تعيينات المدرب، أو قرار تكتيكي كبير في طريقة لعب الفريق الإسباني.
سيمون كوبر، صحفي رياضي بموقع « ESPN»، والمقرب لنادي برشلونة

ربما لم تكن هذه المرة الأولى التي تقرأ فيها مثل هذه التصريحات، وليست في تلك الآونة فقط، بل الحديث عن أن البرغوث الأرجنتيني هو الآمر الناهي في كتالونيا ممتد منذ ذروة تألقه حتى مع «بيب جوارديولا»، حتى إن الفيلسوف الإسباني نفسه، أقر بأن «ليونيل ميسي» هو من جعله المدرب الأفضل في العالم.

ولكن هل فكرت يومًا ماذا لو كان «ميسي» هو الآمر الناهي فعليًّا في برشلونة؟ وهل من الممكن أن يصبح مدربًا في المستقبل؟ ولو حدث ذلك هل يصبح مدربًا ناجحًا؟ حتى الآن، لا يرى « ميسي» نفسه مدربًا بالأساس، ولكن بطريقته الدبلوماسية المعهودة، أبقى الباب مفتوحًا أمام تلك الخطوة؛ بقوله بأن «زين الدين زيدان» قال ذلك سابقًا، والآن هو واحد من أفضل المدربين في العالم.

الخوف من الفشل

تلك الإجابة غير القاطعة للاعب نادي برشلونة، فسرها نجم ليفربول السابق «جيمي كاراجر»، فى إحدى حلقات برنامج « Off Script»، بعنوان «الدخول في عالم التدريب لا يستحق العناء». قال كاراجر بأن اللاعب عندما يقترب من نهاية مسيرته الاحترافية كلاعب فإن رغبته في اقتحام هذا المجال تقل على عكس فترة البدايات مع كرة القدم، والتي يصرح فيها الجميع بأنهم يريدون أن يصبحوا مدربين عقب الاعتزال.

يتفق كاراجر مع مقولة «جيرارد هولييه»، بأنك ستكون مدربًا محظوظًا للغاية إذا كان لديك 10 ثوانٍ فقط من أجل العودة للوراء قليلًا والتفكير فيما مضى؛ حيث لا يحظى المدربون بهذه اللحظات كثيرًا.

في المقابل يكون هناك مزيد من الضغوط والمتاعب طوال الوقت، ولا يستطيع المدرب التقاط أنفاسه إلا في نهاية الموسم؛ انتظارًا لتحقيق لقب ما، أو التعاقد مع نادٍ أكبر في مسيرته، والكثير منهم  لا ينجحون في تحقيق الاثنين طوال مسيرتهم، على حد وصف لاعب المنتخب الإنجليزي السابق.

وردًّا على سؤال: لماذا لم يدخل مجال التدريب حتى الآن؟ أجاب «جيمي»، بأنه لا يريد لعب دور الممثل، الذي يضطر المدربون إلى لعبه طوال الوقت، سواء عند التحدث إلى اللاعبين، أو في المؤتمرات الصحفية، أو حتى مع إدارات الأندية، ولكنه أرجع السبب الأهم في هذا إلى أنه لا يريد تكرار ذلك الشعور الذي ظل يراوده طوال مسيرته كلاعب، وهو الشعور بالخوف الدائم من الفشل.

لا فرصة للتعلم

في حديثه السابق عن مسيرته بعد الاعتزال، أشار «ميسي» إلى «زيدان» كأحد أفضل المدربين حاليًّا، لا شك أن المدرب الفرنسي الشاب، حقق أرقامًا يصعب كسرها في المستقبل القريب، ولكن السؤال هنا: كم لاعبًا بحجم «زين الدين زيدان» استطاع الحفاظ على نجاح مسيرته المميزة كلاعب وأصبح مدربًا ناجحًا؟

وفقًا لتحليل نشره موقع «The Conversation»، بعنوان: «اللعب ليس تدريبًا: لماذا يعاني العديد من عظماء الرياضة كمدربين؟» فإن اللعب في مستوى عالٍ في رياضة ما، يمنح اللاعب فرصة جيدة للتعلم من مدربيه طوال مسيرته في الجوانب الفنية والتكتيكية الخاصة باللعبة نفسها، كجزء روتيني في ممارسته، وتنشئته الاجتماعية لسنوات طويلة وليس لأي سبب آخر.

في المقابل، فإن هؤلاء اللاعبين يفتقدون الفرصة لتعلم الجوانب الأخرى لمهنة التدريب، بعيدًا عن تلك الأمور وخارج التدريبات نفسها، حيث يجد نفسه مطالبًا بقضاء ساعات طويلة من أجل تحضير وتخطيط الحصص التدريبية، والتعامل النفسي مع لاعبيه خارج الملعب، والتي لا يمكن اكتسابها خلال مسيرته كلاعب.

وبحسب التقرير فهذا ما يفسر نجاح مدرب مثل البرتغالي «جوزيه مورينيو»، والذي لم يكن لاعبًا مشهورًا؛ حيث لعب طوال مسيرته أقل من 100 مباراة في دوري الدرجة الثانية البرتغالي، وعقب اعتزاله  بدأ في دراسة علوم الرياضة، وعمل كمدرس لياقة بدنية، وتدرج من العمل في كشافة اللاعبين، ثم مدربًا لفرق الشباب، ثم مساعد مدرب، حتى وصل لما هو عليه الآن.

علاقة عكسية

نادرًا ما يتحول لاعبو الهوكي المتقاعدون الذين لعبوا بمستويات عالية إلى مدربين مثاليين لهوكي الشباب؛ إنهم يعرفون ماذا يفعلون، لكنهم يفشلون في توصيل كيف يفعلون ذلك؟ إن القدرة على توصيل هذا النوع من المعلومات تأتي من تجربة التدريب، وليس من تجربة اللعب.
تيريز بريسون، لاعبة سابقة، وحاصلة على ذهبية الأولمبياد مع منتخب كندا لهوكي الجليد.

في دراسة أجراها باحثون بعلم النفس بموقع «Psychologytoday»، طلبوا من مجموعة من لاعبي الجولف المحترفين، ومجموعة أخرى من المبتدئين، أن يقوموا ببعض الضربات المستقيمة من أجل إسقاط الكرة في مكانها المحدد، ثم طُلب من كل مجموعة شرح الضربات التي قامت بها ثم محاولة إسقاط الكرة مرة أخرى.

احتاجت مجموعة المحترفين ضعف محاولات مجموعة المبتدئين من أجل النجاح في إسقاط الكرات مرة أخرى، بالإضافة إلى أنهم لم ينجحوا في شرح ما قاموا به، بينما تحسن أداء مجموعة المبتدئين في المحاولة الثانية، بالإضافة إلى أنهم قاموا بشرح ما فعلوه بشكل سهل عندما طُلب منهم ذلك.

وهذا ما يفسر مثلًا قدرة لاعب «أياكس أمستردام» السابق، «أحمد حسام ميدو»، على تحليل المباريات بشكل يجبرك على متابعته والاستمتاع بآرائه الفنية في كبرى المحطات العربية والأجنبية، في المقابل لم تحظَ مسيرته التدريبية مع لاعبيه في الأندية التي دربها بنفس درجة الاستمتاع تلك، فالعلاقة هنا عكسية كلما أصبحت أفضل وأفضل فيما تفعله، فإن قدرتك على توصيل تلك المعلومات تقل للغاية.

مفتاح النجاح

بالعودة إلى أسئلة المقدمة مرة أخرى، فإننا لن نستطيع الجزم بما يفكر به «ليونيل ميسي»؛ لأنه لا أحد يمكنه التنبؤ بالمستقبل، ولكن ماذا لو اتخذ قراره بالاتجاه إلى التدريب؟ وقتها سيكون السؤال الأهم، كيف يحافظ «ميسي» على مسيرته الهائلة كلاعب، ويكملها بأخرى ناجحة كمدرب؟

إجابة هذا السؤال كانت في نصيحة مدرب ليفربول الحالي «يورجن كلوب» إلى واحد من أساطير الريدز، والذي بدأ مشواره التدريبي مؤخرًا وهو «ستيفن جيرارد»، حيث يجب عليه أن ينسى ما كان عليه كلاعب إذا أراد النجاح كمدرب، حيث قال له: «اذهب في هذا الطريق بدون الاسم الذي كان على قميصك كلاعب، عد إلى خط البداية، واسلك الطريق من جديد».

جرب وافعل كل هذه الأشياء بعيدًا عن الكاميرا، و قبل أن تختبر نفسك في الدوري الأوروبي أمام الآلاف والآلاف من المشجعين، ضع نفسك في أفضل وضع ممكن قبل أن تذهب إلى هناك.
«يورجن كلوب» إلى «ستيفن جيرارد».

تلك النصيحة التي أدركها لاعب برشلونة السابق، ومدرب السد القطري الحالي، «تشافي هيرنانديز»، مبكرًا عندما رفض مؤخرًا عرض إدارة نادي برشلونة؛ ليصبح على رأس الإدارة الفنية للنادي الكتالوني، فيما لم يدركها الأسطورة الأرجنتينية «دييجو مارادونا» حتى الآن. وبين ذلك وذاك، دعنا ننتظر ونرى هل ينجح ميسي في إيجاد مفتاح نجاحه كمدرب، كما وجده في بداية مسيرته كلاعب، أم لا.