تشتهر جزر المالديف بجمالها الفائق الذي جعلها في صدارة الوجهات السياحية العالمية، ومضربًا للمثل في الرفاهية والمتعة في أحضان الطبيعة الخلابة، لكن ما يبعث على القلق أن هذه الجنة الساحرة تبدو في طريقها للاندثار بسبب الفساد الذي ظهر في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، لا سيما من القوى الصناعية الكبرى.

تعد جزر المالديف إحدى أصغر دول العالم؛ حيث تبلغ مساحتها 297.8 كيلو متر مربع وتعداد سكانها يتجاوز النصف مليون نسمة بقليل، وتتوزع هذه المساحة الصغيرة على أكثر من ألف جزيرة لكن أكثرية السكان يتكدسون في العاصمة ماليه، وجميعهم مسلمون من أهل السنة ويسود بينهم مذهب الإمام الشافعي، ويتحدثون لغات محلية تمتلئ بالمفردات العربية.

متى يختفي «الفردوس»؟

بعد غرق عدد من الجزر الصغيرة بسبب ارتفاع سطح البحر نشطت الحكومة في محاولة تدارك الأمر، لا سيما وأن نحو 80% من الجزر تقع على ارتفاع أقل من متر واحد، مما يجعل معظم مساحة البلاد عرضة للغرق تحت أمواج المحيط الهندي، لأن سطح الماء يرتفع بمعدل قد يصل إلى 4 مليمترات سنوياً مما يؤشر إلى أن مسألة غرق الجزر مسألة وقت لا أكثر.

وهناك دراسات تقول، إنه في غضون ثلاثين عامًا تقريبًا قد تصبح هذه المناطق غير صالحة لحياة البشر ليس بسبب غمر الموج لأراضيها فقط، بل لأن المياه المالحة ستفسد مصادر الشرب أيضاً.

لكن هناك دراسات أخرى تحدثت عن احتمال مقاومة الطبيعة لظاهرة تآكل الشواطئ وتكيفها مع الظاهرة عبر رفع مستوى سطح الجزر كلما ارتفع الماء، لأن جزر الشعاب المرجانية، كما هو الحال في المالديف قد تتسبب الأمواج أيضاً في نقل الرواسب إليها وبالتالي رفع مستواها كما حدث على مدى مئات أو حتى آلاف السنين تطورت خلالها هذه الشعاب المرجانية وتحولت إلى جزر مأهولة.

وأشار الباحثون إلى أن سيناريو الغرق خلال العقود القليلة المقبلة ليس أمرًا حتميًا، مع إقرار الدراسة بأن ما توصلت إليه من نتائج قد لا ينطبق على جميع الأماكن فقد تختلف الظروف من بيئة لأخرى ومن وقت لآخر.

أي أن مستقبل شعب المالديف صار محل خلاف بين علماء المناخ وعليهم أن ينتظروا ليروا بأعينهم ويختبروا مدى صحة تلك الآراء.

لاجئون مناخيون ودول بلا أراض

مع زيادة معدل الاحترار العالمي بسبب التلوث فمن المتوقع أن يذوب جليد القطبين فترتفع مستويات البحار الدولية، وسوف تتحمل الدول الجزرية في جميع أنحاء العالم وطأة أزمة المناخ أكثر من غيرها وقد تتعرض للغمر وتصبح غير صالحة للسكن ويتشرد مواطنوها ويصبحون لاجئين مناخيين، أي تشردوا لأسباب بيئية.

ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ظهر سيمون كوفي، وزير خارجية جزر توفالو، أمام وسائل الإعلام العالمية وهو يقف في البحر مرتديًا بدلة كاملة والمياه تغمر معظم نصفه السفلي ليبين كيف أن أمواج المحيط أغرقت أراضي جزيرته، ووجه رسالة مصورة إلى مؤتمر المناخ المنعقد آنذاك في جلاسكو ببريطانيا حول خطر التغيرات البيئية على شعوب العالم قائلًا: «البحر موطننا مثل الأرض .. حتى لو اختفت الأرض نتوقع أن يظل البحر موطنًا لنا وأن يتم الاعتراف بذلك دوليًا».

ووقع هذا الحدث في الشهر التالي لإطلاق توفالو مبادرة تسعى للحصول على اعتراف دولي دائم بالحدود البحرية الحالية لدولتها وشيكة الغرق، وصياغة شكل العلاقات الثنائية مع الدول التي تعترف بهذا الوضع المستحدث.

وتسعى دول جزرية أخرى في استكشاف السبل القانونية والدبلوماسية للبقاء كدول ذات سيادة، حتى لو اختفت أراضيها تحت الماء خلال العقود المقبلة لأن ارتفاع مستوى سطح البحر لم يعد تهديدًا مستقبليًا بل أصبح حقيقة واقعة.

وكان منتدى جزر المحيط الهادي، الذي يضم أستراليا، أعلن في أغسطس/آب مبدأ استمرار الاعتراف بالحدود البحرية حتى لو تقلصت مساحة البلدان بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر.

ونظرًا لأن الاعتراف بدولة ذات سيادة ليس لها إقليم على اليابس لا يزال غير محسوم في القانون الدولي لأنه لم يسبق للعالم أن واجه وضعًا يتم فيه اختفاء دولة معترف بها بسبب ظاهرة بيئية، فقد أنشأت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة لجنة لدراسة تلك الظاهرة.

محاولات الإنقاذ

في ديسمبر/ كانون الأول 2021 أعلن الرئيس المالديفي إبراهيم محمد صليح، عن سياسة جديدة لإدارة النفايات في جميع أنحاء الأرخبيل ضمن خطة لجعل بلاده «رائدة عالمية» في الإدارة المستدامة للنفايات.

يأتي المشروع الذي تبلغ قيمته 304 ملايين دولار أمريكي بهدف حماية البيئة عبر الحد من النفايات الخطرة والتخلص التدريجي من المواد البلاستيكية التي لا تستخدم إلا مرة واحدة وحظر استيرادها وتصنيعها.

وزاد الاهتمام بالممارسات البيئية المستدامة للتركيز على جذب المسافرين الذين يحرصون على زيارة وجهات تطبق تلك المعايير، وبالتالي يمكن للبلاد الاستفادة من الالتزام بالممارسات البيئية بشكل مباشر، كما ركزت الحكومة على بناء حواجز الأمواج لتخفيف حدة نحر الشواطئ.

وهناك اتجاه عام بين الدول الجزرية لاتخاذ تدابير لخفض انبعاثات الكربون والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، لتقليل حدة الأزمة الكونية لكن المثير للشفقة أن كل تلك الدول مجتمعة لا تتسبب في واحد في المائة من انبعاثات الكربون العالمية، أي أن هذه المجتمعات تقريبًا لا تنتج أي انبعاثات تذكر لكنها تعاني بشدة من آثار التلوث الناتج أساسًا عن أنشطة القوى الصناعية الكبرى التي لا تتضرر كثيرًا مثل الدول الجزرية الصغيرة، وتلك هي معضلة قضايا البيئة فلا توجد غالبًا فوائد مباشرة تعود على أي طرف يلتزم بالاشتراطات البيئية بشكل منفرد.

وبالتوازي مع محاولات ماليه تأخير الكارثة، بذلت جهودًا أخرى للتعامل مع تلك السيناريوهات فهناك خطط لتنويع الاقتصاد الذي يعتمد على السياحة بشكل كبير، وهناك أيضًا تعاون مع خبرات أجنبية لاستبدال الأراضي الغارقة بجزر صناعية عائمة مربوطة بقاع المحيط تتكيف مع ارتفاع مستوى سطح البحر روعي فيها ألا تضر بالبيئة البحرية قدر الإمكان، ووضعت الحكومة خططًا لشراء أراض مرتفعة في دول أخرى لإيواء السكان، الذين يقطنون في «أكثر بلد معرض للخطر في العالم» على حد وصف أمينة شاونا، وزيرة البيئة المالديفية.