برشلونة في ورطة؛ جملة لا تحتاج لتفصيل أو تفسير بعد مباراتي كلاسيكو السوبر الإسباني إذ كشفت الخسارة ذهابًا وإيابًا الحاجة المُلِحة لتدعيم خطوط الفريق قبل بداية موسم ماراثوني سيدخله الغريم الأزلي مدريد بخطوط أكثر جاهزية،«فاليفاردي» نفسه خرج فيه بتصريح رسمي، أكد فيه ضرورة التعاقد مع لاعبين يوفرون له مزيدًا من الحلول الفنية على أرضية الملعب، خصوصًا بعد الرحيل المفاجئ للبرازيلي «نيمار»!

يدرك المدرب الإسباني بأن عامل الوقت ليس بصفه، ولا بصف إدارة برشلونة التي تواجه ضغطًا جماهيريًا قد يتسبب بالإطاحة بها، لذلك ركل «فاليفاردي» الكرة بملعب مجلس «بارتوميو» بهدف استعجاله والتخلص من دوامة التخبط التي تحيط بقراراته؛ غالبًا لم يفهم الأخير الرسالة إلا بالأسبوع الأخير من أغسطس.

فبعد أن قدم برشلونة أربعة عروض للظفر بـ«كوتينهو» قوبلت كلها بالرفض من ليفربول، وأبدى اهتمامًا حقيقيًا بضم جوهرة نيس «ميشيل سيري»، ثم صرف نظر بعد سويعات عن الصفقة، ثم خرجت أخبار تؤكد اقتراب المدافع «إنيجو مارتينيز» من الكامب نو دون أن تتحقق، فوجئ مشجعو برشلونة أن تلك الأخبار قد تخطت الحد الفاصل بين الجد والهزل، والمعقول وغير المعقول فيما يخص اهتمامات إدارة برشلونة بلاعبين لم يكونوا بسلة توقعاتهم كجمهور، خصوصًا عند وصول طائرة من الصين تحمل «باولينيو»!

أضف لذلك آلاف التويتات التي بشرت بوصول طائرات أخرى تحمل زملاء للوافد الجديد بعد ساعات، مرت مئات الساعات ولم يصل أحد؛ كان على الكتلان أن يختبروا كل تلك الأمور حتى مساء الخامس والعشرين من أغسطس.

وصل أخيرًا «عثمان ديمبيلي» لبرشلونة بصفقة قُدِرت بـ105 ملايين يورو بالإضافة لـ 40 مليونًا متغيرات حصل عليها ناديه الألماني بعد صراع طويل انتهى بتمرد اللاعب الذي بات الأغلى بتاريخ البلوجرانا.

الفرحة بالتعاقد مع لاعب الطرف لم تمنع جمهور برشلونة من التساؤل حول مدى ملاءمة أسلوب لعبه لناديهم، وكيفية توظيفه بمراكز مختلفة، والأهم هو السؤال عن حل كامل لمشاكل برشلونة الحالية.


لماذا ديمبيلي؟

قبل استعراض العوامل الفنية، ينبغي الإشارة لنمط معين استخدمه برشلونة باختيار نجومه خلال السنوات الماضية، من «روماريو» لـ«رونالدو» ثم «فيجو» فـ«رونالدينهو» لـ«ميسي» وأخيرًا «نيمار»، بحث برشلونة عن شخصية النجم صاحب المهارة الفائقة القادر على قيادة فريقه داخل إطار جماعي للبطولات ويسر أيضًا أعيُن الجماهير، التوصيف الأخير يجعلنا أمام خيارات محدودة لتعويض رحيل «نيمار»، من بين تلك الخيارات يحضر بالتأكيد «عثمان ديمبيلي» صاحب الإمكانيات الفذّة، والذي ذاع صيته قبل أن يتم عامه الـ19، بل إن مدافع اليونايتد السابق «ميكائيل سيلفستر»سبق أن صرح عن مدى التشابه بين انطلاقة الشاب الفرنسي وزميله السابق «كرستيانو رونالدو»!

العالم يعرف برشلونة بأسلوب لعب مميز نادرًا ما تحيد عنه، أسلوب لعب قائم على الاستحواذ ومحاصرة الخصم بوسط ملعبه أغلب الوقت، وهو الأمر الذي يُحتّم على لاعبي وسط ملعب وهجوم البلوجرانا التحلي بدرجة عالية من التحكم بالكرة وتنفيذ الانطلاقات الناجحة، وبنظرة سريعة على أرقام الفرنسي عبر موقع «squawka» ستفاجأ بأنه حقق 105 انطلاقة ومراوغة ناجحة خلال الموسم الفائت فقط، محتلًا بذلك المركز التاسع عالميًا ومبتعدًا بمركزين فقط عن «ميسي» نفسه!

«squawka» تمنحنا مزيدًا من الأرقام ذات الدلالة، ناهيك أنه حل ثانيًا بتقييم لاعبي دورتموند بالموسم الفائت أو خامسًا بقائمة الأكثر مشاركة رُغم صغر سنه، ليفاجئك موقع الإحصائيات الموثوق به أن الفرنسي حل ثانيًا بقائمة لاعبي البوندزليجا الأكثر صناعة للفرص عبر البينيات (Through-balls) لتكشف لنا تلك المعلومة عن ميزة مهمة افتقر إليها تشكيل برشلونة الحالي كآلية لصناعة اللعب لا يوفرها إلا «ميسي»، خاصة بعد انخفاض المردود الفني لـ«راكيتيتش وإنيستا» وخروج «جوميز، رافينيا» من المعادلة أصلًا!

وبصورة أكثر اتساعًا، فإن برشلونة تبحث عن حلول أكثر فاعلية بالاختراق تتيح ترجمة الاستحواذ لأفضلية بالنتيجة، خصوصًا بعد أن تحول هذا الاستحواذ عبر الشهور الماضية لمجرد استحواذ سلبي لا يكسره سوى لمحة فردية من الأرجنتيني أو تألق الأوروجوياني، «ديمبيلي» لاعب طرف يجيد استلام الكرة بوسط ملعب الخصم ثم التسلل بالفراغات بين الظهير والمسّاك أو التمرير السحري للمهاجم خلال نفس الفراغات.

لا يخفى على أحد حجم الشمولية التي يمتاز بها «عثمان»، واقعيًا لا نعرف أي قدم يفضل، إذ سجّل 11 هدفًا وصنع 7 آخرين بواسطة اليمنى، وأضاف 6 أهداف وصنع 10 بواسطة اليسرى، وأرسل عشرات التوزيعات العرضية المتقنة من الجانبين مانحًا زميله «أوباميانج» فرصًا ذهبية، صحيح أن «توخيل» فضّل الدفع به كجناح أيمن، إلا أن صاحب العشرين عامًا لا يجد أزمة بالانتقال للجانب الآخر، بل تشكيل خطورة على الخصم من وضعية اللعب على امتداد خط الملعب كطرف كلاسيكي أو الدخول لعمق الملعب، وبالتالي نستنتج أن يمنح الفرنسي حلولًا متنوعة بالثلث الأخير لـ«فاليفاردي».

استغل «توخيل» ومن بعده «ديشامب» ميزة أخرى بالفرنسي، وهي سرعته الرهيبة في التحوّل والارتداد السريع بين الدفاع والهجوم، «ديمبيلي» كابوس على دفاع أي خصم يفتقد الكرة بوسط الملعب، الأمر لا يتوقف على الحالة الهجومية فقط، فأرقام الشاب الدفاعية ليست سيئة محققًا 22 عرقلة ناجحة لاستعادة الكرة بنسبة تخطت 41%، فيما كلفه مدربه السابق بأدوار دفاعية مساندة للأظهرة، وهو الأمر الذي سيسعد به لا محالة «جوردي ألبا»!

على «فاليفاردي» أن يستغل جيدًا العمل الذي قام به «توخيل» مع لاعبه الجديد، خصوصًا أن أسلوب لعب الألماني لا يقع على النقيض مع فلسفة برشلونة، بل على العكس ثمة أمور مشتركة كثيرة ستساعد «ديمبيلي» بالانسجام.

“عثمان ديمبيلي” رفقة مدربه السابق “توماس توخيل”.


على عهد زيزو

كثيرًا ما استهان البعض بقدرة «زيدان» على خلق حالة من السلام النفسي مع لاعبيه الذين ينظرون له كأسطورة وقائد لا يشق له غبار، الأمر الذي استغله جيدًا لإخضاع الفريق لأفكاره وقبول كثير من المواهب الرائعة بالجلوس على الدكة لفترات، فيما تتصارع أندية أخرى للحصول على خدماتهم كأساسيين!

«زيزو» الذي برع بإعادة الثقة لـ«إيسكو» بعد فترة شديدة الصعوبة مع «بينتيز»، وأقنع «رونالدو» بالدخول كبديل، وصنع من الثنائي «كارفخال، مارسيلو» صورة نموذجية للظهير، ما كان ليصنع كل ذلك لولا تمكنه من إزالة الضغوط الملقاة على كتف لاعبيه، خاصة بعد الحالة المزرية التي استلم بها الميرنجي.

مهما كان حجم موهبة «عثمان»، فإنه لايزال بعمر العشرين وبحاجة لعمل فني واكتساب للخبرات بجانب المناخ النفسي الملائم، ظروف برشلونة الحالية تلقي ضغوطًا كبرى على أي لاعب وافد، يتضاعف الأمر بحالة الفرنسي الذي بات الأغلى بتاريخ النادي، وبالتالي يُنتظر منه تقديم مستويات تلائم المبلغ المدفوع وتعوّض رحيل “نيمار” الذي يعيش حالة تألق مع فريقه الجديد.

«فاليفاردي» سيدخل الموسم بأهداف واضحة، أبرزها إحراز تقدم فني يختلف عن حلول الموسم المنصرم كما عزل فريقه من المشتتات والضغوط، وبالنظر لـ«ديمبيلي» فقد أظهر شخصية قوية طُبِعت على أدائه وترويضه للكرة، وما كان تمرده على إدارة دورتموند – الذي يبقي سلوكًا مذمومًا- سوى دلالة على طموحه وإدراك لإمكانياته، لكنه قد يتأثر خلال الموسم بتلك الضغوط، وهنا فقط سنكتشف قدرة مدربه على التعامل مع هذه الظروف!

أرقام «ديمبيلي» الخاصة بدقة التسديد ليست على ما يرام، فقد أطلق 32 تصويبة عبر الموسم، جاء 19 فقط منها بين العرضات الثلاثة بدقة تسديد 48% محتلًا بالكاد المركز التاسع بين زملائه بدورتموند، فيما حقق الثنائي «ميسي، سواريز» نسبا جاوزت الـ 61%!

نسبة التمريرات الصحيحة هي الأخرى بحاجة لمراجعة من «فاليفاردي»، فقد حقق «ميسي» نسبة 80% و«سواريز» 75% لم تتجاوز أرقام الفرنسي 66%، وهو رقم سيمنح خصوم برشلونة فرصا لبناء الهجمات المرتدة إن لم يتحسن.

هذه الثغرات بأداء «عثمان» ينبغي التعامل معها بحرص وذكاء من مدربه الذي له باع بتطوير اللاعبين الشبان، فقط من ذلك المنظور الذي يتبناه أيضًا مدرب مدريد، سيخرج الفرنسي الآخر أفضل أداء.


على رقعة ميسي

مشكلة برشلونة الأساسية لم تكن رحيل «نيمار»، بل عزز ذلك الرحيل المشكلة التي لا تحتاج خبيرًا تكتيكيًا ليضع يده عليها، الأزمة تكمن بوسط ملعب البلوجرانا الذي يفتقد للحيوية وامتلاك الحلول حتى صار الخروج بالكرة من وسط ملعب برشلونة مرتبطًا ببعض الأحيان بنزول «ميسي ونيمار» للاستلام، وفشل بكثير من الأدوار الدفاعية حتى تحوّل الارتداد الهجومي لخصوم برشلونة لفرص خطيرة على مرمى شتيجن، ومن ثم بدأ الجميع بالبحث عن حل.

«ديمبيلي» لن يكون حلًا نهائيًا لهذه المشكلة، بل جزءًا من حل يعتمد بالأساس على التعاقد مع لاعب وربما لاعبين خلال المتبقي من أيام الميركاتو في مراكز صناعة اللعب بوسط الملعب والدفاع، المنطقي أن يتولى «باولينيو» المركز رقم 6 بوسط الملعب على يمين «بوسكيتس» فيما تكثف الإدارة اتصالاتها لضم «كوتينهو» ليشغل بذلك المركز رقم 8 بدلًا من «إنيستا» أو العودة لصفقة «سيري»، لكن بأي مركز يمكن أن يشارك الفرنسي؟

برشلونة تعاقدت مع «ديمبيلي» ليشارك كطرف بأحد التشكيلات الآتية، أولًا يمكن لديمبيلي أن يلعب كطرف أيسر محل «نيمار» بأسلوب لعب 4/3/3 على امتداد الخط مع «ألبا»، سيتولى حينها مهام تعريض الملعب وتفريغ العمق للأرجنتيني الذي سيدخر كثيرًا من الجهد ببناء اللعب لمهام الثلث الأخير، وسيتولى بأحيان أخرى مهام الطرف العكسي الذي يخترق بالعمق ويرسل البينيات لـ«سواريز».

قد يلجأ «فاليفاردي» لرسم تكتيكي كـ 4/2/3/1 وعندها سيتحول «باولينيو» أو «سيرجي روبيرتو» للاعب مساعد لـ«بوسكيتس» على دائرة الملعب، فيما سيتولى «ميسي» بجانب الفرنسي قيادة الأطراف ويلعب «إنيستا» أو «دينيس» بالعمق خلف «سواريز»، يرى محرر موقع جول «بين هيوارد» أن هذا التشكيل يضمن قوة هجومية كاسحة لفريق «فاليفاردي»، ولن يتسبب بثغرات كبرى إذا التزم لاعبو الوسط والأطراف بأدوارهم.

«ميسي» على الملعب بحاجة لثلاث مهام رئيسية من زميله الجديد، الأولى هي تخفيف الضغط الكثيف الذي يتعرض له البولجا حالما يتسلم الكرة والمساهمة بخلق الفرص، الثانية هي ترجمة الفرص لأهداف بدلًا من الاستحواذ السلبي، وأخيرًا الحفاظ على نمط الفريق الجماعي الذي لا يقوم على الاحتفاظ بالكرة لفترة طويلة أو التمرير فقط عند التعرض لضغط.

«ديمبيلي» مناسب لبرشلونة، وقادر على المشاركة بصناعة الفارق، خصوصًا إذا حافظ على هذا المردود البدني والفني، لكنه لايزال بحاجة لزملاء جدد وإلا فسيستمر دوران الفريق بحلقة مفرغة تقوم على انتظار لمحات فنية من الثلاثي الجديد فقط، فيما يعاني باقي الفريق.