الخامسة صباحًا، يرن هاتفك بنغمة المنبه المزعجة والتي كنت قد انتقيتها بنفسك كأكثر النغمات إزعاجًا لضمان استيقاظك الصباحي الثقيل. يوم ثلاثاء آخر ممل من أيام العمل التي لا تنتهي، لا شيء مميز إطلاقًا سوى أن مباراة فريقك المفضل ستقام اليوم في الثانية ظهرًا.

يتبادر لذهنك سؤال يبدو منطقيًا حينئذ، لماذا تلعب مباراة كرة قدم في الثانية ظهرًا يوم الثلاثاء، ثم تذكر نفسك أنك في العام الثامن عشر بعد الألفية الثانية، لا شيء مهمًا في كرة القدم الآن أكثر من البث. ربما يتوافق الثلاثاء الحالي مع عيد التنين الصيني الأحمر، لذا فالصين في إجازة رسمية، أو ربما أحد الرعاة في أمريكا طلب أن تكون المباراة في الثانية ظهرًا لمراعاة فروق التوقيت، تسخر من أفكارك السابقة عندما تتذكر أنك مواطن في بلاد تلعب كرة القدم منذ أكثر من ثلاث سنوات بدون جماهير من الأساس.

قبل أن تبدأ في مباشرة عملك اليومي فقط تتأكد من الموافقة على طلبك الذي أرسلته بالأمس بأن يتم تغيير موعد راحتك اليومية لكي يبدأ في الثالثة، تطمئن بوجود رسالة الموافقة في بريدك الإلكتروني. بمجرد أن تشير الساعة إلى الثانية، فأنت تعمل بنصف عين ويصبح كامل تركيزك مع مواقع التواصل الاجتماعي، الصفحة الرسمية لفريقك تقوم بإعادة تنشيطها كل خمس دقائق منتظرًا أن ترى منشورًا بالهدف الأول.

وفي الثالثة تترك مكانك وتلتصق بأكثر الأماكن جودة طبقًا لشبكة الإنترنت وتشاهد باقي المباراة على هاتفك بمساعدة موقع تواصل اجتماعي آخر، ثم يحدث ما تتمناه، يأتي الهدف أخيرًا بشكل درامي في الدقيقة التسعين، تريد أن تصرخ، تريد أن تحتضن أحدهم صارخًا: هدف، ولكن لا أحد هناك، أنت وحدك.

تعيد النظر إلى هاتفك لتكتشف أنك لست وحدك، هناك الملايين الذين يشاطرونك الموقف والشعور، وإن لم يشاطروك المكان، فتصرخ كتابةً: جوووووووووول، ليرد أحدهم عليك إعجابًا أو بصرخة مماثلة مكتوبة، تتحدث عن جمال الهدف ليرد عليك الآخر بعظمة الهداف.

ببساطة في عصر يغلب عليه الطابع التجاري في كل شيء، بما في ذلك أشياء خلقت للمتعة ككرة القدم، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ذات أهمية قصوى للملايين، ومع تطور خدماتها من المرجح ان تتزايد أهميتها، بل إنها قد تصبح أكثر أهمية من حضور المباريات في الملعب.


هل تتأثر إدارات الأندية بجماهير السوشيال ميديا؟

الحديث هنا عن شقين مرتبطين، الأول هل تتأثر الأندية بالضغط الجماهيري من الأساس، سواء إن كان من المدرجات أو من مواقع التواصل الاجتماعي، والشق الثاني هل تعد مواقع التواصل الاجتماعي أداة لقياس الرأي الجمعي أو لاستنباط الرأي العام في عالم كرة القدم.

بخصوص الشق الأول فالإجابة تختلف باختلاف الإدارات نفسها، فهناك إدارات تتعامل مع الأندية كمشروع استثماري بحت، وتحاول موازنة الأمر بين الخدمة المقدمة للجماهير في الملعب وبين الجودة الكروية المطلوبة من لاعبين ومدرب وأداء ونتائج، والتي هي من المفترض الأساس في جذب الجماهير لتشجيع نادٍ ما.

المثال الأوضح في هذه الحالة هو نادي أرسنال الإنجليزي الذي شاهد انحدارًا فجًا في أداء مدربه وجودة لاعبيه ونتائجه على الرغم من التقدم الهائل في الخدمة المقدمة في الملعب الجديد، وهو ما أثر بالطبع على شعبية النادي العريق، وأطلقت الجماهير حملات للاستغناء عن الفرنسي «أرسين فينجر»، ومطالبات أخرى بالإنفاق أكثر على التعاقدات، ولكن مازالت الإدارة تتعامل مع الأمر بشكل اقتصادي بحت.

إدارات أخرى تتخذ بعض الإجراءات تنفيذًا للضغط الجماهيري في مواقع التواصل الاجتماعي، سواء بإيقاف لاعب أو بانتداب آخر، ولعل انتداب نادي برشلونة للبرازيلي كوتينهو بمبلغ ضخم في منتصف الموسم رغم عدم وضوح مركزه طبقًا لخطة النادي الإسباني يرجعه الكثير لتهدئة الضغط الجماهيري بعد رحيل البرازيلي نيمار.

يبقى السؤال هل مواقع التواصل الاجتماعي أداة لقياس الرأي؟ نعم، بالطبع. الأمر لا يتعلق بمدى صحة هذا الرأي أو خطئه ولكن مواقع التواصل الاجتماعي قدمت منصة مهمة ودقيقة لآراء الجماهير نحو أمر ما في الأندية الرياضية.

كان الأمر قديمًا يجري كالتالي، صحفي رياضي يسأل المنوط به الإجابة على أسئلة الصحفيين من قبيل إدارة أحد الأندية ويكون الحوار كذلك:

-الجماهير تطالب الإدارة برحيل المدرب

-وهناك أيضًا من الجماهير من يطالب ببقائه

-ولكنهم هتفوا برحيله في المباراة الماضية

-وبعد انتهاء المباراة قامت الجماهير بتحية اللاعبين ومعهم المدرب، أنت لن تعرف أبدًا رأي كل الجماهير بدقة

ويبقى الأمر محيرًا للكثير، هل بالفعل يريد أحدهم بقاء المدرب؟ وهل هم كثيرون؟ وإذا كنت من داعمي قرار رحيل المدرب فأنت ربما تلتمس بعض العذر للإدارة لأن هناك من يريد بقاء الرجل.

لكن مواقع التواصل الاجتماعي تقدم نتائج رقمية للأمر، هناك 7540223 شخصًا يرجح رحيل المدرب مقابل 1220395 شخصًا يريد بقاءه. هذه أداة بالطبع تلمح خلالها أن الجماهير تريد رحيل المدرب مثلًا أو انتداب أحد اللاعبين أو رحيل أحدهم، ربما لا تقدم الجماهير الرأي الصحيح، وربما لا يكون الاستبيان ذلك دقيقًا، وربما شارك من لم يرَ هذا المدرب من قبل، وربما شاركت جماهير المنافسين، ولكنها تبقى أداة لها دلالة، وتستطيع أن تقدم للأندية آراء الملايين ممن لن يتحملهم ملعب كرة القدم.

الملايين من شتى الأنحاء ممن يشجعون هذا النادي، وهو ما يجعلنا نصل لسؤال آخر، لماذا قد تهتم الأندية العالمية بجماهير لها في أماكن مختلفة؟ ولنكن أكثر تحديدًا، لماذا تهتم الأندية العالمية بجماهير الوطن العربي؟


الأندية العالمية تتحدث العربية: لماذا؟

تهتم الأندية العالمية بمختلف جماهيرها في مختلف الأنحاء لأسباب اقتصادية مفهومة. أسباب تتعلق ببيع تذاكر المباريات بشكل يبدو سياحيًا في بعض الأحيان، وبيع قمصان اللاعبين، وافتتاح متاجر بأسماء الأندية في مختلف الأنحاء، وقد أصبحت معسكرات الأندية الأوروبية في شرق آسيا وأمريكا أمرًا معتادًا لا غرابة فيه، لكن أن تهتم الأندية الأوروبية بمشجعيها الناطقين باللغة العربية عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي هو أمر يحتاج لتوضيح، باعتبار أن منطقة الشرق الأوسط باستثناء الخليج العربي لا تعد قوة شرائية جاذبة لهذه الأندية.

منطقة الشرق الأوسط تعد سوقًا استثماريًا جديدًا وخصبًا للأندية الأوروبية.

هكذا قال «محمد رسمي» مدير القطاع الرياضي لشركة كيجامي، والتي تعد من أهم شركات التسويق الإلكتروني بالشرق الأوسط، والتي اقتحمت المجال الرياضي منذ عام 2014 وتدير الحسابات الرسمية الناطقة بالعربية لأندية أرسنال وليفربول وروما وبايرن ميونخ وأوليمبك مارسيليا وموقع جول دوت كوم النسخة العربية.

ثم أضاف رسمي: أسواق مثل الصين وأمريكا أصبحت مع الوقت أسواقًا مستنفذة نوعًا ما من الناحية التسويقية، ولذا فمن المنطقي الاتجاه لسوق الشرق الأوسط الذي يعد سوقًا جديدًا للأندية الأوروبية؛ لذا فمن المهم أن تتعرف على هذا السوق عن قرب وعنصره الأساسي، وهو الجماهير.

ثم يستطرد رسمي: ربما يعد المشجع العربي مختلفًا من حيث القوة الشرائية للتذاكر والقمصان، ولكن الأمر لا يقتصر على التذاكر والقمصان فقط. هناك نموذج يعد ناجحًا جدًا في الشرق الأوسط، وهو نموذج الرعاة الإقليميين، والذي كانت بدايته مع التوسع لأسواق غير أوروبية مثل الأسواق الآسيوية والأمريكية، وهو ما نراه مطبقًا بالفعل بين شراكة نادي ليفربول وبنك الإسكندرية، وكذلك شركة فودافون مصر. هذا النموذج تم تطبيقه من قبل بشراكة بين نادي تشيلسي وشركة اتصالات موبينيل لتقديم خدمه للمشجع العربي.

يبدو الأمر أوضح الآن من الزاوية الاقتصادية، ولكن على الجانب الفني هل يستطيع النادي أن يستفيد من تعاظم شعبيته، خاصة أن حجم جماهير الشرق الأوسط الشغوف بكرة القدم حجم هائل؟

في هذا الصدد يقول رسمي: بالطبع المشجع المنتمي لبلد آخر غير بلد النادي نفسه يخلق زخمًا كبيرًا حول هذا النادي، وهو ما قد يفيد هذا النادي فنيًا في بعض الأمور، كالتعاقدات مثلًا، فهناك بعض اللاعبين يفضلون اللعب لأندية شعبية على أندية أخرى، ويجدر الإشارة هنا أن هذا المشجع يبدو مزاجيًا بعض الشيء، لكن وجوده مهم بالطبع.

يبقى سؤال أخير عالق في ذهن الكثيرين، هل لجأت الأندية الأوروبية لإنشاء صفحات لها بالعربية لتفادي ما يحدث من الجماهير العربية في مواقع التواصل الاجتماعي، فلا أحد ينسى ما فعلته الجماهير المصرية بصفحات روما وأرسنال بعد تعاقد الناديين مع صلاح والنني على الترتيب، حيث قررت الجماهير المصرية احتلال الصفحات بالكامل.

وهو ما يجيب عنه رسمي: لم يكن هذا السبب الأساسي، ولكن فكرة تنظيم المحتوى المقدم فكرة مهمة للغاية، فالمحتوى المقدم من قبل الأندية وإن كان مضمونه ثابتًا، إلا أن طريقة تقديمه ليلائم المتلقي مختلفة تمامًا، فمع اختلاف الثقافات واللغات واهتمامات الأسواق المستهدفة كان لابد من فصل تلك الأسواق كجانب تنظيمي مهم.


جوائز التصويت وسط الاحتلال العربي

طالما تضمن الحديث فكرة كيفية تعامل الجماهير العربية مع مواقع التواصل الاجتماعي الرياضية، فيجب الإشارة إلى ما يسمى الآن بكتل التصويت العربية للاعبين.

الأندية والاتحادات الرياضية تهتم كثيرًا بمشاركة الجماهير كنوع من أنواع التواصل مع العنصر المستهدف من لعبة كرة القدم، ولذا فهناك بعض الجوائز التي يتم تحديدها بناء على تصويت الجماهير عبر الإنترنت، أفضل هدف أو أفضل لاعب مثلًا في المسابقات الأوروبية.

ولأن الجماهير العربية عامة، والمصرية خاصة، تشكل كتله تصويتية هائلة في هذا الصدد أصبح الأمر معروفًا قبل أن يبدأ، صلاح سيفوز في أي تصويت أيًا كان، حتى لو أحرز هدفًا من متابعة وأحرز رونالدو هدفًا من مقصية خيالية، حتى لو أحرز ميسي 10 أهداف مقابل صناعة واحدة للنني، المصري سيفوز بالطبع.

لا نستطيع أن ننكر على أحد حبه لنجمه، ولكن التعامل مع الأمر بشكل وطني لا كروي سيجعل الأمر أسوأ، فمع الوقت ستفقد تلك الجوائز أهميتها بالكامل ولن ينظر لها سوى الكتل التصويتية المعتادة. ببساطة مواقع التواصل الاجتماعي الآن تشكل جزءًا مهمًا للغاية في عالم كرة القدم من كل النواحي، سواء رياضية أو فنية، وهو ما يستلزم التعامل معها بشكل من العقلانية أيضًا.